تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدعوي والسياسي وجدل الوصل والفصل بين المغرب وتونس
نشر في التجديد يوم 29 - 05 - 2016

خلال الفترة الفاصلة بين الموتمر التاسع لحركة النهضة ومؤتمرها العاشر تشرفت بالحلول على حركة النهضة في اربع مناسبات : مرتين لتمثيل الحزب في كل من الموتمر التاسع للحركة ومؤتمرها العاشر المنعقد اخيرا ، ومرة ثالثة بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس حركة النهضة ورابعة انا والأستاذ عبد الرحيم الشيخي لحضور ندوة داخلية لمجلس شورى الحركة تتعلق بالاعداد المضموني للموتمر العاشر والاجابة على السوال المركزي الذي شغل النهضة منذ ان تشكلت كحزب سياسي بعد الثورة والمتعلق بسبل إدارة المشوع ، وتحديد العلاقة بين المدني والسياسي او بين الدعوي والسياسي.
ألقيت خلال الندوة المذكورة عرضا حول تجربة التمايز بين الدعوي والسياسي في التجربة المغربية ، او ما اصطلح على تسميته منذ الموتمر الوطني الاستثنائي للحزب والذي دشن تبني حركة التوحيد والإصلاح الإعلان عن تبني حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية اطارا للعمل السياسي لأعضائها الراغبين في ذلك ،ونفس الشيء بالنسبة للاستاذ عبدالرحيم الشيخي حيث كنّا رفيقين في الزيارة .
وخلال حفل العشاء الذي نظم على شرف ضيوف النهضة تشرفت بإلقاء كلمة هنأت فيها الشعب التونسي على دوره في إطلاق ثورات الربيع العربي ، وأبرزت فيها حركة النهضة ودورها في بناء الوفاق الوطني ، كما اكدت على ان حركة النهضة حركة مجددة ومتجددة ومدرسة متميزة في الحركة الاسلامية المعاصرة ،
والحقيقة ان الشيخ راشد الغنوشي ومعه قياديو النهضة يتسمون بقدر كبير من التواضع الخلقي والفكري حين يتكلمون عن التجربة المغربية حيث انهم يؤكدون تميزها ، كما يحرصون على استلهامها عندما يطرحون مراجعة هوية حركتهم وما اصطلحوا على تسميته بسبل إدارة المشروع ، وحرصوا على ذلك وهم يستعدون خلال مؤتمرهم العاشر الحسم في هوية حركتهم اي اعتبار النهضة حزبا سياسيا مدنيا وتفويت العمل الدعوي والثقافي واعتباره مجالا من مجالات العمل المدني .
وفي هذا المقال اعبر عن عدة انطباعات وملاحظات وخواطر خالجتني خلال حضوري لإشغال افتتاح موتمر النهضة
خواطر وانطباعات حول الموتمر العاشر لحركة النهضة وتجربتها
1- ليس مفاجئا ان ينتهي الموتمر الوطني العاشر الى تاكيد اوطروحة التمييز بين الدعوي والسياسي ، وان يعلنها رسميا ،وهو امر طبيعي بالنسبة لحركة النهضة باعتبارها تمثل مدرسة فكرية مجددة كما تشهد بذلك الإسهامات الفكرية لرئيسها الشيخ راشد الغنوشي وكتاباته المتميزة خاصة ما يتعلق بالديمقراطية والدولة المدنية والحريات السياسية وحقوق المراة ، مما مكن النهضة بحكم تلك الخلفية الفكرية ان تكون عمادا جوهريا في بناء التوافق والوطني واهل زعيمها لنيل جائزة ابن رشد للفكر ا لعام 2014 في العاصمة الألمانية وتونس للحصول على جايزة نوبل للسلام بسبب نجاحها في بناء التوافق الوطني والوحدة الوطنية في ظرفية مضطربة في المنطقة .
ويتعين التاكيد ان البيئة الفكرية والسياسية التي عاشت فيها حركة النهضة اي البيئة التونسية المنتمية للمدرسة الفكرية المغربية ( مغرب العالم الاسلامي ) ، وهي البيئة التي ترث تقليدا أصوليا وفقهيا مقاصديا( ابن عاشور ) ، وتقليدا عقديا وفلسفيا عقلانيا ، فضلا عن احتكاكه بالنزعة الفلسفة الديكارثية وتعاطيا مع المكاسب المنهجية التي راكمتها العلوم الانسانية والاجتماعية ، ساعدها في امتلاك قدرة فكرية ومنهجية على التجديد والمراجعة والملاءمة المتواصلة لتصوراتها واجتهاداتها الفكرية والسياسية والتنظيمية مع الواقع التونسي ومعطياته
2- كان الاستاذ راشد الغنوشي وحركته سباقين للقطع مع التصور اللاهوتي الديني لمفهوم الدولة والتأصيل للطابع المدني للدولة المدنية ( كتاب الدولة المدنية في الاسلام لراشد الغنوشي ) ولمفهوم المواطنة أساسا في العلاقة مع تلك الدولة وفي التاكيد على حقوق غير المسلمين ، ومع مفاهيم الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وترتيب الاولولويات في العمل السياسي وتحالفاته حيث جعلت مطلب الحرية وبناء الدولة الديمقراطية المدنية يتصدر مطلب التمايز على اساس الهوية العقدية والايديولوجية ، مما مكن من بناء اجتهاد حركي قطع مع عدد من البراديغمات التي سادت في الفكر الحركي الاسلامي المشرقي من قبيل اقامة الدولة الاسلامية وأولوية بناء دولة الشريعة !!
تبعا لذلك لم تكن علاقة حركة النهضة مع مكونات الصف الوطني الديمقراطي علاقة متوترة او علاقة إقصاء ، بل سعت دوما الى الالتقاء بهم على قاعدة النضال من اجل بناء دولة الحرية والمواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ،
وعلى العكس من ذلك كانت المشكلة وما زالت عند بعض الغلاة والاستئصاليين من منافسيها الذين عملوا ما في وسعهم على اجهاض تجربة الوفاق الوطني المتمثّلة في الترويكا ، وعملوا على اجهاض العبور الأمن خلال المرحلة الانتقالية الى استكمال بناء الدولة
3- ابانت حركة النهضة بفضل استبصار قيادتها عن قدرة هائلة ومثابرة فريدة وإصرارها باهرا على تحقيق الانتقال الأمن من المرحلة الانتقالية واعادة بناء الجمهورية الثانية ، وعبرت عن نضج كبير ومرونة عالية من خلال نضالها عبر الجمعية التأسيسية والحوار السياسي الذي تم داخلها وخارجها من اجل بلورة دستور جديد وأسس ثابتة للتوافق الوطني
ولقد تم ذلك خلال مرحلة عصيبة كان وما زال يمر منها الوطن العربي والجوار التونسي بمطبات عنيفة وأمواج عاتية كادت ان تغرق سفينة تونس لولا مهارة ربابنتها وكانت كل المعطيات تشير الى ان كفة توجه الانقلاب على مكتسبات الثورة وإعاقة بناء نموذج ديمقراطي هي الأقرب الى التحقق . واستطاعت مكونات الطيف الوطني في تونس ان تبني توافقا خلاقا يحفظ لتونس هويتها ومرجعيتها الحضارية الاسلامية ويؤكد على الطابع المدني وليس العلماني للدولة
في هذا الصدد لم تتردد النهضة في ترجيح كفة المصلحة الوطنية على كفة المصلحة الحزبية فعملت بالشعار الذي هو احد مكونات نشيدها الرسمي : نموت ليحيا الوطن .
لقد صرح راشد الغنوشي لنا خلال حفل عشاء اقامه في بيته في تونس العاصمة بمناسبة الاحتفال بالذكري الخمسين لتأسيس النهضة وهو يفسر لنا أسباب تخلي النهضة عن الحكومة قائلا : لقد ارتأينا ان نلقي بانفسنا خارج السفينة ونتخلى عن قيادتها حتى لا تغرق السفينة بمن فيها ونغرق معها !!
4- لقد كان الموتمر الوطني العاشر بعض النظر عن الاستحقاقات السياسية والتنظيمية المطروحة على جدول أعماله من خلال ما لمسناه وعشناه من اجواء حماسية مؤتمرا مشهودا حيث كانت جلسته الافتتاحية في القاعة الرياضية المغطاة ب"رادس ‘ عرسا نضاليا بديعا ، حيث ضاقت القاعة بالحضور واضطر ألوف من المناضلين والأنصار يتابعونها من خارج القاعة .
النظام والتنظيم والالوان المتناسقة والشعارات الحماسية والأناشيد والأغاني والتحام السياسة بالفن والابداع . ثم هناك الحداثة في أجلى مظاهرها التنظيمية حيث اقدم المنظمون على تجربة فريدة وجريئة هي الترشيح والتصويت وطلب الكلمة والتسجيل فيها من خلال توزيع حواسيب لوحية على كل المؤتمرين ومن خلال تنظيم محكم تم من خلاله التحكم في كل جزئيات العملية وضمان شفافيتها ونزاهتها .
ضيوف للنهضة ايضا في الموتمر من داخل تونس من كل مكونات الطيف السياسي وضيوف من الأحزاب والحركات السياسية الاسلامية وغير الاسلاميين من اسيا وأوروبا وأمريكا وإفريقيا وباحثون وديبلوماسيون واعلام وطني ودولي مما يُبين مكانة حركة النهضة والتقدير الكبير للتجربة التونسية والانتظارات المعلقة عليها .. وفي كل ذلك كانت النهضة ومناضليها وتنظيمها في مستوى الحدث ، ويعكس مكانة النهضة داخل المجتمع التونسي وفي مشهده السياسي
5- كان الحدث الابرز في الجلسة الافتتاحية هو حضور الرئيس التونسي قايد باجي السبسي وكلمته التي القاها في الجلسة الافتتاحية ، وهي الكلمة المكتوبة التي تم اختيار مفرداتها بعناية .
لقد ترددت كثيرا قبل الحضور إلى هذا المؤتمر – يقول السبسي – نظرا لأن رئيس الجمهورية مطالب بالحياد والبقاء على مسافة واحدة من مختلف الأحزاب، وحضوري في مؤتمر حزب النهضة يجبرني على المشاركة في مؤتمرات بقية الأحزاب التي يتجاوز عددها المئتين. لكني قررت في النهاية الحضور تقديرا لجهود حركة النهضة في دعم التوافق والمصالحة الوطنية ودورها في إنقاذ تونس من خطر الانزلاق نحو المجهول في ظل وضع دولي وإقليمي صعب، وفق تعبيره ، ثم اشاد رئيس الجمهورية بمساندة رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي لمسار التوافق في البلاد ودعمه لتشريك كل التونسيين دون إقصاء.
أن حركة النهضة حسب السبسي قد أصبحت حزبًا تونسيًا مدنيًا، وأثبتت من خلال فكرها أن الإسلام لا يتناقض مع الديمقراطية مضيفا أن موتمر النهضة هذا تأكيد واضح على أن التونسيين يستطيعون العيش تحت سقف وطن واحد ودستور مدني ونظام جمهوري لشعب تونسي مسلم، معتبرًا أن حركة النهضة رقم سياسي صعب في تونس يجب التعامل معه لتحقيق التوافق الوطني داعيا حركة النهضة إلى أن تستمد مشروعها السياسي بعد إقرار المراجعات خلال هذا المؤتمر، من تطلعات الشعب التونسي لبعث رسالة طمأنة لضمان ديمقراطية تونس الحديثة.
6- لم يقل خطاب الشيخ راشد الغنوشي أهمية وقوة عن خطاب السبسي . كان خطابا قوية بل وثيقة تاريخية موسسة توكد استمرار حركة النهضة على خط التميز والتجديد ، حيث حدد خلاله بوضوح معالم مشروع حركة النهضة كحزب سياسي وتصورها للاصلاح في ابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال خطاب ومفردات سياسية شخصت معالم الوضعية الحالية والتحديات التي تواجهها تونس والملامح الكبرى لخطتها كحزب لاصلاح الأوضاع والنهوض بتونس .
وكانت اللحظة الاقوى سياسيا في الخطاب هي التاكيد على دعم الدولة ومؤسساتها من جيش ومؤسسات أمنية وتعزيز اللحمة الوطنية ووقوف حركة النهضة بجانبها في التصدي لمخاطر الاٍرهاب والدعشنة وتوفير الاستقرار باعتباره شرطا في كل اصلاح
7- وكلمةًاخيرة في قضية إدارة المشروع او تدبير العلاقة بين السياسي والدعوي وبين السياسي والمجتمعي المدني على ضوء تجربتا في المغرب والتراكمات التدريجية التي حصلت عندنا في هذا الموضوع خاصة وان حركة النهضة قيادة وقاعدة ما فتئت تعبر عن إعجابها بالتجربة المغربية ويؤكد قياديوها رغبتهم في الاستفادة منها .
وفي هذا الصدد وجب الختم ببعض الملاحظات التي تم ابداوها لعدد من القياديين في النهضة في عدة تونس مناسبات وايضاً لعدد من ضيوف موتمر النهضة ممن كانوا يودون التعرف على التجربة المغربية ، ومنها :
- ما يميز التجربة المغربية هو انه لا يوجد فراغ في الحقل الديني ، كما ان الحقل الديني لا يمكن ان يكون حقل تنافس او توظيف لأغراض حزبيةً ، فهو مجال من المجالات المرتبطة بملك البلاد باعتباره اميرا للمومنين ، وهذا التنظيم للحقل الديني هو الذي يمكن من ملء الفراغ ومن الاستمرار في تامين الأمن الروحي والسهر على إشاعة الفهم الوسطي المعتدل للاسلام والتصدي لكل اشكال التطرّف
اما بالنسبة للحالة التونسية فان تحديات كبرى ما تزال مطروحة خاصة في ضوء تحديات الغلو والتطرف وتحديات الاٍرهاب الذي ينتج عنه . ودون شك فان هذا الوضع يرجع في جزء منه الى ان النظام السابق تبنى مقاربة استئصالية في مواجهة الأحزاب والحركات السياسية الديمقراطية عموما ، وهي المقاربة التي نالت منها حركة النهضة القسط الاكبر .
ومن المعلوم ان تلك المقاربة الاستئصالية لم تقف عند حركة النهضة كحركة إسلامية ديمقراطية بل انها ذهبت الى تجفيف منابع التدين ومحاصرة الزيتونة والتعليم الديني وأي شكل من اشكال التنظيم المدني والدعوي الذي يسعى لملء هذا الفراغ .مما يقتضي تفكيرا مشتركا من قبل الدولة التونسية ومختلف الفاعلين لاعادة الاعتبار التاطير الديني والفكري للمجتمع والشباب في مواجهة الغلو والتطرف والتحصين منه وبحث كيفية إسهام المجتمع المدني في هذا المجهود
- تطرح قضية التمييز بين السياسي والدعوي نفسها بشكل مختلف في البلدين اذ يتعلق الامر بسياقين متباينين عند المقارنة بين التجربة المغربية والتجربة التونسية .ففضلا عن قضية الإشراف عن الحقل الديني وتنظيمه وهيكلته ، نجد ان مسار التمييز بين الدعوي والسياسي قد اخذ في التجربتين شكلين مختلفين : ففي الحالة المغربية نجد ان الامر يتعلق في الاصل بحركة إسلامية انطلقت بتصور شمولي في التصور والممارسة ، بدا بعدها مسار التمايز في التشكل تدريجيا مع الزمن ، وهو تمييز تشكل تدريجيا ومر بمراحل مختلفة ابتدأت بالاحتضان الكامل للعمل السياسي الى الإشراف عليه ثم الى الاستقلال التنظيمي والمؤسساتي ، اي انه تم التدرج في اقرار التمايز على مستوى مجالات العمل ومستوى الرموز ومستوى الخطاب ،
اما في الحالة التونسية فان الامر يطرح اليوم في سياق اعادة تأسيس الجمهورية بدءا بالنص الدستوري الذي يمنع الأحزاب السياسية من العمل المدني ومرورا باستحقاقات اعادة بناء النظام السياسي والتوافق الوطني . ومقتضيات الاستحقاق الثوري وانتظارات المجتمع والتحديات الامنية والاقتصادية ، والتحديات الداخلية التي واجهت النهضة آلت تلت عودتها مباشرة من المنفى الى سدة الحكم بما ارتبط بذلك من تأقلمات واجهت الحركة دفعة واحدة من اعادة بناء التنظيم وترتيب العلاقة مع مكونات الصف الوطني واستحقاقات تدبير الشان العام وتحديات الخريف العربي وتأثيراتها على الساحة الداخلية
فعلى خلاف التجربة المغربية التي تبلورت تدريجيا وعلى نار هادىة هجمت كل هذه الاستحقاقات دفعة واحدة على حركة النهضة ، حيث حدث التمايز تدريجيا بفك الارتباط مع السياسي المباشر من قبل الحركة وتفويته الى الحزب وتوجه الحركة للتخصص في الجانب الدعوي والتربوي والتكويني ، فان المطلوب في التجربة التونسية هو فك الارتباط بين النهضة كحزب سياسي مع الدعوي والمدني ، وتفويت التخصص الدعوي الى اطر اخرى خارج الحزب .
ودون شك فان عملية الانتقال لن تكون سهلة ليس فقط من الناحية العاطفية والنفسية حيث سيكون على من اختار العمل في الجانب المدني فك الارتباط بحزب النهضة ، بل ايضا على مستوى تدبير العملية من الناحية التنظيمية ومن ناحية اعادة انتشار الموارد البشرية والمادية والمالية .
هي أسئلة دقيقة ترتبط بالتدبير نعتقد ان أجوبتها لن تكون جاهزة بصفة نهائية ، وانما ستتبلور مع الممارسة ومع عامل الزمن ، ودون شك فانها لن تخلو من صعوبات حيث انه اذا كان حسمها من الناحية المبدئية أمرا ميسورا بالنظر للخلفية الفكرية المتقدمة للنهضويين وقدرتهم الفائقة على التجدد ، فانه سيلزم كثير من الصبر والمصابرة على مستوى تدبير الانتقال ، وهي الوضعية التي ينبغي تفهمها من قبل شركاء النهضة ومن قبل خصومهم قبل اصدقائهم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.