استأثر خبر إلقاء القبض على «زعيم» البلطجية في مصر، صبري حلمي نخنوخ، باهتمام الصحف العالمية. كما تصدر العناوين الرئيسة للصحف المصرية، التي انقسمت بين الإعجاب بشخصيته وبين الاستنكار لاعترافاته بالتواطؤ مع النظام السابق. وقد تنافست هذه الصحف على كشف تفاصيل التجاوزات التي ارتكبها نخنوخ وعصابته، مسلطة الضوء على علاقاته مع النظام السابق. وضعت السلطات المصرية، الأسبوع الماضي، حدا لمن وصفته وسائل الإعلام المحلية ب«أمير» البلطجية في البلاد، ويدعى صبري حلمي نخنوخ (حوالي 50 سنة). ومن أجل ضمان نجاح عملية إلقاء القبض عليه شنت قوات الأمن «عملية كوماندوس» حقيقية مستخدمة العربات المدرعة و420 من رجال الشرطة لمحاصرة قصره الواقع في منطقة كينغ مريوط غرب الإسكندرية. وكانت المفاجأة كبيرة حين عثرت الشرطة على خمسة أسود في أقفاص، إضافة إلى 20 كلبا «متوحشا» وحيوانات أخرى كان يحتفظ بها في حديقة خاصة. كما عثرت على «ترسانة» من الأسلحة وكميات من المخدرات، وقامت باعتقال 16 من معاونيه، إضافة إلى نساء يشتبه في أنهن يمتهن الدعارة. الطريق إلى البلطجة ولد نخنوخ بمنطقة السبتية في القاهرة من أسرة بسيطة. غادر الدراسة في المرحلة الابتدائية ليعمل ميكانيكيا، إلى أن بلغ سن الثامنة عشرة، حيث التقى بأحد الأشخاص الذي عرض عليه العمل معه في توزيع المخدرات، لكن سرعان ما تم اعتقاله ودخل السجن حيث استطاع تكوين شبكة علاقات مع عدد من المجرمين. بعد خروجه من السجن، ركز نخنوخ نشاطه البلطجي في شارع الهرم، حيث استطاع في فترة قصيرة أن ينال ولاء بلطجية هذه المنطقة الإستراتيجية من العاصمة، فجمع مبالغ مالية كبيرة جراء فرض الإتاوات على أصحاب المحلات والنوادي الليلية وسائقي «الميكروباص»، وقام بتأجير بعض المحلات في عدة شوارع مهمة حوّلها إلى كازينوهات، استعان على تأمين حمايتها بالعديد من البلطجية، سيشكلون فيما بعد نواة شبكته الإجرامية. ذاعت شهرة نخنوخ في عالم البلطجة، حتى أصبح يلقب بالعديد من الألقاب التي تدل على الزعامة والرياسة، منها «المعلم»، «الزعيم»، «الباشا»، لكن نقطة التحول الكبيرة في حياة «إمبراطور» البلطجة كانت عندما استطاع الوصول إلى رجال ورموز نظام الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، أو بالأحرى عندما استنجد قادة الحزب الوطني المنحل، بواسطة بعض رجال الأمن، بخدماته من أجل مساعدتهم على تزوير انتخابات مجلس الشعب، وإثارة الرعب والبلبلة بين الناخبين أمام مقر اللجان الانتخابية عن طريق نشر عدد من البلطجية والكلاب المدربة للاعتداء على أنصار المرشح المنافس لمرشح الحزب الوطني. اعترافات «الريس نخنوخ» قال نخنوخ خلال التحقيقات معه إنه مواطن بدرجة رئيس جمهورية! لكنه سرعان ما سيبدد دهشة المحققين معه حين سيشرح مقصده من هذه الجملة بأنه طوال حياته لم يعمل تحت قيادة أحد، بل ظل قائداً لكل من يعمل معهم، خاصة أيام حملة الانتخابات الرئاسية عام 2005 حيث جند الآلاف من رجاله، مؤكداً أنه ليس ذنبه أنه له «هيبة». وأضاف نخنوخ أنه كان يخطط لطرق سير العملية الانتخابية في الدوائر التي كان يملك بها النفوذ والسطوة، وهي البساتين والهرم لخدمة «الريس»، قاصداً الرئيس المخلوع حسني مبارك، معتبراً أنه كان يخدم البلد ويراعي مصالح المسؤولين الكبار الذين كانوا يحركون الدولة كما يشاؤون. واعترف نخنوخ بأنه يملك مجموعة كبيرة من الأراضي والفيلات والقصور، مؤكداً أن تجارته في الأراضي هي «وش الخير والسعد عليه»، ولا يحتاج بعد ذلك لأن يتاجر في «السلاح أو المخدرات». أما بخصوص كميات الأسلحة التي ضبطت في قصره، فقال إنها تخصّ استخدامه الشخصي وتخص رجاله الذين يعملون معه، متسائلاً: «هو في رئيس جمهورية معندهوش سلاح يحميه عشان ميتغدرش بيه». وأشار نخنوخ إلى أنه يعتبر نفسه رئيس جمهورية من يعملون معه؛ مفتخرا بأن حبيب العادلي، وزير داخلية مبارك، كان يستعين به لمعرفته بقدراته، مؤكداً أن الجميع يخضع لرغباته والكل يعمل وفقاً ل«دماغي»، مشيراً إلى أن بعض رجاله كانوا ينادونه ب«ثعلب الصحراء»؛ لدهائه الشديد في رسم الخطط والعمليات الخاصة. نخنوخ والثورة قالت النيابة العامة المصرية إنها تجري تحقيقات موسعة في شأن ما تناولته وسائل الإعلام المختلفة، خلال الأيام القليلة الماضية، حول تورط نخنوخ في أعمال قتل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير وأحداث الاعتداءات المعروفة باسم «موقعة الجمل». إضافة إلى استجلاء الحقيقة فيما يشاع عن تورطه في أحداث تفجير كنيسة «القديسين» بالإسكندرية، بالاتفاق مع وزير الداخلية السابق حبيب العادلي كما أن بعض الجهات تتهمه بالضلوع في أحداث بورسعيد، التي أعقبت مباراة النادي المصري والأهلي وراح ضحيتها 73 شخصا. غير أن نخنوخ نفى ضلوعه في قتل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير، مؤكدا أن دوره اقتصر على «تأمين مديريات الأمن من هجمات المتظاهرين»، نافيا وجود أي صلة له ورجاله بأحداث «موقعة الجمل». تهديد ووعيد لم تخل اعترافات نخنوخ أثناء التحقيقات معه، أو تصريحاته لوسائل الإعلام المصرية، التي تنافست على الظفر بأولى صور اعتقاله، من تهديد ووعيد للمسؤولين والسياسيين المصريين، خصوصا التابعين لجماعة الإخوان المسلمين، حيث قال إنه رجل بألف عقل لا أحد يقدر على إيذائه، مؤكداً أنه لن يترك ثأره ممن وشى به، قاصداً الإخوان، مؤكداً أنهم لن يتمكنوا من الإيقاع به، وحتى إن وقع فإنه لن يقع بمفرده، مشيراً إلى أنه يملك أقراصا مدمجة وأوراقاً تخصّ أشخاصاً ذوي مكانات كبيرة في الدولة قبل وبعد الثورة، موجهاً إليهم التهديد التالي: «هما عارفين نفسهم كويس، ونخنوخ عمره ما هيكون كبش فدا لحد». ولفت إلى أنه لم يقل كلاماً مرسلاً، مؤكداً أن «سي دي القيادي الإخواني محمد البلتاجي أول القصيدة والأيام القادمة سوف تكشف الحقيقة وتسقط الأقنعة والمقنعين». وأكد نخنوخ أن كل الأمور تؤكد «أنه في ملعوب عليّ واتحبك صح لأني طول عمري حبيب الداخلية من أيام حبيب العادلي والكل كان بيتمنى خدمتي ورضايا»، مشيراً إلى أن له صداقات كثيرة مع شخصيات كبيرة في وزارة الداخلية وكانت تأتي للسهر معه في قصره في كنج مريوط، متسائلاً: «ما الذي تغير الآن؟».