حين يفضح الدعم البريطاني أنياب الإنكار الجزائري    سقوط غامض لفتاة من شقة بمجمع "الضحى البركة" يُفجّر قلق السكان بالعوامة    جلالة الملك : المغرب تمكن من تعزيز دوره كمحفز استراتيجي للشراكات جنوب-جنوب    بريطانيا : 2025 تمثل فرصة سانحة لحل نهائي لقضية الصحراء المغربية    السعودية تعتبر منع إسرائيل زيارة وفد من الوزراء العرب للضفة الغربية "تجسيدا لرفضها مسلك السلام"    إغلاق فضاءات بيع المواشي بالأسواق الأسبوعية في اقليم الحسيمة    دوري أبطال أوروبا.. الدولي المغربي أشرف حكيمي ضمن التشكيلة المثالية للموسم    المغربيان الشيبي والكرتي يتوجان بلقب دوري أبطال أفريقيا رفقة بيراميدز المصري    انتخاب عياش الزين كاتبا جهويا للمكتب الجهوي لأطر ومستخدمي مطار العيون الحسن الأول    معرض "أخوة الروح بالألوان المائية" يجمع الإبداع والدبلوماسية الثقافية بالرباط    بريطانيا تدعم بقوة وصراحة الحكم الذاتي في الصحراء وتفتح آفاقًا استثمارية جديدة بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني    "لا ميريديونال" تعزز أسطولها البحري بسفينة جديدة لتوسيع الربط مع المغرب    المغرب والمملكة المتحدة يعلنان انطلاق مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية الشاملة والمتينة    مندوبية السجون ترد على تصريحات السجين السابق عمر الراضي بشأن ظروف اعتقاله    بايتاس: كلميم وادنون جهة تجمعية بامتياز ومناضلو "الأحرار" يعتمدون نهج القرب في تواصلهم مع المواطنين    البنك الشعبي يستأنف خدماته الإلكترونية بعد خلل تقني أربك الزبناء    يوميات حاج (2): في الإحرام تتساوى الرتب وتسقط الأقنعة الزائفة    حكيمي: لم أحتفل بالهدف احتراما للإنتر    لمنور "أفضل مطربة عربية" بألمانيا    حماس تتهم الاحتلال باستدراج الجوعى    السجائر الإلكترونية المستخدمة لمرة واحدة تهدد الصحة والبيئة!    معهد للسلامة يوصي بتدابير مفيدة لمواجهة حرارة الصيف في العمل    يوم احتجاجي ومراسلة المقررة الأممية وأخنوش.. ائتلاف حقوقي يحتج على حرمان الهيئات من وصول الإيداع    إسبانيا.. مدينة غافا تعيش على إيقاع الأيام الثقافية المغربية    مع اقتراب العيد.. المغاربة منقسمون بين المصلحة العامة وشعيرة الذبح    الشرطي المغربي الذي فر إلى سبتة يتحرر من "الاحتجاز" ويُمنح حرية التنقل في التراب الإسباني    نجيب أقصبي.. مثقف عضوي يناضل من أجل "السيادة" في كل المجالات    فرنسا.. مقتل شخصين واعتقال 559 عقب أعمال شغب إثر فوز سان جيرمان بدوري الأبطال    عطل تقني يظهر أرصدة زبناء البنك الشعبي ب"صفر درهم" والبنك يوضح    فرنسا.. مقتل شاب بأعمال شغب باحتفالات فوز سان جيرمان    ترامب يُقدم نصيحة لماكرون بعد تلقيه صفعة من زوجته بريجيت    "البوليساريو وإيران": كتاب جديد يفضح أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف    انهيارات أرضية وفيضانات شمال شرق الهند تخلف 28 قتيلا    سبعة قتلى في انهيار جسرين بروسيا    الوفد الرسمي للحجاج المغاربة يتوجه إلى الديار المقدسة    طقس الأحد.. أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    توقيف أربعيني بأكادير بتهمة تعنيف فتاتين في الشارع العام    البرازيل تحقق في 12 إصابة جديدة مشتبه بها بإنفلونزا الطيور    الرباط.. تقديم كتاب "البوليساريو وإيران : أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف" للكاتب الصحفي الجزائري أنور مالك    "الفلاحي كاش" وشركتها الأم "القرض الفلاحي للمغرب" تتعاقدان مع "ريا لتحويل الأموال" لتوسيع أنشطتهم في مجال تحويل الأموال دوليا    بيع فندق "أفانتي" بالمحمدية ضمن مسلسل تصفية أصول "سامير"    سقوط قتلى وعشرات الجرحى بنيران إسرائيلية على نقطة لتوزيع المساعدات في رفح    طنجة تستقبل وفدًا اقتصاديًا من فالنسيا لتعزيز العلاقات الثنائية وفرص الاستثمار    فيتينيا يرد بقوة على ليونيل ميسي بعد تتويج باريس سان جيرمان بدوري الأبطال … !    كم تتخيلون تنقيط حكيمي في لقاء نهاية دوري أبطال أوروبا    لن تتخيلوا من هو أفضل مدافع في الدوري الانجليزي … !    جماهير "باريس سان جيرمان" تطالب بوقف "حرب الإبادة" في غزة خلال نهائي دوري الأبطال (فيديو)    استشهاد الدكتور حمدي النجار ملتحقا بأطفاله الشهداء ال9 في خان يونس    طنجة تسجل أعلى حرارة في تاريخها خلال شهر ماي منذ بدء القياسات    موسم الحج لسنة 1446 ه .. الوفد الرسمي للحجاج المغاربة يتوجه إلى الديار المقدسة    العثور على "حشيش" في مكونات حلوى أطفال شهيرة في هولندا    يوميات حاج (1): في الطريق إلى مكة المكرمة .. رجفة القلب تسبق التلبية    مخترع حبوب الإجهاض الطبي يغادر دنيا الناس    طنجة تحتضن الدورة الثانية لمهرجان السينما والمدرسة    كرنفال الطفولة يختتم فعاليات المنتدى الإقليمي للتنمية البشرية بميسور    رواية جديدة تعالج "طوفان الأقصى" .. الكنبوري "لن يعيش في تل أبيب"        ما لم يُذبح بعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خير الدين بربروس .. أمير البحار
ترك بصمات خالدة ودمغ تاريخ الجهاد البحري باسمه
نشر في المساء يوم 09 - 08 - 2014


يوسف الحلوي
كان خير الدين بربروس رجلا استثنائيا في كل شيء، فهو واحد من العظماء القلائل الذين دونوا سيرتهم الذاتية، وواحد من الذين انتقلوا من منزلة الخمول إلى تصدر الأحداث وصناعتها اعتمادا على المواهب الشخصية لا غير، فلم يكن سليل أسرة حاكمة أو ابن ثري من الأثرياء، وإنما كان واحدا من العامة، بدأ حياته بحارا عاديا يمارس الملاحة رفقة إخوانه إلياس وعروج وإسحاق، وقد شكل مقتل أخيه إلياس في عرض البحر واعتقال عروج منعطفا هاما في حياته، حوله من بحار عادي إلى أمير للبحار، كما تسميه الروايات التاريخية. تعرض عروج لأذى شديد في الأسر على نحو ما ذكر خير الدين في مذكراته، فصقل السجن شخصيته وصنع منه رجلا شجاعا لا يخشى الخطر، أضف إلى ذلك أنه تمرس بالملاحة البحرية بعدما استعمله الرودسيون الذين اعتقلوه في مهام التجديف بسفنهم.
تمكن عروج من الفرار من جلاديه والالتحاق بسلطان مصر الذي عينه قائدا على أسطول بحري تجاري، ولم تكن التجارة يومها معزولة عن أعمال القرصنة والقتال البحري، فكان أن أعد عروج للأمر عدته وراح يشن الغارات على رودس معقل خاطفيه القدامى. وهكذا سيلمع نجمه في عالم القرصنة البحرية، وسينضم إليه أخوه خير الدين ليؤازره في مغامراته. كانت السواحل المطلة على البحر الأبيض المتوسط من جهة الشمال الإفريقي هدفا يومئذ للسفن الإسبانية، التي ما فتئت تغير على سواحل تونس والجزائر وتقتطع مدنا بأكملها لصالح القوة الصليبية المتنامية في إسبانيا. لم يكن عمل عروج وخير الدين في البداية نظاميا، لكنهما فعلا ما يمليه عليهما واجبهما الديني في تلمسان والجزائر وتونس كما في الأندلس نفسها، فقد أحصت الروايات أزيد من سبعين ألف مسلم أنقذهم عروج وخير الدين من براثن محاكم التفتيش وحملوهم في أساطيلهم من شواطئ الأندلس نحو الجزائر والمغرب يوم كان هؤلاء يواجهون أعظم محرقة عرفها تاريخ البشرية. حرر عروج وأخوه تلمسان والجزائر العاصمة واتصلا بالسلطان العثماني سليم الأول، الذي عين عروج حاكما على الجزائر. وقد أغاظ ذلك الإسبان ورأوا فيه تهديدا لتواجدهم بالبحر الأبيض المتوسط، فقادوا حملة على عروج انتهت باعتقاله وقتله، وهنا سيستلم خير الدين (خضر) الملقب ببربروس (ذو اللحية الحمراء) القيادة وسيعمل على بناء أسطول بحري قوي بأمر من السلطان سليم الأول، لينتقل بعد ذلك إلى بسط نفوذ الدولة العثمانية على تونس بعد القضاء على الحفصيين بها، وسيعلن عام 1534م تبعية تونس للإمبراطورية العثمانية. استشعرت أوربا خطورة الموقف، وكانت الأخبار تُتناقل في كل الأقطار عن خطورة خير الدين وشجاعته وطموحه الكبير. كان الرجل ينتقل من نصر إلى نصر، فلا يكاد يهدأ له بال حتى يقضي على خصومه، ولم تعد تنجو منه سفينة في كل البحر الأبيض المتوسط بعد أن أحكمت سفنه سيطرتها على منافذه، فأطلق بابا روما نداء تداعت له كل أوربا فحواه أن المسيحية في خطر إن لم تتكاثف جهود البلدان الأوربية لاستئصال شأفة خير الدين، فتشكل حلف صليبي بحري من ستمائة سفينة ضم سفن النمسا والبندقية وإسبانيا وغيرها من البلدان الصليبية، وأسندت قيادة الأسطول إلى واحد من أعظم قادة البحر الذين عرفهم تاريخ أوربا وهو أندريا دوريا، غير أن حملة دوريا التي شارك فيها ستون ألف جندي عام 1538م لم تصمد أمام إصرار خير الدين وحنكته غير خمس ساعات ليتشتت بعدها أسطوله ويتحول إلى غنيمة سهلة في يد خير الدين ورجاله.
كان خير الدين صاحب همة، فما لبث بعد هذه المعركة العظيمة أن جهز أسطولا كبيرا لغزو فرنسا في عقر دارها وحقق عليها انتصارات كبيرة فرضت عليها التفاوض مع العثمانيين والرضوخ لشروطهم. لم يغادر خير الدين البحار حتى لقن أصول خوض غمارها لولده حسن الذي خلفه على إمارة الجزائر. وقد كان مثل والده في كفاحه، فصار خير خلف لخير سلف.
قبل أن يختم بربروس مسيرته المظفرة طلب منه السلطان العثماني تدوين مذكراته لتكون عبرة للأجيال التي ستأتي بعده. ويستطيع قارئ مذكراته اليوم أن يتبين ملامح رجل شغلته قضية عظيمة سامية عن الدنيا ونعيمها، إذ طالما ردد على مسامع أخيه عروج: «ما دام الموت هو نهاية كل حي فليكن في سبيل الله.. رجل منحاز إلى صف الضعفاء، يحصل على الغنائم فيوزعها على الفقراء ويستبقي منها حصة الدولة، لأنه لا يؤمن بالمجد الفردي، بل بمجد الأمة، لذلك كان يسعى سعيا حثيثا لتسود أمته، وقد كان قادرا على الاستئثار بحكم شمال إفريقيا لما قويت شوكته لكنه لم يفعل. وقد حاول بعض ملوك عصره إغراءه بذلك فأبى، إذ لم يكن رجل أطماع ومصالح شخصية، بل كان من النوع الذي يقدم ولاءه للأمة على كل شيء. في عام 1546م وافت المنية بربروس بقصره المطل على البوسفور عن عمر يناهز خمسة وستين عاما. لم تكن رحلة بربروس في الحياة طويلة، لكنه ترك بصمات خالدة ودمغ تاريخ الجهاد البحري باسمه، فلا يذكر مجد الأساطيل العثمانية خصوصا، والإسلامية عموما، إلا مقرونا ببطولاته العظيمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.