تحت شعار "ذكاء المرافق".. الرياض تحتضن أكبر حدث دولي في إدارة المرافق    الشرقاوي: الملك يهتم بأجيال فلسطين    "أسيست دياز" يسهم في فوز الريال    الخارجية الفرنسية تستدعي السفير الأمريكي بسبب اتهامات معاداة السامية    الملك محمد السادس: القانون الدولي يتعرض لرجّة قوية بفعل رياح عاتيّة مُعاكِسة    توقيف مختل عقلي بالبيضاء جراء نشره فيديو يهدد فيه بارتكاب جنايات ضد الأشخاص بمسجد الأندلس بمنطقة أناسي    تجارب علمية تبعث الأمل في علاج نهائي لمرض السكري من النوع الأول    رحيل الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب المناضل عزيز المنبهي    مطار محمد الخامس: توقيف تركي يشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض صادر عن طرف السلطات القضائية بألمانيا    سجن الناظور ينفي مزاعم تعذيب نزيل    إختتام مهرجان نجوم كناوة على إيقاع عروض فنية ساحرة    المغرب بحاجة إلى "عشرات العزوزي" .. والعالم لا يرحم المتأخرين    بعثة المنتخب المحلي تتوجه إلى أوغندا    بعد الهزيمة.. جمال بنصديق يتعهد بالعودة في أكتوبر ويكشف عن سبب الخسارة    موجة حر استثنائية تضرب إسبانيا وتتسبب في أكثر من ألف وفاة خلال غشت    الحسيمة.. حادث سير مروع يودي بحياة محمد البوشعيبي    العيناوي يؤكد الجاهزية لتمثيل المغرب    السلطات المغربية تطرد ناشطتين أجنبيتين من مدينة العيون    عادل الميلودي يدافع عن الريف ويرد بقوة على منتقدي العرس الباذخ    القناة الأمازيغية تواكب مهرجان الشاطئ السينمائي وتبرز إشعاع نادي سينما الريف بالناظور    حكمة العمران وفلسفة النجاح    الملك محمد السادس يبعث رسالة إلى زيلينسكي    سابقة علمية.. الدكتور المغربي يوسف العزوزي يخترع أول جهاز لتوجيه الخلايا داخل الدم    طفل بلجيكي من أصول مغربية يُشخص بمرض جيني نادر ليس له علاج    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    تبون خارج اللعبة .. أنباء الاغتيال والإقامة الجبرية تهز الجزائر    الجنرال حرمو يؤشر على حركة انتقالية واسعة في صفوف قيادات الدرك الملكي بجهتي الناظور وطنجة    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة "عالم الذكاء الاصطناعي.. الشرق الأوسط وإفريقيا" في فبراير القادم    قال إن "لديه خبرة وغيرة لا توجد لدى منافسيه".. أسامة العمراني ينضاف لقائمة نخب تطوان الداعمة للحاج أبرون    السدود المغربية تفقد 792 مليون متر مكعب بسبب الحرارة وتزايد الطلب    حتى لا نُبتلى باستعمار رقمي..        أزمة القمح العالمية تدق ناقوس الخطر والمغرب أمام تحديات صعبة لتأمين خبزه اليومي        جماهير الجيش الملكي ترفض رفع أسعار التذاكر وتطالب بالعودة إلى ملعبها التاريخي    مقتل أزيد من 35 إرهابيا في ضربات جوية شمال شرق نيجيريا    ارتفاع ضحايا المجاعة في غزة إلى 289 شخصا بينهم 115 طفلا    المغرب: فاتح شهر ربيع الأول لعام 1447ه غدا الاثنين وعيد المولد النبوي يوم 05 شتنبر المقبل    المملكة المتحدة تتعهد تسريع النظر في طلبات اللجوء مع امتداد التظاهرات أمام فنادق الإيواء    المغرب ضيف شرف الدورة ال19 للمعرض الوطني للصناعة التقليدية ببنين    جاكوب زوما: محاولة فصل المغرب عن صحرائه هو استهداف لوحدة إفريقيا وزمن البلقنة انتهى    غوتيريش يرصد خروقات البوليساريو    الصحافة الكويتية تسلط الضوء على المبادرة الإنسانية السامية للملك محمد السادس لإغاثة سكان غزة    ناشطات FEMEN يقفن عاريات أمام سفارة المغرب في برلين تضامنا مع ابتسام لشكر    موجة غلاء جديدة.. لحم العجل خارج متناول فئات واسعة        الجديدة تحتضن الدورة الأولى لمهرجان اليقطين احتفاء ب''ڭرعة دكالة''        تحذير من العلاجات المعجزة    أمريكا: تسجيل إصابة بمرض الطاعون وإخضاع المصاب للحجر الصحي    تغيير المنزل واغتراب الكتب    مقاربة فلسفية للتنوير والتراصف والمقاومة في السياق الحضاري    جدل واسع بعد الإعلان عن عودة شيرين عبد الوهاب لحسام حبيب    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نهر أم الربيع قلب وذاكرة تادلة ، بين الحنين للماضي وحسرة الحاضر
نشر في الرأي المغربية يوم 01 - 07 - 2017

لنهر أم الربيع مكانة هامة في ذاكرة المدن والقرى التي يخترقها، وقد ارتبطت بهذا الشريان أحداث ووقائع تاريخية كبرى بصمت تاريخ المغرب. فنهر أم الربيع يعتبر من الأنهار الرئيسية ببلادنا، وعلى طول أكثر من 600 كلم ينساب هذا الشريان الحيوي الذي لا ينضب انطلاقا منابع طبيعية منهمرة ومتدفقة من عمق الأطلس المتوسط بالقرب من مدينة خنيفرة ويصب بالمحيط الأطلسي بمدينة ازمور مخترقا بذلك سهول تادلة والشاوية ودكالة. وتعتبر مدينة قصبة تادلة من المدن التي يمر عبرها هذا النهر والذي ارتبط به تاريخ هذه المدينة بشكل وطيد. إذ أن النواة الأولى للمدينة أقيمت على مشارفه، واختارها السلطان المولى إسماعيل عاصمة إدارية وسياسية وعسكرية لهذه المنطقة بفعل موقعها الجغرافي الاستراتيجي بقلب المغرب وباعتبارها نقطة عبور تربط بين قطبين حضاريين هامين هما فاس ومراكش ومن خلالها كانت تتم مراقبة القبائل والقوافل التجارية إضافة إلى محاذاتها لمرتفعات الأطلس. وهكذا شيد بها قصبته الشهيرة سنة 1679 لتكون قاعدة عسكرية لبسط نفوذه بسهل تادلة والمناطق المجاورة وشيدت بجانبها قنطرة على واد أم الربيع للربط بين الشمال والجنوب( تتضارب الروايات التاريخية حول تاريخ تأسيس هذه القنطرة). غير أن هذا النهر الشامخ وبفعل عوامل بشرية وطبيعية انهارت قواه واختلت توازناته الإيكولوجية وبات مهددا بالفناء في ضل استمرار تزايد مقذوفات المياه العادمة التي تخترق جوفه دون معالجة عبر 17 مصبا عشوائيا بمدينة قصبة تادلة لوحدها. بين ماضي هذا النهر السرمدي وحاضره حدثت مأساة اغتياله جراء التوسع العمراني والتمدن العشوائي والعدد الكبير للسدود المقامة على طوله، وغياب محطة لمعالجة مقذوفات النفايات السائلة الملوثة. فمتى ستتم إعادة البسمة والحياة إلى هذا النهر الشامخ و إلى ضفافه؟.
الذاكرة الطبيعية المهددة بالفناء
قبل التطرق والغوص في ما يتعرض له نهر أم الربيع من تصفية لأهم معالمه الطبيعية جراء ما لحقها من تشويه و من تهديد لوجودها واستمرارها، لابد من الإشارة إلى أن هذا الواد يسكن بشكل لافت وجدان وذاكرة سكان مدينة قصبة تادلة. فكان لزاما أن نعرج عبر نوستالجيا تعود بالقارئ إلى عقود خلت لترسم للأجيال الحالية معالم نهر اغتالتها عن سبق إصرار وترصد عوامل بشرية. كل الشهادات التي استقيناها تشير أن لهذا النهر الشامخ عبر مر السنين مكانة بارزة في الذاكرة الجماعية لسكان قصبة تادلة، لما كان له من ادوار حيوية في حياة السكان الذين ارتبطوا وتعلقوا به وجدانيا رجالا ونساء وأطفالا وعشقوه حتى النخاع. فقد كان النهر قبل عقود خلت، فضاء للسباحة والاستجمام بفضل صبيبه الهام وانتشار العيون المتدفقة على امتداد جنباته و الأشجار الوارفة الظليلة التي تركها المستعمر وتم اجتثاثها ولمكر التاريخ بعد الحصول على الاستقلال. لقد كان جل سكان قصبة تادلة يتقنون السباحة والغطس من أماكن مرتفعة كالقنطرة القديمة والقنطرة الجديدة وكهف “الصبانة” و جرف “الصراط” . جل الأطفال والشباب اكتسبوا مهارات رياضية هائلة بفضل هذا النهر. فبعض ضفافه كانت عبارة عن شواطئ صغيرة فوق رمالها وعشبها كان الأطفال وبتلقائية عجيبة يتعلمون حركات الجمباز الأرضية بما فيها المعقدة والغطس من نقط جد مرتفعة مجسدين بعفوية توجه مدرسة الفرنسي” جورج هيبير” الشهيرة في تاريخ التربية البدنية والتي تتبنى الحركات البدنية المستمدة من الطبيعة لتمرين الجسم وتقويته. خلال فصل الصيف كان السكان يحتمون بمياه النهر من لهيب الحر و قيظ المدينة التي كان الفرنسيون يلقبونها حسب شهادات من عايشوا فترة الحماية، بفرن المغرب “le four du Maroc ” إذ كانت ولازالت تحطم الأرقام القياسية الوطنية في درجة الحرارة. وكانوا على إثر ذلك ينعشون أجسامهم المنهكة بغطسها في مياهه المتدفقة والمنعشة التي كانت نسب تلوثها ضعيفة. أحد الفلاحين يتذكر بحنين بالغ هبة وجبروت النهر قائلا “لقد كان الحصادون الفقراء الوافدون من أعالي جبال الأطلس للكدح بحقول سهل تادلة المشهورة بزراعة الحبوب، يقصدون النهر لتنظيف ملابسهم وتبريد أجسادهم المنهكة، غير أن بعضهم كان يلقى حتفه لعدم إتقانه السباحة وجهله لخبايا النهر ومكره، وكانوا يدفنون في قبور مجهولة تاركين خلفهم مناجلهم وثيابهم الرثة وهي رأسمالهم البئيس. وهكذا كانت أحيانا متعة الاستحمام تنتهي بمأساة الموت الغادر، لتتطفو الجثة بعد أيام وتدفن في صمت رهيب بلا أقرباء ولا أحباب، إنهم ضحايا المغرب العميق والمنسي” يختم هذا المزارع وهو يغالب تأثره. ولازال أبناء المدينة المتيمين بعشق النهر يحكون بحنين جارف “كان النهر خلال العقود السابقة قبل أن يصاب بالشيخوخة والخرف يلعب أدوارا سوسيو-اقتصادية مهمة. لقد كان المكان المفضل لدى النساء لغسل الألبسة والأفرشة والصوف وحبوب القمح والشعير. ولكونه يحتوي على العديد من أنواع السمك و بوفرة لافتة، فقد شكل الصيد بالصنارة الهواية المفضلة لدى الكثير من السكان صغارا وكبارا، حيث لم تكن أطباق الأسر التدلاوية تخلو من الوجبات السمكية المتنوعة واللذيذة والغنية بالبروتينات والكالسيوم، مما كان يخفف العبء عن جيوب بسطاء المدينة ويعفيهم أحيانا كثيرة من اقتناء اللحوم المكلفة”. أحد الصيادين يذكر السنين الذهبية للواد قائلا ” كان العديد من أرباب الأسر يمتهنون الصيد بالشباك والصنارة ومن ريعه يعيلون أفراد أسرهم، و آخرون أقاموا محلات لطهي أنواع كثيرة من السمك خصوصا بحي “بودراع” الشهير، وكانوا يستجلبون الزبناء بشهرتهم ولذة أسماكهم حتى من المدن المجاورة” . وهكذا كانت اسماك النهر تشكل مصدرا غذائيا مهما ولم يكن السكان آنذاك في حاجة إلى اسماك البحر التي لم تكن تصل المدينة إلا لماما، يختم هذا الصياد الذي رسمت عقود امتهان الصيد تجاعيد عميقة على محياه. أما القرى المجاورة للنهر فقد كان سكانها في الماضي يتزودون بالماء الشروب مباشرة من النهر ومن العيون المتدفقة من جنباته كما أن قطعان الماشية كانت تروي ظمأها من مياه هذا المجرى السرمدي كما يروي العديد من فلاحي المنطقة . هكذا إذن كان النهر يسدي خدمات اقتصادية واجتماعية وسياحية وترفيهية ويحافظ على التوازن البيئي باحتوائه للعديد من الكائنات الحيوانية والنباتية وتغذيته للأشجار الوارفة على طول ضفافه والتي تحث ضلالها كان العديد من السكان يستلقون و يستسلمون لغفوة القيلولة في عز لهيب الشمس التي تبدو قريبة من الرؤوس يسرد عدد من القاطنين بجوار النهر.
جريمة إغتيال معلمة طبيعية
مع توالي سنوات الجفاف العجاف مع مطلع عقد الثمانينات قل صبيب النهر وهزل مجراه ولم يعد الناس يتأملون بمهابة وخشوع ثوراته وغضبه خلال موسم الشتاء لما كان يهيج كالثور الغاضب وتغمر مياهه القنطرتين اللتان تربطان شمال المدينة بجنوبها. لقد روضه شح السماء وقساوتي الطبيعة والإنسان، حيث أن إقامة السدود على الواد أربكت حركته الطبيعية وأضحى إيقاع جريانه غير منتظم . فضلا على أن التوسع العمراني الملفت للمدينة وازدياد عدد السكان بشكل لافت كانت له بالغ الأضرار وساهم بشكل جلي في اغتيال هذه الهيبة الربانية العظيمة . فالمدينة تنفث كل مياهها العادمة مباشرة في النهر عبر 17 مصبا عشوائيا، إضافة إلى خطأ إقامة “حي صناعي” بمحاذاة النهر وبجوار معلمة القصبة الاسماعلية التاريخية ليساهم هذا الحي العشوائي في تشويه المعالم التاريخية والطبيعية لهذا الفضاء الجميل، الذي كان على المسؤولين المتعاقبين على تدبير الشأن المحلي بالمدينة، تحويله إلى فضاء سياحي للإستجمام واستثمار موراده الطبيعية الهامة. لقد لوثت سموم المياه العادمة والنفايات مياه النهر وساهمت في انقراض العديد من أنواع الأسماك والكائنات الحية الأخرى وقضت نهائيا على مجموعة من النباتات والأشجار التي كانت تزين جنباته وتوفر الضلال لرواده ، إلى درجة أن غابة بأكملها وهي غابة “سيدي بلقاسم” المحاذية للولي الصالح سيدي بلكاسم و التي كانت عبارة عن محمية طبيعية غنية بأصناف متنوعة من الأشجار والوحيش، وحاجزا ضد الرياح الشرقية الساخنة والحارة، لم يبق لها أ ثر يذكر وأصبحت عبارة عن خلاء نخرت أحشائه شاحنات نقل الرمال، و بات المكان كما لو تعرض لقصف جوي غاشم.
قنوات الموت العشوائية
يقر عدد من الفاعلين المهتمين بمجال الحفاظ على البيئة، أن كل القوانين والتشريعات المتعلقة بحفظ البيئة وحمايتها والحد من المخاطر التي تهددها لا يتم احترامها ومنها المنصوص عليها في الظهير الشريف رقم1.03.59 الصادر في 10 ربيع الأول 1424، “12 ماي 2003 ” و القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة الصادر بالجريد الرسمية عدد 5118 بتاريخ 18 ربيع الأول 1424 “19 يونيو 2003” كما أن أهداف الميثاق الوطني للبيئة بقيت في مجملها حبرا على ورق، إذ يتسائل ذات الفاعلين حول ما تحقق من هذه الأهداف المتعلقة بتغيير السلوكيات اتجاه البيئة و الحفاظ على التنوع البيئي و جودة الرصيد الطبيعي و التاريخي و تحسين جودة الحياة و الظروف الصحية للمواطن و الحفاظ على المجالات و المحميات و الموارد الطبيعية و معالجة المياه المستعملة في أفق معالجة 260 مليون متر مكعب من هذه المياه في السنة بغاية استعمالها من جديد في سقي المساحات الخضراء و الأراضي الزراعية. فبمدينة قصبة تادلة، يوجد 17 مصبا عشوائيا غير مراقب على نهر أم الربيع تمر عبرها جميع أنواع النفايات السائلة (نفايات المجازر السائلة، المستشفى، مياه الأمطار، المياه المستعملة دون معالجة). وتقدر كميات المقذوفات مثلا بالمصب 9 مثلا 1800 م3(متر مكعب) في اليوم وبالمصب 10 تصل إلى 1000م3 . و تقدر المياه المستعملة من طرف المجزرة بحوالي 175م3 في اليوم و مجموع المياه المستعملة العامة تقدر بحوالي 2957م3 و الكميات الملوثة من طرف الساكنة في اليوم ( مصب 9 و 10 ) تبلغ 2800م3. و الكميات الملوثة من طرف المجزرة في اليوم تصل إلى 233 م3. كل هذه السموم يقذف بها دون معالجة بجوف النهر في منظر مقزز وبشع. هذا فضلا عن التأثيرات الخطيرة لمطرح النفايات الصلبة العمومي الموجود على مشارف النهر والذي لم يعرف لحد الآن مدى تلويثه لمياه النهر وللفرشاة المائية التي تتغذى منها الآبار التي تعتبر مصدر الماء الشروب بالمدينة والقرى المجاورة.
مشروع للمعالجة في خبر كان
خلال سنة 2007 أقام المجلس البلدي لقصبة تادلة الدنيا بالدعاية لمشروع تصفية المياه العادمة، وتم تنظيم ندوات ولقاءات بحضور خبراء دوليين، حيث انخرط بتنسيق مع مؤسسة “ليكسف” وهي مؤسسة علمية تابعة لجامعة “فانكن” الهولندية التي تعمل على تطوير البحث العلمي و مساعدة الدول النامية في مجا ل التنمية المستدامة، يرأسها العالم و الخبير “لتينكا” المرشح آنذاك لنيل جائزة نوبل في المجال البيئي. وقد خلص هذا الخبير بعد معاينته للوضعية أن المدينة في حاجة لمحطة التصفية و حدد نوعيتها المناسبة التي تستجيب لخصوصيات و إمكانيات الجماعة التقنية و المادية حيث اقترح نظام ( USB) وهو من أحدث الأنظمة التكنولوجية المعاصرة لكونه لا يستلزم مساحات كبيرة ويولد الطاقة الكهربائية عن طريق البيوغاز المنبعث منه ولا يتسبب في روائح كثيرة. وهو نظام صغير من حيث الحجم يمكن استعماله موضعيا عند كل مصب أو أكثر ويستعمل لتصفية المياه العادمة واستعمالها في السقي. ويعتبر هذا المشروع من الأنظمة التي تستجيب للنمو الذي تعرفه الهندسة الايكولوجية. وكانت محطة قصبة تادلة ستكون أول محطة من نوعها في إفريقيا و حوض البحر المتوسط. وفي هذا السياق انعقد الملتقى الدولي لمعالجة المياه العادمة بقصبة تادلة 22-23-24يناير 2007، حيث تم تقديم عرض عن الوضعية الراهنة للتلوث بمياه نهر أم الربيع، و تقرير أولي حول وضعية المياه العادمة بالمدينة و نتائج تحليلات التي أجراها مكتب الدراسات حول المياه العادمة بقصبة تادلة في إطار مشروع مندمج مع وكالة حوض أم الربيع ببني ملال، و تقرير مرحلي حول إمكانية تطهير المياه المستعملة بقصبة تادلة من طرف أحد الخبراء الهولنديين. وهو المشروع الذي قدرت تكلفته انذاك ب 1500000 يورو.
هذا المشروع الذي أحيى الأمل من أجل إنعاش قلب تادلة المهدد بالسكتة، تبخر مع مرور الأيام وأصبح في خبر كان رغم ما كلف من سفريات إلى هولندا وحفلات استقبال على شرف الضيوف الهولنديين وغيرهم، ولم يتم للأسف تجشم عناء إخبار الرأي المحلي بأسباب فشله وعدم بلورته على أرض الواقع. وبعد نسيان مشروع الشراكة مع الهولنديين ووضع تقاريره بالرفوف، بدأ الحديث مؤخرا عن مشروع إقامة محطة للمعالجة بواسطة الأحواض بشراكة بين الجماعة الترابية لقصبة تادلة والمجمع الشريف للفوسفاط، حيث حددت تكلفة إنجازه في مبلغ 12 مليار سنتيم بشراكة بين المجمع الشريف للفوسفاط (9 مليار سنتيم) والمديرية العامة للجماعات المحلية (3 مليار سنتيم)، والجماعة الترابية لقصبة تادلة المكلفة بتوفير العقار الخاص بمحطة التصفية ومضخات المياه العادمة بتكلفة تقارب مليار سنتيم. ويتضمن هذا المشروع الذي تتمنى الساكنة أن لا يكون مصيره كسابقه وأن يتم التعجيل بإنشائه على أرض الواقع لإنقاذ النهر من التلوث وحماية المستحمين من المخاطر المهددة لصحتهم وسلامتهم، (يتضمن) توسيع شبكة تصريف المياه العاذمة وطولها 50 كلم، وإنجاز 3460 نقطة ربط، وإنجاز وتجهيز ثلاث محطات للضخ، وإنجاز وتجهيز محطة لتصفية المياه العادمة بواسطة الأحواض الطبيعية بمعدل صبيب حدد في 1350 متر مكعب في اليوم.
أمل إعادة البسمة لنهر أم الربيع
لقد أصبح إنجاز محطة لتصفية المياه العادمة بمدينة قصبة تادلة، أمرا ملحا، ولا يستحمل التهاون والتماطل، كما بات تأهيل ضفاف النهر و خلق فضاءات للإستجمام و الترفيه، مطلبا مستعجلا للسكان. فمع مرور السنين إزدادت أحوال النهر تفاقما، وبات الاستحمام في مياهه صيفا يشكل خطورة على صحة المواطنين باحتوائه على الجراثيم والمواد الخطيرة وانتشار الحشرات كالبعوض الذي بات يؤرق سكان الأحياء المجاورة للنهر علاوة على اختناقهم بالروائح الكريهة جراء توقف سيلانه من حين لأخر وانتشار وتراكم الأزبال على ضفافه. لقد جفت العيون التي كانت تغدي النهر وتتدفق رقراقة باتجاهه تروي ظمأ العابرين وتطهر المصلين المتخشعين والفقراء والمشردين . وتحول مجرى النهر الذي كان الناس يخشون عبوره إلى مجرد مجرى هزيل لا حياة فيه، هجرته جل الكائنات بما فيها الإنسان، وبات يحتضر وينتظر إسعافات مستعجلة لبقائه على قيد الحياة. ويبقى التساؤل الذي يتردد بمرارة على لسان عدد من السكان “هل سيتمكن أعضاء المجلس البلدي الحالي لقصبة تادلة من إعادة البسمة والأمل لهذا القلب النابض الوشيك على السكتة والذي بموته لا قدر الله سيتم دفن ذاكرة وحياة مدينة ارتبطت به وأصبح جزءا من هويتها، وبصم مختلف أطوارها التاريخية. فهل يمكن أن نتصور مدينة قصب تادلة في يوم من الأيام بدون نهر أم الربيع. انه بكل تأكيد الفناء إذا لم يتم تدارك الموقف قبل فوات الآوان، تجيب مجموعة من الغيورين على هذه المدينة التاريخية والمتيمين بعشق نهرها والمحتفظين بذكريات جماله وبهائه وثوراته الغاضبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.