أموال الناظور تمول مدنا أخرى.. أين الأبناك من تنمية المنطقة ودعم الرياضة والثقافة كما أرادها جلالة الملك؟    مجموعة بريكس تدعو إلى "كسر حلقة العنف" في الشرق الأوسط    ثلاثية تشيلسي تقصي الترجي التونسي    تحويل المكتب الوطني للهيدروكاربورات إلى شركة مساهمة على طاولة مجلس الحكومة    ميداوي: "النظام الأساسي" لموظفي التعليم العالي يلتزم بالمسار الطبيعي    والي بنك المغرب يدعو الحكومة إلى إنجاح برامج تمويل المقاولات الصغرى    توقعات استقرار التضخم بالمغرب عند 1% نهاية 2025 وارتفاعه إلى 1.8% في 2026    النفط عند أدنى مستوى في أكثر من أسبوع بعد إعلان ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران    المغرب يستعين بشركات ودفاتر تحملات لمواجهة خطر النفايات الطبية    نجاح إصدار سندات ل"اتصالات المغرب"    المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يحتفي بحرف "تيفيناغ" ويرصد التحديات    إيران تقول إنها "أرغمت" إسرائيل على وقف الحرب "من طرف واحد"    تنفيذ المرحلة الأولى من حملة الإغاثة المغربية لفائدة 1000 عائلة من النازحين في مخيمات غزة    إيران تعلن مقتل 610 أشخاص على الأقل منذ بدء الحرب مع إسرائيل    "جبر أضرار سلفيين" ينتظر الحسم    حكم كندي يدير مباراة الوداد والعين    الرجاء ينال المركز الثالث بكأس التميز    أشرف حكيمي أفضل لاعب في مباراة باريس سان جيرمان أمام سياتل ساوندرز الأمريكي    طنجة.. كلب على متن سيارة يعض فتاة والسائق يدهس شابًا أثناء الفرار أمام سيتي مول    طنجة.. حملة أمنية تسفر عن توقيف لصوص ومروّجي مخدرات بالمدينة العتيقة    "ملعب عشوائي" يثير الجدل بالدروة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    دفاع بودريقة يستدل بصور مع الملك وماكرون وأخنوش لدحض تهمة النصب    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    تقنية الهولوغرام تعيد جمهور مهرجان موازين لزمن عبد الحليم حافظ    اتفاق أمني مغربي فرنسي جديد يرسم خارطة طريق لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة    باستعمال الدرون والكلاب البوليسية.. حجز 3 أطنان من الشيرا كانت موجهة للتهريب الدولي        بنفيكا يزيح بايرن عن الصدارة وبوكا يودّع مونديال الأندية    أزمة مالية تهوي بليون الفرنسي إلى الدرجة الثانية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    بركة: 300 كيلومتر من الطرق السريعة قيد الإنجاز وبرمجة 900 كيلومتر إضافية    لائحة لبؤات الأطلس المشاركة في "كان السيدات 2024"    الصوديوم والملح: توازن ضروري للحفاظ على الصحة    الحسيمة .. دعوات لمقاطعة شركة "ارماس" تقسم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي    المملكة المغربية تعرب عن إدانتها الشديدة للهجوم الصاروخي السافر الذي استهدف سيادة دولة قطر الشقيقة ومجالها الجوي    بعد مسيرة فنية حافلة.. الفنانة أمينة بركات في ذمة الله    الأداء الإيجابي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    العراق يعلن إعادة فتح مجاله الجوي    مهرجان "موازين" يتخلى عن خدمات مخرجين مغاربة ويرضخ لشروط الأجانب    ترامب: إسرائيل وإيران انتهكتا الاتفاق    دراسة تكشف ارتفاع معدلات الإصابة بالتهاب المفاصل حول العالم    الإكثار من تناول الفواكه والخضروات يساعد في تحسين جودة النوم    هل تعالج الديدان السمنة؟ .. تجربة علمية تثير الدهشة    قبيل حفله بموازين.. راغب علامة في لقاء ودي مع السفير اللبناني ورجال أعمال    في برنامج مدارات بالإذاعةالوطنية : وقفات مع شعراء الزوايا في المغرب    في مهرجان موازين.. هكذا استخفت نانسي عجرم بقميص المنتخب!    بلكوش: المنتدى العربي الإفريقي للمقاولة وحقوق الإنسان تعزيز لمواصلة الشراكة والتعاون بين المنطقة العربية وعمقها الإفريقي    الوداد يطمئن أنصاره عن الحالة الصحية لبنهاشم وهيفتي    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    ترامب يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    رمسيس بولعيون يكتب... البرلماني أبرشان... عاد إليكم من جديد.. تشاطاراا، برويطة، اسعادات الوزاااار    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الحاجة إلى ثورة فكرية ضد الاستبداد
نشر في الرأي المغربية يوم 12 - 11 - 2015

تعاني مجتمعاتنا اليوم من أزمة حادة تنتظم عبر منظومة اشكالات تتشابك في بنيتها أبعاد مختلفة تتراوح بين القيمي، الفكري ، التربوي ، الثقافي ، السياسي ، الاقتصادي والاجتماعي. و لم يتم بعد الاهتداء إلى إيجاد الإجابة الجذرية الحاسمة أو المدخل الذي يقطع مع مواطن الخلل الناجم عنها.
فالمأزق الراهن لمجتمعاتنا يمكن توصيفه تحت طائلة تمظهرات تمس البنى الأساس لحياة العمران البشري والمادي وإمكانات تطوره وتنميته بشكل يحترم دورات التاريخ ومنطقه السليم . هنا نسجل أن عدم القدرة على إحداث قطيعة جذرية مع مخلفات الاستعمار والاستبداد والتحكم في دينامية المجتمعات المستقرة في المخيال والبنى الذهنية افرز لنا معمارا بشريا يعاني نقصا حادا وتشوهات منهجية في مقومات العقل البديل المفكر سواء على مستوى هيكلة الحس النقدي وتنمية الثقافة النقدية التي يمكن الرهان عليها في تأطير وإنتاج فضاء سياسي واجتماعي عمومي معاكس لدينامية الاستبداد والتحكم بكل أشكاله وصوره وقادر على اختراق النواة الصلبة لمظاهر الظلم المسلط على فئات عريضة من المجتمعات،مما سهل عملية الارتماء في أحضان خيارات خاطئة وبمرجعيات تعاكس منطق التطور والنمو .
وهي الحالة كذلك التي يترجمها تراجع منسوب الوعي الاجتماعي العام في مجتمعاتنا بل وينتصب ضد إنجاز فهم واستيعاب تمظهرات الاستبداد وميكانيزمات اشتغاله ، وهو ما وفر أجيالا لا تقو على متابعة ورصد انتشار الاستبداد وتمدده في جل البنى الحاضنة لحركية الإنسان وحرمانه من القدرة بدءا على تمييز الاستبداد وفرز أثره بل والانتباه إلى مختلف اختراقاته المخفية التي تستهدف الساحة الاجتماعية.
ففقدان الآلية الفكرية للتعاطي مع الاستبداد كمعطى ثقافي ترتب عنه تضييع تراكمات الجيل الرائد القائد للتغيير بمرجعيات سليمة، ونتج عنه جيل /أجيال فاقدة للإرادة السياسية وبالتالي لم تشكل الكتلة المؤثرة التي تسعى إلى التمكين للمشروع المجتمعي عبر آليات النضال الديمقراطي أي عدم اكتمال بناء النخب القادرة على انجاز الانتقال من الفجوة التي أحدثها الاستعمار في بنى المجتمع وأطره الهوياتية أو انجاز الانتقال الديمقراطي المجهض عبر الدعوة إلى انجازه، فالنخب المجهضة فكريا وثقافيا وقيميا انصرفت إلى معارك أكبر من شرعيتها المجتمعية تارة تسعى نحو وهم قلب نظام الحكم وأخرى نحو استلام السلطة أو الاستجابة لصفقة اقتسامها.وهي النخب ذاتها التي لم تبلور خطاب إصلاحي حقيقي ومن ثمة المراهنة على تغيير أرضية وقواعد العمل السياسي بل وإنتاج الخطاب الحاضن له ، الشيء الذي لم يضع قطار النضال الديمقراطي حقيقة على سكة تجفيف منابع الاستبداد بل هذا الاستبداد تحول إلى طبائع إفسادية تؤشر على أزمة ممتدة في عمق التاريخ والحضارة والفكر والإنسان بأبعاده المادية والمعنوية ….الخ.
حيث كان من نتائجها ضياع مشروع الإنسان نفسه حيث مسخت هويته، اختزل، سطح وجوده ، تردي منظومة قيمه ، تراجع رمزية المعرفة و العلم، وتبسيط الإبداع وتجويفه و إفراغه من حمولته الرسالية التي ترمي بناء الإنسان ، فضاع الإنسان قبل ضياع مشروعه المجتمعي وسط إشكالات ثانوية ومعارك هامشية على ضفاف ثنائية السلطة والثورة ، فاستعصى على العقل الترقيعي معالجتها ومواجهتها بصيغ تمكن من النهضة الشاملة الجامعة ، مما أفضى إلى الإفلاس الحضاري العام لمجتمعاتنا وجعل منظومتنا الفكرية تستمرئ محنة الاستبداد بكل أنواعه وان كان للاستبداد السياسي المنزلة الأولى في مجتمعاتنا حيث المبادرات الشعبية والجماهيرية انهزمت أمام جدارة وكفاءة الأنظمة الاستبدادية التي تكيفت مع سياقات التحول وأبانت على قدرة عالية من الانسجام والصمود في وجه كل التحولات والتغيرات العالمية.
اليوم قوى التحكم والاستبداد لم تعد تتزيأ بعباءات تقليدية ولا تخوض معاركها الوجودية بمسمياتها المرجعية في حقل التدافع العام بل هي أكثر تطورا أداتيا من جبهة النضال الديمقراطي ضدها وأكثر تنظيما ونفوذا، وهو ما يستوجب إقامة منظومة أولويات معاكسة على مستوى البدائل المقاومة لإيقاف مشاريع الاستبداد الزاحفة عبر دينامية مضادة نخبه وإتباعه وجماعة الانتفاع منه ، كما يستلزم تفكيك منظومة الاستبداد من خلال إعادة النظر في الخيارات التربوية لإنتاج نخب قادرة على تقويض مشروعه القائم على أركان المعرفة والسلطة والثروة والإعلام ….الخ.
المعركة مع الاستبداد ليست معركة ولاية حكومية أو معركة بمنطق الفائز في الانتخابات بل هي معركة الصف الديمقراطي الحقيقي، هي معركة أجيال ومعركة رسالة ممتدة في الزمن لمقاومة جموح المستبدين نحو احتكار السلطة والاستيلاء على الحكم بآليات فاسدة ومغرقة في التوجيه وإفراغ التنافس الديمقراطي من محتواه وبالمحصلة إفراغ العملية السياسية من جدواها ومغزاها أي سلب إرادة المواطنين ورهن الوطن واحتكاره وتعطيل أي محاولة للنهوض والإصلاح من خلال التمكين لأدوات التحكم ورعاتها والمنتفعين منها.
وهي مهام عادة ما تنفذ في مناطق العتمة ضدا على القانون والنظام الذي يرعى الصالح العام في الدولة، وحرمان الناس من ممارسة حقوقهم الطبيعية في القول والتعبير والانتخاب والمشاركة السياسية الفعالة، والنزلات التنافسية الديمقراطية بعد أن تتم عملية السيطرة الكاملة على مقدرات الآخرين، وتدمير قيمهم المعنوية والإنسانية، وإلغاء شخصياتهم المستقلة والمتميزة، وتقزيمهم ومسخهم، وانجاز الملفات حول مسيرتهم ليتم تحويلهم إلى مجرد أدوات تنفيذ لدى المستبد ترهيبا وتركيبا وذلك بفعل القوة الماكرة والهالة الواهمة التي اصطنعها البعض عبر سلطة الإعلام المضللة التي توهم بان المستبد مفوض من دوائر الحكم أو هو من مكونات الحكم ذاته مما يكسبه شرعية تمثلية في الوعي الجمعي تبيح له إلغاء القوانين وتعطيل التشريعات ، ليتم بعد ذلك تنصيب أدوات التحكم المصطنعة في رحم الاستبداد كديناميات موازية للدولة وإنتاج شرعيات مماثلة للإنجاز الديمقراطي فيلتبس مفهوم الدولة حيث يصبح المستبد هو الدولة وهذه الأخيرة تؤشر عليه.
إن من يصنع جيوبا تعمل في الاتجاه المعاكس لأعمال القانون وصيانة التحول الديمقراطي وتعزيز فرصه في النجاح. إنما المستبد كذلك هو من ينجز منظومة القانون لكن يقتل داخلها مقاصدها الحقيقية ليبقى محتكرا لهذه المنظومة ولتفسيرها وتعديلها فتصبح عائقا أمام تنمية المد الديمقراطي ، وإذا كان الاستبداد ملازما للفساد فان خطورته تزداد بحيث يصبح مخترقا للمؤسسات كما للأفراد والجماعات، فالاستبداد بهذا المعنى يصبح مرادفا لاختراق الدولة للمجتمع بسط نفوذها عليه من خلال الاحتكار الفعال لمصادر القوة والسلطة في المجتمع وتمكين النخب ذات الوعي المزيف والمتواطئة الخادمة لمصالحها الشخصية من قيادة المجتمع.
فالنظام السياسي العادل هو الذي يعمل على جعل الدولة ومؤسساتها تعمل لصالح المجتمع وليس ضده، ومن ثمة فالاستبداد وما ينتج عنه من فساد وتحكم طور من آليات اشتغاله ومن صيغ تدخله بحيث لم يعد مرتبطا بالمقارنة التقليدية القائمة على قهرية الدولة المالكة لوسائل الإكراه والعنف بل استثمر في الأشكال التنظيمية التي أفرزتها المسيرة الديمقراطية، حيث تشكيل الأحزاب والمنظمات وإنتاج النخب وفبركتها لتعوض التدخل المباشر لتنظيمات ومؤسسات كلاسيكية داخل المجتمع كالجيش، العائلة المتنفذة، أو الحزب الأغلبي الذي تمت تنشئته داخل الأنابيب الاصطناعية، أو لوبي في الإعلام المأجور أو في الاقتصاد أو وصفة من هذه التنظيمات أو جلها .
فالاستبداد يصنع نفسه وبنيته ومؤسساته كما يصنع نخبه التي ينفخ فيها من هالة الترهيب والترغيب والقداسة التي توفر فيما بعد فروض الولاء والطاعة له في كل المعارك بل وتخوضها بالوكالة وتقحم المجتمع بكل مكوناته الحية في منطق وصائي بدائي يخضع للمثير والاستجابة عوض تحكيم العقل وقيم الحرية والكرامة التي تشكل مطلب إنساني لم يغادر أجندة النضال الكوني على سطح هذه الأرض. اليوم نحن على خط اشتباك حقيقي في مواجهة الاستبداد من أجل إعادة هيكلة المسار الديمقراطي وقبله هيكلة بنية الممانعة وتأهيل الصف الديمقراطي لمعانقة المعركة الحقيقية عوض استدراجه إلى معارك ثانوية تافهة لا اثر لها على مخرجات اللحظة التاريخية.
فلا يعقل في زمن التحولات الكونية الكبرى التي تؤطرها إفرازات الحداثة والتطور والمعرفة والانفتاح أن تبقى الشعوب والمجتمعات ضحية نخب فاسدة ومستبدة وصلت إلى السلطة عبر تزييف إرادة المواطنين والمتاجرة في مسارها التنموي والديمقراطي وتحريف معركة النضال الديمقراطي ودفع قوى المجتمع إلى الدعة و الركون والسلامة والانخراط في منطق الريع السهل وتجنب تكلفة خيار النضال الديمقراطي وجعله واقعا يوميا .
إعادة الاعتبار للنضال الديمقراطي المرتبط بالشعب والمجتمع فقط وحده القادر على تفكيك سلبية الصمت واللامبالاة الناجمة عن فقدان الثقة في بعض أدوات العمل المدني من أحزاب ونقابات وجمعيات، فالمواطن أمام الانتكاسات الديمقراطية المتتالية إما محبط مستضعف، عاطل عن العمل، باحث عن البديل بحذر، مترقب ما ستسفر عنه عملية الفرز القائمة داخل الصف الديمقراطي أو هو أسير قصف إعلامي مخدوم ينجز داخله القابلية للصمت تحت ذريعة نفسية تغذي لديه " لك ما يكفي من الهموم والضغوطات اليومية التي تمس معيشك اليومي والشخصي والاجتماعي" ما يجعله بعيدا عن كل تفكير بالشأن العام الذي تتوزع الاهتمامات حوله بين قوى مناضلة تطمع للتغيير وقوى فًرض الأمر الواقع.
نحن في حاجة اليوم إلى إعادة كتابة دفتر النضال الديمقراطي وتدقيق اختياراته وآليات تفعيل مضامينه، كما نحن في حاجة إلى قراءة متأنية لمخرجات التحولات الجارية اليوم في المجتمع وفي بنية وسائطه من أجل دينامية جديدة واعية بانية رافضة للاستبداد ومقاومة له.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.