بلكنتها المميزة لم تخف إحدى المراكشيات التي التقيتها بالجديدة تذمرها مما تعرفه المدينة من غلاء لم يستثن شيئا: الكراء، السلع، الخضر، الفواكه، اللحوم، المقاهي، المطاعم… «كلشي نار» تقول تلك المراكشية. في الصيف تتحول مدينة «البريجة» إلى ملجأ للكثير من المغاربة الهاربين من جحيم مدنهم، خاصة المراكشيين. وفي الصيف أيضا يتحول العديد من سكان المدينة إلى سماسرة يتربصون بكل الفارين إلى المدينة كي يرموا بشباكهم عليهم. نساء، أطفال، عاطلون.. الكل متربص عند مدخل المدينة أو في المقاهي وحتى الحدائق، بحثا عمن ينقذهم من حالة الكساد التي تعم المدينة طيلة السنة تقريبا. طبعا، أنا لست ضد من يجعل لنفسه مهنة يسترزق منها خلال فصل الصيف، لكني ضد «الشناقة» في كل المجالات، ضد كل من يستغل الفرص لفرض شروطه على الآخرين، مهما كانت مجحفة، وإلا كيف نفسر أن يصل ثمن مبيت ليلة واحدة في «كارسونيير» 400 درهم. أنا هنا لا أنقل فقط ما رواه لي عدد من المواطنين الذين جاؤوا إلى الجديدة لقضاء عطلتهم، وإنما أحكي ما عشته شخصيا من معاناة جراء ارتفاع أسعار كل شيء. وهي حالة ليست مرتبطة فقط بالجديدة وحدها، بل بالعديد من المدن السياحية المغربية التي تكون وديعة وهادئة في الفصول الثلاثة الأولى من السنة، وفي الصيف «تتسيف» وتصير لها أنياب ومخالب تنقض بها على كل من يزورها. في الصيف الفائت حكى لي أحد الأصدقاء كيف تحولت عطلته الصيفية إلى معاناة حقيقية لأنه فكر أن يقضي عطلته تلك في أصيلة. الأسعار مرتفعة والخدمات رديئة ومن يقدمونها يعبسون في وجهك، يقول صديقي. قبل أن يضيف أنه سبق له أن قضى إحدى عطله الصيفية في إسبانيا ولم تكلفه تلك العطلة ما كلفته عطلته في الصويرة، رغم الفارق الكبير في جودة الخدمات. في الجديدة وجدتني أنا الأخرى في مواجهة لهيب الأسعار. هنا تجد نفسك تنفق كل ما ادخرته طيلة العام في أيام قليلة. المشكل أني اخترت هذه المدينة وأنا أقول لنفسي إن الإقامة بها رفقة عائلتي ستكون في المتناول. إذ ما أعرفه أن أغلب الأسر المتوسطة أو محدودة الدخل تقصدها لأن الإقامة بها بعض الوقت تكون في المتناول. لكني سأكتشف كم كنت ساذجة إلى أبعد حد، وكم أصبح الناس جشعين لدرجة أن بعضهم حولوا كراجات منازلهم إلى مآوي بأثمنة مرتفعة، و»اللي ماعجبوش الحال يسطح راسو مع الحيط». ولأثبت لكم درجة هذا الجشع سأدرج مثالا بسيطا عشته شخصيا، إذ اضطرني التعب إلى القبول ب«المبيت» في مكان وصفه لي أحد السماسرة بأنه «كارسونيير»، قبل أن أكتشف أنه مجرد كراج أو بالتحديد مطرح للمتلاشيات بفيلا في سيدي بوزيد. الطامة الكبرى أن صاحب الفيلا يفرض 300 درهم لليلة على كل من يريد أو وجد نفسه مضطرا، كحالتي، للمبيت به. أثاث هذا «المطرح» لا يتعدى سريرا متهالكا، وصحنا معدنيا مثقوبا! وبرادا بدون غطاء!، ومرحاضا بدون باب تنبعث منه رائحة كريهة وتعبث فيه الصراصير. ألم أقل لكم إنه مطرح للمتلاشيات أو كان عليه أن يكون بالأحرى مطرحا للنفايات. قضيت تلك الليلة في حالة استنفار: لم يغمض لي جفن، وفي يدي أمسك «صندلة الميكة» لمواجهة أي تحرش من أي صرصار. لكن ما كان يخيفني أكثر أن يتأثر طفلي بالرطوبة المتجذرة في المكان لكونه يعاني من الربو. هذا فقط مشهد بسيط مما عانيته وعاناه آخرون مثلي، سواء في الجديدة أو في غيرها، وفي الأخير يتأسف وزير السياحة والعاملون في القطاع على انخفاض عدد السياح وعلى تراجع مداخيل السياحة، وكأنهم لا يدركون بالتحديد سبب هروب السياح الأجانب، وحتى المغاربة، إلى وجهات سياحية منافسة. على أي حال لمن يريد أن يعرف أسباب هذا الفرار الجماعي ما عليه سوى أن يزور مدننا السياحية صيفا وسيطلع على أسباب ذلك الهروب.