الثقافة الأمازيغية، أصل الحضارات داخل القارة الافريقية وخارجها الثقافة الأمازيغية باعتبارها "ثقافة إفريقية هي أصل الحضارات داخل هذه القارة وخارجها". ويمكننا أن نبرهن على انتماء الحضارة الأمازيغية إلى الحضارة الإفريقية بالأدلة والبراهين، فإذا انطلقنا من أصول تسمية إفريقيا، التي أطلقها الرومان على تونس في بداية الأمر، وحسب مجموعة من الباحثين فالتسمية جاءت من قبائل" أفري" التي تعني بالأمازيغية" الكهف"، لتصبح في نهاية المطاف إفريقيا لتطلق على كل القارة، كما أشتهر مصطلح إفريقيا من طرف الملك الأمازيغي ماسينيسا، في مقولته الشهيرة الذي أكد من خلاله أن "إفريقيا للأفارقة" . عندما نقول أن الحضارة الأمازيغية أصل الحضارة الإفريقية، فلابد لإثبات ذالك ان نعود إلى فترة ما قبل التاريخ، وإنسان الحضارة الآشولية الذي تم العثور على بقاياه التي تعود إلى ما يقرب من 1.200.000 سنة، بموقعين اثنين، الأول قرب مدينة سطيف بالجزائر والثاني بمدينة الدار البيضاء بالمغرب، وأرخت هذه المواقع للبدايات الأولى لأهم نشاط صناعي عرفته البشرية منذ بداية عصور ما قبل التاريخ وهو الصناعة الحجرية، صناعة أدوات الصيد... حيث يمكن اعتبارها أول ثورة صناعية عرفتها البشرية، حرر من خلالها الإنسان يديه واستعمل قدرات العقل البشري لإحداثها، واستمر هذا التطور إلى حين بلغ مستوى التطور البشري مرحلة الإنسان العاقل الحديث، الذي يعتبر المغرب مهده، وجاء هذا التأكيد مع الاكتشاف الأثري المتمثل في "انسان جبل إيغود" الذي يعود إلى حوالي 315 ألف سنة، وقدم هذا الاكتشاف المغربي الاستاذ عبد الواحد بناصر مدير المعهد الوطني لعلوم الأثار و الألماني الأستاذ جون جاك هوبلان من معهد ماكس بلانك للأنثربولوجيا المتطورة بألمانيا.(1) هذا إلى جانب الأصداف البحرية المستعملة للزينة و التي يعود اكتشافها إلى 142.000 إلى 150.000 سنة في المغرب، بمغارة بزمون، على مقربة من منتجع الصويرة الساحلي (2) وهو أقدم حلي تم اكتشاف إلى حد الان، بعد أن كان يعتقد إلى العهد القريب ان اقدمها يعود إلى جنوب أفريقيا بتاريخ يمتد إلى 70 الف سنة. و أخرى بمغارة "المهربين"( les contrebandiers) بتمارة قرب العاصمة المغربية الرباط، التي يمتد تاريخها إلى حوالي 100,000 سنة، والتي حاول فريق الأستاذ عبد الجليل الهجراوي تحديد فترتها التاريخية بشكل دقيق، وذكر ذلك في كتابه "إنسان الرباط"، ويدل الاستعمال الأول لهذه الأصداف البحرية على الدلالة الرمزية والإيمان بالغيبيات والماورائيات، والتطور على مستوى التواصل البشري. بالإضافة إلى ذلك، شهدت الحضارة الكابسية(civilisation capsienne) ، التي نشأت في منطقتكم التونسية "قفصة" ، على بعد 260 كم من مدينتكم سوسة ، تقدمًا من الشرق إلى الغرب ثم إلى المغرب. وتمتد فترة وجودها من الألفية الثامنة إلى الخامسة قبل الميلاد. وننتقل لعرض أصول الحضارة الفرعونية، وفي هذا الصدد نستحضر دراسة صديقنا الدكتور أنطونيو أرنايس بيينا من جامعة مدريدحول المقارنة الجينية لشعوب حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث أكد أنه وفقا لجينات الشعوب الايبيرية(اسبانيا والبرتغال) وكذالك شعوب الارخبيل الإيطالي الجنوبية وشعوب جزيرة كورسيكا وسردينيا كل هذه الشعوب تشبه في جيناتها الشعب الأمازيغي بشمال أفريقيا أكثر من جيرانهم الفرنسيين والألمان بأوروبا، وتبعا لهذه الدراسة فأصول شعوب أوروبا الجنوبية تنتمي إلى إفريقيا عكس أوروبا الشمالية التي تنتمي أصولهم إلى الشرق الأوسط، ذلك لأن الصحراء الكبرى كانت قبل ما يقرب 10.000 سنة منطقة خصبة...، ومع بداية تصحرها بدأت الهجرة السكانية من إفريقيا نحو الشمال، لتعبر إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط وإلى جزر الكناري أيضا، وهو الأمر الذي تؤكده الدراسات الجينية والأبحاث الأركيولوجية والأنثربولوجية(3/4/5)... والكتابات التي تؤكد الاستمرارية والتقاطع التاريخي في هذه المناطق، مع وجود أدلة من النقوش الصخرية التي تحمل الحرف الأمازيغي بكل من هذه المناطق، والتي تجعل المنتمين لهذه الثقافة يفخرون بكونهم يمتلكون لغة وكتابة خاصة سبقت الحضارات الأخرى. وحسب الدكتور أنطونيوأرنايس بيينا، هكذا تكونت الحضارة الفرعونية أيضا، ومن ضمن أبرز الدراسات التي تحدثت عن هذا الموضوع نستحضر كتاب هيلين هغان عن الجذور الأمازيغية في الحضارة الفرعونية واللغة الهيروغليفية، بالإضافة إلى دراسة أكثر تفصيلا قامت بها تكليت مبارك سلاوتي عن جامعة بجاية حول الحضور الأمازيغي في الحضارة الفرعونية، فضلا عن اللوحات الفنية التي تم العثور عليها في الأهرام المصرية، والتي تحمل تصاوير لملوك أمازيغ، ما يؤكد حضور هذه الثقافة وتأسيسها للحضارة الفرعونية، ومن ضمنها لوحة تظهر أمازيغيا "ليبو" منهزم في معركة، كما تبرز التراتبية الاجتماعية، ومواجهة الأمازيغ للإمبراطورية الفرعونية وهزمهم إقرار بقوته، الأمر الذي يتأكد من خلال معركة رمسيس الثالث وشيشناق الأمازيغي، الذي هزم الفرعون ووصل إلى فلسطين، وهي الذكرى التي احتفظ بها التقويم الأمازيغي للتأريخ، كما ذكرت هيلين هغان في الفصل المتعلق بالعلاقة بين الأمازيغ والفراعنة، أن الموضوع كما لو كان في البداية، فهو بحاجة للبحث والإنتاج العلمي، ونلحظ اهتمام مجموعة من الباحثين أبرزهم مصطفى بودريبيلة من جامعة أكادير، إلى جانب إصدارنا بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة عدد خاص من جريدة العالم الأمازيغي حول "الأمازيغ والحضارة الفرعونية"(6). للأسف في بلدان شمال إفريقيا نبقى حبيسي الإيديولوجية السلفية والعربية ، التي تحجم التاريخ وتربط بداياته الأولى بظهور الدين الإسلامي، وكل ما سبق الرسول محمد يطوله التهميش، وحتى إن عادوا إلى هذه الفترة مزجوها بمجموعة من الخرافات من قبيل ان الأمازيغ قدموا من اليمن، وكما سبق وأن عرضنا أطروحة أنطونيو أرنايس بيينا فالأمر يجانب الصواب، والعكس هو الذي حدث، أي سكان إفريقيا هاجروا بعد التصحر نحو أوروبا و آسيا، ولم تستقبل هذه القارة هجرات نحوها. في نهاية المطاف، فالتاريخ الرسمي يختلف تماما عن "التاريخ الاجتماعي". ما يعني أن هناك دائمًا جانبان رئيسيان للقصة التاريخية. فطالما كان التاريخ الرسمي هو سرد الخلافة الأسرية والإنجاز المعمارية، تاريخ موثق ومحصن حبيس الجدران القصوربينما التاريخ الاجتماعي، بقيادة القبائل تاريخ مهمش غير معروف. إلى أن جاء المؤرخ التونسي الأندلسي العظيم ابن خلدون، معلم التاريخ الاجتماعي في العالم الإسلامي، الذي يعود له الفضل في القاء الضوء على التاريخ الديناميكي "للشعوب التي لا صوت لها" ، أو بالأحرى شعوب التقاليد الشفوية ، وبشكل أكثر تحديدًا القبائل. لأنه ، كما تؤكد المؤرخة المغربية مجالي مرسي ، فإن إعادة إدراج الظاهرة القبلية في الخطاب التاريخي هو إعادة للمصطلح معناه الحقيقي. وتضيف السيدة مرسي أن القبيلة لا تكون منطقية إلا عندما تعتبر كهيكل ذي "هدف تاريخي" قادر على الوصول إلى أشكال أكثر تطورًا من التنظيم السياسي. في هذا الإطار أود أن أركز على أنه في تاريخنا نهمل شيئا أساسيا الا وهو الحديث عن الحضارة القرطاجية كحضارة لاتنتمي لشمال إفريقيا. لا يجب ان ننسى أن نشوء الحضارة القرطاجية كان نتيجة عزيمة ودهاء وشجاعة امرأة مقدامة وخارقة للعادة اسمها "إليسَا ديدون". بعد الاستيلاء على ثروة عمها "عاشرباص" (المعروف ب"زيكار بعل")، الذي تزوجت منه والذي اغتيل على يد شقيقها، هربت "إلّيسا" من لبنان ونجحت سنة 814 ق.م. في رصّ صفوف القبائل الأصلية من حولها، في مجتمع يقدّر المرأة حق قدرها. أسست المدينةالتونسية الشهيرة "قرطاج". وبمجرد أن وطأت قدماها أراضي " الليبو"، يحق لنا أن نعتبرها ملكة أمازيغية أكثر من أنها ملكة فينيقية، لأن مملكتها تطورت وازدهرت في أرض تامازغا، على الرغم من أنها رفضت الزواج من هيرباس ملك قبائل ال"مازييس" الأمازيغية! ظل انتحارها لغزًا كبيرا، لكن الفضل يرجع إليها في بناء حضارة عظيمة حوّلت قرطاج، ربما، إلى أول جمهورية في التاريخ- وفقًا لأرسطو- بمجلس شيوخ ضم ممثلين عن جزء من الشعب. إذن إن الحضارة القرطاجية، التي كان لها الفضل في تأسيس إمبراطورية في البحر الأبيض المتوسط، من خلال غزو جزر صقلية، وسردينيا، وكورسيكا، وكذلك منطقة مورسيا في إسبانيا، حققت شهرة كبيرة بفضل هانيبال، الذي تحدى جبال الألب وعبرها على ظهر الفيلة ليشن حربا ضد الرومان إلى أن وصل أبواب روما! كانت الإلهة العظيمة لهذه الإمبراطورية، التي أصابت الرومان بالذعر، تسمى "تانيت" وهي إلهة أمازيغية مسؤولة عن حماية الخصوبة والولادة والنمو. ما اريد ان أؤكد عليه هوأن الحضارة القرطاجية حضارة أمازيغية وامتدت إلى السواحل الأوروبية وجزرها، وهيحضارة تنتمي للقارة الإفريقية ويجب أن نكون فخورين بذلك، ونفس الأطروحة تقول أن قبل الرومان كان الفنيقيون مستوطنين وأقاموا مدن بكل الحواضر الساحلية بالمغرب روسادير بمليلية، وطنجيس بطنجة وتمودا بتطوان، لكسوس بالعرائش وليلي قرب مكناس، لكن حسب الدراسات في هذا المجال من ضمنها أبحاث الأستاذ يوسف بوكبوض الذي أكد أن الفنيقيين كانوا تجارا تبادلوا السلع مع السكان الأصليين، وأتوا عبر القوارب وعادوا على متنها، والمدن التي وجدها الفينيقيون والرومان بعد ذلك على السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط كانت دائما مدنًا أنشأها الأمازيغ ، الذين كانت لديهم حضارة حضرية قبل مجيء هاتين الإمبراطوريتين.. ومن أهم الحضارات التي أسسها الأمازيغ نجد الحضارة الأندلسية، والتي يطلق عليها المشارقة اسم الحضارة العربية الإسلامية الأندلسية، اسف! و أن العرب المشارقة أرادوا التزوير من خلال مسلسلهم التلفزيوني "فتح الأندلس" الذي بثته القناة الأولى المغربية خلال شهر رمضان المنصرم ، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات والجدل حوله. فأول من وصل إلى الأندلس هو الأمازيغي طارق ابن زياد، صاحب المقولة الشهيرة "البحر من ورائكم والعدو أمامكم فأين المفر؟"، بعد أن فك القوارب وأجبر مرافقيه من شمال إفريقيا على المواجهة، وفي الواقع القولة كانت بالأمازيغية قبل أن تتم ترجمتها الى اللغة العربية، والأمازيغ هم من أسسوا الحضارة الأندلسية، ومآثرها المتمثلة في أفضل مدينة في أوروبا ، مدينة غرناطة، وكاتدرائية الخرالدا بإشبيلية، وهي مساهمات في مسار الحضارة الإنسانية التي وثقها التاريخ، وكل هذه الحضارات تعطينا فخر كسكان أصليين للقارة الإفريقية ومساهمين في صنع حضارات عظمى. كذالك أول حضارة ديمقراطية يجهلها الغربيون هي أيضًا من صنع الأمازيغ . هل تعلمون بأن الأمازيغ سبقوا الثورة الفرنسية ب 15 قرنا حينما أطلق الإمبراطور من أصل أمازيغي كاراكايا، وهو حفيد الإمبراطور الأمازيغي الليبي سيبتيموسيفيروالمزداد في المدينةالرومانية لوجدونوم ليون سنة 188 سنة ق م، فأطلق الثورة المواطنية الأولى في التاريخ، مطالبا بالمساواة في حقوق المواطنة بين برابرة أوروبا ( ومنهم الغاليون والأيبيريون والفايكنج) ، وموريطانيون من إفريقيا الشمالية مع مواطني روما في 211 سنة ق م . وما لا يجب أن ننساه هو أن فكرة الديمقراطية كان مهدها هو شمال إفريقيا، وبالضبط الحضارة القرطاجية خلال عام 814 سنة قبل الميلاد، حين أسست قرطاج على يد المستوطنين الفينيقيين والأمازيغ ، عكس ما هو سائد بأن الإغريق هم أول من وضعوا أسس الديمقراطية بأثينا 800 سنة قبل الميلاد. أخيرا ، لدي رسالة للجمعيات والمنظمات غير الحكومية والمثقفين ونشطاء الحركة الأمازيغية، أدعوهم من خلالها إلى الاستمرار في الدفاع عن حضارتنا ولغتنا الأمازيغيتين، التي أعطت الشيء الكثير للثقافات الإنسانية وساهمت في بناء الحضارات الإفريقية و الأوروبية، و التي تحمل في عمقها قيم التضامن والمساواة و الديمقراطية ، الأمر الذي ينبغي علينا العمل به على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي الأكاديمي... رشيد راخا رئيس التجمع العالمي الأمازيغي (AMA) ورئيس مؤسسة دافيد مونتغومري هارت للدراسات الأمازيغية E-Mail : [email protected] WhatsApp : 00.212.614.155.155 Web: www.rachidraha.com Web AMA: www.amamazigh.org مراجع: (1)- https://www.youtube.com/watch?v=Xnu6PIGn7EA (2)- www.france24.com/fr/info-en-continu/20211118-maroc-d%C3%A9couverte-de-parures-pr%C3%A9sent%C3%A9es-comme-les-plus-anciennes-au-monde (3)- https://amadalamazigh.press.ma/pdf/Origines.pdf (4)- www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/45/14/18/30753 (5)- https://youtu.be/hG81oimTD74 (6)- www.amadalamazigh.press.ma/archivesPDF/252.pdf