توجه الأتراك إلى صناديق الاقتراع في انتخابات برلمانية مبكرة، اليوم الأحد، في ظل تصاعد العنف والمخاوف الاقتصادية، في تصويت قد يحدد مسار البلد المنقسم والرئيس رجب طيب إردوغان. وهذه ثاني انتخابات برلمانية تشهدها تركيا خلال خمسة أشهر بعد أن أخفق حزب العدالة والتنمية، الذي أسسه إردوغان في الاحتفاظ بالأغلبية في انتخابات يونيو، وذلك للمرة الأولى منذ صعوده للحكم في 2002. ومنذ ذلك الوقت، انهار وقف لإطلاق النار مع المقاتلين الأكراد لتعود أعمال العنف من جديد، وتفاقمت الأزمة السورية وواجهت تركيا هجومين انتحاريين لهما صلة بتنظيم الدولة الإسلامية، مما أدى إلى مقتل أكثر من 130 شخصا. ويأمل مستثمرون وحلفاء غربيون أن تساعد الانتخابات على إعادة إرساء الاستقرار والثقة في الاقتصاد، الأمر الذي سيتيح لأنقرة أن تلعب دورا أكثر فعالية في الحد من تدفق اللاجئين من الدول المجاورة، التي تعيش حروبا إلى أوروبا والمساعدة في التصدي لمتشددي تنظيم الدولة الإسلامية. ولم تظهر الأعلام والملصقات وحافلات الدعاية الانتخابية التي عجت بها الشوارع خلال الفترة التي سبقت الانتخابات في يونيو حزيران. لكن إردوغان وصف الانتخابات الجديدة بأنها فرصة مهمة لتركيا للعودة إلى حكم حزب العدالة والتنمية بمفرده بعد غموض سياسي استمر شهورا. وقال إردوغان للصحفيين بعد أن أدلى بصوته في ضاحية كاميلجا في الشطر الآسيوي من اسطنبول، "من الواضح في انتخابات اليوم كيف سيعود الاستقرار بالنفع على أمتنا واليوم سيستند مواطنونا في اختياراتهم على ذلك." وإلى جانب زوجته أدلى إردوغان بصوته في ظل حراسة مشددة فيما كان قناصة يراقبون المنطقة من أسطح مبان مجاورة. وانقسم الناخبون بشدة في وجهات نظرهم بشأن عودة حكم الحزب الواحد أو تشكيل ائتلاف حاكم. وقال نورجان جوندوز (24 عاما) في مطار أنقرة "الرعاية وتحسن أحوال المعيشة والمنازل الأكبر والأجهزة الأكثر فخامة.. نحن مدينون بذلك لحزب العدالة والتنمية وإردوغان." وتابع قوله "انظروا إلى حال البلد بعد نتائج انتخابات السابع من يونيو ولم نشكل ائتلاف حاكما. لا أستطيع تخيل مدى سوء الوضع إن كان لدينا ائتلاف." لكن يسار (62 عاما) وهو عامل متقاعد يشتغل في تلميع الأحذية خارج مسجد في ضاحية أوسكودار المحافظة باسطنبول، قال إنه منح صوته لحزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة على أمل أن يكون هناك ائتلاف. وقال "فقدت الأمل في حزب العدالة والتنمية. الحزب الأمين هو حزب الشعب الجمهوري. البلد بحاجة لأن تضمد جراحها والائتلاف هو أفضل سبيل." ويرى بعض الحلفاء الغربيين والمستثمرين الأجانب والأتراك أن ائتلافا بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري هو أفضل أمل لتخفيف حدة الانقسامات في البلد المرشح للانضمام للاتحاد الأوروبي، ويقولون إنه قد يخفف من نوزاع إردوغان الاستبدادية. بدأ التصويت في شرق تركيا في السابعة صباحا (0400 بتوقيت جرينتش) وبعد ذلك بساعة في بقية أنحاء البلاد. وتغلق مراكز الاقتراع أبوابها في الساعة 1400 بتوقيت جرينتش. ويحظر إعلان النتائج حتى الساعة 1800 بتوقيت جرينتش لكن لجنة الانتخابات عادة ترفع الحظر قبل الموعد الرسمي. ويقول منتقدو إردوغان إن هذه الانتخابات التي دفع إليها عجز حزب العدالة والتنمية عن العثور على شريك صغير لتكوين إئتلاف حكومي بعد انتخابات يونيو تمثل مقامرة من جانب الرئيس كي يحصل من جديد على تأييد كاف للحزب يمكنه في نهاية الأمر من تعديل الدستور ومنحه سلطات رئاسية أكبر. وتشير استطلاعات كثيرة للرأي إلى أنه على الرغم من أن التأييد لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية ربما ارتفع قليلا فمن غير المرجح أن تختلف النتيجة بشكل كبير عن انتخابات يونيو التي حصل فيها على 40.9 في المئة من الأصوات. ولكن استطلاعا نشر يوم الخميس أشار إلى ارتفاع حدث في الآونة الأخيرة في معدل التأييد لحزب العدالة والتنمية، وأنه قد يحصل على 47.2 في المئة وهي نسبة كافية لضمان الحصول على أكثر من نصف مقاعد البرلمان المؤلف من 550 عضوا. ولكن مهما كانت النتيجة فمن المرجح أن يظل الاستقطاب العميق في تركيا بين المحافظين الذين يؤيدون إردوغان بوصفه أحد أبطال الطبقة العاملة من جهة والعلمانيين من جهة أخرى. وقال بولنت على رضا مدير مشروع تركيا في معهد (سي.اس.اي.اس) البحثي في واشنطن يوم الجمعة إن"الغموض السياسي وتزايد الانقسامات الاجتماعية وانعدام الأمن الذي ميز الفترة بين هذه الانتخابات وتلك سيستمر على ما يبدو." وإذا أخفق حزب العدالة والتنمية من جديد في ضمان الحصول على أغلبية كحزب واحد فربما يضطر للعودة لطاولة المفاوضات مع حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض أو حزب الحركة القومية اليميني. وخفف حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد – الذي دخل البرلمان للمرة الأولى في انتخابات يونيو حزيران- دعايته الانتخابية بعد استهداف مؤيديه في التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع في أنقرة وأسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص. وقال صلاح الدين دمرداش زعيم الحزب بعد التصويت في اسطنبول "ما تحتاجه تركيا أكثر من أي شيء آخر هو السلام والهدوء" مضيفا "آمل أن تكون نتائج الانتخابات الجيدة عزاء لآلام عائلات من قدموا حياتهم من أجل السلام والحرية والديمقراطية." وتزايدت المخاوف من تراجع حرية التعبير وسيادة القانون بعد المداهمات التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة وسائل إعلام معارضة مرتبطة بعدو إردوغان اللدود الداعية فتح الله كولن المقيم في الولاياتالمتحدة بما في ذلك إغلاق محطتي تلفزيون ومصادرة صحف.