أبناء قطاع غزة، الذين يتعرضون للقصف الصاروخي والغارات الإسرائيلية ليل نهار، يجب أن يغلقوا الأبواب في وجه الوفد الذي يرأسه أمين عام جامعة الدول العربية، ويضم وزراء خارجية عدة دول عربية، وأن يطالبوهم بالعودة من حيث أتوا. أهل القطاع لا يريدون «سياحا» بمرتبة وزراء خارجية أو أمين عام للجامعة، يأتون إلى قطاعهم من أجل الادعاء كذبا بأنهم يحسّون بمعاناتهم، وجاؤوا من أجل إظهار مشاعر الود والتضامن تجاههم. هؤلاء لم يقدموا فلسا واحدا للقطاع، ولم يعمّروا بيتا تهدم أثناء العدوان الإسرائيلي شتاء عام 2006، ولم يكسروا حصارا خانقا ومذلا مستمرا منذ عشر سنوات، فلماذا يستقبلهم أبناء القطاع بالترحيب ويفرشون لهم السجاد الأحمر الملون بدماء شهدائهم وجرحاهم؟ أهل القطاع لا يريدون الشفقة ولا الكلام المعسول، وإنما أسلحة حديثة متطورة يدافعون بها عن أطفالهم وكرامتهم، في مواجهة إرهاب إسرائيلي حصد حتى كتابة هذه السطور أرواح أكثر من ثمانين إنسانا، نسبة كبيرة منهم من الأطفال. لماذا لا يتزاحم هؤلاء، مثلما رأيناهم في الأسابيع الأخيرة، على تقديم صواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات إلى فصائل المقاومة في القطاع، حتى يحيّدوا سلاح الجو الإسرائيلي، أم إن هذه الصواريخ «حرام» أن تستخدم ضد الإسرائيليين، وأن تحمي الفلسطينيين المسلمين «السنّة»؟ نسأل أيضا كبار علماء المسلمين وجمعياتهم عن أسباب عدم صدور فتاوى بالجهاد في فلسطين، وبدء حملات لجمع التبرعات لنصرة المجاهدين في فلسطين، وتسخير المساجد ومنابرها في هذا الصدد. نشعر بالمرارة والألم ونحن نشاهد الغالبية الساحقة من وزراء الخارجية العرب وقد تغيّبوا عن اجتماع دعت إليه الجامعة متلكئة، من أجل بحث ما يجري في القطاع من مجازر على يد الإسرائيليين وطائراتهم ودباباتهم وصواريخهم. أهالي قطاع غزة لا يريدون وزراء خارجية الدول العربية كوسطاء، وإنما كأهل وشركاء، فالوساطة للأجانب، وللأمين العام لجامعة الدول العربية، وليس لأبناء الدم الواحد، والعقيدة الواحدة، والهمّ المشترك. السيد رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، لم يقل غير الحقيقة عندما أكد أثناء زيارته للقاهرة أن جامعة الدول العربية لم تفعل شيئا من أجل الفلسطينيين في قطاع غزة، ونزيد عليه بالقول إنها تآمرت بصمتها على الحصار ومبادرة سلامها المغشوشة على هؤلاء، وتواطأت بخنوعها مع الاستيطان والحفريات الإسرائيلية في القدسالمحتلة. أبناء قطاع غزة، وللمرة الثانية وربما العاشرة، يكشفون الوجه الإرهابي البشع لإسرائيل أمام العالم بأسره، بتضحياتهم ودماء أطفالهم الشهداء، ويبثون الرعب بصواريخهم في نفوس أكثر من خمسة ملايين إسرائيلي. لأول مرة ومنذ بدء الصراع العربي الإسرائيلي قبل سبعين عاما، يحدث توازن الرعب، ويتذوق الإسرائيليون المرفهون المدلّلون طعم الخوف والرعب، ولم يعد هذا حكرا على أبناء الشعب العربي فقط، وهذا أكبر إنجاز لهذا الصمود الأسطوري. السيد خالد مشعل كان صادقا عندما أعلن، في مؤتمره الصحافي في القاهرة يوم الاثنين، أن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، هو الذي يطلب الهدنة ووقف إطلاق النار، لأنه يدرك جيدا الأخطار والخسائر السياسية والبشرية التي يمكن أن تلحق به وكيانه، فيما لو استمر بالقتل وارتكاب المجازر أو أرسل دباباته لغزو القطاع. الضفة الغربية بدأت تنتفض وانتفاضتها بدأت تهزّ الأرض تحت قدميه ومستوطنيه، ونرى بوادر صحوة في أوساط السلطة، وعودة إلى الينابيع من خلال نداءات الوحدة وإنهاء الانقسام، والتخندق في خندق المقاومة بأشكالها كافة؛ ونتمنى أن تكون هذه المبادرات والإشارات بداية صفحة جديدة، وليس لامتصاص احتقان الشارع الفلسطيني في مدن وقرى الضفة الغربية. الشعب الفلسطيني لم يعد يخاف الموت أو يخشاه، ولن يتوقف عن المقاومة حتى ينال حقوقه كاملة دون نقصان، والعد التنازلي في هذا المسار قد بدأ بوصول أول صاروخ «فجر 5» إلى قلب مدينة تل أبيب، وهو الصاروخ الذي سطّر صفحة جديدة في التاريخ وكسر كل ما قبله من معادلات. من هنا، فإننا نحذر من قبول فصائل المقاومة وقفا لإطلاق النار بشروط إسرائيلية وضغط عربي، وحتى لو كان المقابل رفعا جزئيا أو كليا للحصار، فالسلاح الفلسطيني هو للدفاع عن النفس في مواجهة آلة إرهابية عسكرية إسرائيلية جبارة، لا تلتزم بأي معايير أخلاقية أو إنسانية، والدفاع عن النفس حق مشروع كفلته كل المواثيق الدولية. ختاما، نكرر مطالبتنا لأبناء القطاع، الصامدين المرابطين، بإعادة وزراء الخارجية العرب من حيث أتوا، ولكن بأدب جمّ، وإبلاغهم بأنهم مرحب بهم إذا ما عادوا مرة أخرى حاملين صواريخ «ستينغر» وغيرها، الكفيلة بالتعاطي بفاعلية مع الدبابات والبوارج الإسرائيلية البحرية التي تقصف القطاع وأبناءه، وتشدد الحصار عليه. يعفّ لساننا عن قول كلمة «اطردوهم» تأدبا، وإن كانوا يستحقون ما هو أكثر من ذلك.