(إن المغاربة سوف يحصل لديهم بالتدريج وعي بقيمتهم ومكانتهم وقوتهم، إذ ليسوا شعبا بليدا ولا غبيا) المارشال هوبير ليوطي ليس هناك حديث بين المغاربة في أي لقاء عائلي أو غيره هذه الأيام، إلا وتمحور حول الأزمة، حتى أصبحت “الأزمة” ملازمة لفكرنا وثقافتنا، وربما لجميع خطب زعاماتنا السياسية، لينعكس ذلك على المستهلك الذي بات يتشدد في استهلاكه، وجعل الرأسمال يبخل في استثماراته، لجزع المستثمرين من الأزمة، إلا الحكومة التي يبدو أنها لا تشعر ولا تعيش الأزمة، فهي تزيد في نفقاتها رغم الفقر في الموارد. والغريب أن التعاطي مع موضوع “الأزمة”، هو أن البعض يعتقد بأنها مجرد خطاب استهلاكي للمعارضة، فالحكومة لا تنكر وجود الأزمة فقط، بل تعتبر حديث المعارضة عنها مجرد تغليط للرأي العام ومزايدات في حق الحكومة، وحتى الاحتجاجات الاجتماعية لا تعبر “في نظر الحكومة” عن الأزمة، بل لا ترى فيها سوى نوع من الاستهداف والمناهضة السياسية لها. إن واقع الحال يعكس أوجها متعددة للأزمة، التي باتت تتمظهر في الكثير من المجالات، بما فيها ما تنشره وسائل الإعلام، حيث بقراءة سريعة للصحف، لن تجد سوى الفضائح السياسية والاجتماعية والثقافية، ولن تقرأ سوى أخبار سياسة الريع والشكاوى وتبادل الاتهامات، وفي كثير من الأحيان تشعر بأن المغرب تحول إلى أدغال من الإهانات والفضائح من كل الأصناف. ليس المهم في بلادنا أن نعيش الأزمة سياسيا أو اقتصاديا، أو حتى لا نعيشها أصلا، “كما قد يتمنى البعض في أحلام قيلولته”، ولكن المهم هو أن نتفق على مجموعة من المعايير التي نحتها الاقتصاديون في العالم منذ سنوات، لتبيان الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأمة، فنحن نغض عنها الطرف، ثم نتحدث لغة السياسة لنبرر كل شيء، فنتعامل مع الآخرين على أنهم مخطئون في الاقتصاد والسياسة، أو متآمرون تارة، أو حتى حاقدون وكائدون تارة أخرى، وكيدهم في نحورهم. في الحقيقة بخطابنا هذا وبتعاملاتنا السطحية مع أزمة “الأزمة”، فلا نقوم سوى برهن الوطن في خلافات لا تسمن ولا تغني من جوع، ونخفي وضعا نفسيا واجتماعيا واضحا للعيان، بات يثير الكثير من المخاوف. وبناء عليه، يجب أن نكون مسؤولين، نتبادل الأفكار دون الاتهامات، نسمع إلى التحاليل دون تصفية الحسابات، ولكن هل سياسيونا وأحزابنا يمكنها الرقي إلى هذا المستوى؟ فإذا كان الصراع في المجال السياسي أمرا مشروعا، فإنه لا يجب أن يغرق في الكثير من الردود، وفي تصفيات الحسابات على حساب مصالح هذا الوطن. فالحوار بين السياسيين هو الذي يجب أن يؤطر النقاش السياسي، ويوجهه وطنيا، أما والحكومة لا تملك سوى خطاب سياسوي سطحي وهش لتغطية وضع سياسي متأزم، فإننا أمام مغامرة بمصلحة الوطن من أجل بطولة سياسية بدون مجد، أما المعارضة التي تبحث عن انتصارات وهمية وتستعمل النعوت دون الأفكار أو الاتهامات دون الاقتراحات، فإنها في الحقيقة لا تخدم المواطن، بقدر ما تصنع معارك “دونكيشوطية” لا ترقى إلى المستوى المطلوب. فليس من المقبول أن تصرف الدولة الكثير من الملايير من أموال دافعي الضرائب، والكثير من الجهد لوضع دستور جديد وبناء مؤسسات دستورية ومؤسسات للحكامة، ونجد أنفسنا في نهاية المطاف أمام إنتاج بخيس وضعيف فكريا وهذا ما يطرح أكثر من سؤال، حيث القوة السياسية التي تقود الحكومة لا تنتج أي مشروع تنموي ولا أفكار جديدة للدفع بالوطن نحو الأفضل، بل لا تثقن سوى الادعاء بأن هناك خطابا تيئيسيا وبأن هناك نوعا من العدمية ضد منجزاتها الظاهرة لها وحدها، دون الشعب والسياسيين وهلم جرا. إن المغرب لا يحتاج اليوم إلى مثل هذا التداول اللغوي البئيس، بل حاجته تكمن في أفكار ومخططات، وكذلك إلى أحزاب سياسية منتجة للفكر وللبرامج، بالإضافة إلى حكومة واضحة ومنسجمة مع ذاتها، منتجة لاقتراحات وقرارات كبرى، وليس حكومة في مهب ريح الخطابات المتناقضة بين مكوناتها، حتى تحولت السياسة عندنا إلى نوع من التراجيديا البئيسة، فهل علينا أن نبكي على حال أزمتنا العامة والشاملة، أم نسخر من أنفسنا ونقول: “من شر البلية ما يُضحك”؟