المعرض الجهوي للصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني يقام بساحة باب البحر بالعرائش    افتتاح التسجيل في المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي    "طقوس الحظ" إصدار جديد للكاتب رشيد الصويلحي"    "الشرفة الأطلسية: ذاكرة مدينة تُباد باسم التنمية": فقدان شبه تام لهوية المكان وروحه الجمالية    المشاريع الصغيرة تستفيد من دعم السياحة بعد إلغاء شرط المليون درهم    أخنوش يستعرض بالبرلمان خطة الإنعاش الاقتصادي والإصلاح في ظل "الإرث الصعب"    مباحثات مغربية فلسطينية حول تداعيات الحصار الإسرائيلي    مورسيا تحقق في "جرائم الكراهية"    أخنوش: الحكومة واجهت ظروفا اقتصادية صعبة ونجحت في تحسين النمو وخفض التضخم    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    الدريوش: منظومة التكوين البحري رافعة أساسية لتأهيل الكفاءات وتعزيز الاقتصاد الأزرق    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    وفاة معتصم "شاطو" أولاد يوسف بعد قفزه من خزان مياه واحتجازه عنصرًا من الوقاية المدنية    موجة حر شديد تجتاح المملكة من الإثنين إلى الجمعة    إنقاذ فتاة قاصر من الغرق بشاطئ الصفيحة بأجدير    نشطاء يحرّكون ملف الطرد من الجزائر    مجلس النواب يصادق على تعديل قانون الوكالة الوطنية للمياه والغابات    إحداث "مؤسسة المغرب 2030" يوحد الأغلبية والمعارضة في مجلس النواب    تنظيم حفل بمناسبة انتهاء مدة الخدمة العسكرية للفوج ال39 من المجندات والمجندين بالقاعدة الأولى للبحرية الملكية بالدار البيضاء    بالأغلبية.. مجلس النواب يقرّ مشروع قانون إحداث مؤسسة "المغرب 2030"    الاحتفال بالذكرى ال50 لإرسال البعثة الصينية الصحية إلى المملكة المغربية    إسرائيل تشن غارات في سوريا بدعوى "حماية الدروز" من القوات الحكومية    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    وزارة الفلاحة تدافع عن جمعية مربي الأغنام والماعز وتؤكد أن حساباتها تُدقَّق سنويا    تضامن واسع مع الإخوة الشبلي بعد حبسهما بسبب مطالبتهما بكشف ملابسات وفاة أخيهما    لامين جمال يثير تفاعلاً واسعاً بسبب استعانته ب"فنانين قصار القامة" في حفل عيد ميلاده    تحت قيادة جلالة الملك، المغرب يرسخ مساره التنموي في احترام تام لهويته بروافدها المتعددة (رئيس دائرة غولوا)    حجز أزيد من 37 ألف قرص مخدر وتوقيف ثلاثة متورطين في ترويج المؤثرات العقلية    فيضانات تجتاح نيويورك ونيوجيرزي جراء أمطار غزيرة    وفاة أكبر عداء ماراثون في العالم عن عمر يناهز 114 عاما    حكيمي يختتم الموسم بتدوينة مؤثرة    المغرب نموذج للتحديث المؤسساتي والتنمية الاقتصادية (ثاباتيرو)    موجة حرّ شديدة وأجواء غير مستقرة بعدد من مناطق المملكة    تقارير أرجنتينية.. المغرب وقطر والبرازيل في سباق محتدم لتنظيم كأس العالم للأندية 2029    بورصة البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    قارئ شفاه يكشف ما قاله لاعب تشيلسي عن ترامب أثناء التتويج    "فيفا": الخسارة في نهائي مونديال الأندية لن يحول دون زيادة شعبية سان جيرمان    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    فرانكو ماستانتونو: مكالمة ألونسو حفزتني.. ولا أهتم بالكرة الذهبية    إسبانيا: توقيف عشرة أشخاص إثر اشتباكات بين متطرفين يمينيين ومهاجرين من شمال أفريقيا    كيوسك الثلاثاء | توجه جديد لتقنين استعمال الهواتف داخل المؤسسات التعليمية    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    اليونسكو تُدرج "مقابر شيشيا" الإمبراطورية ضمن قائمة التراث العالمي... الصين تواصل ترسيخ إرثها الحضاري    الصين تواكب المغرب في إطلاق الجيل الخامس: فتح باب التراخيص يعزز الشراكة التكنولوجية بين الرباط وبكين    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي        الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    لأول مرة.. دراسة تكشف تسلل البلاستيك إلى مبايض النساء    وفاة مؤثرة مغربية بعد مضاعفات جراحة في تركيا تشعل جدلا حول سلامة عمليات التخسيس    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما كنت أحسبُ إيران بذاك الطيش
نشر في أسيف يوم 15 - 01 - 2007

د. فيصل القاسم كم كنا مغفلين في نظرتنا إلى إيران، فقد كان الساسة الإيرانيون، بالنسبة للكثير منا، رمزاً للتعقل، والحكمة، والدهاء، والانضباط، وهدوء الأعصاب، وقبل كل شيء، للتروي، والتأني، وعدم الاندفاع إلى تصرفات طائشة غير محسوبة، خاصة وأنهم مخترعو الشطرنج، لعبة الأذكياء والدهاة والمخططين الاستراتيجيين. فقد عُرف عن النفسية الفارسية أنها مجبولة على طول الأناة، كما هو واضح لدى صانعي السجاد العجمي الشهير، فهم شديدو الصبر وطويلو البال، بحيث يتنظرون سنيناً وسنيناً، دون كلل أو ملل، كي ينسجوا، بالخيط والإبرة، سجادة عجمية رائعة مليئة بالزخارف والتفاصيل الدقيقة والألوان والأشكال الساحرة والبديعة، بينما يميل العرب إلى الملل بسرعة. لكن لا أدري أين تبخرت فلهويتهم وكل تلك الصفات الشطرنجية التاريخية فجأة في السياسة الإيرانية عندما باركت المؤسسة الحاكمة في طهران فعلة أزلامها في العراق بإعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في أول أيام عيد الأضحى المبارك، والتمثيل بجثته، وسبه وشتمه بعبارات قذرة، وهو على حبل المشنقه، بينما كان صدام نفسه قد أوعز لوسائل الإعلام العراقية بعد موت الخميني بأن تستخدم عبارة "رحمة الله عليه".
لم يصدّق المعجبون بالحنكة الإيرانية تلك الهفوة القاتلة لدى الساسة الإيرانيين وأتباعهم، فربما يغفر البعض لإيران تحرقها لرؤية صدام حسين مشنوقاً كنوع من الثأر والانتقام، لا سيما وأنها قاتلته لمدة ثمانية أعوام طوال تكبدت خلالها مئات الألوف من الأرواح والخسائر الجسيمة. لكن لا شك أنها، كونها تحكم قبضتها على أتباعها من آل الحكيم والمالكي والصدر والجعفري المتحكمين برقبة العراق الجريح، كان بإمكانها أن تختار توقيتاً آخر أكثر حكمة وأقل ضرراً عليها وعلى المسلمين عامة، للاقتصاص من خصمها القديم، لا أن تقترف فعلة شنعاء لن يغفرها لها العرب، لا بل السنة أجمعون، لعشرات السنين بأن تشنقه في يوم مقدس بالنسبة للسواد الأعظم من المسلمين. لا أدري كيف وقعت إيران في ذلك الشرك الخطير، حتى لو كان أمريكياً خبيثاً، فقد عُرف عن الإيرانيين بأنهم أذكى من أن يسقطوا في الأفخاخ الأمريكية، مهما كانت منصوبة ببراعة ودهاء. لكنهم سقطوا هذه المرة سقوطاً مريعاً، ولو كنت مكان حكماء إيران لشنقت السياسيين الإيرانيين الذين باركوا إعدام الرئيس صدام حسين في يوم عيد الأضحى المبارك. وأرجو أن لا يتنطع أحدهم ليقول إن الإعدام كان شأناً عراقياً بحتاً، لأن هذه النكتة السمجة لا يمكن أن تمر حتى على تلاميذ المدارس أو المعتوهين عقلياً، فكلنا يعرف أن بإمكان إيران أن تومئ فقط لعبد العزيز الحكيم الذي أراد تعويضها مائة مليار دولار من قوت الشعب العراقي عن حربها مع العراق، أو قادة الميليشيات الفاشية كميليشيا الصدر التي نفذت حكم الإعدام باعتراف الحكومة العراقية، كي يؤجلوا الشنق، خاصة وأن الأمريكيين أكدوا بأنهم كانوا ضد الإعدام في ذلك اليوم المبارك. ولم نسمع تكذيباً إيرانياً للتصريحات الأمريكية بشأن الإعدام. وحتى لو كان السفير الأمريكي في العراق كاذباً ويريد أن يخلق فتنة بين الشيعة والسنة لا تحمد عقباها، فقد كان بإمكان الإيرانيين أن يمنعوا تنفيذ الحكم في أول أيام الأضحى تفادياً للتبعات الخطيرة التي سيدفعون ثمنها لعشرات السنين، وكي يسحبوا البساط من تحت بعض الأنظمة العربية التي يتهمونها الآن بالتحريض على الشيعة. عجيب أمر الإيرانيين فعلاً، فمن جهة يسيئون بطريقة بربرية إلى مشاعر أكثر من خمسة وثمانين بالمائة من مسلمي العالم، وهم السنة، ومن جهة أخرى يتهمون بعض الدول الإسلامية بالتحريض المذهبي على إيران، إذ يشتكي الإيرانيون وحلفاؤهم في المنطقة من أن هناك محاولات مكشوفة لدق أسافين وخلق فتنة بين الشيعة والسنة من قبل أمريكا وإسرائيل وبعض العرب. وقد يكون ذلك صحيحاً تماماً، لكن إذا كانت إيران لا تريد فعلاً إثارة الأحقاد بين الشيعة والسنة وتسعى إلى رص الصف الإسلامي ومنع اختراقه من قبل الصهاينة والأمريكيين كما تزعم، فلماذا إذن أقدمت على إعطاء الضوء الأخضر لأزلامها وميليشياتها في العراق كي تعدم صدام حسين في عيد الأضحى وتقديم الذرائع على طبق من ذهب لمن يريد تفتيت المسلمين على أساس مذهبي؟ إن حكاية إيران أشبه بحكاية الذي ضربني وبكى وسبقني واشتكى؟ هل يحق للإيرانيين أن يشتكوا من التحريض السني ضدهم إذا كانوا هم البادئين. أليس البادئ أظلم؟ ألم يصبح التحريض على إيران مبرراً بعد فعلة الأضحى المشينة؟ قد يكون صدام حسين بالنسبة للإيرانيين الشيطان بعينه، لكن هل يعلمون أنهم حولوه في عيون العرب والسنة إلى ولي صالح. فحتى بعض الكويتيين سامحه وتعاطف معه. لقد غفر الجميع لصدام كل ذنوبه بفضل "الحكمة" الإيرانية. ولو عرف الرئيس العراقي المغدور كيف غدا في أعين العالم الإسلامي بعد إعدامه لربما كال للإيرانيين وأزلامهم في العراق أطناناً من الثناء والمديح لما قدموه له من خدمة جليلة لم يكن يحلم بها قط. فقد وصل الأمر حتى بمعارضيه القدامى إلى تشبيه إعدام صدام باغتيال سيدنا عمر بن الخطاب على يد أبي لؤلؤة المجوسي. لا بل أعلن كثيرون بأن ضريحه سيصبح مزاراً مقدساً. ولو تُرك صدام عشرة أعوام أخرى لربما مات الرجل ميتة طبيعية دون ضجة تُذكر. أما وقد أعدمته إيران وعملاؤها بتلك الطريقة البشعة فإنه دخل التاريخ من أوسع أبوابه بعد أن كان قد خرج من التاريخ منذ سنين. كل ذلك بفضل "الحنكة" الفارسية "الفظيعة". لقد كان صدام حسين، من أشد الناس كرهاً وعداوة للفرس في حياته، ولربما كان يدعو عليهم كثيراً، فسمع الله منه بأن ألهمهم بالتواطؤ في إعدامه في عيد المسلمين الكبير حتى يظل عيد الأضحى مرتبطاً باسمه لعقود وعقود. لا أدري كيف حسبها الإيرانيون، ولا أدري لماذا ضحوا بشعبيتهم الهائلة في الشارع العربي مقابل إرضاء شهوة ثأر رخيصة وطائشة، فقبل أشهر قليلة فقط كانت إيران رمزاً للمقاومة والجهاد والإباء والتحدي بفضل دعمها لحركات المقاومة العربية كحزب الله في لبنان وحماس في فلسطين، بينما كانت شعبية الأنظمة العربية في الحضيض. وقد كان من حق الإيرانيين أن يفتخروا بالنصر المؤزر الذي حققه حزب الله على إسرائيل. أما الآن فقد تبخر ذلك النصر تماماً من الشارع العربي بفضل غباء من أمر بإعدام صدام والرقص فوق جثته. لا بل تحول الدعم الشعبي لحزب الله إلى نقمة هائلة على إيران وحلفائها في المنطقة العربية. وقد سمعت إناساً كثيرين يربطون بين العدو الفارسي والعدو الصهيوني بعد أن كانت إيران حتى شهور خلت رأس حربة في مواجهة المشروع الصهيوني والأمريكي في المنطقة. لقد سببت إيران إحراجاً كبيراً لكل من ساند مواقفها في الماضي. وقد سمعت من أناس كثيرين كانوا يدافعون عن إيران في الشارع العربي وقد انقلبوا عليها تماماً، وأصبحوا ينعتونها ب"الفارسية القذرة" بكثير من الاحتقار والبغضاء. ففي الشهور الأخيرة، كان أداء حزب الله في الحرب مع إسرائيل، مع تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وخطاباته وتحديه للإدارة الأمريكية وإصراره على استكمال عملية تخصيب اليورانيوم، كان يبعث العزة والكرامة في نفوس ملايين العرب والمسلمين، إلاّ أنّ مشهد إعدام صدام قلب الطاولة على إيران لفترة قد تطول كثيراً جداً، ناهيك عن الإساءة الرهيبة لحزب الله الذي خسر جزءاً كبيراً من الشارع، بدليل أن أكبر مؤيديه في الأردن مثلاً قاطعوا قناة المنار التي كانت تحظى بشعبية كبرى في الشارع العربي. لقد دمر الإيرانيون بروحهم الانتقامية أشهر حركة مقاومة عربية بعد أن كانت مالئة الدنيا وشاغلة البشر، لا بل قلبوا الناس عليها. وكم تمنيت لو أصدر حزب الله بياناً يدين فيه ليس الإعدام بحد ذاته، بل الطريقة التي تم فيها وتوقيته الخطير.ومهما تعددت الإجابات، كما يجادل محمد أبو رمان، فإن ما هو واضح أن صورة إعدام صدام ستكلف إيران الكثير في المرحلة القادمة، وستجعل من مصداقيتها ضعيفة للغاية، وستضر أيضاً بصورة القوى الموالية لها في مختلف الدول، فضلاً أنها كشفت عن الروح "الفارسية- القومية" التي تصبغ سياسة إيران الخارجية ومواقفها المختلفة بعيداً عن دعاوى العداء لأميركا وإسرائيل التي توظف فقط لخدمة مصالح إيران. أبعد من ذلك فإن صورة إعدام صدام وما ولدته من تداعيات تشكل إحراجاً كبيراً لحلفاء إيران في المنطقة كحماس والجهاد وسورية والعديد من الفصائل الإسلامية وكذلك القوى السياسية والشعبية - في الدول العربية - التي وقفت مع حزب الله وكانت تدعو حكوماتها إلى "تبديل" تحالفاتها للوقوف مع إيران بدلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل، فهذه القوى تمر بحالة حرج شديد، شبيه بحرج النظم العربية الصديقة للولايات المتحدة من سياساتها في المنطقة. إن من أراد أن يشفي غليله بشنق صدام حسين في أول أيام الأضحى المباركة أشبه بذاك الأحمق الشبق الذي أرضى شهوته الرخيصة دون أن يعلم بأنه أصيب بعدها بمرض خطير. 14/1/2007حركة القوميين العرب

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.