بعد مرور عام على حراك الريف، يبدو أن الإحباط لدى المحتجين وأنصارهم، نتيجة تبني مقاربة أمنية صرفة من جهة، وغياب حلٍّ سياسيّ في الأفق من جهة أخرى، من شأنه أن يوسّع رقعة الاضطرابات السياسية في المغرب، بما يؤدي إلى تجذُّر حراك الريف. كانت هذه خلاصة دراسة جديدة للباحث المغربي، محمد مصباح، نشرتها له مبادرة الإصلاح العربي، ويحلِّل فيها أَوْجه التمايز بين حراك الريف وحركة 20 فبراير. في رأي مصباح، ثمة عوامل تشابه بنيوية هي التي تؤدي إلى الاحتجاجات السياسية في المغرب، تتمثل في وجود "احتقان سياسي، وارتفاع مؤشرات الفساد، والتحكم السياسي"، لكن المقارنة بين تطور حراك 20 فبراير وحراك الريف، تكشف عن وجود تباينات أيضا، إن على مستوى طبيعة الحراك، أو دور وسائل التواصل الاجتماعي، والهيكلة والتنظيم، وأسلوب الاحتجاج. ويرى مصباح أنه إذا كان حراك 20 فبراير قد تميّز بالطابع الوطني العابر للبعد الإثني أو المحلي، وأن البيئة الإقليمية العربية قد لعبت دور "القوة الدافعة" له، ما دفع المؤسسة الملكية إلى التفاعل الإيجابي مع مطالب المحتجين، فإن حراك الريف كان على خلاف ذلك تماما. ففي تصور مصباح، هنالك أولا خصوصيات تاريخية وثقافية مميزة، ومنها ذلك "القمع الوحشي" للسلطات ضد انتفاضة سنة 1958، وكان سببا في "صنع ذاكرة كامنة متوجسة من الدولة المركزية"، وبالتالي "حالة من انعدام الثقة" بين الساكنة والسلطة، من نتائجه "إحساس عميق بالمظلومية لدى ساكني الريف". غير أن تمركز الحراك في الريف، قد "أعطى الفرصة للسلطات المغربية لوصم الحراك بالنزعة الانفصالية، وتلقي الأموال من الخارج". ويلاحظ مصباح أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت "دورا مهما" في حراك 20 فبراير وفي حراك الريف، لكن بتفاوت كذلك. فخلال حراك 20 فبراير، كان التأثير خارجيا، في حين أن حراك الريف "وجد بوعزيزيه في الموت البشع الذي تعرض له بائع السمك، محسن فكري، نتيجة طحنه في شاحنة نفايات". واعتبر أن "نقل صور جثة فكري عبر وسائل التواصل الاجتماعي كان له دور كبير في تأجيج مشاعر الغضب والإحساس بالظلم لدى ساكني المنطقة". ويختلف حراك الريف عن حراك 20 فبراير كذلك في قدرته على "الصمود والاستمرارية بالرغم من حملات الاعتقال والمنع المستمر للاحتجاجات"، ويفسر ذلك بأن حراك 20 فبراير فشل في الصمود بسبب "النزاعات الداخلية بين مكوناته، وعدم قدرته على بلورة هوية مشتركة تجمع بين التناقضات الموجودة داخله". أما حراك الريف، فقد نجح في الاستمرار والصمود رغم قمع الدولة، لأنه "استطاع صياغة مطالب سياسية واجتماعية محددة وقابلة للتنفيذ"، أبرزها محاكمة عادلة وبحث معمق لمعرفة أسباب وفاة محسن فكري، ورفع مظاهرة العسكرة والتعامل الأمني مع الريف، وتشجيع الاستثمار والبنية التحتية وبناء جامعة ومستشفى جامعي ومستشفى للأمراض السرطان. وعبر الزمن "تطورت المطالب تدريجيا إلى المطالبة بتدخل ملكي لحل التوتر الحاصل". ويشير مصباح إلى أن قيادة حراك الريف قد عملت على تأطير مطالبها بشكل واضح، مثل "رفض تبني العنف والدعوات الانفصالية، وتركيز الانتقاد على الحكومة، وخاصة وزارة الداخلية، والأحزاب، وفي الوقت نفسه تفادي الاصطدام بالملك". كما أنها تصدت "لبعض التوجهات الراديكالية التي أرادت اختراق الحراك، في اتجاه تبني مواقف راديكالية من النظام"، وهو ما جعل حراك الريف "يحظى بشعبية في صفوف فئات واسعة داخل المنطقة". ويرى مصباح أن شخصية ناصر الزفزافي "لعبت دورا كبيرا في توحيد مطالب الحراك، وإعطائه هوية واضحة"، لكونه "نموذجا للتهميش الذي يعاني منه شباب المنطقة"، إضافة إلى هيكلة الحراك عبر بناء شبكة نشطة تضم لجنة تنظيمية ولجنة إعلامية بالإضافة إلى قيادة الحراك. ويؤكد مصباح أن هذا التنظيم هو "الذي يفسر إلى حد ما استمرارية حراك الريف". وعلى الرغم من أن الاحتجاجات لا تزال محصورة في منطقة الريف؛ فإن الباحث يرى أن انتقالها نحو مناطق أخرى سيؤدي إلى المزيد من التوتر، لاسيما إن انتقلت إلى المناطق الأمازيغية التي عاشت عقودا من التهميش. وقد أثبتت المقاربة الأمنية المعتمدة حاليا فشلها في إضعاف حراك الريف. ولا يزال أمام الدولة، بحسب مصباح، هامش محدود لتخفيف الاحتقان والتوتر، إذا هي أرادت الخروج من المأزق الحالي. ويرى مصباح أن الإفراج عن المعتقلين، ودخول القصر الملكي في تفاوض مباشر معهم، بهدف إيجاد تسوية مناسبة، من شأنه امتصاص الغضب في المنطقة، وتجنب مزيد من الاحتقان.