بن عبد الله: حكومة أخنوش غير معنية بتوطيد الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان    الأميرة للا حسناء تترأس مجلس إدارة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 12,3 في المائة عند متم أبريل 2024    يامال يتفوق على الخنوس بخصوص جائزة أفضل لاعب شاب في الدوريات الأوروبية    الشامي يقول إن "الفقيه مصطفى بنحمزة" صوت لفائدة رأي المجلس الاقتصادي بمنع تزويج القاصرات    كريم خان: تلقيت تهديدات وزعماء أبلغوني أن الجنائية الدولية أُنشئت لأفريقيا وبلطجية مثل بوتين وليس للغرب وحلفائه    "تنكر الحكومة" يدفع الشغيلة الصحية لشل مستشفيات المملكة    واشنطن ترفض اتهامها بالتسبب في مقتل الرئيس الإيراني    ألف درهم للتذكرة.. نفاذ جميع تذاكر حفل أم كلثوم بمهرجان موازين    ارتفاع ب 18 بالمائة في أبريل الماضي بمطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء    تصريحات عدائية ترسخ عقدة رموز النظام العسكري الجزائري من النجاحات المغربية    انعقاد مجلس للحكومة بعد غد الخميس    "مايكروسوفت" تستعين بالذكاء الاصطناعي في أجهزة الكومبيوتر الشخصية    محاكمة أمير ألماني وعسكريين سابقين بتهمة التخطيط لانقلاب    ميارة يجري مباحثات بالرباط مع رئيس المجلس الوطني السويسري    سويسرا: لا وجود لتمثيلية "البوليساريو"    عملية مرحبا 2024 : اجتماع بطنجة للجنة المغربية – الإسبانية المشتركة    إدانة نائب رئيس جماعة تطوان بالحبس النافذ        وزارة الإقتصاد والمالية… فائض في الميزانية بقيمة 6,1 مليار درهم    الجائزة الكبرى لصاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم لكرة المضرب .. إقصاء المغربية آية العوني من الدور الأول    الرباط: افتتاح الموقع الأثري لشالة أمام الزوار    الدولار يتأرجح والعملات المشفرة ترتفع    نجم ريال مدريد يعلن اعتزاله اللعب نهائيا بعد كأس أوروبا 2024    الاتحاك الإفريقي يدين الأحداث التي أعقبت لقاء نهضة بركان والزمالك    الحكومة تتوقع استيراد 600 ألف رأس من الأغنام الموجهة لعيد الأضحى    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    شاب مغربي آخر ينضاف للمفقودين بعد محاولة سباحة سرية إلى سبتة    والدة كليان مبابي تخرج عن صمتها بخصوص مستقبل إبنها    أكثر من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    أزيد من 267 ألف حاج يصلون إلى السعودية    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بأكادير تحطم الرقم القياسي في عدد الزوار قبل اختتامها    اجتماع تنسيقي لتأمين احترام الأسعار المحددة لبيع قنينات غاز البوتان    إميل حبيبي    مسرحية "أدجون" تختتم ملتقى أمزيان للمسرح الأمازيغي بالناظور    تصفيات المونديال: المنتخب المغربي النسوي يواجه زامبيا في الدور الأخير المؤهل للنهائيات    في مسيرة احتجاجية.. مناهضو التطبيع يستنكرون إدانة الناشط مصطفى دكار ويطالبون بسراحه    مساء اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: أكنسوس المؤرخ والعالم الموسوعي    صدور كتاب "ندوات أسرى يكتبون"    بلاغ صحافي: احتفاء الإيسيسكو برواية "طيف سبيبة" للأديبة المغربية لطيفة لبصير    هاشم بسطاوي: مرضت نفسيا بسبب غيابي عن البوز!!    غير مسبوقة منذ 40 سنة.. 49 هزة أرضية تثير الذعر في إيطاليا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    نقاد وباحثون وإعلاميون يناقشون حصيلة النشر والكتاب بالمغرب    رئاسة النظام السوري تعلن إصابة زوجة بشار الأسد بمرض خطير    "الفاو"‬ ‬تفوز ‬بجائزة ‬الحسن ‬الثاني ‬العالمية ‬الكبرى ‬للماء ..‬    49 هزة أرضية تضرب جنوب إيطاليا    صلاح يلمّح إلى بقائه مع ليفربول "سنقاتل بكل قوّتنا"    رغم خسارة لقب الكونفدرالية.. نهضة بركان يحصل على مكافأة مالية    تفاصيل التصريحات السرية بين عبدالمجيد تبون وعمدة مرسيليا    أكاديميون يخضعون دعاوى الطاعنين في السنة النبوية لميزان النقد العلمي    الأمثال العامية بتطوان... (603)    تحقيق يتهم سلطات بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوث أودت بنحو 3000 شخص    المغرب يضع رقما هاتفيا رهن إشارة الجالية بالصين    معرفة النفس الإنسانية بين الاستبطان ووسوسة الشيطان    شركة تسحب رقائق البطاطس الحارة بعد فاة مراهق تناوله هذا المنتج    لماذا النسيان مفيد؟    أطعمة غنية بالحديد تناسب الصيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط الأقنعة
نشر في المساء يوم 19 - 01 - 2009

طيلة الأسابيع الأربعة التي عاشت غزة فيها تحت نيران المحرقة الإسرائيلية، سقطت أقنعة كثيرة عن وجوه ظلت متنكرة وراء ملامح وقسمات خادعة ليست لها.
أخيرا عرف الفلسطيني والعربي والمسلم من معه ومن ضده. من يريد له البقاء ومن يتمنى محوه من الخريطة. من يقف إلى جانبه ومن يطعنه من الخلف.
سقط القناع عن الوجه البشع للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، الذي كان إلى الأمس يتم استقباله في منتدى الدوحة كحمامة سلام، للحديث عن آفاق التعايش الفلسطيني الإسرائيلي. سقط القناع عن الحمامة الوديعة لكي تظهر مخالب الصقر الحادة. وسقط القناع عن جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها مناصفة مع ياسر عرفات، والذي دفع حياته ثمنا لتشبثه بالقدس عاصمة لفلسطين.
لو كان لأكاديمية جائزة نوبل قليل من المروءة، لسحبت جائزتها من مجرم الحرب هذا الذي قتل جيشه في أقل من عشرين يوما 1200 فلسطيني، نصفهم أطفال ونساء. إذا كان شيمون بيريز رجل سلام فلسنا ندري كيف يكون رجل الحرب إذا.
الغريب في الأمر أن الإسرائيليين الذين يحملون جوائز ومهمات أممية مرتبطة بالسلام هم أكثر المتورطين والداعين إلى الحرب. وعلى رأسهم المغني اليهودي الفرنسي من أصل جزائري «إنريكو ماسياس»، والذي يشتغل مع اليونسكو سفيرا للسلام. ومع ذلك لم يجد أي حرج في تزعم مسيرة لليهود المتطرفين في باريس أمام سفارة إسرائيل دعما للمحرقة التي يقترفها جيشها في غزة.
لو فعل هذا فنان عربي ضد مصالح إسرائيل لتبرأت منه اليونسكو إلى يوم الدين. لكن مادام سفيرها يحمل الجواز الإسرائيلي فلا بأس.
حتى موقع «غوغل» أصبح متعاطفا مع إسرائيل هذه الأيام. وكل من جرب ترجمة جملة «je dis merde sur l etat d Israel» إلى العبرية يحصل على ترجمة مغايرة لما طلبه. فالموقع يرفض أن يترجم هذه الشتيمة في حق دولة إسرائيل، ويعيدها إليك كالتالي عندما تطلب ترجمتها من العبرية إلى الفرنسية «Je n ai rien a dire sur l etat d Israel»، أي «ليس لدي أي شيء أقوله حول دولة إسرائيل». سيقول البعض أن القائمين على موقع «غوغل» يحترمون سيادة الدول ولا يترجمون الشتائم بحقها. لكن يبدو أنهم يحترمون إسرائيل وفرنسا دون غيرهما من الدول. لأنك عندما تجرب كتابة نفس الجملة بخصوص فلسطين فالموقع يكون أمينا في ترجمة الشتيمة. أما عندما يتعلق الأمر بدولة إسرائيل وفرنسا فالموقع يردد جوابا واحدا، وهو «ليس لدي شيء أقوله حول إسرائيل أو فرنسا». وهكذا نكتشف أن «السي غوغل» هو أيضا لديه موقف من فلسطين.
وعلى ذكر فرنسا، سيكتشف المشاهدون الذين يتابعون برامج قناة «فرانس2» أنها برمجت لليلة الأحد فيلم «لائحة شيندلر» الذي يروي مأساة اليهود مع محرقة النازية. والتوقيت طبعا ليس بريئا. فالإعلام الفرنسي العمومي كشف عن وجهه الحقيقي، ووقف إلى جانب الرواية الإسرائيلية للحرب على غزة. وهو ببرمجة هذا الفيلم، المؤثر حقيقة بسبب الخدع السينمائية التي وظفها «سبيلبرغ» ببراعة في مشاهده، يريد أن يعيد إلى إسرائيل شيئا من آدميتها التي فقدتها بالكامل في المحرقة التي أوقدتها في غزة. فعوض أن يرى الفرنسيون الدخان المتصاعد من غزة والمشبع بغازات الفسفور التي تسلخ الجلد وتصل إلى العظم، سيشاهدون مئات السجناء اليهود في مراكز الاعتقال النازية عراة حفاة يقفون بانتظار إدخالهم إلى الأفران في فيلم «لائحة شيندلر».
فإسرائيل التي حولت طيلة 22 يوما غزة إلى فرن كبير مفتوح على السماء لشواء الأطفال والنساء، بحاجة إلى لعب دور الضحية أمام الرأي العام الفرنسي. فلهذا السبب بالضبط أوجدت إسرائيل متاحف الهولوكوست وأفلام الهولوكوست. من أجل استخدامها لتذكير الأوربيين بماضيهم الأسود اتجاه اليهود، وابتزازهم عاطفيا وسياسيا في كل مرة تبذر فيها إسرائيل احتياطها القليل من الإنسانية وتقف مفلسة أمام العالم مجردة من إنسانيتها وآدميتها.
إسرائيل تريد اليوم بعد كل هذا الدمار والدم والخراب، أن تظهر أمام العالم كضحية. فقد أعلنت عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد، ومع ذلك لازالت حماس تطلق نحوها صواريخها. هكذا تصبح إسرائيل في نظر حلفائها دولة مظلومة، تبادر إلى وقف إطلاق النار من جانبها وعوض أن يثمن «أعداؤها» مبادرتها هذه يردون عليها بالصواريخ.
إسرائيل تريد أن تخرج من مستنقع غزة بأقل الأوساخ الممكنة. وليست وحدها، بل جارتها مصر أيضا يريد نظامها أن يصنع له عذرية جديدة في شرم الشيخ، بعد أن سمح للجيش الإسرائيلي بدخول غزة وجلس يسترق السمع بالقرب من معبر رفح لصرخاتها وهي تغتصب من طرف العدو.
وكم كان خطاب حسني مبارك مضحكا وهو يتصنع الجدية والحزم مخاطبا إسرائيل مطالبا إياها بضرورة وقف إطلاق النار فورا. وكم كان مضحكا استجابة أولمرت لنداء مبارك على الفور وإعلانه وقف إطلاق النار من جانب واحد. وقد تساءل الجميع مستغربا هذه القدرة الفائقة التي كشف عنها حسني مبارك في التأثير على الحكومة الإسرائيلية، واستغربوا أكثر لماذا لم يستعمل هذه القدرات العجيبة منذ عشرين يوما عندما كانت مئات الضحايا تسقط يوميا على بعد كيلومترات من مقر رئاسته.
كانت مسرحية سخيفة تلك التي مثلها حسني مبارك ووزيره أبو الغيط، لكي ينقذا ماء وجه مصر، ولو على حساب الدم الفلسطيني. فقد انتظرا إلى حين إنهاء الجيش الإسرائيلي مهمته القذرة في غزة، لكي يحملا معا إسرائيل مسؤولية ما وقع. حتى يبرئا ذمتهما من دماء الشهداء الفلسطينيين. وكأنهما لم يكونا هما من كال الشتائم والاتهامات لمنظمة حماس وصواريخها «العبثية». وكأنهما ليسا هما من أغلق معبر رفح في وجه إخوانهم الفلسطينيين وساهما معا في محاصرة غزة لكي تصب فوقها طائرات العدو رصاصها المصهور وقنابلها الفسفورية.
ولعل أحد أبشع الأمثلة على سعي إسرائيل للعب دور المنقذ لمحو صورة القاتل الجبان التي التصقت بها بسبب استهدافها للأطفال، هو ذلك الروبورتاج الذي بثته كل القنوات الإسرائيلية والعالمية قبل أمس حول ذلك الطبيب الفلسطيني الذي كان طيلة العدوان على غزة يعالج الفلسطينيين والإسرائيليين في مستشفيات الجانين لإيمانه الكبير بإمكانية السلام والتعايش بين الاثنين. فقد كان الطبيب يتحدث مباشرة مع بلاطو القناة الإسرائيلية فإذا به يبدأ في الصراخ والعويل على الهواء، فقد وصله خبر قصف منزله من طرف الجيش الإسرائيلي وقتل وجرح أطفاله. فأصيب المذيع الإسرائيلي بالجمود وقال متأسفا أن أقصى ما يمكن أن يقوم به هو الاتصال بالإسعاف لإنقاذ أطفاله. وأرسلت القناة فريقا صحافيا لتغطية عملية الإنقاذ، في الوقت الذي كان فيه صحافي آخر يصور الطبيب الفلسطيني وهو ينهار باكيا فوق الأرض.
إسرائيل ترتكب جريمة قتل الأطفال، وفوق هذا تريد أن تظهر بمظهر المنقذة الذي يهب لنجدة الأطفال. أي أنها تقتل الميت وتمشي في جنازته.
لقد كانت تلك القذيفة التي أصابت بيت الطبيب الفلسطيني المؤمن بالسلام بمثابة صفعة أيقظته من أوهامه. خصوصا عندما تقدمت منه إسرائيلية في صالة المستشفى حيث يرقد أبناؤه وعوض أن تصبره صرخت فيه قائلة «ومن قال لنا إنك لم تكن تخفي أسلحة في بيتك».
هذه هي إسرائيل، تطلق الصواريخ على الأطفال وترسل فرق الإنقاذ مصحوبين بالمصورين لنجدتهم. تشعل فتيل الحرب وتبادر إلى وقف إطلاق النار من جانب واحد. وكل ذلك لكي تظهر بمظهر الضحية أمام العالم.
الزعماء العرب أيضا يريدون أن يظهروا أمام العالم بمظهر البريء الذي ليست له يد فيما وقع. مع أن الجميع يعرف أن بعضهم يبيع ويشتري في الدم الفلسطيني ويقايض به مصالحه وأهدافه.
إن أكبر معروف يمكن أن يصنعه العرب في القضية الفلسطينية هو أن يبتعدوا عنها ويتركوا الفلسطينيين وجها لوجه مع العدو. فقد اتضح اليوم أن الأقنعة سقطت، وأن محرقة غزة كانت وراءها بعض الأنظمة العربية وإسرائيل وأمريكا. وكما يقول المثل، اللهم نجني من أصدقائي أما أعدائي فأنا أتكفل بهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.