الذي يرصد ما يجري اليوم من تحولات على مستوى القيم، ومن تحركات دولية متابعة لهذا الموضوع يدرك أن الإباحية الجديدة بجميع أشكالها وصورها قد وضعت الدول العربية في منطقة الاستهداف، وباتت توظف بالتباس الحقوق التي لا يكون على مضمونها العام أي اعتراض ، إذ تلجأ إلى مفهوم الحريات الفردية، وتحاول من خلاله إقحام ما يتعارض مع القانون والأعراف العامة. وإذا كانت الحرية الفردية للأشخاص مما أكده الشرع والقانون ووضعا له ضمانات لتحصينه، فإن الإباحية الجديدة تريد أن تتخذ حرمة الحياة الشخصية كمدخل لفرض جملة من الأنماط السلوكية التي تدمر النسيج المجتمعي وتنكر على الأمة بناء عمرانها الاجتماعي على قواعد أخلاقية مرعية مجتمعيا. ليس للإباحية الجديدة صورة واحدة، فهي تسعى لاختراق منظومة القيم في المناشط التعبيرية من خلال الفن والسينما، والقانونية من خلال إدخال بعض المقتضيات التي تبطل مفعول المتابعة القانونية لمن يمس بالآداب العامة، والاجتماعية من خلال التبشير بأنماط من العلاقات الجديدة تتجاوز بنية الأسرة المتعارف عليها شرعا وقانونا. وإذا كانت للإباحية صور كثيرة، فإن مداخل مواجهتها تعدد بحسب تعدد واجهاتها، لكن تبقى الأسرة من أهم مداخل المواجهة والممانعة. مهمة الدعاة والعلماء في التصدي للإباحية الجديدة لها أكثر من وجه أيضا، فهؤلاء هم المعنيون ببث خطاب العفة والقيم والتماسك الاجتماعي والدفاع عن الأنماط السلوكية التي يقوم عليها النسيج المجتمعي الإسلامي. لكن هناك مهمة أخرى تنتظرهم وهي لا تقل أهمية عن المهمة الأولى، مهمة ترشيد عملية ممانعة الإباحية الجديدة، وإفهام الأمة بأن الأدوات السلمية في التصدي هي الأجدى والأنفع، وأن دعاة الإباحية الجديدة يتمنون أن تنزلق ردود الفعل إلى مواقع الممارسة العنفية. ثمة مجهود استثنائي من قبل الاباحيون الجدد من أجل التمكين لمشروعهم، القائم على ثقافة منسلخة عن الهوية، ثقافة تعكس حالة ترانسفير قيمية وذوقية قسرية نحو الأخر. وهي تبذل وسعها للوصول إلى أهدافها بأية وسيلة، فهي تعتمد آليات ومؤسسات متنوعة وبتمويل ضخم، وبطبيعة الحال حضور الهاجس التجاري والربحي يبقى محددا وقائما. غالبا ما يركز الاباحيون الجدد في خطابهم على التشكيك في النص الديني، في محاولة لنزع القداسة عنه، باعتماد قراءات انتقائية ومأدلجة للنص الديني، والهجوم المكثف على مؤسسة الأسرة والمدرسة. وأهم ميزات هذا الخطاب انه خطاب إقصائي يلغي الأخر، مجسدا بذلك أصولية حداثوية، تنبني على اعتماد المواثيق الدولية كنصوص مرجعية مطلقة، ترتب عليها ما تدعيه حقوقا كونيه، بل تذهب إلى حد تجريم الاحتجاج على من يندد بمسلكياتهم وأفعالهم، في سعي مكشوف نحو رفع الحرج العمومي للحالات التي يعتبرها القانون مخالفة وجريمة كالمجاهرة بالشذوذ الجنسي وإعلان تناول الخمور وإشهاره في وسائل الإعلام مثلا. ويعمل الاباحيون الجدد ببلادنا، في سعي محموم، على التأسيس لتجارة اللذة، والتي تذر أرباح خيالية. كما يستهدفون العلاقات الاجتماعية التي تحتضنها مؤسسة الأسرة، عبر شرعنة العلاقات الجنسية خارج الزواج. وفي هذا الملف تحاول التجديد الإجابة على بعض الأسئلة التي يثيرها الموضوع، من قبيل ماذا تريده الإباحية الجديدة بالمغرب؟ ما سر هذا الهجوم المكثف والمتنوع على القيم ومؤسسات وبنى المجتمع، خصوصا مؤسسة الأسرة؟ لماذا هذا التركيز على إبراز البعد الجنسي في العلاقات بين الجنسين؟ هل ما يتم تقديمه، كصور دالة على الحداثة والانفتاح، تحترم خصوصية الإنسان المغربي وكرامته؟.