الرباط وبروكسيل نحو شراكة أعمق لمواجهة تحديات الساحل    ماكرون: الاعتراف بدولة فلسطين "واجب أخلاقي"    ترامب يلمّح إلى تجدد التوترات التجارية مع الصين    منافسة شرسة في تصفيات كأس محمد السادس للكراطي.. أبطال العالم يتنافسون على تذاكر النهائي    عقوبات ثقيلة في حق ثلاثة لاعبين بعد اعتدائهم على مصورين صحافيين    جلسة نارية في ملف سعيد الناصري بسبب فيلا كاليفورنيا    مصرع شاب من الحسيمة غرقاً أثناء الصيد بالغطس نواحي جماعة الرواضي    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية كرواتيا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المغرب يدرس امكانية احتضان سباقات "الفورمولا1" بمشروع تبلغ تكلفته أزيد من مليار دولار    "كان السيدات".. "الكاف" يكشف برنامج مباريات المنتخب المغربي في دور المجموعات    منتخبون من البام يهدون جمالا للعامل السابق لسيدي إفني بعد انتهاء مهامه على رأس الإقليم (صور)    "الفلاحي كاش" تعزز خدمات تحويل الأموال بشراكة استراتيجية مع "ريا" العالمية    أمطار رعدية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح اليوم الجمعة بعدد من مناطق المغرب    بسبب مسافرين مخمورين.. نزل طائرة متجهة نحو المغرب في البرتغال    بعضها كان في طريقه إلى طنجة.. ضبط سيارات فاخرة مسروقة بميناء الجزيرة الخضراء    حريق يلتهم ورشة تقليدية لصناعة الأواني والكراسي بطنجة البالية    سفراء البيئة والتنمية يبصمون على نجاح لافت للنسخة الثالثة من "مهرجان وزان الوطني للحايك"    نهائي المستبعدين.. إما أن يفكّ باريس لعنته أو يرسّخ إنتر اسمه بين عظماء القارة من جديد    دراسة: تغير المناخ يضيف شهرا من الحر الشديد لنصف سكان الكوكب    موجة الحرارة في المغرب تتجاوز المعدلات الموسمية بأكثر من 15 درجة    الريال يتعاقد مع المدافع الإنجليزي ألكسندر أرنولد حتى صيف 2031    الذهب يتكبد خسائر أسبوعية بنسبة 1.6 بالمئة مع صعود الدولار    النفط يتراجع مدفوعا بقلق متزايد حيال الرسوم الجمركية الأمريكية    كلفت 12 مليار سنتيم.. مطالب بالتحقيق في صفقات محطة مراكش الطرقية المغلقة    المغرب ينافس البرازيل والمكسيك وإسبانيا في مونديال الشباب    بطولة إيطاليا.. ماسيميليانو أليغري مدربا جديدا لميلان    المجموعة النيابية "للبيجيدي" تطالب بمناقشة منح شهادات مزورة لمهندسين بوجدة    السعودية تحذر إيران: إما التوصل إلى اتفاق نووي مع ترامب أو المخاطرة بضربة إسرائيلية    فيديوهات تقترب من الحقيقة .. تقنية "Veo-3" تثير قلق الخبراء بالمغرب    نتانياهو يخضع لفحص تنظير القولون    الأمم المتحدة تلغي آلاف الوظائف    333 مليون درهم لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من فيضانات ورزازات    منتدى حقوقي: منع الجمعيات من التبليغ عن الفساد نكسة دستورية توفر للفاسدين مزيدا من الحماية    مكافحة الغش في الامتحانات.. النيابة العامة بأكادير تضع 8 أشخاص تحت تدابير الحراسة النظرية    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "أنت مرآتي".. شاك تيسيث إنو : إقامة فنية بين الحسيمة وبروكسل تعكس تعددية الهويات    طنجة.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان الضفاف الثلاث    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    المغرب يشارك بلندن في الاحتفال بيوم إفريقيا    على هامش افتتاح معرض "العمران إكسبو".. أزيد 51 ألف شخص استفادوا من دعم السكن من أصل 136 ألف طلب (فيديو)    أجواء حارة في توقعات طقس الجمعة    شنغهاي: معرض الصين الدولي ي حدد اتجاهات جديدة في السياحة العالمية    السميرس: الحوامض فَقَدَ 40 ألف هكتار.. والوسطاء يُضرّون بالمنتِج والمستهلك    تنظيم الدولة الإسلامية يعلن مسؤوليته عن "أول هجوم" يستهدف القوات الحكومية السورية الجديدة منذ سقوط الأسد    الملك يعزي أسرة الفنانة نعيمة بوحمالة    الولايات المتحدة تلغي عقدا ب590 مليون دولار مع موديرنا لتطوير لقاح ضد إنفلونزا الطيور    ما لم يُذبح بعد    كابوس إسهال المسافرين .. الأسباب وسبل الوقاية    الإعلان عن تنظيم الدورة التاسعة للجائزة الوطنية لأمهر الصناع برسم سنة 2025    سؤال الأنوار وعوائق التنوير في العالم العربي الإسلامي    جائزة الملك فيصل تدشن في إسبانيا كتاب رياض الشعراء في قصور الحمراء    ضمنها تعزيز المناعة.. هذه فوائد شرب الماء من الأواني الفخارية    من تهافت الفلاسفة إلى "تهافت اللحامة"    بن كيران وسكر "ستيڤيا"    حمضي يعطي إرشادات ذهبية تقي من موجات الحرارة    موريتانيا تكشف حقيقة سقوط طائرة الحجاج    الخوف كوسيلة للهيمنة: كيف شوّه بعض رجال الدين صورة الله؟ بقلم // محمد بوفتاس    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    









ما كنت أحسبُ إيران بذاك الطيش
نشر في أسيف يوم 15 - 01 - 2007

د. فيصل القاسم كم كنا مغفلين في نظرتنا إلى إيران، فقد كان الساسة الإيرانيون، بالنسبة للكثير منا، رمزاً للتعقل، والحكمة، والدهاء، والانضباط، وهدوء الأعصاب، وقبل كل شيء، للتروي، والتأني، وعدم الاندفاع إلى تصرفات طائشة غير محسوبة، خاصة وأنهم مخترعو الشطرنج، لعبة الأذكياء والدهاة والمخططين الاستراتيجيين. فقد عُرف عن النفسية الفارسية أنها مجبولة على طول الأناة، كما هو واضح لدى صانعي السجاد العجمي الشهير، فهم شديدو الصبر وطويلو البال، بحيث يتنظرون سنيناً وسنيناً، دون كلل أو ملل، كي ينسجوا، بالخيط والإبرة، سجادة عجمية رائعة مليئة بالزخارف والتفاصيل الدقيقة والألوان والأشكال الساحرة والبديعة، بينما يميل العرب إلى الملل بسرعة. لكن لا أدري أين تبخرت فلهويتهم وكل تلك الصفات الشطرنجية التاريخية فجأة في السياسة الإيرانية عندما باركت المؤسسة الحاكمة في طهران فعلة أزلامها في العراق بإعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في أول أيام عيد الأضحى المبارك، والتمثيل بجثته، وسبه وشتمه بعبارات قذرة، وهو على حبل المشنقه، بينما كان صدام نفسه قد أوعز لوسائل الإعلام العراقية بعد موت الخميني بأن تستخدم عبارة "رحمة الله عليه".
لم يصدّق المعجبون بالحنكة الإيرانية تلك الهفوة القاتلة لدى الساسة الإيرانيين وأتباعهم، فربما يغفر البعض لإيران تحرقها لرؤية صدام حسين مشنوقاً كنوع من الثأر والانتقام، لا سيما وأنها قاتلته لمدة ثمانية أعوام طوال تكبدت خلالها مئات الألوف من الأرواح والخسائر الجسيمة. لكن لا شك أنها، كونها تحكم قبضتها على أتباعها من آل الحكيم والمالكي والصدر والجعفري المتحكمين برقبة العراق الجريح، كان بإمكانها أن تختار توقيتاً آخر أكثر حكمة وأقل ضرراً عليها وعلى المسلمين عامة، للاقتصاص من خصمها القديم، لا أن تقترف فعلة شنعاء لن يغفرها لها العرب، لا بل السنة أجمعون، لعشرات السنين بأن تشنقه في يوم مقدس بالنسبة للسواد الأعظم من المسلمين. لا أدري كيف وقعت إيران في ذلك الشرك الخطير، حتى لو كان أمريكياً خبيثاً، فقد عُرف عن الإيرانيين بأنهم أذكى من أن يسقطوا في الأفخاخ الأمريكية، مهما كانت منصوبة ببراعة ودهاء. لكنهم سقطوا هذه المرة سقوطاً مريعاً، ولو كنت مكان حكماء إيران لشنقت السياسيين الإيرانيين الذين باركوا إعدام الرئيس صدام حسين في يوم عيد الأضحى المبارك. وأرجو أن لا يتنطع أحدهم ليقول إن الإعدام كان شأناً عراقياً بحتاً، لأن هذه النكتة السمجة لا يمكن أن تمر حتى على تلاميذ المدارس أو المعتوهين عقلياً، فكلنا يعرف أن بإمكان إيران أن تومئ فقط لعبد العزيز الحكيم الذي أراد تعويضها مائة مليار دولار من قوت الشعب العراقي عن حربها مع العراق، أو قادة الميليشيات الفاشية كميليشيا الصدر التي نفذت حكم الإعدام باعتراف الحكومة العراقية، كي يؤجلوا الشنق، خاصة وأن الأمريكيين أكدوا بأنهم كانوا ضد الإعدام في ذلك اليوم المبارك. ولم نسمع تكذيباً إيرانياً للتصريحات الأمريكية بشأن الإعدام. وحتى لو كان السفير الأمريكي في العراق كاذباً ويريد أن يخلق فتنة بين الشيعة والسنة لا تحمد عقباها، فقد كان بإمكان الإيرانيين أن يمنعوا تنفيذ الحكم في أول أيام الأضحى تفادياً للتبعات الخطيرة التي سيدفعون ثمنها لعشرات السنين، وكي يسحبوا البساط من تحت بعض الأنظمة العربية التي يتهمونها الآن بالتحريض على الشيعة. عجيب أمر الإيرانيين فعلاً، فمن جهة يسيئون بطريقة بربرية إلى مشاعر أكثر من خمسة وثمانين بالمائة من مسلمي العالم، وهم السنة، ومن جهة أخرى يتهمون بعض الدول الإسلامية بالتحريض المذهبي على إيران، إذ يشتكي الإيرانيون وحلفاؤهم في المنطقة من أن هناك محاولات مكشوفة لدق أسافين وخلق فتنة بين الشيعة والسنة من قبل أمريكا وإسرائيل وبعض العرب. وقد يكون ذلك صحيحاً تماماً، لكن إذا كانت إيران لا تريد فعلاً إثارة الأحقاد بين الشيعة والسنة وتسعى إلى رص الصف الإسلامي ومنع اختراقه من قبل الصهاينة والأمريكيين كما تزعم، فلماذا إذن أقدمت على إعطاء الضوء الأخضر لأزلامها وميليشياتها في العراق كي تعدم صدام حسين في عيد الأضحى وتقديم الذرائع على طبق من ذهب لمن يريد تفتيت المسلمين على أساس مذهبي؟ إن حكاية إيران أشبه بحكاية الذي ضربني وبكى وسبقني واشتكى؟ هل يحق للإيرانيين أن يشتكوا من التحريض السني ضدهم إذا كانوا هم البادئين. أليس البادئ أظلم؟ ألم يصبح التحريض على إيران مبرراً بعد فعلة الأضحى المشينة؟ قد يكون صدام حسين بالنسبة للإيرانيين الشيطان بعينه، لكن هل يعلمون أنهم حولوه في عيون العرب والسنة إلى ولي صالح. فحتى بعض الكويتيين سامحه وتعاطف معه. لقد غفر الجميع لصدام كل ذنوبه بفضل "الحكمة" الإيرانية. ولو عرف الرئيس العراقي المغدور كيف غدا في أعين العالم الإسلامي بعد إعدامه لربما كال للإيرانيين وأزلامهم في العراق أطناناً من الثناء والمديح لما قدموه له من خدمة جليلة لم يكن يحلم بها قط. فقد وصل الأمر حتى بمعارضيه القدامى إلى تشبيه إعدام صدام باغتيال سيدنا عمر بن الخطاب على يد أبي لؤلؤة المجوسي. لا بل أعلن كثيرون بأن ضريحه سيصبح مزاراً مقدساً. ولو تُرك صدام عشرة أعوام أخرى لربما مات الرجل ميتة طبيعية دون ضجة تُذكر. أما وقد أعدمته إيران وعملاؤها بتلك الطريقة البشعة فإنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن كان قد خرج من التاريخ منذ سنين. كل ذلك بفضل "الحنكة" الفارسية "الفظيعة". لقد كان صدام حسين، من أشد الناس كرهاً وعداوة للفرس في حياته، ولربما كان يدعو عليهم كثيراً، فسمع الله منه بأن ألهمهم بالتواطؤ في إعدامه في عيد المسلمين الكبير حتى يظل عيد الأضحى مرتبطاً باسمه لعقود وعقود. لا أدري كيف حسبها الإيرانيون، ولا أدري لماذا ضحوا بشعبيتهم الهائلة في الشارع العربي مقابل إرضاء شهوة ثأر رخيصة وطائشة، فقبل أشهر قليلة فقط كانت إيران رمزاً للمقاومة والجهاد والإباء والتحدي بفضل دعمها لحركات المقاومة العربية كحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، بينما كانت شعبية الأنظمة العربية في الحضيض. وقد كان من حق الإيرانيين أن يفتخروا بالنصر المؤزر الذي حققه حزب الله على إسرائيل. أما الآن فقد تبخر ذلك النصر تماماً من الشارع العربي بفضل غباء من أمر بإعدام صدام والرقص فوق جثته. لا بل تحول الدعم الشعبي لحزب الله إلى نقمة هائلة على إيران وحلفائها في المنطقة العربية. وقد سمعت إناساً كثيرين يربطون بين العدو الفارسي والعدو الصهيوني بعد أن كانت إيران حتى شهور خلت رأس حربة في مواجهة المشروع الصهيوني والأمريكي في المنطقة. لقد سببت إيران إحراجاً كبيراً لكل من ساند مواقفها في الماضي. وقد سمعت من أناس كثيرين كانوا يدافعون عن إيران في الشارع العربي وقد انقلبوا عليها تماماً، وأصبحوا ينعتونها ب"الفارسية القذرة" بكثير من الاحتقار والبغضاء. ففي الشهور الأخيرة، كان أداء حزب الله في الحرب مع إسرائيل، مع تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وخطاباته وتحديه للإدارة الأمريكية وإصراره على استكمال عملية تخصيب اليورانيوم، كان يبعث العزة والكرامة في نفوس ملايين العرب والمسلمين، إلاّ أنّ مشهد إعدام صدام قلب الطاولة على إيران لفترة قد تطول كثيراً جداً، ناهيك عن الإساءة الرهيبة لحزب الله الذي خسر جزءاً كبيراً من الشارع، بدليل أن أكبر مؤيديه في الأردن مثلاً قاطعوا قناة المنار التي كانت تحظى بشعبية كبرى في الشارع العربي. لقد دمر الإيرانيون بروحهم الانتقامية أشهر حركة مقاومة عربية بعد أن كانت مالئة الدنيا وشاغلة البشر، لا بل قلبوا الناس عليها. وكم تمنيت لو أصدر حزب الله بياناً يدين فيه ليس الإعدام بحد ذاته، بل الطريقة التي تم فيها وتوقيته الخطير.ومهما تعددت الإجابات، كما يجادل محمد أبو رمان، فإن ما هو واضح أن صورة إعدام صدام ستكلف إيران الكثير في المرحلة القادمة، وستجعل من مصداقيتها ضعيفة للغاية، وستضر أيضاً بصورة القوى الموالية لها في مختلف الدول، فضلاً أنها كشفت عن الروح "الفارسية- القومية" التي تصبغ سياسة إيران الخارجية ومواقفها المختلفة بعيداً عن دعاوى العداء لأميركا وإسرائيل التي توظف فقط لخدمة مصالح إيران. أبعد من ذلك فإن صورة إعدام صدام وما ولدته من تداعيات تشكل إحراجاً كبيراً لحلفاء إيران في المنطقة كحماس والجهاد وسورية والعديد من الفصائل الإسلامية وكذلك القوى السياسية والشعبية - في الدول العربية - التي وقفت مع حزب الله وكانت تدعو حكوماتها إلى "تبديل" تحالفاتها للوقوف مع إيران بدلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل، فهذه القوى تمر بحالة حرج شديد، شبيه بحرج النظم العربية الصديقة للولايات المتحدة من سياساتها في المنطقة. إن من أراد أن يشفي غليله بشنق صدام حسين في أول أيام الأضحى المباركة أشبه بذاك الأحمق الشبق الذي أرضى شهوته الرخيصة دون أن يعلم بأنه أصيب بعدها بمرض خطير. 14/1/2007حركة القوميين العرب

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.