أخنوش: أنا "فرحان" لأنني لن أشرف على الانتخابات المقبلة    حصيلة إعادة البناء بالحوز.. الليث: ترميم وبناء 51 ألف منزل بنسبة إنجاز تجاوزت 92%    النقابة الوطنية للتعليم العالي تحذر من مشروع قانون يهدّد مستقبل الجامعة العمومية    نحن جيل الذاكرة الحية    تونس: الهجوم على أسطول غزة مُدبّر    القناة الأمازيغية تغطي انطلاقة الموسم الدراسي بالناظور    التهراوي يتفقد ضحايا انفجار "بوطا"    "آيا" جوهرة صناعية جديدة ل"أنوار إنفست"    الفيلم المغربي "وشم الريح" يتوج بجائزة في مهرجان قازان الدولي    بعد يوم من الاعتداء الاسرائيلي على الدوحة.. أمير قطر يبحث مع الرئيس الإماراتي العلاقات الثنائية ومستجدات الأوضاع الإقليمية    احتجاجات حركة "أوقفوا كل شيء" تشل مدناً فرنسية وتؤدي إلى اعتقالات واسعة    "التقدم والاشتراكية" يطالب بمناقشة اختلالات إحصاء القطيع والدعم الموجه لمربي الماشية    الحكومة تتفاعل مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنسعيد يقدم معطيات حول إعداد مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة    حالتا وفاة جديدتان في مياه سبتة ترفعان الحصيلة إلى 30 ضحية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي خضراء    الضربات الإسرائيلية تعكر صفو الهدوء بقطر وتضعف الثقة في واشنطن        الزاوية الكركرية تحتفي بإصدارات الشيخ محمد فوزي الكركري                    حسام أمير يعيد إحياء "حكّام الرجال" بأسلوب معاصر    المغربي وليد الحجام يوقع لعامين مع جيروندان بوردو الممارس في الدرجة الرابعة لكرة القدم بفرنسا        تحذير من المجلس الأعلى بشأن تداول "أذونات زواج" مزورة على مواقع التواصل    احتجاجات "لنغلق كل شيء" تهز فرنسا    حموني يراسل وزارة التجهيز بخصوص الخسائر الفادحة في البساتين الفلاحية ببولمان    بعد جدل طلاقها .. سكينة بنجلون تطلق نداء عاجلا لحسن الفذ    وفد نيابي برئاسة الطالبي العلمي في زيارة عمل لجمهورية فنلندا        مجموعة بريد المغرب ومؤسسة البريد السعودي توقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتطوير التبادل ودعم نمو التجارة الإلكترونية    تعيينات في المصالح الاجتماعية للأمن‬    188 مليون طفل ومراهق يعانون السمنة .. والأمم المتحدة تحذر    المنتخب المغربي لألعاب القوى يراهن على البقالي للتألق في مونديال طوكيو    إيكمان يشكر الجماهير المغربية والعيناوي سعيد بظهوره الثاني    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدين العدوان الإسرائيلي على قطر وتطالب بوقف التطبيع    "صفقات على المقاس".. الفرقة الوطنية تفتح تحقيقا في اختلالات بصفقات عمومية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    صيف استثنائي بفضل الجالية.. 4,6 ملايين سائح بالمغرب خلال يوليوز وغشت    منتخب الرأس الأخضر يقترب من أول تأهل إلى كأس العالم في تاريخه بعد انتصاره على نظيره الكاميروني    النجم كيليان مبابي يتخطى هنري ويلامس عرش الهداف التاريخي لفرنسا    "فيفا" يخطر جامعة الكرة بموعد إرسال اللائحة النهائية للمنتخب المغربي المشاركة في كأس العرب    آفاق ‬التعاون ‬المغربي ‬الموريتاني ‬تتسع ‬أكثر    فرنسا.. اعتقال 200 متظاهر في احتجاجات واسعة ضد ماكرون    المنتخب الإماراتي لكرة القدم يتأهل إلى نهائيات كأس آسيا لأقل من 23 سنة    مطارات الإمارات تتجاوز حاجز المليار مسافر خلال 10 سنوات    دراسة: أسماك الناظور ملوثة وتهدد صحة الأطفال    دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال        باقبو الفنان الذي ولج الموسيقى العالمية على صهوة السنتير.. وداعا    تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة    أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي        أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصمت ليس مهنتنا
نشر في المساء يوم 28 - 05 - 2008

منذ وصول الملك محمد السادس إلى العرش قبل تسع سنوات، عرف هامش حرية التعبير اتساعا ملحوظا، وبدأت الكتابات الصحافية تقتحم أسوار مؤسسات كانت إلى حدود الأمس في عداد المعابد المقدسة. تكاثرت العناوين والمنابر، وأحس الصحافيون أنهم أقرب ما يكونون لتسلم زمام السلطة الرابعة، مثل أقرانهم في الدول الديمقراطية.
طبعا لا أحد أهدى الصحافة المستقلة في المغرب شيئا. لكن هذا لا يمنع من القول أن الانفتاح الذي عرفه المشهد الصحافي كانت وراءه إرادة ملكية واضحة. وحتى عندما حاول عباس الفاسي وهو وزير بدون حقيبة في حكومة جطو إقحام نقطة في جدول أعمال المجلس الحكومي، تتعلق بما سماه عباس تجاوزات الصحافة، رفض الملك قبول طلب عباس لأن النقطة غير مدرجة في جدول الأعمال.
بعدها سيتنازل الملك عن مقاضاة يومية «الصحيفة» التي نشرت تقريرا لأحد الأمريكيين يشير إلى ارتشاء شخصيات كبيرة في الدولة في ملف بترول تالسينت. في الوقت الذي تمسك فيه وزراء وقضاة وشخصيات عمومية بمطالبهم المادية الثقيلة ضد صحف ومجلات اتهموها بالقذف والتشهير.
فالمشكلة في المغرب هي أن هناك من يريد أن يكون ملكيا أكثر من الملك. وهناك من يختبئ وراء ظهر الملك لكي ينتقم من الصحافة المستقلة، عبر تصويرها كخطر على الوطن والملك.
نحن في «المساء» كنا واضحين دائما مع أنفسنا وقرائنا. لقد عبرنا دائما عن احترامنا الواجب للملك، كملك لجميع المغاربة، ودافعنا منذ البدء عن الوطن بناسه وجباله وسواحله وصحرائه الممتدة إلى الكويرة.
ولذلك فلكي لا تصل الروائح الكريهة لفضائح وحماقات البعض في هذه البلاد إلى علم الرأي العام وإلى ملك البلاد الذي وضع ثقته فيهم، يجب أن ينزل هؤلاء إلى السوق ويشتروا «قراصات النشير» ويوزعوا قراصة قراصة على كل مغربي ويطلبوا منهم أن يضعوها فوق أنوفهم، هكذا سيضمنون أن ثلاثين مليون أنف لن تشم أخبارهم وفضائحهم. فذلك سيكون أفضل لهم من محاربة هذه الجريدة ومحاولة خنق صوتها.
فقد أصبح واضحا أن هناك بعض المسؤولين في الدولة والمؤسسات العمومية وبعض الشخصيات الحزبية وبعض المثقفين الانتهازيين الملتصقين مثل البراغيث فوق جلدة المخزن، يحاولون بكل الطرق والوسائل، الوضيعة أحيانا، أن يضعوا الكمامة على أفواهنا، لكي نتحول إلى مومياءات ملفوفة بإحكام ونصبح لائقين بمتحف المقتنيات النادرة التي يصرفون عليها بانتظام من أموال الشعب لكي تظل محنطة أطول وقت ممكن.
اليوم نجد أنفسنا مضطرين لكي نعتذر من كل هؤلاء ونقول لهم أن هذه الجريدة لم تعد في ملكنا لكي نتخلى عنها. لقد سجلنا حقوق التأليف في ملكية الملايين من المغاربة بموجب عقد سيربطنا بهم إلى أن يأتي من يقطع ألسنتنا أو أصابعنا، مثلما حدث في تونس مع أحد الصحافيين المزعجين. لكننا في المغرب ولله الحمد لم نصل بعد إلى قطع الأصابع، فهم يفضلون أكثر قطع الأرزاق.
ونصيحتنا إلى هؤلاء هي أن يبدؤوا بتشطيب أبواب بيوتهم قبل أن يفكروا بتشطيب باب الجامع. فالمثل المغربي يقول «اللي شلاغمو من الحلفا ما يسوط على العافية». وليكن في علم هؤلاء أنهم بمحاولتهم إخماد صوت هذا المنبر إنما يحاولون أن يكتموا زفرات الآلاف من المغاربة ويمنعوها من الوصول إلى أذن من يهمه الأمر. فلا تكتموا أنفاسنا لأننا لسنا سوى تلك القصبة الرفيعة التي يتنفس عبرها الآخرون، أولئك الذين يختنقون وسط هذا الوحل الذي جرجرنا إليه عديمو الضمير والوطنية رغما عن أنفنا. وعوض أن تلعنوا الظلام حاولوا أن توقدوا شمعة، لكن ليس في ثيابنا طبعا. وإذا كان البعض يريدون مغالطة الناس بتسمية السبع حمارا، فما عليهم سوى أن يحاولوا وضع اللجام في فمه.
صحيح أننا لسنا متحزبين وليس لدينا معارف في الحكومة، صحيح أيضا أننا أبناء الشعب ولسنا أبناء منحدرين من العائلات الكريمة. صحيح أن أسماءنا العائلية لا تثير خوف أحد بقدر ما يثير سخرية البعض أحيانا. صحيح أننا بلا حصانة بحيث أن أتفه مسؤول في هذه البلاد يستطيع في لحظة غضب أن يدهس خبزنا وخبز عائلاتنا بحذائه المخزني الثقيل. لكننا لحسن الحظ لا نعيش على الخبز وحده، بل على الأنفة والكبرياء والكرامة والكثير من الأحاسيس النبيلة الأخرى التي يريد البعض في هذه البلاد قتلها في نفوسنا. الأحاسيس نفسها التي بسبب المحافظة عليها فضل الكثير من المغاربة أن يحزموا حقائبهم وأن يغادروا الوطن بسبب مضايقات صغار النفوس والعقول. هم ذهبوا أما نحن فباقون هنا، فالمغرب لنا لا لغيرنا. وعندما نقول لنا نقصد ثلاثين مليون مغربي طبعا، وليس ثلاثين مغربي فقط.
ونحن هنا يهمنا كثيرا أن نفكر بصوت مسموع أمامكم وأن نطرح بعض الأسئلة المحيرة التي لا نجد لها جوابا :
من الذي يجب أن يساق إلى المحاكم، اللص أم من يشير إليه بالأصبع؟
من الذي يجب أن يحارب في خبزه وخبز أبنائه، الفاسد أم من يرشد إليه ؟
من الذي يجب أن يفضح ويشنع به، المرتشي أم من يسقط ورقة التوت عن عورته ؟
من الذي يجب أن يضيق عليه الخناق، العابثون بمصالح الشعب أم من يحاول أن يقول لهم كفى من العبث؟
لقد أصبح واضحا أن هناك من يحاول حجب الشمس بالغربال وخلط الأوراق لكي يتحول الجلاد إلى ضحية واللص إلى شريف والمرتشي إلى نظيف والانتهازي إلى صاحب قضية. ولغباء هؤلاء فهم لا يعرفون أن المغاربة الحقيقيين يرددون حكمة عميقة تقول «وجه الشارفا ما يخفى ولو تحكو بالحلفا»...
الكتابة بهذا المعنى قدرنا، ونحن نؤمن بالقدر خيره وشره. ونعرف أنه يمكن أن يأتيني الخير من الكتابة كما يمكن أن تجلب علينا الشرور.
وعندما يسألنا القراء لماذا لا تخافون على أنفسكم مما تكتبون نقول لهم أننا نخاف أكثر على الوطن، أما نحن فمجرد عابرين يحاولون أن يتركوا آثار خطوات أقدامهم على الرمل قبل أن تأتي موجة العمر الأخيرة وتجتاح شاطئ الحياة ذات غروب وتمسح كل شيء.
كل هذا لكي نقول للذين يريدون وضع الكمامة على أفواهنا أننا لن نصمت. أما الذين يفكرون بأكل لحومنا نيئة فنقول لهم أن لحمنا مر. وستظل ألسنتما طويلة في قول الحق كما كانت ولن تنقص سنتمترا واحدا. سنظل نكتب إلى نهاية أيامنا، وإذا كان هناك في هذه البلاد من يفضل أن يولد في صمت ويعيش في صمت ويهان في صمت إلى أن يموت في صمت فنحن نفضل أن نعيش صاخبين. وإذا كان الصمت من ذهب فإن الكلام من جوهر وياقوت. وقبل كل شيء، الصمت لم يكن في أي يوم من الأيام حكمتنا المفضلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.