قطر ترفض تصريحات "نتانياهو" التحريضية على خلفية وساطتها في هدنة الحرب على غزة    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    بعد خيباته المتراكمة .. النظام الجزائري يفتح جبهة جديدة ضد الإمارات    في خطوة رمزية خاصة .. الRNI يطلق مسار الإنجازات من الداخلة    برشلونة يهزم بلد الوليد    منتخب "U20" يستعد لهزم نيجيريا    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    العثور على ستيني جثة هامدة داخل خزان مائي بإقليم شفشاون    إسرائيل تستدعي آلاف جنود الاحتياط استعدادا لتوسيع هجومها في قطاع غزة    الوداد يظفر بالكلاسيكو أمام الجيش    من الداخلة.. أوجار: وحدة التراب الوطني أولوية لا تقبل المساومة والمغرب يقترب من الحسم النهائي لقضية الصحراء    جلالة الملك يواسي أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    الناظور.. توقيف شخص متورط في الاتجار في المخدرات وارتكاب حادثة سير مميتة وتسهيل فرار مبحوث عنه من سيارة إسعاف    حقيقة "اختفاء" تلميذين بالبيضاء    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    البكاري: تطور الحقوق والحريات بالمغرب دائما مهدد لأن بنية النظام السياسية "قمعية"    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    أمسية احتفائية بالشاعر عبد الله زريقة    نزهة الوافي غاضبة من ابن كيران: لا يليق برئيس حكومة سابق التهكم على الرئيس الفرنسي    قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 63 عالميا في جاهزية البنيات المعرفية وسط تحديات تشريعية وصناعية    52 ألفا و495 شهيدا في قطاع غزة حصيلة الإبادة الإسرائيلية منذ بدء الحرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    تفاصيل زيارة الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت وترؤسها لحفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وغالوديت    حادث مروع في ألمانيا.. ثمانية جرحى بعد دهس جماعي وسط المدينة    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    المغرب يبدأ تصنيع وتجميع هياكل طائراته F-16 في الدار البيضاء    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصحاب الإعاقة الحركية.. أمام ممارسات مجتمع «لا يعترف» بآدميتهم
وجهوا انتقاداتهم للسلطة المحلية التي لا توفر لهم أبسط الخدمات
نشر في المساء يوم 01 - 09 - 2009

يعاني الأشخاص ذوو الحركة من صعوبات جمة مع وسائل النقل العمومية، وهو ما يعتبرونه ظلما من المجتمع الذي لا يأخذ أوضاعهم بعين الاعتبار ولا يوليهم ما يستحقون من عناية ورعاية. سائقو الحافلات، كما أصحاب سيارات الأجرة، يتناسون أن ذووي الإعاقات الحركية يستحقون اهتماما خاصا تفرضه خصوصية الحالات التي يعيشونها على غرار ما يحظى به نظراؤهم في بلدان أخرى.
جل الأشخاص أصحاب الإعاقة الحركية محرومون من استعمال وسائل النقل العمومي حتى إشعار آخر، ويجدون أمامهم جملة من الصعوبات، تكبل حرية تنقلهم وتصادر حقهم في الاستفادة من خدمات هذا المرفق العمومي. وتبعا لذلك، يكونون مجبرين على تحمل الأضرار التي تلحقهم جراء عدم مراعاة الأماكن العامة والأرصفة الموجودة بالمدينة لإعاقتهم، وعدم ملاءمتها لكراسيهم المتحركة، مما يعرقل مجددا عملية تنقلهم، عبر الطرقات والشوارع والساحات، لعدم توفرها على ولوجيات تسهل عليهم عملية المرور، كل ذلك، لأسباب لها ارتباط وثيق بطبيعة نظرة الدولة والمجتمع إليهم.
العديد من أصحاب الكراسي المتحركة، في تصريحات متفرقة ل«المساء»، وجهوا نقدهم اللاذع إلى كل من السلطات المحلية والمجالس المنتخبة، وأشاروا إليها بأصابع الاتهام في ما يخص تقصيرها الواضح في إبداء نوع من الجدية إزاء المشاكل التي يعانون منها مع قطاع النقل، وعدم المبادرة إلى توفير أبسط الخدمات المتعلقة به، سيما في ما يتعلق بضرورة تزويد الحافلات بولوجيات سهلة، وأماكن خاصة بهذه الفئة، والتعامل بحزم وصرامة شديدين مع سائقي سيارات الأجرة الذين يرفضون نقل أصحاب الكراسي المتحركة، وقالوا إن استمرار الوضع على ما هو عليه حاليا يشكل انتهاكا جسيما لحقوقهم، ويكرس منطق التمييز والتفرقة والعنصرية الممارس في حقهم.
مثل هذه الحالات قد يصادفها المرء في مناسبات عديدة، سواء أثناء تجوله في الشارع العام، أو حين جلوسه بمقهى مترامية كراسيها على حافة الطرقات، فالعديد من مستخدمي الكراسي المتحركة يعانون الأمرين مع أغلب سائقي الطاكسيات، الذين يمتنعون عن نقلهم لأتفه الأسباب، ويتهربون من مسؤولية خدمتهم. وفي الكثير من الأوقات، قد لا يجد أصحاب الإعاقة الحركية من خيار سوى الاعتماد على سواعد أيديهم، أو طلب مساعدة الآخرين للتنقل إلى الوجهة التي يريدون، حيث يضطرون إلى تحمل مرارة التنقل، في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها لا تراعي كرامتهم وإنسانيتهم.
في انتظار سيارة أجرة
بالقرب من محطة لحافلات النقل الحضري بشارع »محمد الخامس«، أكبر شوارع المدينة، كانت الساعة تشير إلى العاشرة والنصف حينما حجز شاب في الثلاثينات من عمره، وهو جالس على كرسيه المتحرك، مكانا له على حافة الطريق، بدا وكأنه يسترجع أنفاسه، بعدما استطاع بشق الأنفس، تجاوز المحور الطرقي الذي يخترقه شارع «جون كيندي»، أخذ نفسا طويلا، ثم شرع في التلويح بيده، في اتجاه سيارات الأجرة الصغيرة المارة أمامه بالعشرات، لعل الحظ يسعفه في أن يظفر بواحدة منها تقله إلى الوجهة التي يريد.
كان اليوم حارا جدا، مرت أزيد من ساعة من الزمن، والشاب المقعد يترقب التفاتة سائق يشفق من حاله، سيما وأن العرق بدأ يتصبب بغزارة من وجهه وجسده من كل جانب، حاول جاهدا الاقتراب بكرسيه المتحرك من في أن تفعل به ما تشاء، فلم يجد بدا من الاستمرار في التلويح بكلتا يديه هذه المرة، بعدما أبدى إصرارا كبيرا على نيل مراده، لكن دون جدوى، رغم أن أغلب «الطاكسيات» التي مرت من أمام عينيه كلمح البصر، لم تكن تقل أي زبون، ليقرر بعدها تحريك كرسيه بيديه المنهكتين، وهو يهمهم همهمات غير مفهومة، شاقا طريقه، جنبا إلى جنب مع السيارات والدراجات النارية والحافلات، بعدما دب اليأس في نفسه من طول الانتظار.
«والله أخويا ما نكذب عليك، هاذي تقريبا شي عشر شهور ما ركبت فشي طاكسي، تاشي واحد متيبغي يحبس ليا، مالي ماشي بنادم»، يقول نور الدين، (30 سنة)، الذي أجبرته إصابته في العمود الفقري في حادثة سير خطيرة إلى ملازمة كرسيه المتحرك، بنبرة ممزوجة بالإحساس بالحكرة والدونية، مجسدا ل «المساء» معاناته مع وسائل النقل الحضري داخل المدينة، ومعاناة أمثاله من الأشخاص الذين لديهم إعاقة حركية، مضيفا «قليل فاش كيوقف لينا شي طاكسي، شتي لما كانش كيعرفك مزيان، ويحشم منك، والله لا وقف». ويحكي الشاب المقعد أنه ظل، ذات يوم، يلوح لسيارات الأجرة على طول شارع «المسيرة» إلى أن اكتشف أنه بلغ منزله من حيث لا يدري، دون أن يتمكن من الاستفادة من هذه الخدمة كغيره من المواطنين.
يصر سائقو الطاكسيات على أن هناك عوائق متعددة تحول دون تلبية رغبة هذه الفئة، وتتمثل بالخصوص في عدم توفر السيارة على مكان مناسب لوضع الكرسي المتحرك، سيما، يضيف أحدهم، بعد أن تم إجبار أصحاب سيارات الأجرة على إزالة حامل الأمتعة «بورط باكاج» الذي كان يوجد فوقها، إضافة إلى الحاجة المتكررة لطلب يد المساعدة من الآخرين لتمكين المعاق حركيا من الولوج إلى داخل الطاكسي، وكذلك الأمر عند وصوله إلى وجهته، والوضع يزداد حرجا، يضيف مصطفى، عندما يتعلق الأمر بفتاة مقعدة، ثم إن الجهل بطريقة التعامل مع الكرسي المتحرك، يضيف المتحدث، يثير ضجر السائقين وغضبهم، ويدفعهم إلى الرحيل سريعا عن المكان، دون تلبية خدمة هذه الفئة من الزبناء، هذا في الوقت الذي اعتبر فيه عدد من السائقين أن سيارات الأجرة غير صالحة البتة لتنقل مستعملي الكراسي المتحركة، وقالوا إن الوسيلة الأفضل لتنقلهم هي الحافلة.
لا مبالاة الحافلات
من المؤكد أن جميع حافلات النقل الحضري التي تجوب شوارع المدينة طولا وعرضا، تفتقر للشروط الدنيا التي تمكن أصحاب الإعاقة الحركية من استعمالها والولوج إلى داخلها بكيفية سليمة، وفي ظروف طبيعية، بعيدة عن كل ما من شأنه أن يلحق بهذه الفئة أضرارا ومتاعب هم في غنى عنها، فالصعود إلى الحافلة بالنسبة إلى أصحاب الكراسي المتحركة هو من المستحيلات، بسبب العلو المرتفع لبابها، الذي يبدو أنه مخصص فقط لأصحاب العضلات المفتولة، وحتى وإن قدر لمقعد أن يجاوزه، فإن المعاناة تستمر إلى داخل الحافلة، حيث لا تتوفر هذه الأخيرة على أماكن خاصة بهذه الفئة، ما يجبر أفرادها على التزاحم والتدافع مع الأسوياء، بغرض الظفر بمكان آمن يقيهم شر المصائب الجمة التي تحدث في داخل هذه «الطوبيسات».
«شوف أصاحبي، والله كون مكانوش هاذ وليدات الخير، اللي كانتصادف معاهوم هنا في المحطة، كون عمري ماغادي نركب الطوبيس، هما مساكن اللي كيهزوني بكرسيا للداخل»، بهذه العبارة كشف ياسين، (27 سنة)، طريقة استعماله لحافلات النقل الحضري، مضيفا أن هذا الأمر قد لا يناله في مناسبات عديدة، يحرم خلالها من الاستفادة من هذه الخدمة، لخلو محطة «الطوبيسات» من أي شخص قد يساعده على صعود الحافلة، مشيرا إلى أنه يضطر إلى الوقوف تحت الرصيف، مع ما يمكن أن يشكله ذلك من أخطار على سلامته، ليكون على أهبة الاستعداد، في حالة وجود «ولاد الخير»، لركوب الحافلة، الذي لا يكون سهلا، سيما في ظل عدم اكتراث جل الراكبين لوضعيته.
ويقول ياسين، الذي كان قد فقد رجليه في حادثة قطار، عندما كان في رحلة لتشجيع فريقه النادي القنطري، إنه بالرغم من المشاكل الجمة التي يلاقيها ذوو هذه الإعاقة مع الحافلات، نتيجة عدم احترامها للضوابط المنصوص عليها في القانون، الذي يلزمها بضرورة توفير ولوجيات سهلة تراعي خصوصيات هذه الفئة، فإنها تظل الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم للتنقل حيثما أرادوا، على حد تعبيره.
وهو ما أعرب عنه محمد خيي، رئيس جمعية تعنى بالجانب الرياضي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، سيما منهم أصحاب الكراسي المتحركة، بقوله «النقل والتنقل يشكلان هاجسا حقيقيا للأفراد الحاملين لمثل هذه الإعاقة، وهو ما يطرح أمام الجمعيات المهتمة بشؤونهم مشاكل بالجملة، وحواجز جمة تعيق تحركاتهم، وتعرقل مشاركتهم في العديد من الأنشطة»، ما يكرس، حسبه، استمرار إحساسهم بالدونية وسط المجتمع.
وكشف خيي أن مثل هذه المواقف عاشها في مناسبات عديدة مع أعضاء جمعيته، حينما كانوا يهمون بالمشاركة في نشاط خاص بأصحاب الإعاقة الحركية، حيث يمتنع أصحاب سيارات الأجرة عن نقلهم، بذرائع ومبررات مفتعلة وواهية، كأن يتمترسوا مثلا، يزيد موضحا، وراء عدم وجود مكان مخصص لوضع الكرسي المتحرك، أو ادعاؤهم بأنهم أنهوا عملهم، مشيرا إلى أن هذه المعاناة تتكرر أيضا مع حافلات النقل الحضري، التي يصعب على أصحاب الإعاقات الحركية استعمالها، من جهة، للعلو المرتفع لبابيها، والحاجة إلى مساعدة الآخرين لتجاوزهما، وافتقادها لأماكن خاصة بهم، ومن جهة أخرى لكون أغلب السائقين لا يحترمون المدة القانونية للوقوف بالمحطة.
وكشف الفاعل الجمعوي أن هذه الأوضاع، غير الطبيعية في نظره، حتمت عليهم مراسلة العديد من الجهات، بينها محسنون، قصد الحصول على حافلة خاصة بالجمعية، تكون رهن إشارة جميع منخرطيها تفاديا للإحراج الذي يصادفونه بشكل يومي.
كابوس السير والجولان
يفضل أغلب الأشخاص من ذوي الإعاقة الحركية، في حالة ما رغبوا في تغيير الأجواء، المكوث بالقرب من منازلهم، أو الذهاب إلى أقرب مقهى بالحي الذي يقطنونه، تفاديا للمشاكل الكبيرة التي تعترضهم أثناء محاولتهم التجول بالشارع العام، كغيرهم من المواطنين. فالأرصفة والشوارع والممرات الخاصة بالراجلين داخل المدينة، تفتقر كليا لأدنى المعايير والشروط الفنية الواجب احترامها عند إنشائها، والتي من شأنها أن تيسر تحركات أفراد هذه الفئة، وتسهل تنقلاتهم.
«والله هاذ المسؤولين ماتيفكرو فينا، شوف أصاحبي، واش هذا طروطوار ولا جبل، كيفاش معاق بحالي غادي يتجاوزو؟ خص يكونو عندك جنحين، عاد يسهل عليك الله تطلع للرصيف»، يقول عبد الله، (36 سنة)، بنبرة لا تخلو من سخرية، ويزيد متحسرا «أحوالنا للأسف تعرف تطورا هائلا فقط على الأوراق، أما على صعيد الواقع، فأشياء فظيعة تعترضها، يخجل الإنسان من ذكرها، ويكفي القول إن معظمنا لم يستطع ارتياد الشواطئ، خلال هذه العطلة الصيفية، لافتقارها لممرات خاصة بالكراسي المتحركة، ولمراحيض يقضي فيها المعاقون حاجتهم، بعيدا عن أعين المستجمين».
وأضاف المتحدث أن معظم الفضاءات والمرافق العمومية الموجودة بالمدينة تكرس منطق التهميش والإقصاء في حق مستخدمي الكراسي المتحركة، ولا تلبي حاجياتهم، سيما في ظل غياب التجهيزات والبنيات الضرورية، كإنشاء المنحدرات، وتوفير مراحيض خاصة بهذه الفئة، وتزويد الإدارات التي تتوفر على أكثر من طابقين بمصاعد، وزاد موضحا «تنحس بحال إيلا أنا طفيلي على المجتمع، غير مرغوب فيه، فأنا محروم من ولوج الإدارات العمومية والمباني الخدماتية والأسواق والمدارس، وحتى المساجد، لم يحترم تصميمها مصالح أصحاب الكراسي المتحركة، حيث لا تتوفر على الولوجيات اللازمة ولا على مراحيض تراعي إعاقتنا».
عرقلة مشروع الإدماج
يقول إدريس المعيطي، عضو الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك، وهو من ذوي الإعاقة الحركية، إن معظم الخدمات الاستهلاكية المتوفرة موجهة أصلا إلى عموم المواطنين، وتقصي فئة اجتماعية عريضة وهي فئة المعاقين، وكشف أن ذلك يتجسد بوضوح في طبيعة الخدمات المرتبطة بالنقل العمومي، التي تعتبر بالنسبة إلى الأشخاص المعاقين جسديا أداة أساسية لا محيد عنها للاندماج الاجتماعي، بيد أن وسائل النقل العمومي بالشكل الذي توجد عليه حاليا، يضيف المعيطي، لا تلائم ألبتة حاجيات الأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية والأمراض المزمنة، على حد سواء، إذ تختلف هنا درجة الاستقلالية بالنسبة إلى الأشخاص الذين يستطيعون ركوب الحافلة دون مساعدة الآخرين. وزاد موضحا «هناك شبه إجماع على أن هناك إقصاء تاما يصيب الأشخاص المقعدين في الكراسي المتحركة، والتي لا تسمح لهم ظروفهم بركوب الحافلة، مما يضطرهم إلى الاستعانة بأشخاص آخرين للظفر بسيارة أجرة، أو دفع الكرسي المتحرك لنقلهم».
أما في ما يتعلق بالخدمات المتمثلة في الأرصفة العمومية والمسالك، فأكد المعيطي، الحاصل على الإجازة في علم الاجتماع، أن البنية التحية في المغرب تتعمد إقصاء المعاقين من المجال العمومي، وقال «نادرا ما نجد في إدارة من الإدارات العمومية مسلكا خاصا بالمعاقين، وحتى إن وجد، فهو لا يستجيب للمعايير الهندسية المعمول بها عالميا، والكلام نفسه ينسحب على الأرصفة الخاصة، فهي غير موجودة مطلقا»، مشيرا إلى أن أصحاب الكراسي المتحركة يجدون صعوبة كبيرة في صعود الرصيف وفي ظل غياب تطبيق للقوانين المعمول بها هندسيا داخل المجال الحضري، يضيف المصدر، سيبقى مشكل المسالك والأرصفة مطروحا إلى أجل غير معلوم.
التمييز يعيق عملية الإدماج
أعرب عبد اللطيف مستغفر، الكاتب العام للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، عن عميق أسفه لما آلت إليه أوضاع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، سيما منهم أصحاب الإعاقة الحركية، وقال إن الدولة المغربية ترتكب انتهاكات جسيمة في حقهم، تجعلهم يتعرضون بشكل يومي، بقصد أو بغير قصد، لأشكال متعددة من التمييز، مما يزيد، في نظره، من تعقيد عملية إدماجهم في المحيط الذي يعيشون فيه.
ودعا مستغفر الجهات المسؤولة إلى توفير الظروف الملائمة، والترسانة القانونية، التي تضمن لهذه الفئة المشاركة الكاملة والفعالة في المجتمع، على قدم المساواة مع الآخرين، مشددا على ضرورة احترام المواثيق الدولية، التي تنص على حق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في التمتع بكافة الحقوق، والاستفادة من جميع الوسائل التي تساعدهم على مواجهة متطلبات الحياة، مع مراعاة احتياجاتهم عند التخطيط العمراني والاقتصادي والاجتماعي.
ينص قانون رقم 03-10 المتعلق بالولوجيات، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5118 بتاريخ 19 يوينو 2003، في مادته الأولى، على أن البنايات والطرقات والفضاءات الخارجية ووسائل النقل المختلفة تعتبر سهلة الولوج، إذا أمكن للشخص المعاق دخولها والخروج منها والتحرك داخلها واستعمال مختلف مرافقها والاستفادة من جميع الخدمات المحدثة من أجلها وفق الشروط الوظيفية العادية ودون تعارض مع طبيعة الإعاقة.
كما نص القانون نفسه، في المادة 7، على أن البنايات تحاط بتصاميم تسهل ولوج ذوي الإعاقة الحركية المحدودة على مستوى المسارات الخارجية، بموازاة ممرات الراجلين المؤدية إلى هذه البنايات، كما أشارت المادة 10 إلى وجوب إحداث ممرات خاصة داخل البنايات المفتوحة للعموم، تستجيب لوضعية الأشخاص المعاقين من ذوي الحركية المحدودة لتمكينهم من الحركة بكل حرية وسهولة.
بينما تؤخذ بعين الاعتبار، وفق المادة 13، وضعية الأشخاص المعاقين، خاصة ذوي الكراسي المتحركة ومستعملي المعمدات، في مختلف المحطات، ولاسيما وضع صفوف للصعود مع حواجز للحماية، مع إلزامية توفير مقاعد خاصة بنسب متفاوتة داخل وسائل النقل الحضرية والرابطة بين المدن وكذلك بالنسبة إلى القطارات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.