تواطأ بعض مهووسي فن العيطة على تكريم الشيخة السابقة زهرة خربوعة، وخصوها بتكريم يليق بها في مسرح محمد الخامس بالرباط، بحضور رواد فن العيطة الذين أحيوا أمسية تضامنية مع فنانة انتهى بها المطاف عند قارعة التسول في مدينة الرماني. وقف الجمهور لتحية خربوعة، التي ارتبط اسمها بالشيخ العواك، وصفق طويلا لهذه الشيخة التي اعتزلت الفن منذ سنوات لتجد نفسها في مواجهة صريحة مع زمن لا يرحم، زمن بذاكرة مثقوبة وبقلب له صمامات بلاستيكية. في هذه الأمسية، وقفت زهرة، شيخة زعير، فوق الخشبة صامتة قبل أن تشكر مؤسسة الرعاية التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، الذي «دبر عليها»، والفنان الشعبي حجيب، الذي انتشلها من مستنقع النسيان، والجمهور الزعري الذي حضر الأمسية دعما وسندا لفنانة المنطقة التي حفر ضنك العيش تجاعيده على وجهها، واستعانت في رؤية من حولها وتبيُّن موضع وطء قدميها بنظارة طبية مليئة بالخدوش، وفي مشيتها ب«قوام» نال منه الزمن حتى أخفى ملامحها عمن يعرفون خربوعة ويحتفظون لها في ذاكرتهم بصورة بالأبيض والأسود على غلاف أسطوانة غنائية تعرضت للانقراض، ترسل فيها شعرها الغجري على كتفيها. تذكر رواد العيطة شيوخا وشيخات انتهى بهم المطاف في صفوف المساعدات الغذائية خلال الحملات التضامنية، وبكوا بحرقة على كثير من صناع الفرجة الذين أصبحوا فرجة مشاعة، بحيث يصدق عليهم مقطع غنائي لطالما ردده رواد العيطة دون أن يلفت نظرنا «خلي المكتوب يتصرف دابا يفرج ربي»، وفي كواليس المسرح تحدثوا بأسى عن فاطمة الزحافة التي انتهت جسدا بلا روح، أو روحا بلا جسد، والشيخة عايدة التي كرمها يوما عبد الرحمن اليوسفي، حين قالت له ثريا جبران «العيطة عليك»، والصالحة السطاتية التي تبيع الملابس المستعملة، ولكبيرة الوادزمية التي لطالما بايعها الباشاوات والقياد، والشيخة لمزرطية وغيرهن من الشيخات اللواتي يعشن اليوم وضعية اجتماعية ونفسية صعبة، بعد أن دار الزمن وأصبحت شيخات الكليبات رائدات للفن وسيدات مجتمع يستقبلن في الصالونات الشرفية للمطارات ويتحركن في مواكب رسمية محفوفات بخفر أمني عام وخاص، لذا كان عبد العزيز الستاتي صادقا حين قال إن نانسي عجرم شيخة كبقية الشيخات لكن بنمط فني آخر وبوكيل أعمال حداثي. غاب وزير الثقافة الذي لا يبعد بيته عن المسرح إلا ببضع دقائق، ولم يحضر القياد والباشاوات الذين ظلوا لسنوات الرعاة الرسميين لهذه الفئة، كما ضاعت توصيات رمت بها الجرة في غياهب النسيان، وتبين أن صندوق دعم الشيخات المتخلى عنهن مجرد «تبرويل» في غياب آذان تنصت لنداء اليونسكو الداعي إلى الحفاظ على هذا الموروث الغنائي، الذي وصفه الباحث المغربي حسن نجمي ب»الموسيقى المعرضة للخطر»، ليس خطر الانقراض فقط بل خطر الجحود، رغم أن الفن السابع أشفق أخيرا على الشيخات وكرمهن بأعمال درامية شكلت العيطة موضوعها الرئيسي، كالفيلم الوثائقي «دموع الشيخات» لعلي الصافي، والفيلم الطويل «خربوشة» لحميد الزوغي، والفيلم القصير «العيطة» لإيزا جنيني. لست من المتحمسين لمن يطلق على لاعبي المنتخب المغربي لكرة القدم لقب شيخات الأطلس، من باب التحقير، لكن الفرق بين «شيوخ الأطلس» وشيخات العيطة، هو أن شيخ العيوط يعيش على الكفاف والعفاف وتصدق الناس، بينما يتقاضى شيخ «شيوخ الأطلس» أزيد من مائتي مليون أورو شهريا، لذا علينا أن نردد مع رواد العيطة الوصلة الشهيرة «شي عطاتو شي زواتو».