عبد الحكيم العياط الثلاثاء 18 نونبر 2025 - 23:41 هل حان الوقت لإنهاء القطيعة بين المغرب والجزائر؟ تعيش العلاقات المغربية الجزائرية واحدة من أكثر مراحلها حساسية منذ عقود، لكن الأسابيع الأخيرة حملت إشارات توحي بأن الجمود الدبلوماسي قد لا يظل قدرا محتوما. القرار الأممي رقم 2797، الذي أعاد التأكيد على مركزية المسار السياسي واحترام التوازنات الإقليمية، لم يمرّ كإجراء تقني روتيني، بل فتح النقاش من جديد حول مستقبل منطقة المغرب الكبير وإمكانية كسر جدار القطيعة الذي استقر منذ غشت 2021. المغرب، الذي استقبل بنبرة إيجابية مضمون القرار الأممي، اعتبر أن مجلس الأمن تبنى مقاربة واقعية وبراغماتية تتوافق مع تصور الرباط للحل. أما الجزائر، ورغم خطابها الحذر، فقد تفاعلت بدورها مع القرار من خلال رسائل سياسية أقلّ حدّة من السنوات الماضية، في ما بدا أنه محاولة لترك هامش للمناورة أمام أي مسار محتمل لإعادة قراءة العلاقات الثنائية في ضوء التحولات الجيوسياسية الحالية . تطور آخر لا يقل أهمية هو تكليف واشنطن لمبعوث أمريكي خاص، آدم ويكتوف، بمهمة البحث عن مخرج دبلوماسي خلال مدة لا تتجاوز شهرين. هذا المعطى الجديد يكشف أن الإدارة الأمريكية ترفض استمرار القطيعة بين قوتين محوريتين في شمال إفريقيا، معتبرة أن الاستقرار الإقليمي لم يعد يحتمل المزيد من التجاذبات، خصوصا في ظل التوتر في منطقة الساحل، وتزايد مخاطر الفوضى، والحاجة الملحّة لصوت دولي قادر على إعادة هندسة ميزان القوى في المنطقة. اختيار ويكتوف لم يكن اعتباطيا. الرجل دبلوماسي بارع اشتغل في ملفات الشرق الأوسط وأفريقيا ويُعرف بقدرته على بناء توافقات صعبة بين أطراف متصارعة. الأمر الذي يشير إلى أن واشنطن تريد حوار مباشر، لا وساطات شكلية، ولا مسارات تقليدية يعاد تكرارها دون نتائج. ورغم أن الواقع السياسي يبدو معقدا، فإن عدد من المؤشرات الإقليمية تعزز من احتمال انفتاح النسق الدبلوماسي بين البلدين. أولها أن المنطقة دخلت مرحلة إعادة تشكيل تحالفاتها بعد الحرب في غزة والاصطفافات الدولية الجديدة، وثانيها أن القوى الكبرى باتت ترى في المغرب والجزائر فاعلين ضروريين لإعادة الاستقرار في الساحل وليبيا، وثالثها أن الضغوط الاقتصادية الداخلية في الجزائر والمغرب تجعل استمرار التوتر مكلفا وغير ذي جدوى على المدى المتوسط . ومن التطورات التي تستحق الوقوف عندها أن البيئة الدولية لم تعد تتسامح مع النزاعات الطويلة غير القابلة للحل. فالأمم المتحدة بدورها باتت تدفع نحو تسريع الخطوات العملية بدل الاكتفاء بالتقارير السنوية. القرار 2797 يعكس هذا التوجه، إذ جاء صارما في التأكيد على ضرورة العودة إلى الطاولة تحت سقف سياسي واضح، وهو ما يمنح الدبلوماسية الأمريكية قاعدة صلبة للتحرك . إضافة إلى ذلك، فإن هناك رغبة متزايدة لدى القوى الأوروبية لتخفيف التوترات في جنوب المتوسط، نظرا للهجرة والطاقات والتهديدات الأمنية. هذه المعادلة تجعل أي تقارب مغربي جزائري ليس فقط مسألة ثنائية، بل رهانا دوليا تتقاطع حوله مصالح متعددة، وهو ما يمنح واشنطن هامش واسع لتفعيل ضغطها الناعم على الطرفين. ولا يمكن إغفال أن المجتمع المدني والنخب الاقتصادية في البلدين بدأت تُظهر مؤخرا مواقف أقل تشنجا وأكثر واقعية. الخطاب المعادي بين الشعبين تراجع حدّته على مواقع التواصل الاجتماعي مقارنة ب2021 و2022، ما يعكس تغير بطيئ في المزاج العام، قد تستثمره الدبلوماسية لاحقا إذا توفرت الإرادة السياسية من أعلى مستوى. في هذا السياق تحديدا، يُفهم التحرك الأمريكي الجديد باعتباره محاولة لالتقاط اللحظة الدولية المناسبة، ومحاولة جعل نافذة الحوار ضيقة زمنيا حتى لا تُغلق مرة أخرى. فالتكليف الممنوح لويكتوف بإنجاز تقدم خلال شهرين فقط هو في حد ذاته رسالة بأن واشنطن تتعامل مع الملف باعتباره أولوية عاجلة وليس مجرد صدفة دبلوماسية. إجمالا، يمكن القول إن ملامح مشهد جديد بدأت تتشكل، لكنه مشهد هشّ وغير محسوم. ما تزال عوامل التعقيد قوية، وما تزال الحسابات الداخلية في كل بلد تتحكم في طريقة مقاربة الملف. لكن دخول الولاياتالمتحدة بثقلها، وصدور القرار الأممي 2797، وحدوث تغير نسبي في الخطاب الرسمي للطرفين كلها مؤشرات تدفع إلى التساؤل بجدية: هل نحن أمام بداية مسار طويل نحو إنهاء القطيعة، أم مجرد جولة أخرى من محاولات الوساطة التي ستتبدد دون أثر؟ الإجابة ستتضح في الأشهر القليلة المقبلة، وتحديدا بعد أن يضع المبعوث الأمريكي تقريره النهائي. لكن المؤكد أن الجمود لم يعد خيار مقبول دوليا ، وأن الرباطوالجزائر ستواجهان خلال الفترة المقبلة ضغطا غير مسبوق للجلوس – ولو بشكل غير مباشر – إلى طاولة تُعيد رسم مستقبل المنطقة برمتها. باحث جامعي في العلوم السياسية الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة