ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الجيش المغربي يستفيد من التجارب الدولية في تكوين الجيل العسكري الجديد    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحديد الغابوي.. القنبلة المؤجلة بأقاليم سوس ماسة درعة
قوانين عتيقة تؤثر على البنيات الاجتماعية وتمهد لسيطرة لوبيات العقار على أراضي الخواص
نشر في المساء يوم 07 - 01 - 2014

لم يكن في علم أحد أن عمليات التحديد الغابوي، التي أطلقتها الإدارات الإقليمية للمياه والغابات بمختلف أقاليم جهة سوس ماسة درعة، بأوامر مباشرة من المندوبية السامية بالرباط، ستثير كل هذا الغضب في صفوف أبناء المنطقة، الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على أراضيهم الموروثة عن آبائهم وأجدادهم، ولم يكن أحد يدري أن ممتلكاته العينية ستكون يوما ما في مهب الريح بقدوم رجال الغابات المسنودين بمساطر قانونية عفا عنها الزمان، وأصبحت محط انتقاد شديد لدى عدد كبير من المتدخلين والمتضررين على حد سواء.
قوانين الزمن القديم
معلوم أن الترسانة المعمول بها في مجال التحديد الغابوي لا تزال تعتمد على قوانين تعود إلى الحقبة الاستعمارية، التي لم تعد ملائمة لتطورات العصر ومتطلبات الساكنة على المستويات الاقتصادية والسوسيوثقافية، ومعلوم أن عملية التحديد تبدأ بتعيين الغابة المراد تحديدها بعد التعرف على حدودها لوضع علامات التحديد المؤقت من طرف الأعوان الغابويين، حيث يتم تحرير طلب التحديد وتضمينه معلومات عن الغابة، وحقوق الانتفاع المخولة للدواوير والقبائل المعنية، يضاف إليه موجز للمخطط التعريفي بالغابة، كما يتم إشهار زمان ومكان التحديد في أجل 30 يوما على الأقل بعد إصدار مرسوم في هذا الشأن، وبناء على ذلك، يتم التحديد النهائي على أساس تسجيل الغابة ضمن أملاك الدولة بعد المصادقة النهائية على محضر التحديد وانتفاء أسباب التعرض القانونية في مدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ إيداع محضر التحديد.
الأرض.. خط أحمر
وارتباطا بالحراك المدني والسياسي بأقاليم الجهة ضد التحديد الغابوي، اعتبر فاعلون محليون بإقليم تيزنيت وجهة سوس ماسة درعة، قضية الأرض، «خطا أحمر» لا يستوعب التسويفات والمزايدات المبنية على أجندات خاصة، مؤكدين على أن الحل في عمليات التحديد الغابوي التي تصر الإدارة على تنفيذها، رغم الاعتراضات المتكررة للساكنة، يمكن تحقيقه وفق منطق تشاركي بين مختلف الأطراف المتدخلة، ومنددين بفرض سياسية الأمر الواقع، التي قالوا إنها «تقفز على المعطيات التاريخية والجغرافية»، واعتبروا أن الأمر «خطيرا جدا» قد تكون له عواقب على البنيات القبلية المتجذرة منذ قرون خلت.
وفي اللقاء الدراسي المنظم من قبل جمعية «sos آكلو» بفضاء ثانوية سيدي وكاك بجماعة أكلو، شدد المشاركون على مطلب الأمن العقاري والعدالة العقارية، واعتبروه مدخلا راهنيا ومساعدا على تحقيق تنمية مستدامة، كما أوضح المشاركون أنهم سيستمرون في معاركهم النضالية ضد أي تطاول على أراضي الخواص، وأنهم يرفضون استهداف الأرض والمناطق ذات البعد الاستراتيجي والسياحي والاقتصادي، كما عبروا عن رغبتهم في تفعيل مطالب التحفيظ الجماعي أو التحفيظ المشترك، ومواصلة جميع المحطات النضالية والحقوقية والوقفات واللقاءات الرسمية، كما ألحوا على ضرورة إبراز وثائق السجل المركزي وتفعيله من أجل الإنصاف العقاري، داعين رئيس الحكومة إلى إحداث مرسوم بإيقاف جميع مراسيم التحديد الغابوي السابقة، والتنسيقيات والجمعيات الحقوقية إلى عقد دورات تكوينية لإغناء الرصيد القانوني والمعرفي في مجال الترافع، كما دعوا المحافظين على الأملاك العقارية إلى فتح المجال لتقديم التعرضات على مطالب التحفيظ المقدمة من طرف المياه والغابات.
وفي سياق متصل، أعلن المشاركون في اللقاء الدراسي المنظم في وقت سابق بمدينة تيزنيت من قبل شبكة جمعيات محمية أركان للمحيط الحيوي بجهة سوس ماسة درعة، بمعية المتضررين من عمليات التحديد الغابوي بإقليمي تيزنيت وسيدي إفني، عن إطلاق عملية كبرى لجمع 10 آلاف توقيع للمطالبة بتحيين القوانين المنظمة لعملية تحديد الملك الغابوي بمجال أركان، ووضع حد للأضرار الناجمة عن الرعي الجائر وتنامي ظواهر البناء العشوائي والمنظم (تفويت المجال الغابوي للخواص) في مجال المحيط الحيوي لأركان.
وفي اللقاء ذاته، طالب المتضررون بإعادة النظر في المساطر القانونية وآليات تحديد الملك الغابوي، بالشكل الذي يضمن حقوق السكان المحليين في الاستفادة المباشرة والعادلة من الثروات الطبيعية ومراجعة وضعية المجالات التي تم تحديدها سابقا من أجل إنصاف ذوي الحقوق المتضررين، فضلا عن العمل على جبر الضرر الجماعي والفردي والتحديد «الأحادي والتعسفي» - حسب قولهم - للملك الغابوي، وشدد المتضررون على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية حقيقية وفعالة مع السكان كمنهج أساسي لتأطير عمليات تدبير المجال، وذلك عبر الوقف الفوري لكل عمليات تحديد وإعادة تحديد الملك الغابوي بمجال الأركان إلى حين مراجعة المساطر القانونية وإنصاف ذوي الحقوق، كما دعوا إلى التعبئة الشاملة للجماعات المحلية بغية إرساء قواعد التنمية المستدامة على أساس المحافظة على الموارد الطبيعية وحماية وتثمين مجال الأركان بمكوناته الثقافية واللغوية والطبيعية، كما دعوا النواب البرلمانيين إلى تبني القضايا الحيوية والإشكالات الكبرى بمجال الأركان ضمن ملفات الترافع النيابي في أفق اقتراح قوانين بديلة تصون حقوق السكان المحليين وتحافظ على التوازن الإيكولوجي بالمنطقة، ووجهوا دعوة أخرى لكل الخبراء القانونيين والفاعلين المؤسساتيين والجمعويين والباحثين إلى الانخراط في اللجنة الموضوعاتية المشتركة التي ستعمل على إعداد ملفات الترافع وصياغة مشاريع قوانين متعلقة بحماية وتنظيم المجال.
شهادات صادمة
وخلال اليوم الدراسي، توالت شهادات المتضررين من عمليات التحديد الغابوي بجهة سوس، وأكد العديد من المتدخلين على أن لجن التحديد لم تستشرهم مطلقا في تحديد أملاكهم، بل تم تضليل الكثير منهم بالقول إن الأمر يتعلق بربط المنطقة بشبكة الماء أو الكهرباء أو الهاتف وغيرها من البنيات التحتية الضرورية للحياة، فيما يؤكد البعض الآخر أن «أجوبة القائمين على التحديد تُحمل مسؤولية ما يقع لموظفين سابقين، فيما أوضحت إحدى الشهادات الأخرى بجماعة «أملو» بآيت باعمران، أن المياه والغابات منعتنا من بناء وحرث وتسييج أملاكنا بالحجارة، وفرضوا علينا غرامة توجهنا على إثرها إلى المحكمة»، مضيفا أن «أملاكنا التي نتوفر بشأنها على وثائق قديمة تعود لسنة 1800 ميلادية، لا نملك الحق في استغلالها، فضلا عن أننا اقتنينا الأرض بعُمْلَة «البْسيطة» والوثائق المثبتة توجد بمحكمة سيدي إفني، ولحد الآن بقينا بلا سكن بسبب مطالبة سلطات التعمير بترخيص من المياه والغابات»، منهيا كلمته بعبارة «اللهم إن هذا منكر».
وفي شهادة أخرى مؤثرة، أوضح أحد الفلاحين بجماعة «أملو» بسيدي إفني، أنه كان ضحية «ذعيرة غير مستحقة» من طرف رجال المياه والغابات، وصلت إلى 16 ألف درهم، اضطر معها إلى بيع بقرتين من أجل تسديدها، وهو الآن مضطر لعدم ممارسة الزراعة بسبب ذلك، فيما أكد متضرر آخر بمنطقة الأخصاص أن علامات التحديد وضعت بالقرب من منزله، وهو ما يجعله يعيش في سجن كبير يَحرمه من استغلال أملاك ورثها عن آبائه وأجداده، مضيفا أن أحد «العمال السابقين بالإقليم عرض عليه التوسيع العمودي للمنزل الذي يقطنه، بدل توسيعه بشكل عرضي وأفقي»، كما اتهم أحد المتدخلين السلطات ب»التواطؤ مع الرعاة» وب»التحايل على القانون».
احتجاجات متواصلة وغضب متنام
طيلة السنوات الماضية، لم تكف حناجر المتضررين بأقاليم الجهة عن الجهر بمدى تضررهم من إجراءات التحديد التي أقدمت عليها الإدارة الإقليمية للمياه والغابات، واستمرت في المطالبة بتعديل المساطر التي وصفوها مرارا وتكرار ب»المجحفة»، وفي هذا السياق، عبر المحتجون عن غضبهم من «عمليات مصادرة الأراضي التي أقدمت عليها المياه والغابات بناء على المرسوم 1018-01-2 الصادر في 13 يونيو 2001»، وقالوا في الشكاية التي وجهتها 15 جمعية بمنطقة آيت باعمران إلى السلطات الإقليمية «أن المياه والغابات بتيزنيت لم تراع الخصوصيات الاجتماعية والجغرافية للمنطقة، ولم تحترم توارثهم لتلك الأراضي أبا عن جد»، وهو ما سيؤدي حسب الجمعيات المشتكية إلى «تعميق الفقر بالمنطقة، خاصة وأن شجرة أركان تعد من المصادر الأساسية للعيش لدى الساكنة، كما ستؤدي إلى تسريع وتيرة الهجرة نحو المدن»، الأمر الذي سينعكس سلبا على التوازن الاجتماعي والاقتصادي بالمنطقة. ونددت الجمعيات ذاتها في بيان صادر عنها بالخطوات التي أقدمت عليها مصلحة المياه والغابات، معتبرة أنها ترمي إلى «تهجير السكان، بحكم ارتباطهم بالأرض وشجرة الأركان».
كما احتج في وقت سابق سكان بدائرة الأخصاص، ضد سياسة التحديد الغابوي المنتشرة في السنوات الأخيرة بالمنطقة، وطالبوا في الوقفة والمسيرة التي انطلقت من أمام جماعة سيدي مبارك القروية قبل أن تستقر بمركز بلدية الأخصاص بعد أن توقفت أمام عدد من الإدارات المعنية بتدبير الملف، (طالبوا) بالوقف الفوري لسياسة التحديد، ونددوا في الآن نفسه بما أسموه «إقصاء» الإقليم الجديد من عضوية الفدرالية الوطنية لذوي الحقوق ومستغلي مجال الأركان بعد فشل الجهود المبذولة لتأسيس الفرع الإقليمي بسيدي إفني لمرتين متتاليتين. وخلال الوقفة التي نظمت بالأخصاص، رفع المحتجون صور الملك والأعلام الوطنية، وأكدوا في البيان الذي أصدروه باسم التنسيقية المحلية لحماية شجرة الأركان (مذيل بأكثر من مائة توقيع)، على أن السكان ينتظرون حلا حقيقيا ومعقولا يحفظ للملاكين الحقيقيين أملاكهم، ويضمن لهم حرية التصرف فيها، كما أعلنوا وقوفهم ضد سياسة المندوبية السامية للمياه والغابات الرامية إلى نزع ملكية الأراضي من السكان بحجة تحديد الملك الغابوي.
«بوغنجة» والغابة المخزنية
في السياق ذاته، عبر سكان جماعة «أكلو» بإقليم تيزنيت، عن غضبهم الشديد من قرار الإدارة المركزية للمياه والغابات الرامي إلى تحديد قسم من غابة «بوغنجة» وإلحاقه بالغابة المخزنية، دون مراعاة حقوق التملك وظروف عيش وراحة السكان المالكين لتلك الأراضي، وأعلن المتضررون مواعيد للغضب الشعبي بالمنطقة، تعرضوا خلالها ميدانيا لعملية التحديد، مشددين على ضرورة تصحيح ما أسموه ب»المغالطات» التي يتوصل بها المندوب السامي من الإدارة المحلية، التي تسعى –حسب السكان- إلى تفويت أراض خاصة توجد بمناطق سياحية لفائدة كبار المنعشين، كما أكدوا على أنهم لن يتنازلوا عن أي شبر في أراضيهم، مهما كلفهم الأمر من تضحيات.
وارتباطا بنفس الموضوع، اشتكى 40 دوارا ينتمون لمشيخة «آيت بوياسيين»، ومشيخة «إدغزال» بجماعة سيدي مبارك، من تحديد الأملاك الغابوية من طرف مصالح المياه والغابات التي أوهمت الساكنة –حسب الشكاية- بأن الأمر يتعلق بدراسة لتزويد الدواوير المشتكية بالكهرباء والماء الصالح للشرب، وهو ما ترتب عنه وضع الأعلام بأملاكهم الخاصة.
وفي موضوع ذي صلة بسياسة التحديد الغابوي المنتشرة بالمنطقة، عبرت خمسون هيئة محلية بإقليم سيدي إفني عن غضبها الشديد من إقدام الإدارة على تحديد أملاكهم المتوارثة منذ مئات السنين، كما عبروا عن تخوفهم من تفويت الأملاك المتواجدة بغابة «بورصاص» التي تضم مناطق تدعى «تولاشت، أكندو، تزايفت» الواقعة بتراب ثلاث جماعات قروية تابعة للإقليم، وهي جماعات «اثنين أملو، تيوغزة، وميراللفت».
وكان الغليان الشعبي في المنطقة، قد تسبب في رفع دورة سابقة للمجلس القروي لجماعة أكلو، وفتح نقاش عمومي مع الساكنة المتضررة، أسفرت خلاصاته النهائية عن رفض التحديد الغابوي بصفة إجمالية، والتأكيد على ضرورة رص الصفوف لمنع اللجنة المكلفة من وضع علامة التحديد الأولى، كما استغرب المتتبعون عدم احترام المياه والغابات لمقتضيات القانون (11.03) المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، وهو قانون يهدف إلى وضع القواعد الأساسية والمبادئ العامة للسياسة الوطنية في مجال البيئة، ومنها تحسين ظروف عيش الساكنة، ووضع نظام خاص بالمسؤولية يضمن إصلاح الأضرار البيئية وتعويض المتضررين، واستدلوا على ذلك ب»عدم مراقبة الشركات المستغلة لمقالع (إغزر أمنصور) التي لم تحترم –حسب السكان- ما ورد في دفتر التحملات.
تنسيقية لرد الاعتبار
عقدت مجموعة من التنظيمات الجمعوية والفعاليات السياسية والحقوقية لقاءات عامة تحت اسم تنسيقية أدرار لمحاربة التحديد الغابوي، نددت خلالها بممارسات الإدارة الوصية التي اعتمدت على ظهائر تعود لفترة الحماية، وخاصة على ظهير 1 يوليوز 1914، معتبرة أن «الإصرار على التنفيذ لا يمثل إلا تنزيلا سيئا لمقتضيات الدستور الجديد، وضربا في العمق للاستقرار الاجتماعي للساكنة المحلية، ومسا خطيرا لبنيات قبلية تجذرت منذ قرون خلت. وحذرت الهيئات المنضوية تحت لواء التنسيقية جميع السلطات المحلية والإقليمية من المضي في توتير الأوضاع بالمنطقة، قائلة إن «الأوضاع المتوترة أصلا تقتضي العمل على نزع فتيل التوتر»، وحملتها كامل المسؤولية فيما سيترتب عن الإصرار على تنفيذ قرارات وصفتها ب»اللاشعبية والاستفزازية»، مهددة بالدخول في أشكال نضالية غير مسبوقة صونا لأراضي الخواص و حقوقهم، وداعية جميع التنظيمات السياسية والحقوقية إلى تقديم الدعم و المؤازرة، والنضال من أجل منع «اغتصاب الأراضي من ملاكيها الأصليين».
تيغيرت وسياسة نزع الأملاك
احتجت ثلاث قبائل تابعة لقيادة تيغيرت،» وهي قبائل إدبنيران وآيت كرمون وآيت همان» ضد قرار التحديد الغابوي، وقالت الجمعيات المحلية في بيان توصلت به «المساء» في وقت سابق، إن «المياه والغابات وبعض المنتخبين مارسوا سياسة التضليل والتعتيم ضد السكان»، مضيفة أنه «في الوقت الذي كنا ننتظر فيه من الدولة التدخل لوقف معاناة سكان هذه الجبال مع الجفاف والفقر والعزلة والتهميش، تفاجأنا بقرار إدارة المياه و الغابات تحفيظ أراضي تحت مسمى الملك الغابوي، دون احترام المسطرة القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات وإشعار السكان بذلك، وإشراكهم في الاجتماعات الخاصة بالموضوع حتى يتسنى لهم تقديم المستندات والحجج التي تثبت حقوقهم داخل الآجال القانونية»، ومشيرة في الشكاية الموجهة إلى عدد من الجهات الوصية محليا وإقليميا، إلى أن الأرض المطلوب تحديدها لم تكن أرضا خلاء بدون مالك، كما أن السكان يتوفرون على جميع الرسوم والمستندات التي تعود لمئات السنين تثبت ملكيتهم، وهي وثائق سابقة على ظهائر استعمارية لا زال العمل بها إلى غاية اليوم، منذ سنوات 1916 و1917 و 1925.
واعتبر المتضررون عدم تسجيل السكان لأراضيهم في سجلات المحافظة العقارية «لا يبرر انتزاع الدولة لها على اعتبار أن عملية تحفيظ هذه الأملاك تتطلب مبالغ مالية كبيرة لا طاقة للسكان بها في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشون فيها» وهي الظروف التي دفعت الكثير منهم إلى الهجرة داخل وخارج الوطن، واعتبروا سياسة نزع الأراضي بهذه الطريقة خرقا سافرا لحق الملكية المحمي دستوريا، والمصون بمقتضى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في مادته 14 «على أن لكل شخص حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره و على عدم جواز تجريده من ملكه تعسفا».
رد المياه والغابات
أوضحت مصادر مسؤولة من داخل مصلحة المياه والغابات بتيزنيت أن عمليات التحديد الغابوي الذي قامت به الإدارة تم «بشكل قانوني، بناء على مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 3 يناير 1916 والمغير سنة 1946، والذي سن نظاما خاصا لتحديد أملاك الدولة، وكذا بناء على الظهير الصادر في سنة 1922 المتعلق بتسجيل أملاك الدولة المحددة، والظهير الصادر سنة 1917 المتعلق بحماية واستغلال الغابات»، وأضافت المصادر ذاتها أن «الباب الرابع من الظهير الأخير يعترف للساكنة بحقوق الانتفاع بعد التحديد، حيث يجوز لهم جمع الحطب اليابس ورعي المواشي، وجني الثمار واستعمال الأرض لأغراض غير تجارية، وكذا قطع حطب التسخين والتسييج وحطب التفحيم وحطب الخدمة، بالإضافة إلى استخراج التربة والرمل والحجر للاستعمالات المنزلية، والحق في الانتفاع لا يعني بالضرورة ملكية الأراضي، وأغلب السكان لا يتوفرون على حجج ووثائق تثبت ملكيتهم للكثير من تلك الأراضي».
وفي الإطار نفسه، أوضح المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر في مراسلة جوابية لشكاية ساكنة آيت باعمران، بأن «التحديد الإداري للغابة المخزنية تم في إطار تصفية وضعية الوعاء العقاري للملك الغابوي بتيزنيت»، وأكد أن القانون يخول للسكان الذين فاتهم التعرض أثناء مرور لجنة التحديد تقديم تعرضاتهم للسلطة المحلية التي وضع محضر التحديد بين يديها، مع ضرورة تثبيت التعرض بتقديم مطلب التحفيظ لدى المحافظة العقارية في أجل 3 أشهر التي تلي فترة إيداع المحضر. وجوابا على القول بأن السكان لم يخبروا بعملية التحديد، أكدت المصادر ذاتها أن «تسجيل السكان لتعرضاتهم لدى السلطات المحلية المعنية، يدل على أنه تم إخبارهم في الآجال القانونية».
الانتخابات والمرسوم المثير للجدل
لم يستسغ عدد من سكان إقليم تيزنيت إقدام الوزير الأول السابق عباس الفاسي على توقيع مرسوم عشية الانتخابات الجماعية (24 نونبر 2012) يقضي بتحديد الملك الغابوي المسمى «تلال رسموكة» الواقع بتراب جماعة وقيادة رسموكة، ويسند فيه مهمة تنفيذ مضامين المرسوم للمندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، وبناء على ذلك أكد الأخير في إعلان صدر باسمه تعيين الفاتح من فبراير من السنة الجارية موعدا للشروع في عملية تحديد الملك الغابوي المذكور بجماعة رسموكة، على مساحة تقدر ب»1468 هكتار» (منها 37 آرا و23 سنتيارا)، يحدها شمالا وادي ماسة، وشرقا دوار تلعينت والفيض، وجنوبا دوار سبوية، وغربا حدود جماعة المعدر، مشيرا إلى أن هذه الحدود رسمت بخط أخضر في المخطط، ومضيفا أنه «لا توجد داخل هذه التلال المزمع تحديدها أي قطع محصورة، حسب علمه»، ومعلوم أن جماعة رسموكة تتميز بمؤهلات فلاحية كبيرة، حيث توجد بها مزارع رملية. وقد تسبب القرار المذكور في تأجيج غضب الساكنة المحلية وملاكي الأراضي، الذين حجوا للدورة الاستثنائية للمجلس القروي المخصصة لدراسة نقطة فريدة تتعلق بعملية تحديد المزارع الرملية، وهي النقطة التي رفضها أعضاء الجماعة بالإجماع، كما انتهى الاجتماع بإصدار قرار يفضي إلى تزكية القرار الجماعي في نفس النازلة في سنة 2002 والقاضي برفض أي تحديد وأي تدخل للمياه والغابات، مشددين على عدم السماح بتنفيذها على أرض الواقع نظرا لتعارضها مع مصالح المزارعين وفلاحي المنطقة المشهورة باستيعابها ل 90 بالمائة من فلاحي الجماعة، وبالمغروسات البيولوجية مثل الدلاح والبصل وبعض الفواكه الصيفية مثل العنب والتين وغيرها، بالمزارع الرملية بجماعة أربعاء رسموكة.
وكان وزير الفلاحة الحالي، قد أكد في مراسلة جوابية لنائب برلماني سابق عن دائرة تيزنيت، على أن التحفيظ الجماعي يخضع لمسطرة حددها الظهير الشريف رقم 1,69,174 المؤرخ في 25 يوليوز من سنة 1969، وهي مسطرة خاصة تخضع لها الأملاك الواقعة بالمناطق المتواجدة خارج المدارات الحضرية، والتي يتم فتحها وتحديدها استنادا إلى توفر مجموعة من المعايير، من أهمها موافقة الملاكين والمنتخبين والسلطات المحلية، وملكية الخواص لغالبية القطع الواقعة بالمنطقة المعنية، على أن تكون القطع المعنية ذات مساحة متوسطة. وبخصوص فتح منطقة جديدة للتحفيظ الجماعي بجماعة رسموكة، أوضح الوزير أن الوكالة الحضرية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطي ستعمل على إنجاز دراسة هذا الموضوع والبت فيه على ضوء المعايير سالفة الذكر، ومدى توفر الوسائل المادية والبشرية اللازمة، على أن تظل مصلحتا المحافظة العقارية والمسح القاري بتيزنيت رهن إشارة الجماعة المعنية من أجل المساعدة على تحقيق هذا الهدف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.