تغير المناخ أدى لنزوح ملايين الأشخاص حول العالم وفقا لتقرير أممي    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    مباحثات تجمع العلمي ونياغ في الرباط    أخنوش: تنمية الصحراء المغربية تجسد السيادة وترسخ الإنصاف المجالي    "أسود الأطلس" يتمرنون في المعمورة    الأحزاب السياسية تشيد بالمقاربة التشاركية للملك محمد السادس من أجل تفصيل وتحيين مبادرة الحكم الذاتي    رفض البوليساريو الانخراط بالمسار السياسي يعمق عزلة الطرح الانفصالي    تنصيب عمر حنيش عميداً جديدا لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي بالرباط    الرايس حسن أرسموك يشارك أفراد الجالية أفراح الاحتفال بالذكرى 50 للمسيرة الخضراء    أخنوش يستعرض أمام البرلمان الطفرة المهمة في البنية التحتية الجامعية في الصحراء المغربية    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل المشروع الاستراتيجي ميناء الداخلة الأطلسي حيث بلغت نسبة تقدم الأشغال به 42 في المائة    إطلاق سراح الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي وإخضاعه للمراقبة القضائية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي "سلبية"    المعارضة تقدم عشرات التعديلات على مشروع قانون المالية والأغلبية تكتفي ب23 تعديلا    رسميا.. منتخب المغرب للناشئين يبلغ دور ال32 من كأس العالم    ندوة حول «التراث المادي واللامادي المغربي الأندلسي في تطوان»    مصرع شخص جراء حادثة سير بين طنجة وتطوان    أمن طنجة يُحقق في قضية دفن رضيع قرب مجمع سكني    نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية تترأس تنصيب عامل إقليم الجديدة    كرة أمم إفريقيا 2025.. لمسة مغربية خالصة    "حماية المستهلك" تطالب بضمان حقوق المرضى وشفافية سوق الأدوية    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يضمن التأهل إلى الدور الموالي بالمونديال    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام أوغندا بملعب طنجة الكبير    المجلس الأعلى للسلطة القضائية اتخذ سنة 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع الأداء (تقرير)    لجنة الإشراف على عمليات انتخاب أعضاء المجلس الإداري للمكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة تحدد تاريخ ومراكز التصويت    "الإسلام وما بعد الحداثة.. تفكيك القطيعة واستئناف البناء" إصدار جديد للمفكر محمد بشاري    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة إلى 69 ألفا و179    تقرير: احتجاجات "جيل زد" لا تهدد الاستقرار السياسي ومشاريع المونديال قد تشكل خطرا على المالية العامة    تدهور خطير يهدد التعليم الجامعي بورزازات والجمعية المغربية لحقوق الإنسان تدق ناقوس الخطر    تلاميذ ثانوية الرواضي يحتجون ضد تدهور الأوضاع داخل المؤسسة والداخلية    ليلى علوي تخطف الأنظار بالقفطان المغربي في المهرجان الدولي للمؤلف بالرباط    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يغرق «التحالف العربي» في المستنقع اليمني؟
«عاصفة الحزم» تدخل منعطفا خطِراً مع اتساع رقعة الحرب البرية
نشر في المساء يوم 13 - 09 - 2015

تتوالى الأحداث مسرعة في الساحة اليمنية منذ تفجير الجمعة الدامية (4 سبتمبر). فالضربات الجوية تزداد قسوة، في وقت تواصل القوات البرية للتحالف تجميعها بمحافظة مأرب بآلاف الجنود والآليات الحربية، استعدادا لمعركة تحرير العاصمة صنعاء الحاسمة التي طال انتظارها، وفي مواجهة ذلك تتعالى تهديدات الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع بضرب العمق السعودي بصواريخ باليستية مدمرة تستهدف كبريات المدن وحقول النفط السعودية.. وهو ما يؤشر على أن ساحة الحرب مرشحة للاتساع خلال الفصل القادم من المعركة، المرشح لأن يكون داميا وأكثر قسوة بالنسبة إلى طرفي النزاع.
في 23 غشت الماضي، يومين بعد مقتل ثلاثة ضباط سعوديين (أحدهم برتبة جنرال) على يد الحوثيين، شنّ الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، هجوما عنيفا على دول التحالف العربي الذي يشن حربا، منذ أشهر، على القوات الموالية لصالح وحلفائه الحوثيين، وتوعدها «برد لا تعرفه».
وفي يوم الجمعة 4 سبتمبر، بينما كانت قوات تابعة للتحالف العربي تعد العدة مع الأطراف اليمنية المتحالفة معها، لما بدا أنه استعداد للخطوة الحاسمة لمعركة صنعاء التي طال انتظارها، اهتز معسكر تدريبي لقوات التحالف يقع جوار مدينة مأرب بضربة من صاروخ باليستي من طراز (توشكا). وتحدثت الأنباء عن سقوط عدد من القتلى والجرحى من الجنود اليمنيين في المعسكر الذي تموله وتشرف عليه قوات التحالف والمنطقة العسكرية الثالثة في الجيش الموالي للحكومة المعترف بها دوليا. وفي اليوم نفسه، دمّر صاروخ باليستي آخر من نفس الطراز (توشكا)، قالت مصادر أمنية يمنية إن الحوثيين أطلقوه من مقر الفرقة المدرعة الأولى في صنعاء، مخزنا للأسلحة في معسكر صافر التابع لقوات التحالف العربي، وأسفر عن مقتل 60 من الجنود الإماراتيين والسعوديين والبحرينيين وجرح عدد آخر غير محدد، كما دمرت عدة آليات عسكرية، بحسب المصادر الأمنية الموالية للحكومة اليمنية.
وحسب رواية وكالة الأنباء اليمنية، التي يسيطر عليها الحوثيون، فإن الجيش الموالي لهم «نفذ عملية نوعية بإطلاق صاروخ باليستي من نوع (توشكا)، على معسكر بمنطقة صافر، ما أدى إلى اشتعال النيران فيه مخلفا سقوط عشرات القتلى والجرحى». وأضافت الوكالة أن «القصف تسبب في تدمير عدد من طائرات الأباتشي، التي كانت تتمركز في مطار صافر، كما تم تدمير عدد من الآليات والمدرعات الإماراتية.
تلويح بضرب السعودية
لم يتأخر الرد الانتقامي الغاضب جدا للتحالف، حيث هاجمت مقاتلاته بقسوة شديدة مواقع متفرقة لقوات الحوثيين وحليفهم صالح، مخلفة خسائر جديدة في الأرواح والتجهيزات. وفي غمرة اشتعال الغضب على ضربة الجمعة السوداء، تواترت عمليات تجميع القوات البرية للتحالف مع تجهيزاتها الحربية الضخمة بوتيرة أسرع من السابق في محافظة مأرب الأقرب إلى العاصمة صنعاء، استعدادا لانطلاق المعركة البرية على ما يبدو.. ما يشكل ضغطا نفسيا هائلا على الانقلابيين من أتباع الحوثي والرئيس اليمني المخلوع. ولذلك فإن اشتداد الحرب على جبهة الحدود السعودية اليمنية إلى جانب الضربات الموجعة الأخيرة في صفوف التحالف، هي محاولة من الحوثيين وحليفهم صالح لرفع معنويات أتباعهم بعد سلسلة الانهزامات التي كان أفدحها فقدانهم السيطرة على محافظات جنوب اليمن، منذ أسابيع. وفي سياق ذلك يمكن أن نقرأ التصريحات النارية التي لم تتوقف منذ أسبوع سواء من طرف أتباع الرئيس اليمني المخلوع أو حلفائه الحوثيين، والتي يهددون فيها بضرب «العدو»، أي السعودية، مباشرة بصواريخ باليستية.
وفي هذا السياق، أكد القيادي في الحركة الحوثية، محمد البخيتي، على مقدرة حركته على قصف العاصمة السعودية الرياض بصواريخ باليستية، لا تزال الحركة وحليفها علي عبد الله صالح تمتلكها. وأوضح البخيتي، في تصريح لوكالة «تسنيم» الإخبارية الإيرانية، بأن «المنظومة الصاروخية التي يمتلكها أنصار الله (الحوثيون) متطورة وبإمكانهم قصف الرياض وباقي المدن السعودية الأخرى بها.»
من جانب آخر، تناقلت وسائل إعلامية يمنية خبرا يفيد بإعلان قوات «متمردة» على الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح نيتها استخدام منظومة صواريخ موسودان الباليستية متوسطة المدى (missile BM25 Musudan)، التي قالت بأنها تتوفر عليها لضرب مدن سعودية، بينها العاصمة الرياض .
وزعمت تلك المصادر، نقلا عن صفحة الحرس الجمهوري الموالي للرئيس صالح، على «الفيسبوك» بأن القيادة العليا للحرس الجمهوري وافقت الأسبوع المنصرم على استخدام تلك الصواريخ الاستراتيجية الكورية الشمالية الصنع، في الحرب الدائرة في اليمن .وذكرت صفحة الحرس الجمهوري بأن «الاستخبارات الأمريكية أبلغت الملك السعودي سلمان بامتلاك الحرس الجمهوري لمنظومة الصواريخ تلك. وكشفت بأنه سبق أن أوقفت قوة بحرية إسبانية وأمريكية شحنة منها، عندما كانت مشحونة على سفينة كورية محملة بالإسمنت، بحجة أن الصفقة غير رسمية، وتهدد دول الجوار. وأضاف المصدر ذاته قائلا إن الضغط الذي مارسه الرئيس السابق (صالح) حينها أجبر تلك القوة البحرية على تركها تكمل طريقها والسماح لها بالوصول إلى اليمن.
وللتوضيح فإن صاروخ موسودان بي إم 25 من النوع الباليستي متوسط المدى هو من صنع كوريا الشمالية، يبلغ وزنه12طنا
وطوله 12 مترا وقطره 1متر ونصف. ويبلغ مداه الافتراضي ما بين 3 آلاف و4 آلاف كلم. وقد تم الكشف عن هذا النوع من الصواريخ الباليستية الاستراتيجية لأول مرة خلال عرض عسكري نظم في 2010 في عاصمة كوريا الشمالية. وكانت تقارير أشارت قبل سنوات إلى أن إيران اشترت 19 صاروخا من هذا النوع، وربما من خلالها حصل عليها الحوثيون وحليفهم في اليمن.
ويستنتج من قراءة ما بين سطور بعض التقارير أن الحوثيين وحلفاءهم لن يستعملوا هذا السلاح الرهيب ضد السعودية إلا في حال شعورهم بقرب نهايتهم، في المواجهة البرية التي توشك على الانطلاق. وتحسبا لذلك فتحت السعودية لأول مرة قاعدة (الدواسر) الجوية، التي تخزن فيها أحدث الأسلحة المتطورة في مجالات الدفاع والمراقبة والهجوم. وبحسب مصادر إعلامية سعودية فإن من مهام هذه القاعدة نشر نظام مراقبة دقيق، ينتظر أن يغطي بالرصد والتصوير كل التحركات التي تجري على مساحة شاسعة تصل إلى 100كلم.
الحل السياسي دون أفق
لم تكن الأرض اليمنية وكذا المناطق السعودية المحاذية لليمن لتكون مشتعلة على هذا النحو المتفجر، لو أن جهود السلام، التي قادها مبعوث الأمم المتحدة لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أثمرت حلا سياسيا. فالاتصالات التي شهدتها العاصمة العمانية مسقط، خلال شهر غشت الأخير، مع ممثلين للحوثيين وللرئيس المخلوع علي صالح، أخفقت تماما في الوصول إلى أي متنفس سياسي للأزمة؛ ما حدا بمتتبعين للملف اليمني إلى التعليق بمرارة شديدة بأن ما جرى في مسقط لم يكن سوى «تضييع للوقت». فقد عززت الانتصارات العسكرية التي حققتها القوات اليمنية الشرعية بدعم من التحالف العربي، في معظم محافظات اليمن خلال الفترة السابقة، الموقف السعودي المتشدد والرافض لتقديم أي تنازل سياسي في المواجهة التي تواجه في الواقع من خلالها السعودية إيران في اليمن وغيرها من ساحات المواجهة (سوريا ولبنان). فالسعودية تعتقد بأن انتصارها العسكري والسياسي في اليمن سوف يحقق لها انتصارات سياسية وميدانية أخرى على إيران على الجبهة السورية كذلك.
ونتيجة لذلك أبدت الحكومة السعودية موقفا رافضا لأي تسوية سياسية مع الحوثيين وحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح في اليمن. وأكد مجلس الوزراء السعودي خلال جلسته الأسبوعية ليوم الاثنين 24 غشت الماضي على أن «لا مساومة على تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2216 الخاص باليمن، والذي يدعو الحوثيين وحليفهم علي صالح إلى تسليم المدن والأسلحة التي استولوا عليها إلى السلطة الشرعية والانسحاب من صنعاء وغيرها».
وكانت «القدس العربي» كشفت، في عددها للأحد 6 سبتمبر، أنه جاء في رسالة حديثة جدا بعث بها مندوب الأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ احمد إلى جيفري فيلتمان، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، ما يفيد بأن المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة في سلطنة عمان كانت قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، عرض خلالها الحوثيون والمؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح) الالتزام بالتنفيذ الكامل للقرار الأممي 2216، باستثناء مادة منه المتعلقة بالعقوبات، والتي يعتبرون أنها تنتهك السيادة اليمنية. كما قدموا من جانبهم وثيقة تنص على الموافقة على حكومة خالد البحاح لتنفيذ مهامها ك»حكومة تصريف أعمال» لمدة لا تزيد عن 60 يوما، يتم خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية. بل تضيف الوثيقة بأن الحوثيين وحلفاءهم وافقوا على تسليم الأسلحة الثقيلة للدولة.
ويضيف مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن في رسالته بأن كلا من أنصار الله (الحوثيون) والمؤتمر الشعبي العام (حزب علي عبد الله صالح) أبديا موقفا إيجابيا وأظهرا قدرا كبيرا من المرونة السياسية. وعلى الرغم من أنهم كرروا تأكيدهم على أن عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي لن تكون مقبولة، إلا أنهم أعربوا، بالمقابل، عن انفتاحهم على عودة الحكومة اليمنية الشرعية لفترة محدودة. ويضيف المسؤول الأممي ذات، في رسالته، أن المسؤولين الأمريكيين أعربوا عن خيبة أملهم من كون السعودية أرسلت مندوبين من مرتبة متدنية نسبيا إلى لقاء مسقط.
فظاعات الحرب
وبفشل محاولات الوصول إلى حل سياسي يستعر أوار الحرب أكثر فأكثر، وتواصل آلات القتل فتكها المجنون بالبشر خصوصا في صفوف المدنيين العزل. إذ تقول الأمم المتحدة إن 4500 شخص بينهم 2110 من المدنيين، قتلوا في المعارك البرية وفي الغارات التي تشنها قوات التحالف منذ مارس وإلى غاية غشت الأخير.
وفي السياق ذاته، يرى محللون متابعون عن كثب ليوميات الحرب في اليمن، أن استهداف طيران التحالف منازل سكنية لسياسيين من حزب المؤتمر ولأقرباء لصالح، وكذا لأتباع حركة أنصار الله الحوثية، تقع في أحياء سكنية شعبية مكتظة بالسكان، يعتبر جرائم حرب، يدفع ثمنها الأبرياء من الجيران. بينما لم يسقط أي قيادي معروف. كما أن تلك الغارات تعرف استخدام أحدث التكنولوجيا العسكرية في أعمال ثأر وانتقامات شخصية، أكثر من كونها ضربا لأهداف عسكرية. وينطبق الكلام نفسه على قصف مخازن السلاح داخل المدن، وقصف المنشآت الأمنية والعسكرية الإدارية للجيش والأمن في مدن ومناطق لا توجد فيها جبهات قتال، بل مدنيون.
وتقول منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن قوات التحالف «استخدمت على ما يبدو صواريخ محملة بذخائر عنقودية، في ما لا يقل عن سبع هجمات على محافظة حجة شمالي اليمن». وتضيف في تقرير لها بأنه رغم أنه لا يتوافر «دليل دامغ» على ذلك، فإن «عوامل عدة تشير إلى أن قوات التحالف هي التي شنت تلك الهجمات العنقودية. وتكشف هيومن رايتس بأن كلا من البحرين ومصر والإمارات – البلدان الأعضاء في التحالف العربي- تمتلك جميعها الصواريخ التي استُخدمت في الهجمات وراجماتها. وحثت هيومن رايتس، في تقريرها، قوات التحالف على أن «تتوقف فورا» عن استخدام الذخائر العنقودية، قائلة إنها «توقع أضرارا حتمية في صفوف المدنيين».
وتضيف المنظمة الحقوقية الدولية أن هذه الذخائر العنقودية أوقعت «خسائر في صفوف المدنيين سواء أثناء الهجمات، التي ربما كانت تستهدف مقاتلين حوثيين، وأيضا في ما بعد عندما التقط المدنيون الذخائر التي لم تنفجر، فانفجرت فيهم». وفضلا عن ذلك، تتهم المنظمة جميع أطراف النزاع في اليمن بارتكاب «انتهاكات خطرة» منذ سبتمبر 2014، ودعت المنظمة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في تلك «الانتهاكات».
اليمن يتمزق..
وبينما آلة الحرب تدور، «يصور أنصار الله (الحوثيون) صراعهم على أنه مع الأمريكيين والإسرائيليين والسعوديين. ويصور كل من حزب الإصلاح (الإخواني) بمختلف أجنحته، ومعه الحزب الاشتراكي، والحزب الناصري، وفصائل جنوبية أخرى متعددة، وكذا التيار السلفي، وكل الموالين للسعودية صراعهم على أنه مع المد الايراني الفارسي الشيعي في اليمن. والحقيقة أن من يُقتل ويدفع الثمن هم اليمنيون، وأن المنشآت والمدن التي تُدَمر يمنية، وأن النسيج الاجتماعي اليمني هو المهدد بالتمزق، واليمن هي المهددة بالتفتت والتحول الى دويلات متناحرة على الأرض والثروة.. وأن أمريكا وإسرائيل وإيران لم يقتل لهم جندي واحد منذ تفجُر كل هذه الحروب»..
بهذه المرارة يلخص المحلل اليمني علي البخيتي الوضع في بلده، وهو الدؤوب على نشر تحليلاته على صفحات مدونته، في شكل متابعة يومية للتطورات. والحقيقة أن الوضع اليمني المعقد لا يرتهن لإرادة القوى الإقليمية المتدخلة فيه فقط، بل يتلخص تعقيده الأبرز في عجز أبناء اليمن الذين لم يتمكنوا من بناء دولة مؤسسات على مدى العقود الماضية. فالأطراف اليمنية المتصارعة لم تجد صيغة توافقية لتحقيق شراكة سياسية منصفة، تضمن للجميع تقاسما عادلا للسلطة والثروة، وانتقالا سلميا لأهم المناصب في الدولة. وبالتالي فإنه متى بنيت دولة المؤسسات، ووجدت الأطراف المتصارعة في الداخل اليمني صيغة مقبولة، واتفق الجميع عليها والتزموا بها، حينها سوف يتراجع التدخل الخارجي في الشأن اليمني وقد يختفي تماما.
لقد نجحت المعارك العسكرية في المحافظات الجنوبية لليمن في تحقيق انتصارات ملموسة على قوات الحوثيين وصالح خلال الشهور الأخيرة، جعلتهم يطردون منها. لكن ذلك بات يثير مخاوف من أن ينتج عنه عودة انفصال الجنوب عن اليمن. وهذا السيناريو سوف يكون لفائدة الرئيس المخلوع علي صالح، الذي سيسعى دون شك وبكل قوة إلى اقتناص الفرصة للعودة إلى حكم شمال اليمن فقط بالتحالف مع الحوثيين، وفق مبدأ «خذوا الجنوب واتركوا لي الشمال».
ومن دون شك، فإنه في حال عاد اليمن إلى الانفصال، أي إلى الوضع الذي كان عليه قبل 1994، فإن ذلك سوف يحسب فشلا سياسيا كبيرا لحرب «عاصفة الحزم» في اليمن. كما أن الحرب الحالية زادت إلى تعقيدات الوضع اليمني تمزقات وشروخات عميقة جديدة. فالاصطفاف الحالي بين من يتموقع إلى جانب التحالف العربي (وهم أكثرية) ومن يحسب على إيران، يجعل عودة النسيج الاجتماعي اليمني إلى ما كان عليه قبل الحرب شيئا مستحيلا. فالحرب الحالية تمثل لحظة مفصلية فارقة بين زمنين مختلفين في تاريخ اليمن الطويل. وبالتالي فإن الحل السياسي المأمول الوصول إليه حين تضع الحرب أوزارها، قد يخلق توافقا بين فرقاء سياسيين في أكثر الحالات تفاؤلا، لكن التحام النسيج الاجتماعي لن يتم من جديد بقرار سياسي..

الطفولة أكبر ضحايا الحرب في اليمن
فاقم الصراع في اليمن الوضع الإنساني المتدهور أصلا في هذا البلد، الذي كان يعد أفقر بلدان الشرق الأوسط. قبل بدء الصراع الحالي. فقد كان أكثر من نصف سكان اليمن في حاجة إلى بعض المساعدة الإنسانية، وارتفع العدد الآن إلى أكثر من 80 %، في وقت يتواصل الحصار الذي يفرضه التحالف العربي على الواردات التجارية في معظم البلاد اليمنية؛ ويستمر الصراع في إعاقة قدرة وكالات الإعانات الدولية على إيصال مساعدات إلى من هم في أشد الحاجة إليها.
والمثال الأبرز والأخير (على هذه الإعاقة) كان الضرر الذي تسببت فيه إحدى الغارات الجوية لمقاتلات التحالف على ميناء مدينة الحديدة الشمالية الغربية الأسبوع الماضي، وهو الذي يمثل المنفذ الوحيد للمساعدات الإنسانية إلى شمال البلاد. بينما حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، من إمكانية معاناة ملايين اليمنيين من المجاعة، خصوصا في صفوف النساء والأطفال.
وكشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، بأنه إلى حدود منتصف الشهر الماضي قتل 398 طفلا على الأقل وأصيب 600 آخرون بجروح، منذ اندلاع النزاع المسلح في اليمن في مارس الماضي. وذكرت المنظمة في تقرير أصدرته أواخر غشت الأخير ويحمل عنوان «اليمن: طفولة مهددة»، بأن «النزاع في اليمن يدمر واحدة من أفقر الدول العربية»، حيث ينتج عن الحرب تعطل الخدمات الصحية، وتنامي معدلات سوء التغذية بين الأطفال، وإغلاق المدارس، وارتفاع أعداد الأطفال المجندين في الجماعات المسلحة.
وهكذا فإلى جانب القتلى والجرحى، رصد تقرير اليونسيف ارتفاعا في عدد الأطفال المجندين في النزاع من 156 طفلا عام 2014 إلى 377 في 2015. ويضيف تقرير المنظمة الدولية بأن شرائح واسعة من الشعب اليمني تعاني كثيرا في ظل النزاع المسلح، إذ بات 15.2 مليون شخص غير قادرين على الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية، بسبب إغلاق 900 مرفق صحي لأبوابها منذ 26 مارس الماضي.
وتوقعت اليونسيف أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في اليمن بحلول نهاية العام الجاري، إلى 1.8 مليون طفل. كما كشفت أن 20.4 مليون شخص تقريبا أصبحوا في حاجة إلى المساعدة على تأمين القدرة على الوصول إلى مصادر المياه الصالحة للشرب، وخدمات الصرف الصحي، بسبب نقص الوقود، ونتيجة للضرر الذي لحق بالبنى التحتية، ولانعدام الأمن. أما بالنسبة إلى تضرر البنى الأساسية التعليمية، فتحدث التقرير عن إغلاق 3600 مدرسة.
ولخص ممثل اليونيسف في اليمن (جوليين هارنس) وضع الطفولة بقوله إن «الأزمة في اليمن مأساة حقيقية بالنسبة للأطفال الذين يتعرضون للقتل بفعل القصف والاقتتال، فيما يواجه الناجون منهم خطر الأمراض وسوء التغذية».
ولذلك تعتبر اليونسيف بأن «اليمن بات من أكثر المناطق خطرا على الأطفال في العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.