تعديلات "متواضعة" للأغلبية البرلمانية على مشروع "مجلس الصحافة".. 5% فقط من مجموع التعديلات    الأغلبية والمعارضة تقترحان التراجع عن منح "مجلس الصحافة" صلاحية توقيف المطبوعات والصحف    كيف تحولت الشرفة الأطلسية بالعرائش لمسرح للجريمة !    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    حملة ميدانية مكثفة لمراقبة المطاعم بالحسيمة لحماية صحة المواطن والمستهلك    "يوم الصفر".. الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق    هل تخلص مولودية وجدة من إرثه الثقيل؟    المغربي نائل العيناوي ينضم رسميا إلى نادي روما الإيطالي    مارسيليا يرفض عرض جيرونا لضم أوناحي ويصفه ب"السخيف"    العرائش تنتفض: حين تصرخ الذاكرة في وجه الإهمال    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بمختلف مناطق المملكة    وزارة التجهيز والماء تطلق حملة تحسيسية واسعة وغير مسبوقة بجهة الشرق    حاجيب يُتوّج النسخة الثالثة من ليلة العيطة بالرباط    "المهرجان السوسيو ثقافي لمقريصات في دورته التاسعة..منصة لإبراز تنوع وغنى الموروث الثقافي للمنطقة "    نبيل الأيوبي يتوَّج بلقب "نجم العيطة" في أولى محطات مهرجان العيطة المرساوية بالجديدة    في البيان الختامي للمؤتمر الإقليمي الخامس .. من أجل تعاقد تنموي جديد يعيد الاعتبار لإقليم فجيج    مقتل 93 فلسطينيا ينتظرون المساعدات في غزة بنيران إسرائيلية    غدا، الكاتب الأول إدريس لشكر يترأس المؤتمر الإقليمي السابع للحزب بتطوان        كيوسك الإثنين | 390 سجينا استفادوا من البرنامج التأهيلي "مصالحة"    عندما تتظاهر العرائش دفاعا عن هويتها الجمالية!    أمام أعين والدتها.. فتاة مراهقة تلاحق فلوغر كوري وتعرض عليه الزواج    صحيفة إسبانية تسلط الضوء على المغرب كنموذج للاستقرار الاقتصادي في إفريقيا        تير شتيغن يخضع لجراحة في الظهر تُثير الشكوك حول استمراره مع برشلونة        في صمت بعيدًا عن الضجيج.. المغرب يواصل إغاثة غزة    مصرع خمسة أشخاص في حريق عبارة    مصرع 18 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية    مكتب نتنياهو يٌعلن إصابته بتسمم غذائي.. والصحافة العبرية تتهمه بافتعال المرض للتهرب من محاكمته    أولمبيك آسفي يتعاقد مع عماد عسكر    أمريكا تتسلم زعيم عصابة مخدرات    الديكتاتورية العائلية تفتك بحزب أخنوش في طنجة .. والانهيار بات وشيكاً!    غزة: تنفيذ المرحلة الثالثة من حملات الإغاثة المغربية        معركة أنوال .. صفحة مشرقة في سجل الكفاح الوطني ضد الاستعمار    تظاهرة حاشدة في الرباط تندد بعدوان اسرائيل على غزة وتجويع أهلها(صور)    بالصدى .. «الإدارة المغربية» وثقافة الإنصات    آسفي .. ليلة فنية تحتفي بأصالة العيطة وتجذرها في الهوية الوطنية    فيلدا يؤكد جاهزية المنتخب النسوي لنصف نهائي أمم إفريقيا    منتخب الشبان للجيدو يهيمن على بطولة إفريقيا    "حماية المستهلك" ترفض تلويح الصيادلة بالإضراب وتدعم الحكومة في خفض الأدوية    دراسة تكشف العلاقة بين سمات الشخصية والرياضة المناسبة    لماذا تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر؟    الحسيمة تحتفي بانطلاق مهرجان الشواطئ بأمسية للفنان رشيد قاسمي        المنتخب الوطني المحلي لكرة القدم يفوز وديا على بوركينا فاسو (2-1)    تشاؤم الأسر المغربية يتفاقم بشأن أسعار المواد الغذائية وقدرتها على الادخار    قدس جندول تتوج بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان المسرح الحر بعمان    الداخلة تفتح أبوابها لهوليود و"The Odyssey" يبدأ رحلته من قلب الصحراء    الملتقى الدولي لفناني القصبة بأليكانتي: الفن في خدمة التبادل الثقافي والتنمية الإنسانية    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمود السنة
نشر في المساء يوم 30 - 12 - 2009

من بين الأعمدة ال317 التي كتبت طيلة هذه السنة، كان عمود «اللي ما طيب عشاتو وصبن كساتو»، الذي يطرح فكرة العودة إلى العمل بنظام الخدمة العسكرية الإجبارية لشباب اليوم، أكثر الأعمدة إثارة لردود الأفعال، فقد تلقيت تعليقات بالمئات حول مضامينه، أغلبها يؤيد فكرته الأساسية.
وقد فكرت في إعادة نشره لسببين، أولهما أن العادة اقتضت أن تختار الجرائد شخصية السنة مع نهاية العام، فقررت أن أختار عمود السنة عوض شخصيتها، وثانيهما أن ما يقع على الحدود الشرقية لبلادنا مع الجارة الجزائر مقلق للغاية، فقد أصبح واضحا أن جنرالات الجزائر «ناوين خزيت» فعلا مع المغرب، والدليل على ذلك، أولا، دخولهم الفاضح، ماديا ومعنويا، على الخط في قضية الانفصالية أميناتو حيدر وتكريمها من طرف وزير الدولة الجزائري في خطاب رسمي، مع أن نفس الوزير لم يصدر عنه أي موقف معارض للأمر الذي صدر من قصر المرادية باعتقال فرحات مهني لأنه طالَبَ، مثلما طالبت أميناتو، بانفصال منطقة القبائل عن الجزائر. ثانيا، إبرامهم لصفقات تسلح بأسلحة ثقيلة هجومية بقيمة ثلاثة ملايير دولار، واستعدادهم لذهاب منتخب بلادهم وجمهوره إلى مدرجات ملاعب كأس العالم بجنوب إفريقيا لإغراقها بأعلام البوليساريو.
نفهم من كل هذا أن جنرالات الجزائر يعلنون الحرب على المغرب على كل الواجهات.. حرب يستعملون فيها الغاز والبترول والقرقوبي وكل ما يمكن أن يدمر المغرب من الداخل في انتظار إنهاك شبابه ثم الانقضاض عليه فيما بعد.
إن أحسن موقف يمكن أن يتخذه المغرب بعد الصفعة الأخيرة التي تلقاها من جنرالات الجزائر عندما أسقطوا القناع عن وجههم الحقيقي حين كرّموا أميناتو حيدر رسميا عبر خطاب لوزير الدولة الجزائري، هو أن «يجمع رأسه» ويراجع أوراقه ويسلح نفسه ويقوي جبهته الداخلية ويطهر صفوف قواته المسلحة من الزوائد والشوائب استعدادا للأسوأ. فيبدو أننا مقبلون على أزمنة صعبة في الصحراء بسبب ما تقوم به الجزائر من سباق نحو التسلح وضغط ومقايضة بالنفط لشراء المواقف المعادية لوحدة المغرب. علينا أن نرجع إلى المقولة التي كان يرددها الحسن الثاني بافتخار كلما سأله الصحافيون عن قضية الصحراء: «المغرب في أرضه أحب من أحب وكره من كره».
عندما نتحدث عن تقوية الجبهة الداخلية، فأول شيء يجب أن ننتبه إليه هو خطورة ما يسمى بانفصاليي الداخل، هؤلاء الصحراويون الذين لديهم بطاقات التعريف الوطنية ويدرسون في جامعات مغربية ويتقاضون منحا من خزينة الدولة ويستعملون النقل العمومي المغربي، ومع ذلك تجدهم مستعدين لإحراق العلم المغربي في أول مناسبة ورفع علم البوليساريو. أمثال هؤلاء هم الذين يحاولون هذه الأيام اختلاق مصادمات مع رجال الأمن في الصحراء حتى تجد اللجنة، التي يكلفها الكونغرس الأمريكي بإعداد تقارير حول أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء، أشياء تكتبها على صفحات تقاريرها تلك. هذه التقارير التي تحدد ما إذا كانت لجنة المالية في الكونغرس ستوافق على منح المغرب مساعدات مالية برسم هذه السنة أم لا.
وكل الدول تفكر في مستقبلها وأمنها وتعد أبناءها إعدادا صلبا يليق بمفاجآت الغد. فنحن نعيش في عالم يأكل فيه القوي الضعيف، عالم متوحش لا مجال فيه للرحمة، عالم إذا غلبك فيه عدو استباح عرضك واغتصب بناتك ونساءك مع تصوير كل ذلك على أشرطة وتوزيعه على وسائل الإعلام حتى تكون فضيحتك أكبر، ومثال العراقيين لازال طريا في الأذهان. لذلك يجب أن يفهم أبناء المغاربة اليوم أن الغد لن يكون سهلا بالشكل الذي يتصورونه.
ستأتي الأزمنة الرديئة ويجب أن نكون مستعدين لها من الآن. وليس بجيل من العاطلين عن العمل والتفكير سنواجه تحديات المستقبل. وشخصيا، أصبحت أنزعج كثيرا عندما يقترب مني شاب في العشرين من عمره يلبس أحسن مني ومع ذلك لا يجد حرجا في أن يطلب درهما أو درهمين ليأخذ الحافلة إلى بيته. لقد أصبح عاديا أن يتسول الشباب ذوو الأكتاف العريضة في الشوارع بلا إحساس بالذنب. والمصيبة أن بعضهم لا يخجل من توقيف فتاة في مثل عمره ومطالبتها بدرهم أو درهمين، وأصبحت بعض الفتيات، من أجل ساندويتش من النقانق وعصير «بناشي»، يقبلن بركوب أول سيارة تقف أمامهن. هذا يعني أن شبابنا يحتاج فعلا إلى «الحكان»، لذلك فثلاثة عشر شهرا من الخدمة العسكرية ستكون مفيدة لآلاف الشباب والشابات لكي يعرفوا ب«حق» الخبز الحرفي الذي «يتعفرون» عليه في الصباح عندما يستيقظون في منتصف النهار «معمشين» بعد قضاء الليل كله أما القنوات الفضائية يتابعون أغاني «الفيديو سليب». ثلاثة عشر شهرا من «الكرفي» ستكون مفيدة لكي يعرف الشباب ما معنى الدفاع الذاتي في الغابات عوض الجلوس طيلة النهار فوق كراسي الحدائق العمومية في «فتخ» وتدخين «الجوانات» و«يشللو» آذانهم بسماع أزيز الرصاص عوض أغاني «آه ونص» والمشي عبر الجبال بحذاء مليء بالحصى عوض التسكع بحذاء يساوي راتبا شهريا لموظف في السلم الخامس وسروال مجرور فوق الأرض مثل سراويل «هداوة».
وخلال السبعينيات والثمانينيات، كان أكثر ما يخيف الشباب العاطل هو أن يحمل إليهم المقدم استدعاء للمثول أمام باب «قشلة» العسكر. كان «لابلي» شبحا يخيف آلاف الشباب الذين يقضون نهارهم متكئين على الحيطان في الدروب، وكأنهم يمسكونها حتى لا تسقط، ولذلك عندما كان يشيع خبر وصول تلك الاستدعاءات، يسافر الشباب إلى مدن بعيدة حتى لا يعثر عليهم مقدم الحي، ومنهم من كان يطلي رجله أو ذراعه بالجبس ويستعير عكاز جده لكي يتظاهر بالعجز، ويتم استثناؤه من الخدمة العسكرية.
وطيلة سنوات، تم تجميد قانون الخدمة العسكرية، لم يعد الشباب مجبرين على قضاء تلك الأشهر الطويلة وراء أسوار «القشالي» يعيشون على العدس ولحم الجاموسة ويتدربون على القتال وفنون الحرب، لذلك فعلى كل الشبان والشابات الذين لا شغل لهم غير التسكع في الشوارع أن يعدوا أنفسهم لخلع سراويل «الطاي باص» والأحذية الرياضية لكي يستبدلوها بالبذلة العسكرية والحذاء الثقيل. وشخصيا، أجد هذا القرار أكثر من صائب، لأنه سيمكن الآلاف من أبنائنا المدللين وبناتنا المدللات من الابتعاد قليلا عن أحضان آبائهم، وسيجربون الاستيقاظ في الفجر عوض البقاء «خامرين» في الفراش إلى الحادية عشرة زوالا.
فيبدو أننا إذا سرنا على هذه الوتيرة، فإننا سنحصل في السنوات القليلة القادمة على جيل مترهل، والأخطر من ذلك أننا قد نحصل على جيل عديم الخشونة، يعير كل الاهتمام إلى الثقوب التي في سراويله عوض الثقوب التي في عقله. وهنا تظهر أهمية الخدمة العسكرية كمدرسة لحك الشباب وإعدادهم للمحن. فليس بهذه الأجيال من الكسالى والعاجزين سنواجه تحديات المستقبل.
ولهذا تحرص كل الدول التي تضع حسابا للمستقبل على فرض التجنيد الإجباري، وفي أمريكا، مثلا، يستحيل على فار من التجنيد الإجباري أن ينجح في الانتخابات، فالجميع، بغض النظر عن مستواه الاجتماعي، يمر عبر صفوف «المارينز»، وفي إسرائيل جميع المواطنين خضعوا للتدريب العسكري واستعمال السلاح، أما في إنجلترا فحتى الأمراء يتم إرسالهم إلى أفغانستان لقضاء فترة تدريب عسكري في الجبال. هكذا يكتشف الشباب حياة أخرى أكثر خشونة وقسوة.
ونظرا إلى أنني قريب بعض الشيء من عالم شباب اليوم، فإني أستطيع أن أؤكد لكم أن هاوية سحيقة تنتظرنا في المستقبل، فأغلب الشباب والمراهقين أصبح لديهم تصور خاطئ حول النجاح، إذ يكفي أن يعرف الواحد منهم أسماء المغنيات ويثقب أنفه وأذنه حتى يتصور نفسه قد دخل المستقبل من بابه الواسع. وطبعا، هؤلاء الشباب لا يتحملون مسؤولية هذا الفهم الخاطئ بمفردهم، فوسائل الإعلام تسوق أمامهم يوميا نماذج ورقية خادعة لهذا النجاح الموعود.
يكفي أن تجيد الرقص وأن يكون لديك صوت جميل لكي تضمن مستقبلك، وكأن الموهبة الوحيدة التي يمكن أن تنفع صاحبها في هذه البلاد هي «التلواز». وهذا اختزال خطير للموهبة ولفكرة المستقبل برمتها، والنتيجة هي ما أصبحنا نراه ونسمعه يوميا.. شباب ضعيف البنية والشخصية والتكوين يتصور أن الحياة هي ساعة «سواتش» في المعصم وحلقة ذهبية في الأذن وما يكفي من الثقوب في السراويل وبنات قاصرات يعرضن أجسادهن على المواقع الإلكترونية أمام الغرباء.
أتمنى أن يطبق قانون الخدمة العسكرية الإجبارية في أسرع وقت، وأن يشمل الجميع بدون استثناء من أبناء الفقراء إلى أبناء الفاسي الفهري، هكذا ستلتقي الطبقات الاجتماعية في ما بينها داخل الثكنات وتتعارف عن قرب، وربما تتغير نظرة هؤلاء وأولئك نحو الأحسن، فتقل نسبة الكراهية التي يشعر بها الاثنان نحو بعضهما البعض.
كما أن هناك الآلاف من الشباب الذين ستتغير نظرتهم إلى الحياة والمستقبل عندما سيقضون كل تلك الأشهر بالزي العسكري، على الأقل سترتاح بعض كراسي المقاهي منهم، وبعضهم الآخر سيريح والديه من مصروف قهوته وسجائره اليومي، وسيتعلمون جميعا، مثل رجال حقيقيين، كيف يغسلون ثيابهم ويعدون طعامهم ويجمعون فراشهم. ورحم الله سيدي عبد الرحمان المجذوب الذي قال ذات قصيدة «اللي ما جمع فراشو وغسل كساتو وطيب عشاتو، موتو حسن لو من حياتو».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.