ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الجيش المغربي يستفيد من التجارب الدولية في تكوين الجيل العسكري الجديد    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة إلى مراجعة أحكام الطلاق
نشر في هسبريس يوم 25 - 09 - 2009


كل طلاق لا يوقعه القاضي لا يقع
اتصل بي بعض الإخوة قبل أيام، يسألون: ""
أحدهم قرر طلاق امرأته و نطق لسانه به و هو ناو لذلك و قام بكل الإجراءات، لكن قاضي الأسرة ألغى طلبه لعدم إيداعه المبالغ المحكوم بها داخل الأجل...
والآخر نطق بكلمة الطلاق ساعة غضب و ندم على ذلك...
وسأل بعضهم فأفتي أن الطلاق وقع رغم رفض القاضي "فالقاضي لا يمثل الشرع" و لم يجب المفتي عن سؤال أهم: و بعدها؟
وتذكرت أنني كنت نشرت دراسة في الموضوع على صفحات التجديد في غشت 2005، و أعيد نشرها –بتصرف يسير- إحياء للنقاش و لتعم الفائدة.
نشرت جريدة التجديد (العدد 1166) في صفحة "الدين و الحياة" فتوى للدكتور الزحيلي يجيب فيها عن سائل يسأله: "وقع شجار بين رجل و زوجته و حدث خلال هذا الشجار عدة تجاوزات أخلاقية من الزوجة، و رغم محاولة الزوج عدم الاندفاع خلف زوجته و محاولة السيطرة على انفعالاته، إلا و أنه بعد ساعات من الشجار المستمر نطق الزوج في وجه زوجته بأنها طالق، رغم أن قلبه لا يرضى بتطليقها، و لم تتجه نيته الى طلاقها، و لولا خروجه عن طبيعته ما كان نطف بكلمة الطلاق، فهل وقع الطلاق؟
ويجيب المفتي:"نعم وقع الطلاق، لان الطلاق يقع في الجد و الهزل، نواه الانسان أم لم ينوه اذا كان اللفظ صريحا بالطلاق أو الفراق أو السراح، و يحتاج لنيته في حال الكناية، مثل أنت بائن، الحقي بأهلك مثلا، فان لم تتوافر في الطلاقة بالكناية لم يقع، بعكس ألفاظ الطلاق الصريحة يقع بها الطلاق و لو من غير نية، و عليك مراجعة زوجتك ضمن العدة، فان انتهت وجب تجديد عقد الزواج.
لم أكن لاهتم بالموضوع لولا اتصال كثير من الإخوة يسالون، و من خلال أسئلتهم وجدتني أعيش في دوامة من الحيرة تمنعني حتى من النوم، وبغض النظر عن الأسئلة التي يبعثها جواب المفتي في نفوسنا كحكم طلاق الغضبان والهازل والمطلق دون نية، نرجع إلى الواقع المعاش، فمدونة الأسرة تلزم المطلق باللجوء إلى القاضي لاستصدار إذن بالطلاق ، فيجمع القاضي الزوجين في جلسة صلح ، فيفلح القاضي في الصلح بين الزوجين، فيعودا إلى منزلهما ولا يحرر الطلاق ...، وفي أكثر الأحيان يفشل القاضي في إصلاح ذات البين بين الزوجين و يحكم القاضي بالطلاق و بأداء الزوج لمبالغ مالية قد تفوق قدوته، و يحدد القاضي مهلة لأداء المبالغ مع القول أن عدم الأداء خلال الأجل يعتبر تراجعا عن الطلاق ، وسالت و ألححت في سؤال الكثير من الأخوة العدول وقضاة الأسرة كم من طلبات الطلاق تنتهي بالصلح؟ : وكم يلغى من طلبات الإذن بالطلاق لعدم إيداع المبالغ المحكوم بها؟ فيجيب الجميع الكثير، و اسأل ثم ماذا؟
فيجيب الجميع في أغلب الأحيان يعود الزوجان إلى حياتهما العادية وفي بعضها تبقى الزوجة لا هي بالزوجة ولا هي بالمطلقة؟، ثم أعود لأسأل والطلاق هل هو واقع؟ فيجيب الجميع في نظر القانون لا فقد ثم الصلح قبل الإذن بالطلاق أو تراجع الزوج عن رغبته في الطلاق، واسأل وشرعا:: فتصمت الأغلبية و يجيب البعض لا أدري.
و هنا يطرح أهم سؤال يجب أن نجيب عنه بلا مداراة أو نفاق، هل الكثير من العلاقات الزوجية القائمة حاليا بعد محاولة طلاق ألغيت بموجب المدونة علاقة زنا تحت ظل القانون؟
النساء أمهاتنا وأزواجنا وأخواتنا وبناتنا، ولا أرضى لأمي ولزوجتي ولأختي ولابنتي أن تعيش يوما خارج شرع الله، لأن القانون (أو فتاوى البعض من الفقهاء) أراد لها ذلك.
وانطلاقا من رفضي لكل وضع يمس بكرامة النساء من أسرتي وعامة النساء من المسلمات ويجعلهن خارج شرع الله، وهن المؤمنات القانتات العابدات، أرى أن علينا أن نراجع أحكام الطلاق، ونعيد النظر في الواقع المعاش، فإن كانت بعض فتاوى الفقهاء تجاوزها الزمن أو كانت تأويلا خاطئا لأحكام الشرع، فيجب علينا أن نرد عليها، ونبين الخطأ من الصواب وان كان الخطأ يكمن في القانون المتبع في بلادنا، فعلينا أن نعمل على تغييره ليوافق شرع الله، فنساؤنا أجل من رأي متأول أو رغبة مشرع .
دوافع البحث في الإشكال
و انطلاقا من إيماني العميق أن شرع الله رحب وان الإسلام دين يسر لا عسر. قررت أن أعيد قراءة كل ما جاء في كتاب الله و سنة نبيه في أحكام الطلاق علني بذلك اخرج نفسي من حيرة مبعثها تضارب آراء الفقهاء والمجتهدين ما بين غلو البعض وتيسير البعض الآخر، فلنجل معا في كتاب الله وسنة نبيه لنستخرج منهما أحكام ديننا الحنيف، مستعينين بما كتبه السلف، ولن أتطرق لمجمل أحكام الطلاق، بل سأكتفي بالإجابة على سؤال اعتبره جوهريا، وهو في حد ذاته بداية لنقاش أتمنى أن يتوسع، لكي يكون اللبنة الأولى لبداية مصالحة بين شرع الله ومدونة الأسرة التي لا تعدو في نظري إعادة لكتابة أحكام الشرع بطريقة ميسرة ليفهمها المواطن العادي قبل رجل القانون والباحث المهتم، متى وكيف يقع الطلاق؟ هل مجرد لفظ الرجل بكلمة الطلاق تجعل الطلاق نافذا؟
ماذا لو كان هازلا أو غاضبا أو مريضا؟
ماذا لو تراجع الرجل فور نطقه بالطلاق ؟
أسئلة نجدها موضوعا لكثير من الفتاوى، و يتغير الجواب باختلاف المجيبين، ولم أجد إلا في النزر اليسير جوابا يضع صاحبه نصب عينيه أن الأصل في ديننا اليسر لا العسر، وأن الأسرة هي عماد المجتمع وأن مسؤوليتنا الأساسية هي الحفاظ عليها لا تشتيتها.
في رحاب القرآن
يقول الله تعالى عز و جل في محكم كتابه
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
يفتتح الله عز وجل سورة الطلاق بتوجبه النداء إلى النبي (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ)، وذهب اغلب المفسرين أن الخطاب لا يعدو أن يكون تعظيما للرسول وتشريفا و تكريما له ، غير أني أرى أن الخطاب في الآيات لم يأت لمجرد التعظيم، فالله عز و جل خاطب رسوله بصفته إمام الأمة والمسئول عن تطبيق ما جاء في سورة الطلاق من أحكام وهو بذلك يخاطب كل من تولى السلطة التنفيذية من بعده، ف (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)، فان كان الزواج أمرا شخصيا يختص به صاحباه، فالطلاق يدخل في النظام العام لما يحمله للمجتمع من تبعات تهم المرأة المطلقة و أبنائها، و لا يمكن .أن يترك لهوى الشخص يتصرف فيه كما يشاء، فخاطب الله رسوله في بدابة سورة الطلاق محملا إياه مسؤوليتي التبليغ والتنفيذ، بصفته السلطة التنفيذية لأحكام الله ومن ثم يحمل مسؤولية التنفيذ كل من تولى الأمر بعده.
بعد هذه التوطئة يقول عز وجل (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)، فهو ينتقل من خطابه للنبي صلى الله عليه وسلم إلى خطابه للأمة ليبين أحكام الطلاق، التي جعل النبي عليها شاهدا ولها مبلغا و مسؤولا عن تنفيذها، وهنا تستوقفنا بلاغة الآية وروعة اختيار العبارات، ونسأل : لم جاء لفظ الطلاق مرتين، الأولى بصيغة الماضي ́ ́طلقتم ́ ́ و الثانية بصيغة الأمر ́ ́طلقوهن ́ ́؟، السياق يجعل الطلاق مرحلتين مرحلة العزم على الطلاق والنطق به، تتلوها مرحلة التنفيذ الفعلي للطلاق طبقا لشكليات معينة وقواعد محكمة يبينها الله عز وجل لعباده، فطلاق النساء لا يمكن أن يكون إلا وهن مستقبلات لعدتهن (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ)، و استدل جمهور الفقهاء على منع الطلاق في غير طهر بحديث ابن عمر: حدثنا إسماعيل بن عبد الله، قال: حدثني مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه طلق امرأته وهي حائض، على عهد رسول الله وسلم صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مره فليرجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء .أمسك بعد، وان شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" .
الطلاق الواقع
واختلف الفقهاء -وفي اختلافهم رحمة بالأمة - في وقوع الطلاق غير المستوفي لشرط الطهر، بل وسمى البعض منهم هذا الأخير بالطلاق البدعي، ورغم اتفاقهم على حرمة هذا الطلاق فقد اختلفوا على وقوعه، و يرجع الاختلاف أصلا الى الروايات المتعددة لحديث ابن عمر، إذ زاد البعض أنها احتسبت له طلقة دون الإشارة إلى أنها من صلب الحديث .
والصواب أن كل طلاق يخرق القواعد التي نصت عليها الآية لا يقع، ف (تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه )، ونستدل على هذا الرأي بما أخرجه أبو داود (طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض، قال عبد الله بن عمر: (فردها علي رسول الله ولم يرها شيئا)) . وقد روى ابن حزم بإسناد صحح عن ابن عمر (انه سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض، فقال لا يعتد بطلاقه) ، ومن العلماء الذين قالوا بعدم وقوع الطلاق في غير طهر الشوكاني في (نيل الاوطار) والصنعاني في (سبل السلام ) و الإمام ابن تيمية إذ يقول: "و الطلاق هو مما أباحه الله تارة، وحرمه أخرى، فإذا فعل على الوجه الذي حرمه الله ورسوله لم يكن لازما نافذا كما يلزم ما أحله الله ورسوله، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها،عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ́ ́من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"
ومن ما سبق يتبين لنا أن الطلاق يمكن التراجع عنه، ولا يعتبر طلاقا إلا إذا احترمت شروطه و أولها الطلاق في طهر.
وتستمر الرحلة في رحاب سورة الطلاق (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)، ويحمل الله عز وجل الرجال مسؤولية إحصاء العدة، فالمطلقة لم تخرج بعد عن عصمته فهو المسؤول عنها، و إن انقطعت أواصر الزواج يراعيها وينفق عليها ولا تخرج المرأة المعتدة من بيت الزوجية، بل تبقى فيه، وان رفض الزوج فعليه هو المغادرة، و أعجب من أمر رجال تطيب نفوسهم بإلقاء المرأة، التي عاشرتهم السنوات الطوال إلى الشارع وفي اغلب الأحيان لا أهل لها أو باعت أهلها لمرضاته، فتجد نفسها بين عشية وضحاها فقدت الزوج بعد .أن فقدت الأهل معرضة لشماتة الصديق قبل العدو .
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
و استوقفتني الكلمة الأخيرة في هذه الآية (بُيُوتِهِنَّ) ينسب الله البيوت للمطلقات، لم لم يقل بيوت أزواجهن؟
دور الزوجة في إنشاء بيت الزوجية
في رحاب سورة الطلاق استوقفتني الكلمة الأخيرة في هذه الآية (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ)، إذ ينسب الله البيوت للمطلقات، لم لم يقل بيوت أزواجهن وبحثت في التفاسير وكتب الفقهاء ولم أجد ما يشفي الغليل، فأغلبهم لم يعر الكلمة أدنى اهتمام والبعض الآخر لم يهده فكره إلى أكثر من ألا يخرجن خلال العدة، اختيار الكلمات في القرآن لا عبث فيه، فللزوجة حق في بيت الزوجية يجب أن تأخذه مطلقة كانت أو وارثة، فما كان لرجل أن يبني بيتا لولا زوجة صالحة تحمل عنه همه، وتمنحه الطمأنينة و الاستقرار، وهما أمران لا تستقيم بغيرهما حياة، فالزوجة صابرة قنوع، والبيت يبنى بمقدار تقشف الزوج على زوجته وأولاده، فهو آخذ من الزوجة بعض حقها في أن تعيش حياة أمثالها، وتتحول الأموال، التي كانت يجب أن ينفق القسط الأكبر منها على الزوجة، إلى إسمنت وحديد وبيت تمنى الزوجة نفسها بالاستقرار فيه بعد طول عناء ويتحول الحلم الوردي إل كابوس مزعج وينطق الزوج بالطلاق غاضبا أو هازلا أو لمجرد أن الملح في الطعام زاد عما ألفه.
ونسأل أهل المال والاقتصاد، و نستقرىء الإحصائيات، ونبحث عن عوامل نجاح الرجال في ميادين التجارة والأعمال، ونسأل عن عامة الشعب، كيف يتملك أحدهم مسكنا؟، وما دور الزوجة ؟
ويأتينا الجواب صريحا، لولا الزواج لما استطاع اغلب الرجال من بناء أو شراء مسكن، ولو بقوا عزبا ما استطاعوا أن يقتنوا مترا مربعا واحدا ولضاعت رواتبهم بين أجر الخادم وأكل المطاعم، فالزوجة عامل اقتصاد أساسا، ثم عامل اطمئنان وبعدها عامل تحفيز وأمل، فتحية مني صادقة نابعة من أعماق القلب إلى زوجاتنا اللائي لولاهن لتوقف بنا المسير منذ زمن طويل ...
والآية تشير إلى أن المطلقة تعتد في بيت الزوجية شاء الرجل أم أبى، إلا إذا تبين للقضاء فسادها و إصرارها على الطلاق دون سبب، فللقاضي أن يحكم بغير ذلك بناء على بينة لا غبار عليها. و لا يصح إخراج المطلقة إلا إذا أتت فاحشة بينة لا لمجرد الشك في سلوكها (وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).
ويبقى النقاش مفتوحا حول من يتولى بيت الزوجية، هل تخرج الزوجة أم الزوج، وفي هذا أرى أن القضاء يجب أن يأخذ بعين الاعتبار مدى مساهمة الزوجة في بنائه أو تملكه، سواء كانت عاملة أو لا، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار لا العائد المادي، الذي قد تأتي به الزوجة، بل مقدار ما استطاعت أن توفره على زوجها من نفقة، ومقدار ما كان لهذا الرجل أن ينفق لولا انه متزوج ..
الإشهاد على الطلاق
وننتقل بفضل من الله ورعايته - إلى الآية الثانية من سورة الطلاق لنستخرج منها الحكم الثالث من الأحكام العامة للطلاق، إذ يقول عز وجل (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ)، واختلف الفقهاء في تفسير هذه الآية، بل و ذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى أن الطلاق يقع بدون إشهاد، لأن الطلاق من حقوق الرحل ولا يحتاج إلى بينة كي يباشر حقه، وأنه لم برد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد وربط من درس منهم هذه الآية من كتاب الله الإشهاد بالرجعة لا بالطلاق .
غير أننا نجد أقوالا أخرى توجب الإشهاد على الطلاق تارة وعلى الطلاق والرجعة تارة أخرى، تقل عن ابن عباس : أنه فسرها بالطلاق والرجعة ، وقال السيوطي: .أخرج عبد الرزاق عن عطاء قال: النكاح بالشهود، والطلاق بالشهود والمراجعة بالشهود، وسئل عمران بن حصين عن رجل طلق ولم يشهد، وراجع ولم يشهد؟ قال : بئس ما صنع طلق في بدعة، وارتجع في غير سنة فليشهد على طلاقه ومراجعته و.ليستغفر الله .
وقال القرطبي: قوله تعالى (وأشهدوا) أمرنا بالإشهاد على الطلاق، وقيل : على الرجعة، والظاهر رجوعه إلى الرجعة لا إلى الطلاق. ثم الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كقوله : (وأشهدوا إذا تبايعتم ) وعند الشافعي واجب في الرجعة .
وأرى أن سياق الآية يوجب الإشهاد على الطلاق والرجعة معا، فسورة الطلاق تبين أحكام الطلاق في الدرجة الأولى، فتبتدئ بعد النداء الموجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعال (إذا طلقتم النساء) ويبين الله بعدها شروط الطلاق وأحكامه من وجوب الطهر و إحصاء العدة وعدم إخراج المعتدة من بيتها، ثم يأمرنا الله عز وجل بإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان حال بلوغ النساء أجلهن، وهنا ينتهي القسم الأول من أحكام الطلاق، وتستمر الآية بوجوب الإشهاد والأقرب إلى الفهم أن الإشهاد راجع على الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، أي على الرجعة أو المفارقة، ومن جهة أخرى وانطلاقا من أن السورة تبين أحكام الطلاق فكل ما ورد فيها مرتبط به، ولا يمكن اعتباره عائدا على الرجعة التي لم تذكر إلا كنتيجة للطلاق.
و اتفق الفقهاء على وجوب الإشهاد على الزواج ولم .أجد لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما يلزمه وأصابوا في ذلك، لما لهذا الإشهاد من أهمية للحفاظ على حقوق الزوجين من نسب و ارث، ولا أرى أي سبب ظاهر للخلاف على وجوب الإشهاد على الطلاق، وهو أخطر على الأسرة والمجتمع .
والظاهر أن أغلب الفقهاء - إلا من هدى ربك- ظنوا أن الإشهاد على الطلاق يمس رجولتهم ويزيل منهم حقا ظنوا أنهم مالكوه .
جاء في صحح البخاري في مقدمة كتاب الطلاق "والطلاق السني أن يطلقها طاهرا دون جماع، وأن يشهد شاهدين"، و تنص الآية على أن شاهدي الطلاق والرجعة يجب .أن يكونا شاهدي عدل، وذهب اغلب العلماء في وقتنا الحاضر، أنه نظرا لاستشراء الفساد وصعوبة الاطلاع على أحوال الخلق والتمييز بين العدول وغيرهم، فالأمر يعود إل السلطان ليعين العدول المنتصبين للشهادة و تلقيها بعد بحث وتمحيص (بهذا كان يفتي والدي الأستاذ سيدي امحمد العثماني طوال حياته )، جاعلا إياهم تحت رقابة القضاء.
الطلاق الأقرب إلى الشرع
أشرنا فيما سبق أن الطلاق من النظام العام، الذي أسند الله في محكم كتابه تطبيق أحكامه إلى السلطة التنفيذية في البلد، فلها أن تنظم الإشهاد على الطلاق، و أن تشترط من الشروط ما يتفق مع المقاصد الشرعية، فتقديم طلب الإذن بالطلاق إلى القاضي المعمول به حاليا هو أقرب إلى الشرع من فتاوى الفقهاء، فالقاضي يدرس مدى مطابقة الحالة لشرع الله، و يحدد الحقوق والواجبات، فإن استوفى الطلاق شروطه الشكلية والموضوعية، أمر به فكتب و إلا فلا يعتبر طلاقا، ومسطرة الصلح الواجبة سلكها قبل الإذن بالطلاق توافق شرع الله ومقاصد الشريعة إذ يأمرنا عز و جل في محكم كتابه، إن خفنا شقاقا بينهما أن نلجأ إلى التحكيم قبل التفريق بين الأزواج .
خلاصة القول
بعد هذه الجولة الممتعة في كتاب الله و هدي نبيه،أرى أن نستنج الأحكام الأساسية للطلاق، فالطلاق طبقا لشرع الله هو من النظام العام يجب على من تولى أمور المسلمين تنظيمه طبقا لشروط محكمة، فهو لا يقع إلا إذا كانت المرأة طاهرة، وبإشهاد عدلين منتصبين للشهادة طبقا لشكليات يحددها المشرع، وخارج هذين الشرطين فهو لا يقع بلفظ صريح ولا بكناية، نواه الرجل أم لم ينوه، والنقاش الذي استغرق أكثر وقت الفقهاء عن طلاق الغضبان والهازل إلى غير ذلك نقاش عقيم ينافي شرع الله وسنة نبيه، و لي اليقين أنه حان الوقت لإلغاء المقولة المشهورة (وكم من باطل اشتهر)، أن كل طلاق أوقعه القاضي بائن لنرفع شعارا أبسط و أقرب إلى كتاب الله وسنة نبيه أن كل طلاق لم يوقعه القاضي لا يقع.
و بذلك يكون المفتي في إجابته المنشورة بجريدة "التجديد" الغراء، بإيقاع طلاق الغضبان والهازل والمطلق دون نية، جانب الصواب في جوابه وخالف السنة، وان رأيه فيه غلو كبير وظلم شديد للمرأة والرجل على السواء.
حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري أن يعقوب بن إبراهيم حدثهم قال حدثنا أبي عن ابن إسحق عن ثور بن يزيد الحمصي عن محمد بن عبيد بن أبي صالح، الذي كان يسكن إيليا قال : خرجت مع عدي بن عدي الكندي حتى قدمنا مكة فبعثني إلى صفية بنت شيبة وكانت قد حفظت عن عائشة قالت : سمعت عائشة تقول سممت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . لا طلاق ولا عتاق في إغلاق قال أبو داود: الإغلاق أظنه في الغضب
قال الحافظ شمس الدين ابن القيم رحمه الله :قال شيخنا: و الإغلاق انسداد باب العلم والقصد عليه يدخل فيه طلاق المعتوه والمجنون والسكران والمكره والغضبان الذي لا يعقل ما يقول، لان كلا من هؤلاء قد أغلق عليه باب العلم والقصد، والطلاق إنما يقع من قاصد له، عالم به . والله أعلم .
و قد أخذت مدونة الأسرة بهذا الرأي ونصت في المادة 90 علي أنه لا يقبل طلب الإذن بطلاق السكران الطافح والمكره وكذا الغضبان إذا كان مطبقا.
* الأستاذ فريد زين الدين العثماني، خريج كلية الشريعة، مهندس إعلاميات، خبير في الدراسات المالية والاقتصادية، مستشار قانوني، أستاذ بيولوجيا سابقا.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.