بورصة الدار البيضاء تستهل الجلسة بأداء مستقر يميل للصعود    غزة.. انقلاب شاحنة مساعدات يخلف 20 قتيلا ومستوطنون يهاجمون قافلة معونات قرب مخيم النصيرات    سكان غزة يرفعون العلم المغربي في حركة شكرٍ وطنية بعد وصول مساعدات جوية ملكية مغربية    الكاف يعفي الوداد من الدور التمهيدي ويمنحه انطلاقة قوية في الكونفدرالية    إجراء تنظيمي جديد بميناء طنجة المتوسط خلال فترة الذروة    الشرطة تُطيح بمزورين من إفريقيا جنوب الصحراء    نشرة انذارية : امطار رعدية قوية مصحوبة بالبرَد مرتقبة بالحسيمة ومناطق اخرى    ارتفاع وفيات حوادث السير بالمدن وتراجعها وطنيا خلال يوليوز    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    الرجاء يضم معاذ الضحاك من اتحاد تواركة على سبيل الإعارة    "وصل مرحلة التأزم البنيوي".. 3 مؤسسات رسمية تدق ناقوس الخطر بشأن أنظمة التقاعد        الاتحاد الاشتراكي يدعو إلى مراجعة التقطيع الانتخابي        الانتخابات المقبلة... أي نخب سياسية لكأس العالم والصحراء والسيادة الوطنية؟    حزب "النهج" ينبه إلى تصاعد الاحتجاجات ضد التهميش ويستنكر الأسعار الخيالية المصاحبة للعطلة الصيفية    حادث مأساوي يودي بحياة سائق طاكسي ويرسل آخرين إلى مستعجلات الخميسات    حريق مدمر في جنوب فرنسا يخلف قتيلا وتسعة مصابين ويلتهم 12 ألف هكتار        بعد طول انتظار: افتتاح حديقة عين السبع في هذا التاريخ!    الذهب يتراجع متأثرا بصعود الدولار    الهند تعزز شراكتها مع المغرب في سوق الأسمدة عقب تراجع الصادرات الصينية    بطولة فرنسا: لنس يتوصل لاتفاق لضم الفرنسي توفان من أودينيزي    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تعقد اجتماعاً حاسماً لدراسة تعديلات قانونية وهيكلية    مراكش والدار البيضاء أفضل الوجهات المفضلة للأمريكيين لعام 2025    الصين تخصص أكثر من مليار يوان لدعم جهود الإغاثة من الكوارث الطبيعية    المغرب يدرب 23 عسكرية من 14 دولة على عمليات حفظ السلام الأممية    التأمين التكافلي.. أقساط بقيمة 94,9 مليون درهم خلال سنة 2024    "صحة غزة": ارتفاع وفيات التجويع الإسرائيلي إلى 193 بينهم 96 طفلا    إسبانيا توقف خططا لشراء مقاتلات طراز "إف-35"    «أكوا باور» السعودية تفوز بصفقة «مازن» لتطوير محطتي نور ميدلت 2 و3    نيران بطريفة الإسبانية تخلي السياح        بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    حين يضع مسعد بولس النقاط على حروف قضية الصحراء المغربية في عقر قصر المرادية.    بنما تعلن من جديد: الصحراء مغربية... ومبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هي الحل النهائي    سفير إسرائيل السابق في فرنسا يناشد ماكرون: إذا لم تفرض عقوبات فورية على إسرائيل فسوف تتحول غزة إلى بمقبرة    السودان تتعادل مع الكونغو ب"الشان"    الفنيدق: وضع خيمة تقليدية بكورنيش الفنيدق يثير زوبعة من الإنتقادات الحاطة والمسيئة لتقاليدنا العريقة من طنجة إلى الكويرة    وفاة المدافع الدولي البرتغالي السابق جورجي كوستا عن سن 53 عاما        اليد الممدودة والمغرب الكبير وقضية الحدود!    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    لطيفة رأفت تعلن تأجيل حفلها بأكادير وتعد بلقاء قريب    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    خواطر تسر الخاطر    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حزب الاستقلال والأمازيغية.. أية علاقة؟!
في ضوء التحركات الأخيرة لحميد شباط وعقده لقاء بأجدير
نشر في المساء يوم 19 - 01 - 2015

أعاد احتفال حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، بالسنة الأمازيغية الجديدة، وتعطيل مؤسسات الحزب ومقاطعة جلسة دستورية، الحديث حول علاقة حزب علال الفاسي منذ نشأته بالأمازيغية، وهو الحزب الذي كان يوصف من قبل الحركة الأمازيغية ولا يزال عند بعضها على الأقل، العدو رقم واحد.
ويطرح قرار قيادة حزب الاستقلال الاحتفال بذكرى السنة الأمازيغية الجديدة بأجدير، التي كان الملك محمد السادس في أكتوبر 2001 قد وجه منها خطاب أجدير، أسئلة عدة حول مراميها وتوقيتها، خاصة في ظل اتهامات لشباط وحزبه بالاستغلال السياسي لكل ما من شأنه إحراج حكومة غريمه السياسي، عبد الإله بنكيران.
مبادرة حزب حميد شباط الأخيرة ليست هي الأولى في سياق تحقيق المصالحة مع الأمازيغ والأمازيغية، إذ سبق لفريقه النيابي أن طرح سؤالا كتابيا حول ضرورة اعتماد رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا منذ 2013، بيد أن مسعى الاستقلاليين للتصالح مع الأمازيغية لا يمحي تاريخا من العداء لها. فالحركة الأمازيغية لم تنس مواقف الازدراء والاحتقار التي عبر عنها منذ تأسيسه قادة الحزب وفي مقدمتهم علال الفاسي، الذي كان قد أكد في إحدى محاضراته سنة 1972 أن «العربية ستبقى لغة الاتصال بين جميع الفئات المغربية، ونحن لسنا ضد اللهجات البربرية، فهي ما تزال حية متعددة يتحدث بها أصحابها». كما لم تنس تلك الحركة تحميل الاستقلاليين المسؤولية عن أحداث تاريخية من قبيل اغتيال عباس لمساعدي في فاس سنة 1956، وأحداث الريف في سنة 1685 -1959، ونزولهم بكل ثقلهم واستخدام شبكات علاقاتهم لإجهاض كل توجه لقيادة البلد لإعادة الاعتبار إلى مكون أساسي من مكونات المجتمع المغربي.
ومن الدلائل الأخرى التي تسوقها الحركة الأمازيغية عن عداء حزب الاستقلال لها، عرقلة تنفيذ قرار الملك الراحل الحسن الثاني بتدريس اللغة الأمازيغية، الذي أعلن عنه في خطاب 20غشت 1994، وكذا إغلاق «كوليج أزرو» ومنع تدريس اللغة الأمازيغية بباقي المدارس الأخرى. وقبل ذلك كان لافتا الموقف السلبي الذي عبر عنه حزب الاستقلال من معهد الدراسات والأبحاث في اللغة الأمازيغية، الذي تم التصويت عليه عام 1979 دون أن يرى النور، وهو ذات الموقف الذي سيتكرر من اللجنة الوطنية للحفاظ على الفنون الشعبية التي تم إحداثها في أكتوبر 1980.
ومرة أخرى، سيظهر الاستقلاليون أنهم مازالوا أوفياء لإرثهم السلبي من الأمازيغية، رغم أن الأجواء التي طبعت نهاية التسعينيات من القرن الماضي كانت تسير في اتجاه التطبيع مع الأمازيغية ورد الاعتبار لها، إذ لم يتوان عباس الفاسي، الأمين العام الأسبق، عن التصريح في برنامج تلفزيوني على القناة الأولى في سنة 1998، أن حزبه لا يقبل أن تدمج الأمازيغية في المدرسة الوطنية، حفاظا على وحدتها، معتبرا أن مطلب ترسيمها مطلب غير واقعي، على اعتبار أن دسترتها ستطرح إشكالا، حيث ستضطر الدولة إلى اعتماد ازدواجية اللغة بشكل رسمي.
ورغم التحول الذي عرفه خطاب حزب علال الفاسي بشأن المسألة الأمازيغية، بشكل اضطراري بعد الاعتراف الملكي بالأمازيغية الذي جسده الخطاب الملكي بأجدير في سنة 2001 وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إلا أن المتتبعين سجلوا استمرار نفس الموقف السلبي، وهو ما عبر عنه عباس الفاسي مرة أخرى، حينما أكد في الدورة التاسعة للجامعة الصيفية المنظمة من قبل الشبيبة الاستقلالية في شتنبر 2005، أن» حزب الاستقلال سيكافح لكي لا تكون الأمازيغية لغة رسمية»، وهو الموقف الذي أثار سخط الحركة الأمازيغية وأعاد التساؤل حول موقف الحزب.
ولئن كانت علاقة الاستقلاليين بالأمازيغية قد اتسمت على مر السنوات بالعداء والنظرة السلبية، إلا أن لا أحد يمكنه أن ينكر الانقلاب الذي أحدثته القيادة الجديدة التي خلفت عباس الفاسي على رأس الحزب، إذ سارعت في سنة 2013 إلى الإعلان عن اعتبار الثلاثاء فاتح يناير 2965 بالتقويم الأمازيغي، والذي يصادف 13 يناير 2015، يوم عطلة مدفوعة الأجر بجميع المقرات والمؤسسات التابعة للحزب، بل وستطالب باعتماد رأس السنة الأمازيغية ضمن قائمة الأعياد الوطنية، وعلى تسريع تنزيل مضامين دستور 2011 خاصة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية من خلال إصدار القانون التنظيمي للأمازيغية والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
الأكيد أن التحول الذي طرأ على موقف حزب الاستقلال من الأمازيغية في عهد حميد شباط يثير الكثير من الأسئلة حول أهدافه ومدى صدقيته، ويجعل قيادة حزب وصف بالعدو الأول أمام امتحان التخلص من تركة ماض أسود وتحقيق المصالحة مع الأمازيغ.
الجطاري: خطوة حزب الاستقلال تدل على اقتراب ترسيم الاحتفال بالسنة الأمازيغية
أعاد النقاش المثار حول احتفال حزب الاستقلال برأس السنة الأمازيغية إلى الواجهة تعاطي الأحزاب السياسية مع ملف «الأمازيغية» والصراع الذي ينطوي عليه، خصوصا أن حزب العدالة والتنمية دخل على الخط عبر الكاتب العام لشبيبته، خالد البوقرعي، الذي وجه سؤالا في الموضوع للوزير المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، محمد مبديع، من أجل استفساره عن الإجراءات التي ستقوم بها الوزارة تجاه المتغيبين عن العمل بالبرلمان وبعض المؤسسات العمومية من حزب «الميزان».
ملف الأمازيغية ساهم في الرفع من حدة توتر العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال، وتأجيج الخلاف الذي تزايدت حدته منذ تعيين حميد شباط أمينا عاما لحزب «الميزان» وخروجه من الحكومة. وفي خطوة استباقية أشار شباط، في بلاغ أصدره عقب احتفاله بأجدير، إلى ما يمكن أن تخلفه خطوته من ردود أفعال في الأوساط السياسية، إذ قال إن موضوع الأمازيغية « لن يكون مطلقا موضوعا للمزايدات السياسوية أو التكسب الانتخابي، بل هو موضوع المشترك الذي يجمعنا»، منبها إلى ما اعتبرها «المخاطر» التي ينطوي عليها التأخير في حسم موضوع التعددية الثقافية.
وإن ما تشهده العلاقة بين حزب «المصباح» وحزب «الميزان» من صراع يدفع إلى التساؤل عما إذا كان لذلك تأثير على التعددية الثقافية بالمغرب، علما أن هناك من يعتبر أن طبيعة العلاقة بين الحزبين لا يمكن أن تصل إلى حد الصراع، بل هي « مجرد تدافع سياسي بين حزبين، أحدهما يقود الحكومة، والآخر يمارس حقه في المعارضة»، وفق ما يقول بلقاسم الجطاري، أستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة، والذي تحدث عن أن «الأثر الذي يمكن أن يحدثه هذا التدافع في موضوع التعددية الثقافية، قد يكون أثرا إيجابيا، رغم محدودية المجال الذي يمكن أن تناور فيه الأحزاب، وهو ما يزكيه تصريح رئيس الحكومة الذي قال فيه إن ملف الأمازيغية يتجاوز الحكومة، ويفوق مسؤوليتها».
واستحضر الأستاذ الجامعي، في تصريح ل«المساء» تجربة اللجنة الملكية الاستشارية التي كلفت بالنظر في السجال الذي دار في موضوع مدونة الأسرة، مؤكدا أن «الأمازيغية في حاجة إلى لجنة مماثلة، لأنها السبيل إلى إخراج القوانين التنظيمية بعيدا عن منطق الربح السياسي الظرفي، والمزايدات بعيدة المنال».
الخوض في ملف الأمازيغية من قبل الأحزاب السياسية لا يخرج عن نطاق المزايدات السياسية على اعتبار أن هذا الملف يفوق الهيئات السياسية ويتعداها لكونه ملفا يهم جميع مكونات المجتمع المغربي ولا ينبغي توظيفه سيما مع دنو الاستحقاقات الانتخابية، وفق بعض المتتبعين، إضافة إلى أن هذا الملف عرف مرحلة من الجمود وغياب تصور واضح لدى عدد من الأحزاب السياسية، باستثناء بعض التغيير الذي شهده خطاب الأحزاب مؤخرا، وفي هذا الإطار يؤكد الجطاري أن هناك «تطور ملحوظ في طبيعة الخطاب الرائج بخصوص الأمازيغية لدى عدد من الأحزاب المغربية»، مقدما مثالا على «التصريح الذي خرج به الوزير السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية الدكتور سعد الدين العثماني، وهو يطالب بتغيير تسمية «اتحاد المغرب العربي» واستبدالها ب» الاتحاد المغاربي»، عندما كان وزيرا للخارجية، وهو ما يؤشر، وفق الأستاذ الجامعي، على «وجود تصور متقدم لدى بعض المنتسبين إلى هذا الحزب بخصوص صيغ تدبير التعددية الثقافية بالبلد، هذا طبعا بالقياس والنظر إلى وضعية الجمود التي طبعت الخطاب السياسي الذي أنتجته معظم الأحزاب المغربية لمدة طويلة. وهو ما يعطي الانطباع بإمكانية تحقيق الأمازيغية لقدر من المكتسبات من داخل التمثيلية الحزبية المغربية، لاسيما مع ارتفاع أسهم الأجنحة أو التيارات التي تتبنى الطابع الاستعجالي للورش اللغوي والثقافي بالبلد».
خطوة حزب الاستقلال المتمثلة في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية والتغيب عن يوم عمل بالنسبة لأطرها الموظفين، أثارت الكثير من التساؤلات والتصريحات المنتقدة لهذه الخطوة التي صنفت في مجال السعي نحو كسب أصوات الناخبين، لكن بالمقابل هناك من اعتبرها خطوة إيجابية، وفي هذا الإطار يقول الدكتور بلقاسم الجطاري «هي مبادرة ذات أثر إيجابي على المناخ الثقافي الذي يجري فيه سؤال الأمازيغية، أولا من زاوية ترويج خطاب مشروعية مطلب ترسيم الاحتفال بهذا اليوم بين المغاربة جميعهم، من خلال الدعوة إلى الاحتفال وأجرأته وتجسيده، وثانيا تمكين المهتمين بالشأن السياسي بالبلد من قياس مؤشرات الإرادة السياسية التي تملكها الجهات المسؤولة في موضوع إخراج القوانين التنظيمية الخاصة بالأمازيغية إلى حيز الوجود».
غير أن امتلاك القليل من الحدس السياسي والقدرة على استشراف المستقبل القريب يقوداننا إلى التنبؤ بقرب إقدام الدولة على ترسيم رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا، لذا فإن مبادرة حزب الاستقلال لا تخرج عن هذا الإطار، يقول الجطاري، أي لا تعدو أن «تكون محاولة لإظهار مقدار الجهد السياسي الذي يبذله الحزب في سبيل تحقيق مطلب يعرف جيدا قرب موعد تحققه، وذلك بسبب عدم وجود كلفة تشريعية أو مادية أو لوجستيكية كبرى لهذا المطلب».
أفتاتي: هناك من يحاول نحر نضالات الفعاليات الأمازيغية وإيقاظ الفتنة
مصطفى الحجري
مثل كرة ثلج متدحرجة، تحول طلب تقدم به حزب الاستقلال إلى رئيس الحكومة، من أجل اعتماد يوم رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، إلى نقاش سياسي ساخن بعد أن أرفق الطلب بمنح عطلة لموظفي الحزب بالبرلمان في «تمرد» واضح على لائحة العطل الرسمية، ما جعل الأمر يتطور إلى تحذير من حدوث فوضى بالإدارة العمومية، واتهامات سياسية متبادلة بمحاولة إيقاظ الفتنة والعجز عن فتح هذا الملف والتفاعل مع الطلب.
العطلة التي اختفى معها عدد من الموظفين تحولت الآن إلى سؤال كتابي للفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية، سؤال سيتعين على وزير الوظيفة العمومية كشف ملابساته، ما سيجعل تداعيات هذا الأمر مرشحة للمزيد من التفاعل بالنظر للصيغة التي ورد بها السؤال، والتي حذرت من حدوث فوضى بالإدارات العمومية بعد ما تم تداوله من «استفادة موظفين بمجلس النواب، يشتغلون بمديرية الفريق النيابي»، لحزب الاستقلال من عطلة غير رسمية يوم 13 يناير 2014، حيث ظلت المكاتب الموضوعة رهن إشارة إدارة الفريق النيابي، مغلقة طيلة اليوم، كما تم تداول تغيب موظفين آخرين ينتمون للحزب ويعملون بإدارات عمومية، في نفس اليوم ، بمبرر اعتباره عطلة رسمية من طرف الأمين العام حميد شباط.
القيادي في حزب العدالة والتنمية، عبد العزيز افتاتي، أعلن وبشكل صريح في تعليق على ما قام به حزب الاستقلال بأن «ما يحدث هو بحث عن الفتنة وقرصنة لكفاحات ونضال الفعاليات الأمازيغية التي استمرت لعقود قبل أن تتم محاولة الركوب عليها من طرف شخص لا علاقة له بالموضوع».
وقال أفتاتي: «لا أحد يقبل بهذه المقاربة الطائفية التي صدرت من طرف حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال، ونحن نتحدث عن موضوعات لا يمكن القفز عليها أو الترامي عليها لأنها نتيجة تراكم طويل، وتحتاج إلى توافق واسع، سواء تعلق الأمر بعطلة رأس السنة أو بواقع المناطق الأمازيغية أو باللغة».
واتهم أفتاتي الأمين العام لحزب الاستقلال بالسعي إلى نحر نضالات الفعاليات الأمازيغية بعد التصرف بطريقة «طائفية» مع ملف وطني يتعين تدبيره من طرف القوى الحية، وأن يناقش داخل المؤسسات بتنسيق من الملك باعتباره رئيسا للدولة.
وقال أفتاتي إن هذا الملف لا خلاف عليه، قبل أن يتهم شباط بمحاولة بعث الخلاف حول المسألة الأمازيغية وتأخير الملف وبعثرته، وقال إن حقيقة هذا التصرف تكشفها ردود الفعل المنددة بما وصفها ب»البهلوانيات والقرصنة المفضوحة التي يحاول أن يقوم بها بعض الأشخاص ممن لا يترددون في التشويش على قضايا حساسة لا خلاف عليها».
في مقابل ذلك قلل القيادي في حزب الاستقلال عبد القادر الكيحل من أهمية ردود الفعل التي أعقبت المبادرة التي قام بها الحزب، وقال إن ردود الفعل المتشنجة هي نابعة من خصومه الذين لم يرقهم أن يكون الحزب مبادرا لتقديم طلب من أجل أن يكون يوم رأس السنة الأمازيغية عيدا كسائر الأعياد التي يحتفل بها المغاربة، من خلال إدراجه ضمن لائحة العطل الرسمية، مشيرا إلى أن هذه الخطوة كان الأولى الترحيب بها لكن «الخصوم يبحثون دائما عن أسباب لمواراة عجزهم وعقمهم عن القيام بمبادرات حقيقية تجاه القضايا التي تشغل بال المغاربة».
وقال الكيحل إن حزب الاستقلال ليس في موقف دفاع، وأن هذه المبادرة ليست جديدة على الحزب بل سبق له أن طالب بها السنة الماضية، وهو ما يفضح حسب قوله أن الانتقادات الصادرة عن بعض الجهات الغرض منها هو تبرير عجزهم عن القيام بهذه الخطوة التي تهم ملفا يحظى بالإجماع وليس مجالا للمزايدة السياسية.
وردا على كون الانتقادات التي صدرت تجاه الخطوة التي قام بها الحزب لم تصدر فقط من طرف أحزاب سياسية مثل حزب العدالة والتنمية الذي بادر إلى نقل الموضوع للبرلمان، بل صدرت انتقادات أيضا عن بعض الفعاليات الأمازيغية التي اعتبرت لجوء الحزب إلى هذه الدعوة غير بريء وله خلفيات سياسية واضحة، كما أنه صادر عن جهة سياسية تتهمها بعض الأطراف بان لها ماضيا شوفينيا، وأن الأمازيغية قضية طارئة على أجندته، قال الكيحل إن حزب الاستقلال وضع على عاتقه الدفاع عن جميع القضايا التي تهم المغاربة، بما فيها القضية الأمازيغية.
مواقف متباينة للنشطاء الأمازيغ من احتفال الاستقلال ب«أسكاس أماينو»
المهدي السجاري
فجر احتفال حزب الاستقلال بالسنة الأمازيغية «أسكاس أماينو» مواقف متباينة بين نشطاء الحركة الأمازيغية، الذين وصف بعضهم الموقف ب«السياسوي» المرتبط بمرحلة انتخابوية لا تمثل حقيقة ما يعتبرونه مواقف «متعصبة» للحزب تجاه القضية الوطنية، فيما ذهب آخرون إلى الإشادة بالموقف ودعوة باقي الأحزاب إلى تدشين مبادرات مماثلة.
تباين وجهات نظر النشطاء الذين استقت «المساء» آراءهم ارتبطت بمبادئ الأحزاب التي يعتبرها عدد من الفاعلين الأمازيغ «عدائية» للقضية، بل إن رصيد الاستقلال في مجال الدفاع عن ملف الأمازيغية في مختلف أوجهه يظل ضعيفا، فيما تذهب آراء أخرى إلى أن احتفال الحزب بالسنة الأمازيغية، بل واعتبار هذه اليوم عطلة يشكل مصالحة مع القضية، وتحولا «جذريا» في مواقفه.
الناشط الأمازيغي أحمد أرحموش اعتبر أن «ما قام به حزب الاستقلال هو أمر محمود، ومن المحبذ أن تقوم الأحزاب السياسية بنفس شيء». وأضاف: «مبادرة من هذا النوع تعطينا انطباعا في الحركة الأمازيغية بأننا استطعنا أن نلعب أدوارنا في إقناع المجتمع السياسي بعدالة قضيتنا، وبأهمية رد الاعتبار للموروث الثقافي والحضاري للأمازيغية في بلادنا».
وسجل أرحموش أن التوظيف السياسوي في التعامل مع القضايا المصيرية للشعوب غير مقبول من الناحية الأخلاقية، «لكن من الزاوية السياسية حبذا لو عملت الأحزاب على إدماج ملف الأمازيغية في مختلف مقارباتها، وهو العتاب الذي لدينا على حزب الاستقلال أو غيره لأن الأمر مجرد موقف عابر في لحظة عابرة في السنة، ولا أعتقد أنه يعكس حقيقة القناعة السياسية والإيديولوجية لحزب الاستقلال وغيره من الأحزاب».
وأوضح في هذا السياق أنه «بالرجوع إلى أدبيات مجمل التنظيمات السياسية في بلادنا، يلاحظ أن الأمازيغية هي آخر الأولويات، سواء فيما يتعلق بالبرامج السياسية أو الانتخابية أو التعامل اليومي مع هذه القضية»، ومؤكدا أنه من الصعب من خلال الاحتفال والدعوة إلى الاعتراف بالسنة الأمازيغية بناء حكم مفاده أن هناك مراجعة جذرية أو نقدا ذاتيا للتاريخ المشؤوم لحزب الاستقلال في علاقته مع الأمازيغية».
وقال الناشط الأمازيغي: «طبعا كنا سنعتقد أن هناك مراجعة فكرية بالنسبة لملف الأمازيغية لو أن ذلك اخترق جميع أدبيات الحزب»، قبل أن يضيف أن الحركة الأمازيغية تناضل لتراجع الأحزاب السياسية مواقفها تجاه القضية وأن تساهم وتأخذ على عاتقها هذه الانشغالات، وعلى رأسها تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وبخصوص حصيلة الحزب في الدفاع عن الأمازيغية، فيرى أرحموش أن أجندة الاستقلال يتيمة بل يمكن القول بأنها تفتقر لأية حصيلة في مجال الأمازيغية باستثناء الموقف المعبر عنه بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.
«صحيح أن جريدة الحزب تخصص صفحة كل أسبوع للأمازيغية، وهو أمر مشجع، لكن تقييم حصيلة الحزب مرتبط بمدى استعداده لتجاوز والقطع المطلق مع المواقف القومجية المتشنجة والمتطرفة التي سبق أن تبناها إلى حدود المؤتمر الأخير الذي تحمل فيه شباط مسؤولية الحزب»، يضيف المتحدث ذاته.
واعتبر أرحموش أن «الحزب لا زال يعرف ترددا ونوعا من ضعف الشجاعة في تبني مختلف مقومات ملف الأمازيغية، على اعتبار أن هذا الملف لا يتوقف فقط على رأس السنة أو اللغة الأمازيغية وترسيمها ورد الاعتبار لثقافتها وحضارتها، بل هو أكبر بكثير من هذه المقاربة، لأنه ملف مرتبط بالديمقراطية في بلادنا، والتي يمكن القول إنه لا وجود للديمقراطية في بلادنا بدون أمازيغية ولا يمكن أن تكون الأمازيغية بدون ديمقراطية».
ودعا المتحدث ذاته حزب الاستقلال وباقي الأحزاب السياسية إلى الوقوف في لحظة تأمل ومصالحة مع القضية الأمازيغية، والقطع مع الأفكار والتوجهات الإيديولوجية التي لا تتوافق مع المقومات والخصوصيات الوطنية، ومن بينها الهوية الأمازيغية، وأن توضح هذه الأحزاب وتفعل كل ما يتعلق بمطالب الحركة الأمازيغية.
موقف أرحموش الذي لا يرى فيه أي تغيير عميق في موقف حزب الاستقلال، تعززه أمينة بنشيخ، رئيسة التجمع العالمي الأمازيغي بالمغرب، التي تؤكد أنه «لا يمكن الحديث عن تغيير جذري، على اعتبار أنه إذ كان هناك تغيير من هذا القبيل فيجب أن يهم مرجعيات حزب الاستقلال، غير أن البادرة لا يمكن إلا التصفيق لها على اعتبار أنه للسنة الثانية يتم الاحتفال بالسنة الأمازيغية».
بيد أن هذه البادرة، تقول بنشيخ، «يجب التعامل معها بنوع من الاحتياط، على اعتبار أن الاستحقاقات الانتخابية على الأبواب وهناك حملة انتخابية»، مضيفة أن « حميد شباط ربما يتبنى مواقف جديدة، لكن التغيير الجذري يعني تغيير مرجعية الحزب ككل».
وسجلت الفاعلة الأمازيغية أنه «إذا كانت نية الحزب صادقة، فهناك ملفات كثيرة ترتبط بالقضية الأمازيغية من قبيل القوانين التنظيمية التي لم تصدر بعد، وتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية».
وأضافت: «هناك إجراءات لا تحتاج لقوانين، فقد كان بالإمكان أن تسمى شوارع مدينة فاس مثلا بأسماء أمازيغية، وأن تتخذ الجماعات التي يرأسها الحزب قرارات إيجابية إذا كان بالفعل يتبنى الملف بالشكل الذي نريد، وليس فقط من خلال موقف عابر فقط».
لكن هذه المواقف التي لا ترى في مبادرة الاستقلاليين بالاحتفال برأس السنة الأمازيغية تغييرا في مبادئ الحزب، بل مجرد حدث عابر لا يخدم في العمق القضية الأمازيغية، تقابل بمواقف بعض النشطاء الذين يرون في هذا التحرك منعطفا وجب الوقوف عنده.
الناشط الأمازيغي أحمد الدغرني اعتبر في تصريح ل»المساء» أن «ما قام به حزب الاستقلال يعبر عن تغييرات عميقة وليس بموقف سطحي، وهو مرتبط بالتطورات الداخلية على مستوى القيادة».
وأشار في هذا السياق إلى أن»الخلفيات السياسية مطروحة لأن أي حزب السياسي لا يتخذ مواقف مجانية بل يستفيد منها سياسيا، لكن المبادرة عميقة»، مضيفا أن «هذا الموقف يعبر عن تغيير جذري في سياسة حزب الاستقلال ويشكل قطيعة مع مواقف سابقة».
مبادرة حزب الاستقلال، وإن خلفت تباينا في مواقف النشطاء الأمازيغ، إلا أنها طرحت السؤال حول الأدوار التي تلعبها الأحزاب السياسية في خدمة القضية، ليس فقط من خلال مواقف «رمزية»، بل أيضا من خلال الدفع بإخراج القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية إلى حيز الوجود، وتبني القرارات التي تعيد الاعتبار لمكون أساسي من مكونات الهوية الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.