المغرب وغامبيا يجددان إرادتهما المشتركة لجعل شراكتهما نموذجا للتعاون الإفريقي    الكنيست يؤيد بالأغلبية اقتراحا يدعم "ضم" الضفة الغربية المحتلة    السكيتيوي يعلن عن لائحة المنتخب الوطني المستدعاة للمشاركة في الشان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    اشغال اللقاء التواصلي والاستشاري لتجويد أشغال الشرفة الأطلسية بالعرائش    24 قتيلا و2965 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم        أصيلة.. ايقاف شخص مبحوث عنه يشتبه في تورطه في حيازة وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية    رحيل الفنان التشكيلي عفيف بناني.. أحد رواد الريشة المغربية وصاحب "قصبة تينزولين"    فن اللغا والسجية.. مولات السر سوليكا القديسة/ ديوان تلاميذي تجربة رائدة اولاد العرام ديوان يعكس المجتمع (فيديو)    اختتمت المعرض الجهوي للمنتوجات الفلاحية بإقليم الحسيمة    رقصة الافعى محور الندوة العلمية لمهرجان ايقاعات لوناسة بتارودانت    بعد 15 جلسة وتأخر دام شهورا.. محكمة فاس تسقط المسؤولية الجنائية عن قاتل شرطي الحسيمة    تسجيل أكثر من 100 ألف عضة و33 وفاة بالسعار في 2024 بالمغرب    لأول مرة بإفريقيا.. المغرب ينجح في زراعة جهاز تنظيم ضربات القلب اللاسلكي    غدا تنطلق فعاليات الدورة 19 لمهرجان تويزة    تنظيم مهرجان كانگا إفريقيا 2025 بتارودانت    أكثر من 100 منظمة تحذر من "مجاعة جماعية" في قطاع غزة    وزير الخارجية البرتغالي: البرتغال والمغرب عازمان على تعزيز شراكتهما الاستراتيجية في مختلف المجالات    خورخي فيلدا: الانضباط التكتيكي ساهم في التأهل إلى نهائي كأس إفريقيا    ترامب يعلن عن اتفاق تجاري مع اليابان يتضمن خفض الرسوم الجمركية إلى 15%    أمن أكادير يحقق في دخول سيارة أجنبية إلى رمال الشاطئ    المغرب والصين على سكة المستقبل: قطارات فائقة السرعة وتعاون استراتيجي غير مسبوق    نقابة تحذر من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب وتشكك في معدل النمو    حين تتحدث الجغرافيا بلغة التاريخ… البرتغال تصطف إلى جانب المغرب وتعترف بسيادته على صحرائه.    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بتنظيم المجلس الوطني للصحافة    قيوح يشرف على إطلاق أشغال تهيئة المنطقة اللوجيستيكية أولاد صالح بإقليم النواصر    مهرجان "إيكودار" يعود في دورته السابعة بإداوكنظيف: الثقافة الحية عنوان للاحتفاء بالتراث والتنمية    معرض الصناعة التقليدية والفن التشكيلي يضيء فعاليات ربيع أكدال الرياض في دورته الثامنة عشرة    غزة تموت جوعا… التجويع الإسرائيلي يقتل 10 فلسطينيين خلال 24 ساعة    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الإيرلندي فيرغوسون من برايتون الى روما على سبيل الإعارة    جامعة لقجع تحدد موعد افتتاح أول مكتب إقليمي للفيفا بشمال إفريقيا من الرباط    المغرب يتجه نحو إصلاح جذري في السياسة الدوائية    دراسة: متلازمة القولون العصبي لا ترتبط بحساسية الغلوتين        بعد 60 عاما.. أمريكا تفرج عن وثائق سرية حول اغتيال مارتن لوثر كينج    أنفوغرافيك | ماذا نعرف عن موقع المغرب في مؤشر المواطنة العالمي لسنة 2025؟    ارتفاع الأسهم الأوروبية بعد اتفاق تجاري بين واشنطن وطوكيو    الصين تفتح سوقها أمام المغرب: إعفاء جمركي شامل يدعم المبادلات التجارية ويعزز الشراكة الاستراتيجية    الجديدة: موسم التين للتبوريدة في نسخته الثانية    باكستان: 221 شخصا لقوا مصرعهم في الأمطار الموسمية    المغرب ثاني أكثر دولة في العالم استهدافا بالهجمات السيبرانية خلال أسبوع    اليوم العالمي للدماغ يسلط الضوء على تحديات الأمراض العصبية المتزايدة    النهضة البركانية تحتفي بدرع البطولة    السر في ملعب الحسن الثاني … لماذا يؤجل الفيفا الإعلان عن ملعب نهائي كأس العالم 2030 …؟    بنك المغرب يختبر العملة الرقمية    طنجة.. مداهمة شقة بحي العرفان تُسفر عن توقيف 4 شبان وفتاة (صور)    لاعب اتحاد طنجة عبد العالي معاطي يستعد لمغادرة الفريق نحو الزمالك    كاتب إسرائيلي: إسرائيل تُنفذ الآن خطة نازية للتطهير العرقي في غزة    بمشاركة دراكانوف ولازارو ومصطفى ترقاع.. الناظور تحتضن النسخة 11 من المهرجان المتوسطي    ‮ «‬تهريج‮»،‮ ‬و«بلطجة‮» ‬و‮… ‬حكامة بلا سياسة‮!‬    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب: التغلب على الفساد :" لبرتراند دوسبيفيل " في ترجمة عربية


للمسائية العربية / جمال الموساوي
الفساد واحدة من بين أكثر القضايا المثارة اليوم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى جانب الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولاحظنا كيف أن محاربة هذه الظاهرة كانت في قلب الحراك الاجتماعي والسياسي الذي عرفته المنطقة منذ أواخر سنة 2010، وأدى إلى
حدوث تغيير كبير في نظرة سكانها إلى المستقبل بحيث بات العيش الكريم مرتبطا بالمرور إلى اعتماد القواعد الديمقراطية في الحكم، والعمل على محاربة الفساد كشرطين لازمين للقضاء على الفقر والبطالة وتحقيق الإنصاف والمساواة.
وإذا كان من السابق لأوانه تقييم ما آلت إليه الشعارات التي رفعتها الشعوب في ما يتعلق بإسقاط الفساد، بالنظر من جهة إلى عامل الزمن بحيث إن ثلاث سنوات مدة قصيرة، ومن جهة أخرى إلى استمرار الحراك (والمعارك) في أكثر من منطقة بما في ذلك البلدان التي عرفت تغيير الأنظمة السياسية التي كانت تحكمها وتتحكم فيها ، فهذا لا يمنع من التأكيد أن مكافحة الفساد قد انتقلت من الخطاب والمنصات إلى الشارع الذي أصبح ضغطه يزداد قوة ووزنا.
في سياق مماثل يبرز سؤال هام وأساسي يتعلق بالطريقة الأكثر فعالية ونجاعة لمكافحة الفساد. هذا السؤال يجد مشروعيته في كون ظاهرة الفساد نفسها معقدة وتتداخل فيها أبعاد متعددة بين الثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى تنوع أشكاله وتعدد مخاطره، كما يجدها في تعدد الأدبيات التي تناولت الظاهرة بالدراسة والتحليل إلى حد يجعل صناع القرار في بلد مقبل على هذه الحرب في حيرة من أمرهم فلا يكادون يهتدون سبيلا.
في هذا الإطار يبدو الاستئناس بالتجارب الدولية في هذا المجال واحدا من مفاتيح النجاح التي لا غنى عنها، وهو ما قامت به دول كثيرة أغلبها مصنف في أفضل المراكز في مؤشر إدراك الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية سنويا وباقي المؤشرات الأخرى التي تعنى بالشفافية والنزاهة.
وإسهاما في العمل من أجل تحقيق هذا الهدف، أي تعميم المعرفة بالتجارب الناجحة، أصدرت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب الترجمة العربية لكتاب برتراند دو سبيفيل "OVERCOMING CORRUPTION" الذي يعد مرجعا أساسيا في مجال محاربة الفساد لاعتبارات أهمها أنه موجه أولا "إلى صناع السياسات والمشرعين الذين أنيطت بهم مسؤولية قيادة بلادهم للخروج من مستنقع الفساد" ص 9، وبالتالي فهو ليس كتابا لاستعراض الأدبيات المرتبطة بالفساد ومسبباته وانعكاساته، وليس كتابا أكاديميا مليئا بالأفكار النظرية التي قد يكون تطبيقها ممكنا وقد لا يكون، بل هو خلاصة تجربة شخصية للمؤلف الذي مارس بشكل فعلي العمل ضد الفساد، وهو ما يشير إليه عبد السلام أبودرار رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة في المغرب على ظهر الغلاف بقوله " إن هذا الكتاب ليس بحثا نظريا غارقا في استعادة الأدبيات الكثيرة التي كتبت حول موضوع الفساد، بل هو ثمرة تجربة ناجحة في مكافحة الفساد بشكل فعلي. على هذا الأساس لا يسعى مؤلفه برتراند دو سبيفيل، وهو الذي كان رئيسا للجنة المستقلة لمحاربة الفساد في هونغ كونغ، لإعطاء دروس للدول أو المسؤولين عن مكافحة الفساد بل يضع بين أيديهم خلاصة عمل عميق قاد هونغ كونغ لتكون نموذجا دوليا في هذا المجال".
يتناول هذا الكتاب الموزع على عشرة فصول، ما يعتبره المؤلف العناصر الأساسية لأي سياسة يراد لها أن تكون ناجحة في ما يتعلق بمكافحة الفساد، فيستعرض بشكل مبسط وبأسلوب سهل أهم القضايا والأسئلة التي يواجهها صناع القرار في هذا الشأن.
ويبقي أبرز هذه الأسئلة، عندما يتعلق الأمر بالإقدام على قرار استراتيجي من قبيل مكافحة الفساد، هو ذلك المتعلق بمدى توفر الإرادة السياسية التي تدعم مثل هذا القرار وتمنحه القوة اللازمة للمضي به إلى أبعد الحدود الممكنة، أي متابعة الفاسدين مهما كانت مناصبهم وأوضاعهم في هرم الدولة. إلا أن هذه الإرادة على أهميتها في رأي المؤلف غاية في الهشاشة وتحتاج بدورها إلى دعم ومساندة سواء من طرف المحيطين بالمسؤول المعبر عنها أو من طرف عموم المجتمع فهي" تنطفئ بسهولة كما ينطفئ لهب الشمعة. وهي تحتاج إلى الرعاية والتشجيع" ص 36.
هذا الدعم قد لا يتوفر بالقدر اللازم والضروري لتحقيق الأهداف المرسومة في ما يتعلق بشكل خاص بالتقليص من حدة الفساد. لأن طبيعة المطالب بإسقاط الفساد هي طبيعة استعجالية تتغيا الوصول إلى النتائج في أمد قصير وأحيانا قصير جدا، وهذا واضح في شعارات الربيع العربي مثلا، وأيضا في الإجراءات التي شرع في اتخاذها الحكام الجدد في مصر وتونس على سبيل المثال خاصة في الشق المتعلق باسترداد الأموال التي تم نهبها وتهريبها إلى الخارج.
يعتقد المؤلف، وهو رأي يشاطره فيه العديد من الخبراء العاملين في المجال، أن المعركة ضد الفساد تحتاج إلى"النضال الطويل والمكلف والمؤلم من أجل النجاح" ص 36 . بمعنى آخر لا يمكن الحصول على نتائج ذات أهمية دون "تحمل وصبر" من لدن مختلف المتدخلين خاصة منهم المواطنون الذين يشكلون الضحية الأولى للفساد إن بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. ويشبه دو سبيفيل الفساد بالداء المزمن والمستفحل الذي يحتاج علاجه إلى تضحيات جسام ليس أقلها الصبر للعلاج الكيميائي !
بالإضافة إلى الإرادة السياسية والدعم المجتمعي لها، تحتاج مكافحة الفساد إلى إستراتيجية وطنية، يذهب المؤلف إلى القول إنها تتأسس على ثلاثة مرتكزات تسند بعضها بعضا هي"التحقيق والملاحقة ، والوقاية عبر تطوير المساطر والأنظمة، ثم التربية والتوعية باعتبارهما ضروريين لمحاربة الفساد الأجيال الناشئة وتغيير النظرة المجتمعية المتسامحة معه أو التي تجعل منه شرا لا بد منه ولا غنى عنه. ويجب لنجاح هذه الاستراتيجية أن تكون أهدافها واضحة وقابلة للتحقيق والقياس داخل آجال محددة ووفق معايير متعارف عليها.
ويسوق المؤلف ضمن هذه المعايير، بالإضافة إلى ملاءمة القوانين الوطنية المتعلقة بمكافحة الفساد، ضرورة إنشاء هيئة أو وكالة خاصة (وحيدة) تكون مهمتها الأساسية "قيادة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد" (ص 54)، كما يطلب منها "أن تدفع بعناصر الاستراتيجية الثلاثة إلى الأمام بما يلزم من تزامن وتنسيق" (ص 55)، وتتلخص السمات الأساسية لهذه الهيئة في استقلاليتها عن كل أجهزة الدولة الأخرى، وخضوعها للمساءلة ما دام تمويلها من المال العام أي من ميزانية الدولة، ثم تمكينها من أدوت كافية للعمل من موارد بشرية ومالية ودعم حكومي من خلال "وضع التوصيات المتعلقة بالوقاية من الفساد الصادرة عن هيئة محاربة الفساد موضع التنفيذ" (ص 76).
يركز الكتاب أخيرا، على أمر بالغ الأهمية، هو إشراك فعاليات المجتمع في العمل ضد الفساد، وهو ما انتبهت إلية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2003) خاصة في مادتها 13 التي تنص على أنه " تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة ، ضمن حدود إمكاناتها ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي ، لتشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون إلى القطاع العام ، مثل المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي ، على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته ، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر".
في هذا الإطار يعتبر المؤلف أن مكافحة الفساد ليست مهمة الهيئة أو الحكومة فقط، بل إنهما لن تتمكنا من النجاح مهما كانت قوة ووجاهة السياسات والإجراءات التي سيتم اللجوء إليها والعمل بها، وهو بذلك يحجز دورا مهما لقوى المجتمع في هذه المعركة، خاصة إذا تم إشراكها منذ البداية في صياغة تلك السياسات لأن "من شأن أخذ الحكومة عناء التشاور على عاتقها على الفور مع المجتمع أن يشجع الناس على التعبير عن آرائهم، وهي آراء ستؤخذ بعين الاعتبار عن صياغة خطة تنفيذ الاستراتيجية" (ص 72).
ويختتم دوسبيفيل كتابه باستعراض عدد من المطبات التي قد تواجه التصدي للفساد. ونكتفي بالإشارة هنا إلى أن ضعف الإرادة السياسية يظل أحد أكبر العوائق في هذا المجال، لذلك يتوجب كلما لاحت بارقة تفيد بأن هذه الإرادة قد بدأت تتبلور أن يتم السهر على إنضاجها ودفعها إلى الاستمرار، فحماس البداية الذي قد تعبر عنه حكومة وصلت حديثا إلى الحكم، يتقلص في الغالب رويدا رويدا مع الاصطدام بالواقع.
عنوان الكتاب: التغلب على الفساد
العنوان الأصلي:- THE ESSENTIALS OVERCOMING CORRUPTION
المؤلف: برتراند دو سبفيل
الناشر: la Croisée des Chemins
طبعة أولى 2012- الدار البيضاء- المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.