حميد المهدويوجدت إحدى المنظمات الأمازيغية المغربية في الصراع الذي تفجر، مؤخرا، بين الداعية عبد الله النهاري والصحافي المختار الغزيوي، فرصتها الذهبية للمطالبة بفصل الدين عن الدولة، مصداقا للمثل العربي الشائع "مصائب قوم عند قوم فوائد". وصدقا، مطلب فصل الدين عن الدولة في جوهره مطلب مشروع ولا يعارضه إلا جاهل أو منافق، خاصة وأن استعمالات الدين وتوظيفاته في الحياة السياسية وصلت إلى مستويات لا تطاق كان أكثرها بؤسا وانحطاطا ما وقع خلال الاستفتاء على دستور 2011، عندما اعتبرت عدد من المجالس العلمية التابعة لوزارة الأوقاف التصويت على الدستور ب"نعم" هو أمر واجب شرعيا! في أوربا "الأنوار" كان سهلا على دعاة التحرير أن يفصلوا الكنيسة كسلطة سياسية ودينية عن الشأن السياسي لكون المسيحية لا تعدو أن تكون مجرد إرشادات ونصائح ومواعظ أخلاقية، على خلاف الدين الإسلامي الذي هو في أوله ومنتهاه مشروع مجتمعي له رؤية سياسية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية بصرف النظر عن مدى نجاعة تلك الرؤى وقابليتها للرقي بالمسلمين إلى مصاف الحياة الكريمة. لقد كان العدو أو مكان الخلل في أوربا واضحا ومجسما في شخص الكنيسة كسلطة سياسية ودينية مما سهل حشرها في الزاوية، حيث غدت بعد الثورات البرجوازية المجيدة، كمكان للعبادة لا شأن لها بتفاصيل الحياة السياسية، على خلاف الإسلام الذي تتشعب مؤسساته من "مساجد" و"دور إفتاء" و"مسجد الأزهر" و"المدرسة الحسنية" و"المجالس العلمية".. وغيرها من المؤسسات الدينية، إضافة إلى حضور الدين في كل الحياة والأنشطة الإنسانية بما فيها الأمور الجد خصوصية للإنسان، فكيف يتم فصل الإسلام عن الدولة علما بأن الشرعية الدينية للحاكم خاصة في بلاد كالمغرب أقوى من الشرعية التاريخية والديمقراطية .. إن من يتوهم أو بالأحرى من يستسهل إمكانية فصل الدين عن الدولة في بلاد المسلمين، كمن يتوهم أن بنكيران يحكم قليلا ! في المغرب أو أنه جاء للحكومة ليحارب الفساد والمفسدين!