المغرب يعزز الأمن السيبراني لمواجهة التهديدات الرقمية المتصاعدة    محامية حكيمي تصف طلبات النيابة العامة الفرنسية بغير المنطقية    بعد أشهر من الانتظار.. انطلاق أشغال الطريق المنهار بين الحسيمة وتطوان    شاطئ ميايمي ببني أنصار يلفظ جثة شاب كان يحاول العبور إلى مليلية    جلالة الملك يتوصل ببرقية تهنئة من رئيس مجلس السيادة الانتقالي بجمهورية السودان بمناسبة عيد العرش المجيد    كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024.. الملاعب الخمسة المحتضنة للمنافسة    سون هيونغ مين يعلن رسميا رحيله عن توتنهام    مجلة أجنبية تشيد بجمال وتنوع المغرب السياحي    بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات هذا الأسبوع    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الحبس النافذ لسائق سيارة تسبب في وفاة طفل ببني بوعياش    الدار البيضاء .. نجوم العيطة يلهبون حماس عشاق الفن الشعبي    لتنزيل التوجيهات الملكية.. اجتماع يجمع وزير الداخلية والولاة والعمال ومسؤولين        بوريل: قادة الاتحاد الأوروبي متواطئون مع إبادة إسرائيل للفلسطينيين    برعاية الصين.. منظمة دولية للذكاء الاصطناعي قيد الإنشاء في شنغهاي والدعوة مفتوحة للدول الراغبة في الانضمام    المغرب، الحليف العريق والشريك "الأساسي" للولايات المتحدة (أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي)    وثائق سرية تستعد للخروج إلى النور.. صحراء المغرب في قلب أرشيف إسبانيا    مجلس المنافسة ينهي هيمنة "غلوفو"    المغربي حمزة الناصيري ضمن طاقم حكام مباراة افتتاح "الشان" بين تنزانيا وبوركينا فاسو    مصرع شاب في حادثة سير مميتة ضواحي سطات        نيوزيلندا تفرض رسوما على زيارة الأجانب للمواقع السياحية الأكثر شعبية    اعتقال صانعتي محتوى لنشر مقاطع فيديو خادشة للحياء في مصر    جامعات أمريكا تواجه ضغوطات ترامب    مبابي مدافعا عن حكيمي: أشرف يحترم النساء حتى وهو "سكران"    كيوسك السبت | استثمار إسباني كبير لتحلية المياه والطاقة الريحية بالمغرب    نجم البحر يهدد الشعاب المرجانية في جزر كوك    الوداد ينهزم أمام كوجالي سبور في أولى مبارياته الودية بتركيا    المغرب، بقيادة جلالة الملك، نف ذ إصلاحات منهجية موجهة نحو المستقبل (صحيفة صينية)    سباق الذكاء الاصطناعي يدفع عمالقة التكنولوجيا إلى إنفاق 344 مليار دولار    نيابة نانتير الفرنسية تطالب بإحالة حكيمي على المحكمة الجنائية بتهمة الاغتصاب    عيد العرش: وزير الداخلية يعقد لقاء عمل مع الولاة والعمال المسؤولين بالإدارة الترابية والمصالح المركزية للوزارة    في رحيل زياد الرّحْباني (1956-2025) سيرةُ الابْن الذي كَسَّر النَّاي .. ومَشَى    بلجيكا.. اطلاق نار على مراهق في مولنبيك    دراجة نارية مسرعة تصدم شخصين بطريق طنجة البالية وإصابة أحدهما خطيرة    المنتخب المغربي يدخل "الشان" بخبرة البطولات وطموح التتويج    لقاء سياسي مرتقب بوزارة الداخلية لمناقشة المنظومة الانتخابية المقبلة        تتناول قضية الصحراء المغربية.. الكاتب الطنجاوي عبد الواحد استيتو يطلق أول رواية هجينة في العالم    رشيد الوالي: فيلم «الطابع» تكريم للعمال المغاربة في مناجم فرنسا    المهرجان المتوسطي للناظور يختتم نسخته الحادية عشرة وسط حضور جماهيري غير مسبوق    عبد العلي النكاع فنان مغربي يبدع بإلهام في فن التصوير الفوتوغرافي الضوئي    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    رئيس البنك الإفريقي للتنمية: المغرب بقيادة الملك محمد السادس يرسخ مكانته كقوة صاعدة في إفريقيا    الشيخات وجامعة ابن طفيل.. أين يكمن الخلل؟    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية البنين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    أسعار الذهب تستقر    ديواني: اعتماد الحافلات الكهربائية في المغرب يطرح تحديات متعددة    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم        ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروفايل
محمد حصاد..رجل ما قبل المعرض ورجل ما بعد المعرض
نشر في المساء يوم 30 - 11 - 2008

مرت سنة على نكبة المعرض الدولي التي خسرت فيها طنجة 400 مليار سنتيم خلال الحملة الدعائية، وإلى اليوم لم يتم الكشف عن التفاصيل، يعني أين ذهبت الأموال بالضبط. وبعد سنة من تلك النكبة لم يكشف والي المدينة عن مصير القطعة الأرضية التي كان مقررا أن يقام عليها المعرض الدولي، بعد أن تم نزعها من أصحابها الأصليين بدعوى المصلحة العامة.
محمد حصاد رجل يمكن تقسيمه إلى جزأين، حصاد ما قبل مشروع المعرض الدولي، وحصاد ما بعد نكبة المعرض. قبل المعرض كان الرجل يشتعل حماسا ويوقع الملفات ويوزع الأوامر وهو يصعد إلى مكتبه في الطابق الرابع بمقر ولاية طنجة ويتحرك بين أطراف المدينة وكأنه عمر بن عبد العزيز جديد بعثه الله إلى هذه المدينة المنكوبة منذ نصف قرن بالسياسات غير الحكيمة، حتى أنه أول وال في تاريخ المدينة، وربما المغرب عموما، يتجرد من ملابسه أمام الخلق أجمعين ويغطس في المياه الملوثة للشاطئ البلدي لكي يثبت أنها غير ملوثة.
وبعد نكبة المعرض الدولي بدا حصاد وكأنه شمعة هبت عليها ريح صرصر فأطفأت نورها ورمتها في حفرة بلا قرار. اليوم يبدو حصاد وكأنه غير موجود، ورغم أن كل الكلام الذي يقال عن أنه يرغب في مغادرة طنجة لم يثبت حتى الآن، إلا أنه غادرها بروحه وبقي فيها بجسده فقط.
جاء الرجل إلى طنجة من أجل مهمة محددة، فانتهت المهمة بنصف نجاح، أو نصف فشل، ثم انزوى بين منزله ومكتبه، وبقي من حوله يديرون المدينة كما يديرون ضيعة، وعادت حليمة إلى عادتها القديمة وكأن أيام الوصل بالمعرض الدولي لم تكن إلا حلما.. أو خلسة المختلس.
عندما جاء محمد حصاد واليا على طنجة كان يشبه جيمس بوند في سلسلة 007. قامة رشيقة وابتسامة حذرة ونظرات حادة وذكية وقدرة كبيرة على السخرية المرة الممزوجة بقدر كبير من الثقة في النفس، حتى إن الناس تساءلوا وقتها عن سر هذه الشخصية القوية التي جعلت الرجل يصدر أوامر سريعة لتنظيف المدينة من الكثير من الموبقات الإدارية والعمرانية قبل أن يصل إلى مكتبه بالولاية. يومها عرف الناس أن الرجل جاء بأوامر مباشرة من الملك الجديد، الذي كان يريد أن يحطم جدار العداوة بين الملكية والشمال، وهي عداوة رسخها والده الراحل الحسن الثاني على مدى نصف قرن من الزمن.
ابتهاج الناس بحصاد كان مرده شيئا آخر، فالرجل نحيل ولا يبدو أنه يدفع أمامه بطنا منتفخة. البطون المنتفخة كانت دائما تخيف السكان لأن عملية إعمارها تتطلب الكثير من التضحيات وتكلف المدينة ثمنا باهظا.
عندما تولى حصاد مسؤولية ولاية جهة طنجة _ تطوان قال بصريح العبارة إن الملك كلفه بأن يوصل إلى سكان المنطقة بأن عليهم أن يستعيدوا الثقة في أنفسهم وفي قدراتهم، وأن الدولة ستكون إلى جانبهم، وأن الملك أوصاه أيضا بضرورة الاستماع إلى مشاكل الناس وهمومهم.
لكن اليوم، يبدو أن السكان هم الذين يجب أن يستمعوا إلى هموم الوالي وشكاواه بعد أن بدا أنه لم يعد يستطيع حتى حماية المدينة من هذه الفوضى العقارية المتوحشة وإعدام مناطقها الخضراء وفضاءاتها المفتوحة، خصوصا وأنه سلم مفاتيح اختصاصاته لكاتبه العام الذي أمسك بخيوط اللعبة في مدينة يكثر فيها اللعب.
الذين يريدون مدح حصاد يقولون إنه رجل تعوّد على المشي جنبا إلى جنب مع النجاح. كان مديرا ناجحا لمؤسسات عمومية كثيرة من بينها الخطوط الملكية المغربية ومكتب استغلال الموانئ، ثم نال صفة وزير للأشغال العمومية أيام حكومة التقنوقراط في حكومتي الفيلالي وكريم العمراني، وفي 2001، أي بعد سنتين فقط من وصول الملك محمد السادس إلى السلطة، تم تعيينه واليا على مراكش، وهو ما دفع إلى الاعتقاد بأنه من بين الرجال الجدد للملك الجديد، ولم يكن ذلك بعيدا عن الصواب.
أمضى هذا الرجل التافراوتي حوالي أربع سنوات في مراكش، جاء بعدها إلى طنجة في وقت كانت المدينة تعيش على إيقاع أوراشها الكبرى، خصوصا ميناء طنجة المتوسطي.
لكن حصاد جاء إلى طنجة وهو يحمل مراكش في قلبه. وعوض أن يزرع فيها أشجار الصنوبر أو الأشجار المتوسطية، فإنه زرع فيها أشجار النخيل التي كانت تموت بمجرد زرعها، مع أن كل شجرة كانت تكلف بقرة وابنتها، حتى أصبح الناس في المدينة يطلقون على بعض الأغنياء الجدد اسم «أغنياء النخيل»، ثم ظهر أغنياء الرخام.. وما أكثر الأغنياء الجدد الذين ظهروا في زمن حصاد.
كان حصاد يريد مركشة طنجة فحمل إليها أيضا الأطنان من الرخام الأحمر حتى قال الناس إن حصاد حصدته رياح في غير وقتها وحملته إلى مدينة لا تناسبه ولا يناسبها، وكان من الأفضل له أن يبقى في حضن حبه الأول عوض أن يتمثل مراكش في طنجة.
لكن مراكش لم تكن كلها رومانسية لحصاد، فعندما جاء إلى طنجة كانت طائرة تحمله على عجل إلى مراكش في قضية مثيرة كان اسمها الترخيص ببناء إقامات ترتفع فوق الإقامة الملكية، وهي قضية تحمل فيها الرجل الكثير من الإهانات، وفي النهاية تم تبييض ملفه، وبقي في طنجة لا أحد يسأله لماذا ترتفع العمارات كأنها ناطحات السحاب في مناطق للفيلات فقط. طنجة يداس فيها القانون بشكل رسمي، ومراكش يحميها أهلها.
وفي كل الأحوال فإن حصاد اكتشف في طنجة اختلالات متراكمة على مدى نصف قرن، والأكثر من هذا أنه رأى كيف أن عمالا وولاة سبقوه لم يفعلوا أكثر من كونهم كانوا يكرسون الأمر الواقع، وكانوا يحلبون المدينة كما يحلب الفلاح البقرة، ثم يتحولون إلى مناصب أخرى وبطونهم أكثر انتفاخا أو على وشك الانفجار، ومن لازم الإنصاف أن الرجل حاول أن يدفع بالمدينة نحو وجهة مغايرة تماما، لكن الخطأ الكبير الذي ارتكبه هو أنه راهن أكثر مما يجب على موضوع المعرض الدولي، واعتقد أن المدينة يمكنها أن تفوز بذلك الرهان، بينما رجل في مثل تجربته كان من المفترض أن يرى الأشياء بمنظار الواقع لا التمنيات، وهو الذي يعرف أن طنجة كان يمكنها أن تفوز بأي شيء، أي بمعرض عالمي للسيارات العتيقة، أو معرض دولي للقفطان، أو بمسابقة أسرع بطة، أو بحفل عالمي لاختيار أجمل ديك رومي، لكن أن تفوز بمعرض دولي على قدر كبير من الأهمية بينما لا تعرف حتى كيف تتخلص من أوديتها الحارة وأحيائها العشوائية فذلك ما لم يكن ممكنا. صحيح أن مسؤولي المدينة ذبحوا ثورا أسود في ضريح الولي مولاي عبد السلام بن مشيش لاستدرار تعاطف لجنة المعارض الدولية، لكن ذلك لم يكن كافيا. كان يجب على الأقل ذبح ثور أسود وثلاثة ديوك حبشية وجاموس كيني.
اليوم مرت سنة بالتمام والكمال على نكبة المعرض الدولي التي خسرت فيها طنجة 400 مليار سنتيم خلال الحملة الدعائية، وإلى اليوم لم يتم الكشف عن التفاصيل، يعني أين ذهبت الأموال بالضبط.
وبعد سنة من تلك النكبة لم يكشف والي المدينة عن مصير القطعة الأرضية التي كان مقررا أن يقام عليها المعرض الدولي، بعد أن تم نزعها من أصحابها الأصليين بدعوى المصلحة العامة، بينما المنعشون العقاريون مثل نسور جائعة يحلقون فوق القطعة ومناقرهم تسيل دما ولعابا من أجلها.
حصاد، الذي تعود على الانتقال من منصب إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى، يبدو أنه تعب من طنجة، وطنجة تعبت من سكونه الطويل بعد إحباطه إثر حملة المعرض الدولي، لذلك أصبح من الضروري أن يحدث شيء ما، أن يرحل حصاد مثلا، أو يعود إلى الواجهة بقوة كما جاء إلى المدينة أول مرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.