أصيب "حميد" بمرض مفاجئ سبب له آلاما وأوجاعا شديدة على مستوى البطن مما استدعى نقله إلى مصحة الضمان الاجتماعي، حيث خضع لعملية جراحية أشرف عليها دكتور أخصائي في الجراحة بالمجهر، وبعد يومين فقط أصيب بحالة من اليرقان أعقبها حالة من القيئ وأوجاع حادة على مستوى البطن، فتم نقله إلى مصحة الضمان الاجتماعي بالمحمدية وأجريت له فحوصات طبية وتقرر نقله إلى مستشفى الشيخ زايد ليخضع إلى عملية جراحية كشفت عن خطأ طبي مهني خطير تمثل في بتر سنتمتر من القناة الصفراوية الجامعية وفتحة في الطرف المركزي، مما اضطر المستشفى إلى زرع قناتين اصطناعيتين لتطهير بطن المريض مؤقتا من المرار الذي بدأ يسيل من جراء البتر وذاك لإنقاذه. اضطر "حميد" مرة أخرى إلى إجراء عملية جراحية إصلاحية، ولجأ إلى القضاء من أجل التظلم جراء ما تعرض له خاصة وأن تقرير الدكتور الذي قام بالخبرة الطبية أكد على أن المعني عانى من خطأ طبي"فاذح"، وبناء عليه ونظرا للخسارة اللاحقة به ماديا وصحيا رفع "حميد" دعوى قضائية ضد كل من مصلحة الضمان الاجتماعي، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، شركة التأمين الشمال الإفريقي، شركة التأمين سند، شركة التأمين الوطنية، شركة أكسا، شركة التأمين الوطنية. وتقضي القاعدة القانونية أن ثبوت خطأ الطبيب المعالج عن طريق عدم تبصره ورعونته في إجراء العملية الجراحية ترتب عنه ضرر وثبوت علاقة السببية بين الخطأ والضرر يجعل المؤسسة العامة المشغلة مسؤولة عن تعويض الضرر. فما هي حيثيات هذه القضية؟ طلب تعويض طالب "حميد" بتعويض قدره في مبلغ 81 ألف و200 درهم عن المصاريف الطبية ومبلغ 10 ألاف درهم عن الضرر المادي، ومبلغ 500 ألف عن الضرر المعنوي مع الفوائد القانونية. دفع دفاع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعدم اختصاص المحكمة الإدارية نوعيا في البت في مثل هذه الطلبات على اعتبار أن الدكتور الذي أجرى العملية ليس موظفا، وإنما طبيب مختص يرتبط بمصحة الضمان الاجتماعي بعقد عمل عادي، وبالتالي فهو ليس شخصا من أشخاص القانون العام، والتمس التصريح بعدم الاختصاص النوعي للمحكمة. وتعقيبا عليه، أكد محامي المدعي على أن الخطأ خطأ مرفقي، وأن الاختصاص يبقى منعقدا لهذه المحكمة. وبناء عليه حكمت المحكمة برد الدفع بعدم الاختصاص النوعي للقول باختصاصها بالبت في الطلب، وبناء على قرار المجلس الأعلى للغرفة الإدارية أيدت هذه الأخيرة الحكم. شركة التأمين "سند" بدورها دفعت بحفظ حقها في تقديم دفوعاتها بخصوص الضمان الاجتماعي، مؤكدة عدم إثبات المدعي للعلاقة السببية بين ما تعرض له، وما إذا كان نتيجة خطأ مهني تسبب فيه الطبيب المعالج، وأن الخبرة المدلى بها لم تكن حضورية والتمس استبعادها، في حين أجاب دفاع شركة التأمين الوطنية مؤكدا انعدام الخطأ والتمس أيضا الحكم برفض الطلب. خبرة مضادة طالب المفوض الملكي بإجراء خبرة طبية، وبعد فحص الضحية والاطلاع على ملفه الطبي وخاصة تشخيص سبب المضاعفات بعد العملية الجراحية التي أجراها بروفيسور على الضحية بمستشفى الشيخ زايد، ثبت أن المضاعفات التي تعرض لها الضحية بعد عملية بتر الحويصلة بالمنظار الداخلي يرسل صورة ما يشاهده الجراح داخل البطن على الشاشة التلفزية، وأن هذه الرعونة أحدثت جروحا في القناة الرئيسية للصفراوية بواسطة كهرباء المنظار وقت بتر الحويصلة، وأن هذه الجروح لا علاقة لها بموضوع عقد العلاج وإلا نتجت عنها مضاعفات موضوعية كان على الدكتور المعني أن يتفاداها وقت بتر الحويصلة وهو يشاهد صنعه بواسطة الشاشة التلفزية، وحدد الخبير على إثر ذلك الأضرار البدنية اللاحقة بالضحية استنادا إلى المعطيات التي تم التوصل إليها من فحوص سريرية وطبية، سيما وأن مدة العجز الكلي المؤقت حدد في 18 شهرا، والعجز الجزئي الدائم في نسبة 35 في المائة ودرجة الوجيعة والتوشيه في كونهما مهمين والتأثير على الحياة المهنية في كونه على جانب من الأهمية. وبناء على مذكرة المستنتجات وبعد الخبرة عرض محامي الضحية أن خطأ الطبيب الجراح ثابت بمقتضى تقرير الخبرة، وكذا الأضرار اللاحقة بالضحية من علاقة السببية بين الخطأ والضرر، والتمس الحكم له بالتعويض بشكل إجمالي وقدره في مبلغ مليون و381 ألف و200 درهم. الحكم بالتعويض أكدت جميع شركات التأمين المدعى عليها عدم مسؤوليتها وأوضحت أن المبلغ المطلوب كتعويض مبالغ فيه، كما أوضحت أن الخبير قام بتهويل الأضرار اللاحقة بالمعني دون بناء الخبرة على أسباب علمية واقعية، والتمست إجراء خبرة مضادة مرة أخرى والحكم احتياطيا برفض الطلب. المحكمة أثبتت في تعليلها للحكم أن تقرير الطبيب أكد على أن الأضرار البدنية اللاحقة بالضحية كانت ناتجة عن عدم التبصر والرعونة في صنع الجراح أثناء العملية التي أجراها الدكتور على الضحية، مما يكون معه الطبيب وكذا المؤسسة مسؤةلين عن تعويض الأضرار. وقضت المحكمة الحكم على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بأدائه للمدعي تعويضا عن الضرر المادي اللاحق به وقدره 800 ألف درهم، وتحميله الصائر وبإحلال شركات التأمين أكسا للتأمين الشمال اللإفريقي وشركة التأمين الوطنية كل واحدة بنسبة القسط المؤمن عليه في عقد التأمين.