بوروندي تجدد تأكيد دعمها للوحدة الترابية للمغرب ولسيادة المملكة على صحرائها    مبيعات الإسمنت تجاوزت 4.52 مليون طن عند نهاية أبريل الماضي    المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس يستقبل مولودا في حالة صحية حرجة بعد نقله جوا من الداخلة    القضاء يمنع مصطفى لخصم من مغادرة التراب الوطني بعد متابعته بتهمة تبديد المال العام    محطة كهرباء في الجهة الشرقية تدعم أهداف المغرب للطاقة المستدامة    بارو: فرنسا سترد على الجزائر بحزم    تتويج أشرف حكيمي بجائزة أفضل لاعب إفريقي بالدوري الفرنسي    انعقاد عاجل للمجلس الوزاري يُغيّب أخنوش عن جلسة المساءلة في البرلمان    توتر وطني في قطاع المقاهي بسبب الرسوم.. هل تصل شرارته إلى الناظور؟    الاستثمارات الصينية في المغرب تجاوزت حاجز 10 مليارات دولار    نيسان تعلن تسريح 20 ألف موظف عالميا لمواجهة أزمتها المالية    أمريكا والصين تتفقان على خفض الرسوم الجمركية وتهدئة التوتر التجاري    إحباط عملية تهريب كبيرة لمخدر الشيرا بأكادير    نداء العيون-الساقية الحمراء: الدعوة لتأسيس نهضة فكرية وتنموية في إفريقيا    ترامب يشيد بالحصول على طائرة رئاسية فاخرة من قطر    بنعلي يطالب ب"الفهم النبيل للسياسة"    بنهاشم ينهي مهمته كمدرب مؤقت للوداد ويعود إلى الإدارة الرياضية    أشرف حكيمي يتوج بجائزة "فيفيان فوي" كأفضل لاعب أفريقي في "الليغ 1"    مبابي يحطم رقم زامورانو القياسي    الرجاء يحتفي بأطفال مدينة الداخلة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الحكومة تؤكد أهمية التحولات التكنولوجية في تدبير المؤسسات السجنية    بلجيكا تحيي ذكرى معركة "جومبلو" وسط تكريم بطولات الجنود المغاربة في الدفاع عن حرية أوروبا    شركة الدار البيضاء للخدمات تنفي توقف المجازر في عيد الأضحى    حريق مهول يلتهم قيسارية عريقة في بني ملال وخسائر مادية جسيمة دون إصابات    أمطار رعدية محتملة في العديد من مناطق المغرب    حزب العمال الكردستاني يعلن حل نفسه وإنهاء الصراع المسلح مع تركيا    ماذا نعرف عن أسباب وأعراض متلازمة مخرج الصدر؟    النفط يرتفع أكثر من 3% متأثرا بالتفاهم التجاري بين أمريكا والصين    "كان الشباب".. الناخب الوطني: طموح أشبال الأطلس "الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة"    فضيحة تدفع مسؤولا بالأمن القومي في السويد للاستقالة بعد ساعات من تعيينه    نعيمة بن يحيى تترأس المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بالعرائش    الجيش الملكي يتأهل لعصبة الأبطال الإفريقية    كيوسك الاثنين | 86 ألف تاجر متجول استفادوا من برنامج إدماج التجارة الجائلة    هذه هي حقيقة توقف مجازر الدار البيضاء في عيد الأضحى    حماس ستفرج عن الرهينة الإسرائيلي-الأميركي الإثنين بعد اتصالات مع واشنطن    المتسلقون يتوافدون على "إيفرست" قبل الزيادة في الرسوم    الآلاف يتظاهرون في باريس للتنديد بتصاعد الإسلاموفوبيا في البلاد    تكوين جمعيات في مجال تعزيز قدرات الفاعلين المدنيين في للترافع حول قضايا الشباب    بطولة فرنسا.. ديمبيليه يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري    ندوة علمية بالحسيمة تسلط الضوء على التراث الثقافي بإبقوين ورهانات التنمية السياحية    "ريمالد" تنشر لعثماني عن الحكومة    آلاف المتظاهرين في طنجة يطالبون بوقف حصار غزة وفتح المعابر للمساعدات الإنسانية    المغرب والصين: تعاون استراتيجي يثمر في التصنيع والطاقة الخضراء    اختتام فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة(فيديو)    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرية بتاء مبسوطة
نشر في التجديد يوم 13 - 06 - 2014

بين شباب مضى غير مأسوف عليه و رجولة لم يحفل بها أحد، يراودني حنين إلى طفولة مفقودة، مستجديا ذاكرتي المشبعة بمشاغل الحياة أن تجود بذكرى و تفاصيل ذاك الطفل، شخصياته، رسوماته، وأحلامه الوردية ببطولاتها الوهمية ، على أمل أن أجد فيها شيئا من هذا الرجل.... وبين التذكر والنسيان أفقد أحلام الطفل و حقيقة الرجل ليضيع بداخلي معنى الانسان، وتذرف عيناي دمعا خفيفا و يأخذ صدري نفسا عميقا حين تسعفني ذاكرتي و تعبر بي لأول لقاء لي مع " الحرية " وكيف راقني مفهومها والمعلم يشرحها لنا وفي عينيه حسرة دفينة غامضة.
قال:" إنها ضد القيد و الأسر والسجن ضد العبودية و الاستبداد، إنها مبتغى كل انسان فهي تجعله لا يخضع لقهر أو قيد أو غلبة جاه أو سلطان، لأنها فطرية فينا حيث ولدتنا أمهاتنا أحرارا و هي أصل كرامتنا و وجودنا...."
حينهاو أنا طفل وجدت في نفسي شيئا من هذا المعنى و أحسست أني فهمت الدرس جيدا".
في حصة الإملاء طلب منا المعلم أن نكتب على الألواح كلمة "حرية" ، فكتبتها معرفة و بتاء مبسوطة ، كتبت " الحريت " ثم رفعت لوحتي دون انتظار الإذن من المعلم كما عودنا دائما،نظر إلى لوحتي باحتقار و سخرية و أمرني أن أقوم إلى السبورة و ارفع لوحتي أمام زملائي، وبعد ها خاطبهم صارخا:" أهذا صحيح؟؟؟"
أجاب الجميع بصوت مرتفع:" لالالا يا أستاذ خطأ".
وبعد أن أخذ الشرعية التي لا يحتاجها من صراخهم، صفعني و هو يقول: " هل أنت أصم؟... أنا قلت "حرية" نكرة بدون تعريف فلم كتبتها معرفة؟"
ومع أن سؤاله كان استنكاريا لم ينتظر عليه جوابا قلت بصوت متقطع و حشرجة تواري البكاء الذي لم أشأ أن أعلنه أمام زملائي عزة وأنفة :" أستاذ…لم أظن أنك ستطلبها منا نكرة و أنت الذي شرحت أننا نعرفها منذ ولادتنا و أن الله أودعها فينا بالفطرة و ليس لها أوجه متعددة فهي نفسها في كل مكان و زمان و عند كل الشعوب والأمم معروفة و معناها ثابت لا يقبل التأويل فلماذا تطلبها نكرة إذن؟
قال بصوت عال محرَجا و هو يعاود صفعي على الخد الاخر، حين رأى في أعين التلاميذ ما لم يعجبه بعد أن تكلمت في غير موضع الكلام و أجبت حينما لا يُستحب الجواب ، قال :" فلماذا كتبتها بتاء مبسوطة؟"
لم تجبه دموعي التي تنهمر على خدي الأحمر في صمت، و بصوت يعتريه الارتباك من ضعف الألم و قوة الإصرار، وبالرغم من أن سؤاله كان استنكاريا مرة أخرى إلا أني أجبت و قلت: لم أشأ يا أستاذي العزيز أن أربط تاءها بعد ما رأيت في عينك ألما و أنت تخبرنا أنهم جعلوها تمثالا من حجر مسلوب الإرادة يتبرأ منه اسم الحرية، و أنت الذي شرحت لنا أنها لا ترضى القيود و الأغلال و السلاسل لأنها تحارب كل أشكال القهر و العبودية ، فهي تبقى أبية شامخة، لا تخضع لتهديد أو مساومة لأن جوهرها صاف أصله التحرر و الترفع عن ضيق الزمان و المكان ، أنها شمس تشرق في كل النفوس تُحَس و لا تُدرس، يحس من ذاق طعمها نفسَه عفيفة زكية تأبى دونها المنية، فعز علي بعد هذا كله ربط تائها فجعلتها حرة طليقة و كتبتها بتاء مبسوطة.
خيم صمت رهيب على القسم. و بعيون ملؤها الحيرة و الاصرار على تصحيح خطئي تابع المعلم أسئلته، لكن هذه المرة دون صفع ولم تكن استنكارية فقال لي : "ألم أشرح لك يا بني أن التاء المبسوطة ميزة للأفعال؟ !!"
بعفوية الأطفال و بدموع تنهمر استفزها هذه المرة حنان و رنة صوته لا قسوته، أجبته : " بلى أستاذ لكن ظننت أنها أصل كل الافعال فلا فعل يتم بدونها، و كيف للفعل أن يكون دون حرية ؟ فظننت أن خصائص الأفعال من خصائصها؟ !!"
عاد الصمت ليخيم من جديد، و الاستفهام يغزو عيون التلاميذ فبدأ بعضهم يجرب كتابتها على ألواحه كما كتبتها معرفة و بتاء مبسوطة ، رأيت الاستاذ حينها و قد جن جنونه و هو يصرخ: " لا لا .... الحرية بتاء مربوطة، لا بأس من تعريفها فأنا أمليتها نكرة لأني فقدت شيئا منها، لكن تاءها مربوطة، هكذا تعلمناها وهكذا ستجدونها في كل المعاجم". التفتَ إلي مردفا: " لن يعذرك و لن يقتنع بكلامك أحد، أعتذريا بنيَ إن كنت عاقبتك و أنا المخطئ حين شرحت لك معنها بتاء مبسوطة، و هي تكتب بتاء مربوطة. فصحح خطأك يا بني على لوحتك و اتركه في أعماقك..."
قلت له:" هل تسمح لي أن أصححها بلون أحمر يا أستاذ ؟ "
قال: "لا بأس ..."
عدت إلى مكاني بعد أن كتبتها بتاء مربوطة و بلون أحمر دون تعريف.
نظر إلى لوحتي و بصوت يائس كمن فقد حبيبا عزيزا لا يأمل عودته خاطبني : " أتركها معرفة لا بأس"
قلت : "لا... فقد فقدت بعضا منها"
ابتسم ليواري حزنا عميقا رسمته أعينه على جبينه و لم يعقب.
قال مخاطبا الكل: "خذوا التصحيح في دفاتركم"
دون أن ننظر إلى السبورة كتبناها بتاء مربوطة، رفعنا أعيننا بعد الانتهاء في حركة اعتيادية فوجدنا أنها ، سهوا أو قصدا، قد كتبت بلون أحمر و تاء مبسوطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.