الكوكب المراكشي يعود للقسم الأول وصراع الصعود يشتعل    براهيم دياز يغيب عن مواجهة مايوركا بسبب ألم في العضلة الضامة و10 لاعبين فقط جاهزون للمباراة    ولي العهد يترأس مأدبة غداء بنادي الضباط    بنسعيد:الإصلاحات التي عرفها المجال الإعلامي ساهمت في توفير مرتكزات متكاملة لتطوير مختلف مكوناته    لقاء تواصلي بطنجة بين الجامعة الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتعزيز الشراكة وخدمة المهنيين    أكبر طلبية طائرات في تاريخ "بوينغ".. قطر تشتري 160 طائرة ب200 مليار دولار    الناخب الوطني لأقل من 20 سنة: "عازمون على المشاركة في المونديال ونحن أبطال إفريقيا"    نهضة بركان يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة سيمبا    إطلاق حملة توعوية لتفادي الغرق في سدود جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    حادثة سيرمميتة بالطريق الرابطة بين الصويرة وأكادير تخلف ثمانية قتلى و20 مصابا    اعتقال أستاذ جامعي يدرّس بأكَادير من أجل التلاعب في التسجيل بسلك الماستر ومنح دبلومات مقابل المال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مهرجان «يالطا» بروسيا ينحني لصوت مغربي… والدارجة تسرق الأضواء    عامل العرائش يدشن افتتاح معرض العرائش للكتاب    "ربيع المسرح" في تارودانت يكرّم الفنانين الحسين بنياز وسعاد صابر    معهد صروح للإبداع والثقافة يسلط الضوء غلى المنجز الشعري للشاعر عبد الولي الشميري    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    الملك محمد السادس يوجه هذه الرسالة إلى الحجاج المغاربة    15 % من المغاربة يعانون من متلازمة القولون العصبي والنساء أكثر عرضة للإصابة بها من الرجال    رسميا.. حكيمي يمتلك نادي "سيوداد دي خيتافي" ويشارك في انتداب اللاعبين    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    المغرب وتنزانيا يعززان التعاون الطاقي    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال ال 24 ساعة الماضية    مركز يجود صيانة مواقع الفوسفاط    صرخة فنانة ريفية.. اعتزال "مازيليا" بسبب الوسخ والاستغلال في كواليس الفن    استنفار الدرك الملكي بعد العثور على 20 كيلو من الكوكايين على شاطئ    "النباوي" يجري مباحثات مع النائب العام رئيس المجلس الأعلى للنيابة العامة بجمهورية الرأس الأخضر    ترامب: سوريا "أبدت استعداداً" للتطبيع    المغرب يقترب من فرض رقابة قانونية على منصات التواصل الاجتماعي لحماية المجتمع    الذهب ينخفض مع انحسار المخاوف بشأن الأزمة التجارية    وداعا فخامة الرئيس    تقرير رسمي: الفلاحة الصغيرة استفادت من 14 مليار درهم كدعم مقابل 100 مليار درهم للفلاحين الكبار    وزارة التربية الوطنية تفرض عقودا مكتوبة لتنظيم العلاقة بين التعليم الخصوصي والأسر    مجلس فاس يقر عقدا مؤقتا للنقل الحضري ويستعد لاستلام 261 حافلة جديدة    "ترانسافيا" تطلق 14 خطا جويا جديدا بين المغرب وفرنسا لتوفير 130 ألف مقعد إضافي سنويا    لجنة العدل والتشريع بالنواب تصادق على مشروع قانون المسطرة الجنائية    جامعيون وخبراء مغاربة وأجانب يلتقون في المحمدية لاستجلاء الفكر الإصلاحي عند العلامة علال الفاسي وإبراز مختلف أبعاده التنويرية    دياز في قلب مشروع المدرب الجديد لريال مدريد    باناثينايكوس يتردد في صفقة أوناحي    المغرب يستضيف مؤتمر وزراء الشباب والرياضة للدول الفرنكوفونية    المخرج روبرت بينتون يفارق الحياة عن 92 عاما    ردا على طرد موظفين فرنسين من الجزائر.. باريس تستدعي القائم بالأعمال الجزائري وتتوعد بالرد بالمثل    رُهاب الجزائر من التاريخ    الاتحاد الأوروبي يفرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا    الإمارات تُجدد حضورها في موسم طانطان الثقافي بالمغرب: تظاهرة تراثية تجسّد عمق الروابط الأخوية    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    المغرب يحقق المعادلة الصعبة: تكلفة إنتاج السيارات الأقل عالميًا ب106 دولارات فقط للعامل الواحد    المغرب في تصنيف التنمية البشرية لعام 2023: نقطة جيدة وانتظارات قوية    الأمم المتحدة تدعو مجلس الأمن إلى التحرك "لمنع وقوع إبادة" في غزة    كسوة الكعبة المشرفة ترفع 3 أمتار    عندما تتحول القرارات السياسية من حسابات باردة إلى مشاعر مُلتهبة    السكوري: الحكومة تتطلع إلى مواصلة تحسين مؤشرات التشغيل لخفض البطالة إلى مستويات معقولة خلال السنة الجارية    مَأْزِقُ الإِسْلاَمِ السِّيَاسِي    المجلس الوزاري: حول الأسماء والأشياء!    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فسحة رمضان على “أخبار اليوم”.. محاكمة ابن تيمية بسبب فتوى الطلاق –الحلقة 16
نشر في اليوم 24 يوم 14 - 05 - 2020

يعد ابن تيمية واحدا من الفقهاء والعلماء في تاريخ الإسلام الذين شغلوا مساحة واسعة من الجدل الديني والفكري والسياسي منذ قرون طويلة وإلى اليوم، سواء في العالم العربي والإسلامي أو في الثقافة الغربية، بل ربما كان الوحيد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس أكثر من غيره، وأثيرت حوله الانقسامات، بل صار في فترات معينة عنوانا لما ليس هو، وتهمة كافية توجه إلى كل من دافع عنه أو تحدث عنه بغير اللغة التي يراد أن يُخاض بها في فكره وحياته وشخصه. بعيدا عن القراءة الإيديولوجية التي وضعت ابن تيمية خلال العصر الحديث في هذا الصف أو الصف المقابل، وجعلته إما فقيه السلطة، وإما منظرا للعنف، يحاول الدكتور إدريس الكنبوري تقديم قراءة ثالثة تسعى إلى تخليصه من الصورة النمطية، من خلال إعادة دراسته في واقعه، ووضع فكره وإنتاجه الفقهي ضمن التراكم التاريخي للفكر العربي الإسلامي (تنويه من التحرير: نظرا إلى كثرة الإحالات والهوامش نعتذر إلى القراء عن عدم نشرها).
أما المحنة الثالثة فقد حصلت عام 719، وهي الشهيرة بفتواه حول الطلاق الثلاث. وتكشف لنا هذه المحنة درجة الاستقلالية الفكرية التي كان يمتاز بها ابن تيمية، ومدى انخراطه في قضايا مجتمعه ومشكلاته، ولجوءه إلى الآراء الأكثر مدعاة للخلاف من أجل إيجاد سبيل إلى حلها.
والسبب في ذلك أنه في عصره انتشر الطلاق بشكل كبير بين الناس، حتى إن أسرا بكاملها تفرق شملها بسبب التعسف في الحلف بالطلاق من لدن الرجال، حيث أصبح الحلف بالطلاق مشابها للحلف بالله عند الكثيرين، وخرج الناس عن معنى الطلاق الشرعي إلى الطلاق البدعي، ما فتح الباب أمام تعسف الرجال على النساء لمجرد حلفهم بالطلاق الثلاث.
وكان الرأي الفقهي السائد في زمن ابن تيمية يؤيد هذا الواقع، بل إن العامة ما لجؤوا إلى هذا التعسف في استعمال حق الطلاق إلا لأن هناك فقها يقف إلى جانبهم ويرعى موقفهم داخل الأسرة، فلم تعد المرأة تجد مناصرا لها في هذا الواقع من بين الفقهاء، وأصبحت النساء في موقع ضعف أمام فقه لا يوفر لهن الحماية.
وهنا رفع ابن تيمية صوته غاضبا ورافضا لهذا الواقع الذي لا يمت إلى الدين بصلة، وانتفض ضد الفقه التقليدي الذي سار عليه الفقهاء والناس بحكم العادة لا بحكم الاستنباط الفقهي، فطرح فتواه حول عدم جواز الطلاق الثلاث، واعتبره بدعة في الإسلام وحرم الحلف بالطلاق، وقدم رؤيته للطلاق الشرعي والطلاق البدعي.
وفي هذه الفتوى يتبين لنا عمق ابن تيمية في الاستنباط من النصوص، وفي استعمال عقله لاستخراج الأحكام بناء على المنطق بالدرجة الأولى، دون الخروج عن روح النص. فهو يستدل بالآية التي تقول: «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة، واتقوا الله ربكم، ولا تخرجونهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبنية، وتلك حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه، لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف» (الطلاق. 1-3)، ويعلق ابن تيمية قائلا: «فهذا إنما يكون لمن طلق أقل من ثلاث، فيمسك بمعروف أو يفارق بمعروف، وفي مثل هذا يقال: «لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا»، وهو أن يبدو له فيراجعها، فأما إذا وقع الثلاث فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟ وأي رجاء يكون بعدها؟ فلذلك قال جمهور السلف والخلف: إن جمع الثلاث بدعة منهي عنها، والمطلق ثلاثا بكلمة واحدة مبتدع عاص».
واستند ابن تيمية أيضا إلى ما ورد في سورة البقرة في قوله تعالى: «الطلاق مرتان، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، وبين أن المقصود إيقاع الطلاق مرتين، لا إيقاعه مرة واحدة بالنطق به مرتين، أي الطلاق الرجعي مرة بعد مرة، والثالثة الطلاق بعد الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، وهو معنى قوله تعالى: «فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره» (البقرة. 230). ولم يكتف بإبداء رأيه في النازلة، بل جادل الفقهاء الذين كانوا يستندون إلى أدلة معينة عندهم، فبين أنه لم يحصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن أحدا طلق ثلاثا جملة واحدة، وأظهر أن هذا قول أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم.
وقد أبرز أن الطلاق ثلاثة أنواع؛ طلاق رجعي، وهو الذي يمكن فيه للزوج أن يرتجع زوجته، فإذا مات أحدهما في العدة ورثه الآخر؛ وطلاق بائن، وهو ما يبقى به خاطبا من الخطاب، لا تباح له إلا بعقد جديد، وطلاق محرم، وهو ما لا تحل فيه الزوجة للزوج حتى تنكح زوجا غيره، ويحصل إذا طلق الزوج زوجته ثلاث تطليقات، تصبح محرمة عليه في الثالثة.
وما إن ذاع خبر تلك الفتوى المخالفة لما عليه فقهاء تلك الفترة حتى ثارت ثائرتهم، فاجتمع القضاة والفقهاء لمحاكمة ابن تيمية، وعُقد له مجلس خاص تقرر فيه منعه من الإفتاء بشكل عام، لكن الفتوى كانت قد انتشرت، حيث استمر تلامذته يفتون بها. ثم عقد معه القاضي شمس الدين بن مسلم الحنبلي اجتماعا، «وأشار إليه بترك الإفتاء بمسألة الحلف بالطلاق فقبل إشارته وعرف نصيحته وأجاب إلى ذلك». وبعدها بأيام جاءت رسالة من السلطان بمنعه من الفتوى في مسألة الحلف بالطلاق، والأمر بعقد مجلس آخر لمحاكمته، وعقد المجلس بدار السعادة، وجرى الاتفاق على ما أمر به السلطان، لكن ابن تيمية عاد بعدها إلى التحلل من الالتزام بالمنع، وقال: «لا يسعني كتمان العلم». وفي التاسع عشر من شهر رمضان من السنة نفسها، اجتمع القضاة والعلماء عند نائب السلطنة بدار السعادة مجددا، وجرى التأكيد مرة ثالثة على المنع من الفتوى، بيد أن ابن تيمية ظل مصرا، وفي المرة الرابعة في رجب من عام 720 عقد مجلس آخر بحضور ابن تيمية وجماعة من القضاة والفقهاء والمفتين، وعاودوا تذكيره بالمنع، ثم حبس في سجن القلعة، حيث قضى هناك خمسة أشهر وثمانية عشر يوما، إلى أن ورد مرسوم من السلطان بإخراجه من السجن، حيث غادره في يوم عاشوراء من عام 721، فتوجه إلى بيته واستمر في نشر العلم وفي الإفتاء بتحريم الطلاق الثلاث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.