موجة حر تجتاح عدداً من مناطق المغرب.. درجات الحرارة تصل إلى 42 درجة    رئيس جماعة الداخلة يستقبل وفد جمعية الجماعات الرومانية في إطار زيارة عمل لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات    إيلون ماسك يؤكد خروجه من الحكومة الأميركية    شعارات جوفاء ونوايا عدائية.. النظام الجزائري يناقض نفسه ويقوّض استقرار المنطقة    الركراكي: سأترك منصبي لغوارديولا أو أنشيلوتي إذا قادا المغرب للفوز بكأس إفريقيا    495 ألف مترشح يجتازون امتحان الباكالوريا والإعلان عن النتائج 14 يونيو    مصرع شخصين في حادثة سير مميتة نواحي أوريكا    اتهامات بتسخير آليات عمومية في جماعة آيت سغروشن لخدمة "أهداف انتخابية"    تشييع جثمان الفنانة نعيمة بوحمالة بالدار البيضاء    بقيمة 500 مليون درهم.. توقيع بروتوكولات اتفاق ل4 مشاريع كاتالونية في طنجة وتطوان والقنيطرة    %10 من سكان غزة ضحايا الإبادة الإسرائيلية    إسرائيل تعلن إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولات الخميس على ارتفاع طفيف    لارغيت يكشف كواليس غير معروفة عن اختيار حكيمي تمثيل المغرب عِوض إسبانيا    ألونسو يحسم مستقبل براهيم دياز مع ريال مدريد    مجلس المنافسة يؤاخذ على "غلوفو" إضعاف المنافسة في سوق التوصيل    الناظور.. افتتاح معمل "أليون" الصيني المتخصص في صناعة شفرات توربينات الرياح    بلجيكا ترصد مبيدا ممنوعا في شحنة مشمش مغربي مجمد    الرباط: وزير الخارجية المصري يجدد التزام مصر بدعم سيادة الدول ووحدتها الترابية    الإعلان عن تنظيم الدورة التاسعة للجائزة الوطنية لأمهر الصناع برسم سنة 2025    كوت ديفوار تجدد أمام لجنة ال24-الصحراء تأكيد "دعمها الكامل" للمبادرة المغربية للحكم الذاتي    تحطم طائرة تدريب دورية في كوريا على متنها 4 أشخاص    فرنسا تُصعد ضد الجزائر.. تهديد بتجميد أصول مسؤولين جزائريين ودراسة تعليق امتيازات اتفاقية 1968    السعودية تفرج عن "رجل دين إيراني"    طقس حار يعم عددا من مناطق المملكة اليوم الخميس    السغروشني تدعم التعاون في إستونيا    المغرب يتربع على عرش السياحة الإقليمية: تراجع مصري وتركي أمام الزحف السياحي نحو المملكة    سؤال الأنوار وعوائق التنوير في العالم العربي الإسلامي    من الرباط.. مصر تجدد دعمها لمبادئ السيادة والوحدة الترابية: رسالة استراتيجية مزدوجة في مضمونها وتوقيتها    ميناء طنجة المتوسط يواصل ريادته.. 1.12 مليار درهم رقم معاملات في الربع الأول من 2025    توقيف المتورط في اندلاع حريق بغابة هوارة بطنجة    جائزة الملك فيصل تدشن في إسبانيا كتاب رياض الشعراء في قصور الحمراء    بحضور الرباعي المغربي.. الأهلي يتوج بلقب الدوري المصري للمرة 45 في تاريخه    شاب ينهي حياته بطريقة مأساوية بطنجة    بوريطة لا زال مٌصرا على تسمية "حرب الإبادة" في غزة ب "الإعتداءات"    من طريق المدرسة إلى غرفة العمليات.. جريمة سرقة تغيّر حياة تلميذة في طنجة    الصين تفتح أبوابها أمام الخليجيين دون تأشيرة اعتبارًا من يونيو المقبل    الركراكي: كرة القدم دعامة لتقاسم القيم والتقريب بين الشعوب    حريق غابة هوارة يلتهم 82 هكتارًا ويقاوم السيطرة رغم تعزيزات الطائرات    ضمنها تعزيز المناعة.. هذه فوائد شرب الماء من الأواني الفخارية    من تهافت الفلاسفة إلى "تهافت اللحامة"    افتتاح مصنع Aeolon Technology الصيني بميناء الناظور.. نموذج لطموحات الصين الاستثمارية بالمغرب    بن كيران وسكر "ستيڤيا"    تشييع جثمان الفنانة نعيمة بوحمالة    تشلسي يقلب الطاولة على ريال بيتيس في نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    رسمياً.. شباب الريف الحسيمي يحقق الصعود المنتظر إلى القسم الأول هواة    نجوم الفن ينعون الراحلة نعيمة بوحمالة    "العالم القروي في منظومة الرياضة للجميع" شعار قافلة رياضية بإقليم ميدلت    حمضي يعطي إرشادات ذهبية تقي من موجات الحرارة    2 مليون وحدة إنتاجية غير مهيكلة بالمغرب.. والمدن تستحوذ على النصيب الأكبر    موريتانيا تكشف حقيقة سقوط طائرة الحجاج    تتويج عبد الحق صابر تيكروين بجائزة "زرياب المهارات" تقديرا لمنجزه الفني في مجال التأليف الموسيقي    عبير عزيم في ضيافة الصالون السيميائي بمدينة مكناس    كيف تحمون أنفسكم من موجات الحر؟    التهراوي: تسجيل تراجع بنسبة 80 في المائة في عدد حالات الحصبة بفضل حملة التلقيح    الخوف كوسيلة للهيمنة: كيف شوّه بعض رجال الدين صورة الله؟ بقلم // محمد بوفتاس    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    









أسئلة الحكامة وتخليق الحياة العامة في المغرب
نشر في المساء يوم 16 - 12 - 2013

احتفل العالم يوم الاثنين، التاسع من دجنبر، ومعه المغرب باليوم العالمي لمكافحة الرشوة والفساد الذي يصادف صدور الترتيب العالمي لمجموع الدول وفق مؤشر مكافحة الفساد المعتمد من قبل منظمة الشفافية الدولية، والذي سجل -للأسف الشديد- تقهقرا للمغرب في قائمة الترتيب من الرتبة 88 إلى الرتبة 91، وعليه نرى من مسؤوليتنا اهتبال هذه المناسبة (غير السعيدة) من أجل الإجابة عن الأسئلة الملحة التي يطرحها هذا الموضوع الآن وهنا، على المغرب والمغاربة:
أية مقاربة لإدراك موضوعتي الحكامة والفساد؟
دون الدخول في مناقشة البراديغمات النظرية وتعدد المقاربات، فإن المقاربة المؤسساتية للحكامة هي المقاربة النظرية والعملية المتعارف عليها دوليا، استنادا إلى مخرجات برنامج الألفية الذي أقرته الأمم المتحدة. وعلى هذا الأساس، فإن إقامة مؤسسات قوية في إطار بناء ديمقراطي هي حجر الزاوية في ما يسمى "الحكامة الديمقراطية الرشيدة"؛ هذا على مستوى الحكامة، أما على مستوى موضوعة النزاهة ومكافحة الفساد، والتي هي جزء لا يتجزأ من منظومة الحكامة، فإن المقاربة المؤسساتية، خلافا للمقاربة السلوكية التي يستند إليها التعريف الذي تبناه البنك الدولي وأصبح معتمدا وساريا، تقدم فهما نسقيا وشموليا لهذه الآفة ولعملية مكافحتها من حيث كونها تتصورها ك"قواعد لعبة" تتضمن ما هو رسمي ومتواضع عليه قانونيا وما هو غير رسمي كتفاهمات ضمنية وأعراف اجتماعية ومواثيق سلوك؛ فالفساد، وفق المقاربة المؤسساتية، يتمظهر كمعطى مندمج بين ما هو رسمي وغير رسمي ويتجاوز البعد الفردي السلوكي.
وللتلخيص، يمكن أن نقول إن الحكامة الرشيدة ومكافحة الفساد تمران، أولا ولزوما، عبر تقوية المؤسسات وتخليقها ورفدها بمقومات الشفافية والمشاركة والمحاسبة وسيادة القانون، مع التركيز على الأخلاقيات والحاجة إلى ترسيمها وإحاطتها بأسباب التنفيذ... لكن بعيدا عن المعالجات المعلبة والمقاربات السلطوية والإجراءات المفروضة من فوق، بل من المتعين إشراك المجتمع المدني مدعوما بالإعلام الحر والمسؤول في عملية الإصلاح والتجديد القانوني والمؤسساتي والأخلاقي، وكل ذلك استنادا إلى إرادة سياسية صادقة وصلبة... وفي المجمل، فإن المقاربة المؤسساتية تستدمج جميع العوامل والمقومات البشرية والقانونية والهيكلية والأخلاقية، وهي المقاربة المعتمدة من قبل المنظمات والمؤسسات الدولية في عمليات القياس الإدراكي والتقييم العملاني لمستوى تمثل وتطبيق معايير الحكامة الديمقراطية الرشيدة في بلدان العالم الثالث...
ما هي التدابير السريعة
التي يجب اتخاذها؟
التدابير السريعة تتلخص في ترسيخ دعائم البناء الديمقراطي من خلال تنزيل الدستور تنزيلا ديمقراطيا وتشاركيا، وصوغ قوانينه ومؤسساته الملحقة به، وتدبيج خطاب وبرنامج وطنيين للحكامة الرشيدة ومكافحة الفساد، وتحسين التواصل مع المواطنين والمستثمرين عبر إخراج المواثيق الأخلاقية المنصوص عليها في الدستور، ولاسيما ميثاق الحكامة المرفقية، فالحكامة الإدارية والمالية هي المبتدأ وهي الخبر حول الحالة الصحية للحكامة، لأنها الأكثر التصاقا بالمواطنين بهمومهم وبحاجياتهم وتطلعاتهم، كما أنها تؤثر في مناخ الأعمال والاستثمار، ولا ننسى إصلاح القضاء، فكلما تم الإسراع في إخراج نصوصه التطبيقية أرخى ذلك ظلاله الايجابية على المناخ الاقتصادي... وكرس الثقة في التجربة السياسية المغربية الجديدة، فالثقة هي المفتاح الذهبي للتقدم إلى الأمام في تقديم صورة جاذبة عن المغرب وسمعته الدولية، وكلما اهتزت ينبغي ترميمها بسرعة وفعالية.. ولنضرب مثالا على ما نقوله بالتصريح الجدالي حول "العفو عما سلف من فساد"، فهذا التصريح استهدف طمأنة رجال المال والأعمال، وهذا مطلوب إذا استحضرنا السياق الاستقبالي الصعب للحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية، ولكنه بالمقابل خلف أصداء سلبية على مستوى الثقة في قدرة الحكومة على مواجهة آفة الفساد التي تعيق، ويا للمفارقة، مناخ المال والأعمال ذاته، وبالتالي كان من الواجب، وما زال الوقت متاحا لذلك، أن يتم التواصل المكثف والمتواصل مع المواطنين وكافة الأطراف المعنية من أجل التوضيح والتصحيح... ولاسيما على ضوء الرتبة المتدنية لهذا العام في سلم مكافحة الفساد وفق المؤشر الدولي للفساد، المعتمد من قبل ترانسبرانسي الدولية والذي يحظى بمصداقية دولية واسعة.
أية إرادة؟ وأي تخطيط؟ وأي تنفيذ؟
نلاحظ من موقع المراقبين المتخصصين، وبقطع النظر عن الإشارات والإجراءات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة الجديدة على مستوى العفة الفردية السلوكية لوزرائها، وكشف بعض الملفات والمعلومات التي كانت ممنوعة من النشر، وتحريك بعض المتابعات القضائية ولاسيما ضد بعض المسؤولين الإداريين السامين، وإخراج بعض النصوص القانونية الهامة، ومع تسجيل هذه الإيجابيات، أن الدولة -بكل صراحة لأن الوضع لا يحتمل الكلام المعسول- ما زالت لم تفصح عن نيتها وعزيمتها وقدرتها على إرساء برنامج وطني استراتيجي استعجالي وهجومي للحكامة الرشيدة ومكافحة الفساد، وما زلنا نشاهد نوعا من البطء والتعثر والغموض، وأحيانا التضارب، في الأولويات وفي السياسات التنفيذية.. مازلنا نلاحظ غلبة الماضي على الحاضر، والضعف النسبي لإيقاع التغيير بالمقارنة مع إيقاع الاستمرار، والمؤمل هو الانتهاء من حالة الانتقال والانتظارية عبر استكمال عملية تنزيل الدستور وإرساء القوانين والمؤسسات من أجل إعادة ترتيب الأولويات، ولم لا إعادة صياغة برنامج وطني استراتيجي واستعجالي للحكامة الرشيدة ومكافحة الفساد، فهذان موردان في متناول اليد ومدران للكثير من الأرباح السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ودعونا نعترف بأن مؤسسة كالهيئة الوطنية للنزاهة كان يجب أن تكون هي أولى أولويات المجهود التشريعي من أجل الإسراع في وضع برنامج وطني لمكافحة الفساد بمساعدة هذه المؤسسة، حتى يكون تقييم عمل تلك المؤسسة بمثابة بارومتر موضوعي وموثوق لمدى تقدم الدولة والحكومة والمجتمع على درب التغلب على الفساد الذي مازلنا في المغرب مهزومين أمامه حتى الآن بفارق واسع من النقط. والمسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، على أن الحكومة هي صاحبة المرتبة الأولى في سلم المسؤوليات التنفيذية.
أين تكمن معالم القصور في السياسات المتبعة حتى الآن؟
- ضعف بنيوي في التواصل بين الحكومة والمواطنين، مع تسجيل تقدم نسبي..
- غياب برنامج وطني مضبوط ومحدد بمؤشرات في مجال الحكامة ومكافحة الفساد؛
- البطء والتردد في ترسيخ قواعد الشفافية، ولاسيما في المجالات المغلقة أو الغامضة؛
- تشتت وتشرذم أنساق وعمليات المراقبة والمحاسبة؛
- ضعف مؤشرات مواجهة ظاهرة الإفلات من العقاب؛
- بطء تعميم وتنفيذ مواثيق الأخلاقيات وعدم معرفة مآلات حالات الإخلال ببنود تلك المواثيق؛
- ضعف مؤشرات مواجهة حالات تضارب المصالح واستغلال النفوذ؛
- غموض عملية تنزيل القانون الجديد حول التعيين في مناصب المسؤولية، ولقد كان التصريح الشجاع الأخير لوزير التعليم العالي صادما حول صعوبة مواجهة الاعتبارات غير الموضوعية في عملية التعيين تلك.
- ضعف التنسيق والتكامل بين المؤسسات، كل المؤسسات المعنية بالحكامة والتخليق، وأهمها البرلمان والحكومة ومؤسسات الحكامة والقضاء، وحاجة مؤسسات الحكامة إلى إعطاء القدوة في الحكامة؛
- مشكلات وعوائق اندماج المجتمع المدني في عملية تخليق الحياة العامة وترسيخ قواعد الحكامة الرشيدة.
ما هي الآليات العملية الكفيلة بتخليق الحياة العامة في شموليتها؟
كعناوين عامة، ينبغي ترسيخ وتدعيم شروط أساسية وهي: الشفافية والمشاركة والمراقبة والمحاسبة وحكم القانون. وعمليا، ينبغي الإسراع في إخراج قانون الحق في الحصول على المعلومات، على أن يكون عصريا ومطابقا للمعايير الدولية، وتدعيم وتفعيل آليات ومؤسسات الرقابة والمحاسبة الداخلية والخارجية في المرافق العمومية، ونشر تقاريرها وتأمين التكامل في وظائفها ومهامها مع دور ومهام المجلس الأعلى للحسابات، مع ربط الرقابة بالمحاسبة من خلال استخلاص العبر من تقارير الرقابة واللجوء إلى المعالجة المزدوجة البناءة، أي تحسين الحكامة وإصلاح طرق وآليات التدبير العمومي وتحديثها من أجل استباق المخاطر من جهة أولى، ومعاقبة المخلين بواجباتهم أو المسيئين إلى الأمانة العامة من جهة ثانية. ثم الاهتمام بالعنصر البشري من خلال تحسين الأجور، وإعمال قاعدة الثواب وتشجيع الكفاءات، ولاسيما المهمشة، ومواجهة ظاهرة تضارب المصالح والإثراء غير المشروع على حساب المرفق العام وتعميم مواثيق الأخلاقيات ومعاقبة المخلين ببنودها...
وعلى صعيد شامل، يتعين أن يتم ترسيخ هذه القيم والآليات في جميع المواقع ذات العلاقة بالشأن العام والمال العام، بما فيها جمعيات المجتمع المدني والمواطنين والطلبة والتلاميذ... وأن تتحمل الصحافة الحرة والمهنية والمسؤولة كامل مسؤوليتها، إضافة إلى علماء الدين ورجال التربية...
ولنتذكر دائما أن وضوح الرؤية والصدق والأمانة وحسن القدوة من الأعلى إلى الأسفل، هي قيم مؤسسة وضامنة لنجاح أي مجهود سياسي أو إداري في سبيل الدخول الفعلي والفعال إلى عهد التخليق والتحديث في بلادنا.
وأخيرا، من المهم أن نشدد على أمر مركزي، وهو أن الحركية والحيوية التي يتميز بها المجتمع المغربي، في هذه الظرفية التاريخية، تبعث على التفاؤل العقلاني بالمستقبل، رغم عظم التحديات، فلنتشبث جميعا بحبل الأمل، المقرون بصدق وأمانة وكفاءة العمل !
محمد براو
*رئيس‏ مركز الأبحاث والدراسات حول الرقابة والمحاسبة ومكافحة الفساد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.