أسترازينيكا تعلن سحب لقاحها من الأسواق ل"أسباب تجارية"    مجلس الوزراء السعودي يوافق على مذكرة تفاهم مع المغرب في مجال الثروة المعدنية    الصين: انخفاض احتياطيات النقد الأجنبي في أبريل إلى 3,2 تريليون دولار    نادية فتاح تبحث مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية تمويل الحماية الاجتماعية بالمغرب    دالاس.. منصة "إفريقيا 50" تشيد بالتزام المغرب لفائدة التنمية بإفريقيا    مجلس جماعة فاس يقرر إقالة العمدة السابق حميد شباط من عضوية مجلسه    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    حرب غزة: هل يمضي نتنياهو قدما في اجتياح رفح أم يلتزم بالهدنة المقترحة؟    نور الدين مفتاح يكتب: ثورة الجامعات    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    المعتقل السياسي نبيل أحمجيق يتضامن من داخل زنزانته مع انتفاضة الطلاب العالمية لنصرة غزة    بنموسى…الوزارة ستحترم قرارات المجالس التأديبية التي ستتخذ في حق الأساتذة الموقوفين    طقس الأربعاء.. ارتفاع درجات الحرارة بهذه المناطق المغربية    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    الملك محمد السادس يتلقى رسالة خطية من الملك سلمان بن عبد العزيز    سائقو سيارات نقل البضائع بامزورن يؤسسون مكتبهم النقابي    وقفة احتجاجية بالرباط للمطالبة بإعادة فتح معبري رفح وكرم أبو سالم لإغاثة غزة    تفاصيل اختيار الكاف لحكم مباراة بركان والزمالك    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    المغرب التطواني ينهزم أمام مضيفه نهضة بركان    بوروسيا دورتموند يكرر فوزه على "سان جيرمان" وييلغ نهائي عصبة الأبطال للمرة الثالثة    طقس الأربعاء.. موجة حر تصل 44 درجة تضرب عدة مناطق مغربية    الملف المطلبي يدفع التنسيق النقابي لقطاع الصحة إلى تفعيل إضراب وطني    توقيف شخصين بأكادير للاشتباه في تورطهما في حيازة وترويج المخدرات الصلبة    توقعات لهبات رياح قوية نوعا ما فوق منطقة طنجة    باريس سان جيرمان يخطط للتعاقد مع نجم المنتخب المغربي    رئيس روسيا يأمر بمناورات نووية    قتلى وجرحى في هجوم بالصين    الجزائر تعاقب إسبانيا وتوظف ورقتها الضاغطة    الاتحاد الآسيوي يوقف حمد الله 3 مباريات    القرطاس تضرب فتيزنيت باش البوليس يسيطرو على مسلح نشر الرعب فالمديمة    وكالة تنمية اقاليم الشمال تعقد مجلسها الإداري ال12    نصف ساكنة السجون المغربية شباب.. وعدد المعتقلين يتجاوز 102 ألفا    حملة بيطرية تختتم "مهرجان الحمار"    إدارة إشبيلية تحتفي بالمدرب الركراكي    مجلس المستشارين يناقش حصيلة الحكومة    مطار أكادير المسيرة…ارتفاع بنسبة 23 في المائة في حركة النقل الجوي    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    وزير الصحة يعلن تسجيل أزيد من 32 ألف حالة مرض سل في المغرب    متلازمة رومهيلد .. مشاكل في القلب تحدث بسبب تراكم الغازات    غلاء ثمن دواء سرطان الثدي يسائل الحكومة    احتفاء المهرجان الدولي مسرح وثقافات بسنته ال 20 : كوميديا موسيقية ومسرح أمازيغي وعودة مسرح الحي، لتتويج هذا الاحتفاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تقرير رسمي: معدل الاكتظاظ بالسجون يبلغ 159% والسجناء قدموا 5153 شكاية خلال 2023    تارودانت ربيع المسرح في نسخته الثانية يكرم نزهة الركراكي    بمناسبة شهر التراث: ندوة في موضوع "دور الرواية في تثمين المواقع التراثية بالقصر الكبير"    إحداث أزيد من 16 ألف مقاولة جديدة في المغرب    فرقة "أتيز" الكورية تتصدر نجوم مهرجان موازين    سلسلة "اولاد إيزا" الكوميدية تثير غضب رجال التعليم وبنسعيد يرد    سيمانة قبل ما يبدا مهرجان كان.. دعوة ديال الإضراب موجهة لكاع العاملين فهاد الحدث السينمائي الكبير وها علاش    "العرندس" يتوج نفسه وينال جائزة الأفضل في رمضان    الدورة الثانية عشر لعملية تأطير الحجاج بإقليم الناظور    الأمثال العامية بتطوان... (591)    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    الأمثال العامية بتطوان... (589)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لهيب الصحراء - زائر منتصف الليل
نشر في الصحيفة يوم 17 - 11 - 2022


1. الرئيسية
2. لهيب الصحراء
لهيب الصحراء - زائر منتصف الليل
محمد الساحلي
الخميس 23 مارس 2023 - 19:31
رواية لهيب الصحراء هي حكاية عن مقاتل داعشي يراجع أفكاره خلال عملية بين ليبيا والمغرب حين يكتشف فساد أفكار داعش، وتحكم بعض الأنظمة العربية فيها. خلال رحلة أبي حفص عبر صحراء ليبيا، متوقفا في مخيمات تيندوف في الجزائر، يكتشف العلاقات السرية بين أمير داعش في ليبيا والمخابرات الجزائرية. يجد أبو حفص نفسه في مواجهة التناقضات التي يرزح تحتها الفكر الداعشي، وكيف أن القادة يصطادون الشباب مستغلين لحظات ضعفهم الإنسانية لملئ رؤوسهم بأفكار متطرفة وفاسدة. حين يقرر أبو حفص التخلي عن العملية والهروب من سجن أفكار داعش، يجد أمامه ضابطا من المخابرات الجزائرية لهما معا تاريخ مشترك، وعندها تبدأ المواجهة، ويشعل اللهيب في الصحراء.
الفصل الأول:
عاد أبو حفص إلى خيمته، وضع بندقيته الآلية جانبا، وألقى نظرة على ساعة يده ليجدها تشير إلى ما بعد منتصف الليل ببضعة دقائق.ç
لم يستطع أن يمنع نفسه من الانشغال بهذا الضيف الغريب.
الإضاءة الخافتة للمشاعل المتفرقة بين أرجاء مخيم التدريب لم تسمح له برؤية ملامح الضيف الذي بدا كأنه يتقصد التخفي بالظلال المترامية ما بين السيارة والخيمة. لم ير أبو حفص سوى ملابسه المدنية التي لم تفلح الظلال في إخفاء فخامتها الباذخة. حذاء يلمع رغم ضعف الإضاءة، بذلة أنيقة يظهر تحتها الانتفاخ المميز لجراب المسدس، وحقيبة يد رياضية مررها من يده اليمنى إلى اليسرى حين هم بمصافحة القائد.
طيلة الأشهر التي قضاها أبو حفص في هذا المعسكر المخصص لتدريب المجندين الجدد لم يأت أي زائر، إلا رسل الأمير إلى القائد الذين يأتون بالتموينات كل أسبوعين، ويجلسون في خيمة القائد وقتا وجيزا لا يتجاوز نصف الساعة ثم يغادرون فورا.
كذلك الضيف، لم يبق غير نصف ساعة قبل أن يسمع أبو حفص، المشتعل فضولا، صوت القائد يودعه، ثم الانطلاق شبه المكتوم لسيارة الجيب.
أراد أبو حفص أن يعود للنوم غير أنه استهلك ساعة من الليلة يتقلب في فراشه الخشن دون جدوى. قرر أخيرا أن يستسلم من محاولة جلب نوم تسرب في رمال صحراء فزان العطشى، فأشعل القنديل الزيتي وأمسك العدد الأخير من مجلة دابق يقلب ورقاتها الصقيلة دون أن يجد لديه الحماس الكافي لقراءة أي مقال، فمر سريعا على الصور التي تلمع فيها الدماء كأنها حية، ثم رمى المجلة إلى جانبه وعاد يستلقي على ظهره واضعا يداه تحت رأسه.
بعد ستة أشهر قضاها في المخيم مشاركا في تدريب المجندين الجدد، ناقلا إليهم خبراته في صنع المتفجرات، بدأ يشعر بالملل. الآن امتزج ذلك الملل مع شعور غير مفهوم بالقلق لزيارة الضيف الغامض، المتخفي بالظلال، الغريب والمألوف رغم ذلك. حين رآه أحس بثقل كئيب يضغط على صدره مع ارتفاع مباغت لدقات قلبه وانزلاق قطرات عرق باردة على ظهره، والآن ما عاد قادرا على التركيز في أي شيء ولا السيطرة على جحافل الأفكار المبهمة وغير المترابطة التي تمور بها بحار وعيه.
كان لا بد أن تهدأ أفكاره في لحظة ما، ويستكين جسده وينغلق جفناه. وكان لا بد أن يأتي مجددا ذلك الكابوس الذي صار يقض مضاجعه منذ أشهر.
كان الوقت فجرا، وبياض النهار بدأ يعلو خفيفا من تحت ستارة الليل. استدار المفتاح في القفل وانزلق المزلاج وتثاءب الباب. امتد الظل طويلا لملاك الموت الذي دخل بخطى متباطئة ذات وقع يتردد صداه في أذني أبي حفص دون توقف. حمل الظل الضخم أبا حفص، المستكين المستسلم المنهار، من تحت ذراعيه وأوقفه. صفد يديه وسلسل قدميه، ثم سحبه خارجا من الزنزانة إلى رواق ضيق تتوزع الزنازين على جانبيه، وتابع جره حتى خرجا إلى ساحة السجن، واستمر في جره، بذات الخطوات البطيئة الواثقة واللامبالية، حتى صعدا إلى منصة الإعدام، فأوقف رسول الجحيم أبا حفص تحت المشنقة، وانتظر الاثنان صعود الجلاد، القادم بدوره بذات الخطوات البطيئة الواثقة واللامبالية، وحين وصل مد حبل المشنقة وأدخل الأنشوطة في رأس أبي حفص وشدها جيدا على عنقه، ثم نزل السجان وتوجه الجلاد إلى الرافعة منتظرا إشارة مأمور السجن ليفتح فوهة الوحش تحت قدمي أبي حفص ويترك المشنقة تلتهم فطورها الصباحي. رأى أبو حفص، بعينين شبه مغمضتين تحت جفنين مثقلين، يد المأمور ترتفع بحركة بطيئة، بطيئة جدا، ورأى باقي السجناء الذين أخرجوا من زنازينهم لمشاهدة إعدامه، وسمعهم، وهو يرى حركات شفاههم البطيئة، يتلفظون بالتكبيرات، وتسربت إلى أذنيه تكبيرة أذان الفجر بصوت الأخ يونس.
انتفض أبو حفص من نومه وشهق. عض على شفته السفلى كاتما صرخته المتألمة وانقلب على جنبه الأيمن حتى استكان جسده من رجفته، ثم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، جفف جبينه المتفصد عرقا بظاهر يده، وقام يسكب بعض الماء في طست صغير.
توضأ سريعا وخرج ساهيا مبلبل الفكر مشغول البال، نحو الساحة وسط المخيم للصلاة خلف القائد.
سلم القائد في ختام الصلاة وارتعب أبو حفص حين انتبه أنه طيلة الصلاة كان زائغ الفكر شارد البال يقوم بحركات الصلاة دونما شعور ولا إحساس.
استدار القائد إلى المصلين يهم ببدء دعائه الصباحي حين رأى نقصا في الصف الثاني. صمت ومرر بصره على جميع الوجوه ثم قال: "ما لي أرى الأخ أسامة من الغائبين؟"
لم يحر أحدهم جوابا، فأطلق أمره الذي لا رد له، أن يأتوه به فورا، فنهض اثنان من الرجال توجها إلى خيمة واسعة، مخصصة للمجندين الجدد، وعادا بعد قليل والأخ أسامة بينهما، معصوب الرأس يمشي بخطوات بطيئة.
"لماذا تغيبت عن صلاة الفجر؟"
سأل القائد وتمتم الأخ أسامة بجواب لم يغادر شفتيه.
"ماذا تقول؟"
"عفوا سيدي القائد، أفقت محموما ولم أستطع النهوض من"
"محمولا أتيت الآن أم على قدميك؟"
"على قدمي سيدي."
اكفهر وجه القائد، اتسعت عيناه، ونهض نحو الأخ أسامة.
"أو لم تكن قدماك قادرتان على حملك لتصلي معنا الفجر؟"
لم ينتظر القائد جوابا، وتابع مخاطبا جميع رجاله: "يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزما من حطب ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليس بهم علة فأحرقها عليهم."
انتفض أبو حفص في جلسته وصرخ الأخ أسامة حين أشار القائد إلى حارسيه الشخصيين فقفز أحدهما يكبل الأخ أسامة بذراعيه القويتين وذهب الآخر يكوم حزمة الحطب.
استدارت عيني الأخ أسامة في محجريهما بحركات سريعة، وهو يصرخ طالبا الرحمة والمغفرة، من القائد ومن جميع الرجال. التقت نظرات استعطافه بنظرات أبي حفص الذي لم يستطع مقاومة شعور الشفقة، فرفع رأسه تجاه القائد وهمّ أن يفتح فمه لكن نظرات القائد الصارمة أخرسته تماما، فعاد يحني رأسه.
انتهى الحارس من تجميع كومة الحطب حول صارية مغروسة بين الصخور والرمال، وانظم إلى صاحبه لجر الأخ أسامة، الذي قاوم بضراوة وهو يقفز ويركل محاولا الافلات. لكن دون فائدة. قُيد في الأخير، ثم سكب عليه وعلى الحطب بنزين أزكم أنفه ولفح عينيه قبل أن تعلو ألسنة اللهب، وتنطلق صرخاته عاتية وهو يحاول عبثا التحرر من قيوده ويقفز في مكانه وينتفض دون جدوى.
أحس أبو حفص بالصرخات العالية تنخس جسده بأسياخ ملتهبة، وتلفت مذعورا في وجوه الرجال فلم ير سوى المتعة تطفح من عيونهم وشفاههم منفرجة عن ابتسامات شهوة لم يقدر على استيعابها. أرسل عينيه بحذر تجاه قائده فرأى العينان تلمعان، والشفتان مضمومتان بشدة، وباقي الوجه يطغى عليه الوجوم المعتاد.
مر الوقت بطيئا حتى همد الأخ أسامة وتوقف صراخه، ولم يعد يسمع في صمت المخيم سوى طقطقات الخشب المحترق. رأى أبو حفص ملامح القائد تستكين وخيل إليه أن شبح ابتسامة مر على شفتيه سريعا، قبل أن يستدير ويطيل النظر إليه، ثم يقول: "تعال معي إلى خيمتي." (يتبع)
الفصل الثاني: عملية بركان الحق!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.