حسن رامو الجمعة 14 نونبر 2025 - 1:47 مقترح الحكم الذاتي.. أي مسار تبنى مؤخرا مجلس الأمن القرار الحاسم والتاريخي 2797 والذي يعد تحولا كبيرا في ملف الصحراء بل وستكون له تداعيات كبيرة في الجغرافيا السياسية للمغرب الكبير وشمال افريقيا. يتضمن القرار الانطلاق من الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كأرضية للتفاوض دون شروط مسبقة بين الأطراف بصيغة الجمع (كما في النسخة الأصلية بالإنجليزية والنسخة الفرنسية المترجمة عكس بعض النسخ بالعربية التي تحيل الى وجود طرفين 02 ) وذلك قبل انتهاء ولاية المينورسو، مما سيفضي إلى حل سياسي ونهائي يوفر حكم ذاتيا في إطار الدولة المغربية . قبل هذ القرار، أشارت عدد من التقارير إلى ضرورة تفصيل المغرب لمبادرة الحكم الذاتي والتي اقترحت الاستناد إلى بعض النماذج الدولية (نموذج بولينيزيا أو نموذج اسكتلندا أو شكل الحكم الجهوي في اسبانيا). بتحليل هذه النماذج، يتضح أن النموذج الاسباني والاسكتلندي يوفران أرضية للتفكير والتكييف للتفصيل في المقترح المغربي باعتبارهما يمنحان صلاحيات معينة مع برلمان وحكومة محلية في إطار اختصاصات مفوضة من المركز وتحت السيادة الوطنية. بينما النموذج البولينيزي يحيل من الناحية الشكلية إلى مجال ترابي تم استعماره من طرف فرنسا ومنحت له صيغة الحكم الذاتي وفق صلاحيات حددها قانون 1996 وتم تحيينه 2004. وتتقاطع النماذج الثلاث في مؤسسات الحكم الذاتي من برلمان منتخب محليا وحكومة محلية مع اختصاصات محدودة مفوّضة من المركز وهو ما يمنح للساكنة حكم ذاتي حقيقي في إطار السيادة التي يمارسها المركز خاصة في أمور الدفاع والشؤون الخارجية والمالية العمومية والنظام القضائي. بعد تبني القرار من طرف مجلس الأمن، أعلن المغرب بصفة رسمية عن بدء المشاورات الهادفة إلى التفصيل في مقترح الحكم الذاتي المتعلق بحل نزاع الصحراء وذلك يوم الاثنين الماضي 10 نوفمبر 2025 . تعكس هذه الخطوات من قبل المغرب حرص جلالة الملك على استشارة الفاعلين السياسيين الحزبيين في هذه القضية المصيرية مع إشراكهم في تقديم تصورات ومقترحات بشأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي : كما تحيل الإشارات الأولى من تفصيل المقترح إلى ضرورة ملاءمة المقترح مع الخصوصية المغربية ورفض النماذج الجاهزة المستوردة. بالانخراط في هذا النقاش العمومي، يمكن الجزم بإمكانية الاستناد الى التجارب الدولية، لكن نعتقد بضرورة الرجوع إلى تاريخ وتراث المغرب في هذا المجال. منذ الفترة الادريسية والمرابطية الى الأسرة العلوية الشريفة، كانت مختلف الأسر الملكية الحاكمة في المغرب الأقصى تمنح للمجالات القبلية حكم ذاتي ينبني على البيعة الشرعية كعقد يربط القبائل بالسلطة المركزية . ووفق هذا العقد، كانت هناك مراسيم تعيين القياد من أفراد القبيلة كممثل السلطان مع تعيين حامية الجند (الأمن العام) وتعيين القضاة (السلطة القضائية) مع تحديد حجم المكوس والضرائب (المالية العمومية). بموزاة ذلك، يسمح للقائد المعين من القبيلة عأن يتشاور مع مجلس من الأعيان والنواب (البرلمان المحلي) والتي تختلف تسمياته من قبلية لأخرى (أيت أربعين، انفلاس، الجْماعة، الخ ) والذي يمارس سلطة تدبير الشؤون المحلية من تجارة و رعي وزارعة وتهيئة المؤسسات الجماعية (السواقي، الطريق، المسجد، الخ). وبالتالي فإن الاستناد للبعد التاريخي و نظام الحكم وطبيعة العلاقات التي كانت تربط العرش العلوي مع القبائل الصحراوية يمكن أن يساهم في تكريس السيادة المغربية على مقترح الحكم الذاتي بعيدا عن النماذج الأجنبية التي تنطبق أكثر، في جزء كبير منها، على المجالات التي خضت للاستعمار. ولتحيين المقترح المغربي يفترض التفصيل في عدد من القضايا: * أولا التفصيل في طبيعة المؤسسات التي يمكن أن تضطلع بالحكم الذاتي (مؤسسة تمثيلية جهوية، مؤسسة تنفيذية ، الخ) مع إمكانية الاستلهام من أشكال السلطة في المجتمع الصحراوي والتي كانت ترتبط بالسلطان المغربي عبر عقد البيعة الشرعية كما كان قبيل الإدارة الاستعمارية الاسبانية لتراب الصحراء المغربية * ثالثا التفصيل في الإطار العام لاختصاصات المؤسسات المقترحة وعلاقاتها بالسلطات المركزية، في إطار التشريع المغربي مما يفرض مراجعة عدد من القوانين. * التفصيل في كيفية توزيع الموارد المالية الضرورية لمواكبة الحكم الذاتي. طبعا، التفصيل في هذه الجوانب المؤسساتية والقانونية والإدارية والمالية يمكن أن تفرض مراجعة الدستور (جزئيا أو كلية) مما سيسمح للمغاربة، بمن فيهم أبناء الأقاليم الجنوبية أو من يمثلهم، بإقرار الحكم الذاتي دستوريا * ضرورة تحيين المقترح المقدم في 2007 وتكييف بعض جوانبه مع تغير الظروف الجيوسياسية والأمنية خاصة مع تنامي الإرهاب في دول الساحل والصحراء وانخراط بوليساريو في عدد من الأحداث الإرهابية. إذ أن تناسل المطالب بتصنيف بوليساريو منظمة إرهابية يستند إلى جرائم وانتهاكات قادة الانفصال منذ السبعينات من القرن الماضي، مما يفرض إدراج البعد الأمني والقضائي في مقترح الحكم الذاتي وذلك لمحاسبة من تلطخت أيديهم بجرائم ضد الإنسانية سواء ضد الأجانب الذين كانوا ضحية إرهاب بوليساريو (خاصة الاسبان والبرتغاليين والأمريكيين) او المغاربة من شمال الصحراء أو من الصحراويين انفسهم سواء في شرق الجدار الأمني بالمخيمات أو في غربه من حيث المضمون، يمكن تحيين مقترح الحكم الذاتي بمختلف التجارب الدولية المتعارف عليها من طرف الأممالمتحدة لكن من حيث الشكل هناك ضرورة لتكييف الحكم الذاتي مع الخصوصية المغربية وطبيعة العلاقات التي كانت تربط دوما القبائل الصحراوية بالعرش العلوي المجيد. كما أن هناك ضرورة لإدراج البعد القضائي في المقترح بالرغم إمكانية تبني العفو السياسي مع تحديد آليات العدالة الانتقالية بالأقاليم الجنوبية. باحث بالمرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية أستاذ جامعي في الجغرافيا السياسية- جامعة محمد الخامس الرباط الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة