دعا حزب العدالة والتنمية إلى ما وصفه “الوعي بخطورة السيناريو التراجعي الذي رَجُحَت كفته، سنتان بعد الحراك الديمقراطي الذي شهدته المنطقة العربية، لا سيما في ظل السياق الدولي والإقليمي الواضح في العديد من الأقطار”. وفي الوقت الذي أشاد فيه البيجيدي في تقريره النهائي حول نتائج حواره الداخلي، الذي استمر أزيد من سنة، بأن المغرب رغم سلبيات السياق الإقليمي، قد صان مساره الإصلاحي والديمقراطي ومانَعَ كل سياسات الاستهداف والتحرش بتجربته المنفتحة على مختلف القوى الوطنية، إلا أن حزب العثماني، شدد في ثنايا تقريره على أن “استهداف السلطوية للمسارات الديمقراطية للشعوب بالمنطقة يهدف أيضا إلى مزيد من التضييق على الفاعل السياسي ذي المرجعية الإسلامية وإقصائه”. واعترف الحزب الذي حاول لملمة بعضا من خلافاته السياسية التي اندلعت ما بعد مرحلة إعفاء عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، وبأن “هشاشة الأوضاع السياسية والحقوقية بالعديد من الدول العربية تعد عاملا من عوامل ضعفها، بحيث تصبح غير قادرة على معالجة مشاكل الداخل أو مواجهة تحديات الخارج”. وعلاقة بالقرارات التي اتخذها البيجيدي مباشرة بعد إعفاء بنكيران، حاول الحزب أن يجد لذلك مبررات سياسية، مؤكدا، أن بناء “الموقف السياسي الواقعي والقائم على ترجيحات راشدة يقتضي، منهجيا، التتبع الدائم لمتغيرات الواقع الدولي والإقليمي والرصد المستمر لحركية الفاعلين واستجلاء رهاناتهم واستراتيجياتهم، واستحضار كل ذلك من خلال إدراك تقاطعات الواقع الدولي بالواقع الإقليمي بالواقع الوطني. وخلص البيجيدي في نتائج حواره الداخلي، أن المغرب “لا يعيش في جزيرة معزولة، كما أن الحزب، ليس في منأى عن التأثر بمجريات الواقع من حوله، وتقوم نظرته على أن السياق الخارجي له تأثيره الذي لا ينبغي تجاهله دون تضخيم أو تهوين”. وأضاف البيجيدي، وهو يمتص بعضا من خلافاته التنظيمية التي كادت تعصف به، أن “أي فاعل في حاجة إلى تشكيل نظرة موضوعية للواقع الدولي والإقليمي، دون أن يعني ذلك استسلاما له أو تخويفا منه”، معتبرا أن “أي إهمال للمعطى الخارجي أو ارتباك في تقدير اتجاهات تحولاته واستراتيجيات الفاعلين فيه أو ضعف في مواكبة تغيراته الجيو-استراتيجية، من شأنه أن يضعف قدرة الحزب على الاستشراف ثم على الاستباق، وهو أمر يسقطنا في فخ المواقف الانفعالية وردود الأفعال المحدودة أثرا وزمانا”. وتفاعلا ما تداعيات تحالفاته السياسية التي عصفت ببنكيران من رئاسة الحكومة، أكد البيجيدي في تقرير حواره الداخلي، إنه “دبر مجمل تجاربه ومحاولاته في تشكيل أغلبياته، بما فيها محاولة تشكيل الحزب لأغلبيته الحكومية مع الأمين العام السابق آخر 2011 ثم في آخر 2013 ، أو مع الأمين العام الحالي، تدبيرا جماعيا ومؤسساتيا، وأن المسؤولية المترتبة عن ذلك تبقى في عمومها وشمولها مسؤولية مشتركة، سلبا أو إيجابا، وإن كان هناك من ضرورة لتقييمها كلها أو إحداها، فإن ذلك التقدير والتقييم يبقى محض تقدير اجتهادي مبني على الحيثيات والملابسات التي عُقدت لحظتها”. وشدد البيجيدي على أنه “مطالب اليوم بطَيِّ تلك الصفحة، مع استخلاص العبر والنتائج الضرورية، وتجاوز تداعيات تلك المرحلة”. وهي المرحلة التي قال الحزب إنه خرج منها بسلام، “بفضل ما يتمتع به من احترام للمؤسسات ولقواعد الديمقراطية الداخلية، والتزام بخلق الحوار والتشاور والتطاوع”. وشدد الحزب في تقرير حواره الداخلي أن “التفكير في تجديد وتقويم التنظيم الحزبي هو أمر له راهنية، بالنظر إلى بعض الاختلالات، ومنها التفاوت الحاصل بين سمو منطلقات وقيم وأخلاقيات النموذج التنظيمي المعتمد وبين واقع الإعمال والممارسة التنظيمية للأفراد والمؤسسات”. هذا، وأقر البيجيدي بأن “الكسب الإصلاحي للحزب والقدر المعتبر لمنجزاته الواقعية، لا يمنع من الوقوف عند بعض النقائص التي وجب الانتباه إليها والعمل على تجاوزها، لا سيما خبُوّ الورش الفكري والتجديدي بسبب تضخم الاهتمام بالشأن التدبيري بنزوعاته اليومية والجزئية والراهنة، مما أضعف مواكبة العمل السياسي والتدبيري والتنظيمي للحزب بعمل علمي وفكري وثقافي يسنده ويقصده ويرشده”. وحذر الحزب وهو يستعرض نتائج الحوار الداخلي في تقرير نهائي أشرف عليه عضو أمانته العامة، مصطفى الخلفي، من “محدودية العمل في تأطير الأجيال الجديدة الملتحقة بالحزب على أساسيات مشروعه الفكري والسياسي، مما من شأنه أن يعمق قناعتهم به ويرسخ انتماءهم له”. وأقر الحزب الإسلامي، بما وصفه “ضعف قدرة الحزب على الانتقال بمشروعه الإصلاحي إلى توجه فكري واسع تسنده قطاعات أوسع من المجتمع تشبعت بالتوجهات الفكرية التي يروج لها الحزب وبالقيم التي ينادي به”، معترفا ب”ضعف تأطير الحزب للملتحقين الجدد في ظل تقدمه الانتخابي الكبير، مما يصاحبه اتساع في عدد الأعضاء، مما لا تواكبه سياسات وبرامج مكافئة للتأطير والتكوين وتطوير التنظيم استيعابا لهذا المعطى. وهو ما أضحى معه إنشاء جهاز انتخابي دائم يعمل بطريقة مستقرة ومنتظمة، خيارا لا محيد عنه”.