الاستقبال الذي خص به وزير العدل عبد اللطيف وهبي ضيفه وهو ديبلوماسي بحريني، بقميص أبيض واضعا قدمه اليسرى على ساقه، وكأنما يوجه حذاءه إلى أنف ضيفه، بقدر ما يعكس استخفافا مراهقاتيا بأبسط تقاليد البروطكول المتعارف عليها عربيا وعالميا، فهو ينطق بصعلكة سياسية تدعو إلى الرثاء. نفس الاستقبال، والساق على الساق، خص به ديبلوماسي أسترالي وكذلك عزيز أخنوش، وكأنه ينتشي أمام ضيوفه برذيلى الاستعلاء والعجرفة التي تسكنه. السيد وهبي لا يجسد بسلوكه الباعث على التقزز والاشمئزاز، صورة صعاليك الجزيرة العربية الذين خرجوا عن طاعة القبيلة وتمردوا على سلطتها، بل هي صعلكة عصرية وجاهلية في آن واحد، تنم عن سلوك شائن وتربية سياسية سيئة تلقاها صاحبها من صعاليك غلاء المعيشة وتفقير البلاد والعباد. والفارق الاجتماعي بين صعلكة أدباء الجاهلية والصعلكة السياسية، أن الفئة الأولى تتخذ من الكرامة والشهامة سندا لها في مؤازرة الفقراء والمغلوبين وفي محاربة الفاسدين من وجهاء القبيلة. وترى هذه الفئة وأغلبها من الشعراء المشردين المتمردين، أن للفقراء حق في مال الأغنياء، فيما الثانية، أي الصعلكة السياسية، فتتخذ من الاحتيال والنصب أسلوبا ناجعا ومثمرا لها، ويذهب جشعها إلى حد اعتبار أن للأغنياء حق في مال الفقراء. صعاليكنا السياسيون لا يقطعون الطرق كما كان يفعل تأبط شرا ومن يسير على منواله، بل يقطعون الأرزاق ويفسدون الأخلاق بظلمهم واستهتارهم، حتى غدت الصعلكة لديهم ثقافة وحنكة وعلم تم إدراجه للمرة الأولى في البرامج التربوية في عهد السياسي الدجال، عبد الإله بنكيرا، ،بعنوان بارز "كيف تصبح صعلوكا محترفا". وقد اتخذت الصعلكة السياسية في عهده طابعا إسلامويا متعجرفا ينم عن سلوك سام وخبث باطن متفشي بقوة لدى المتأسلمين قياديي البيجيدي بشكل عام. فيما الفوج الجديد المتخرج على يد حزب الأصالة والمعاصرة وزعيمه عبد اللطيف وهبي، فقد اتخذ من الديمقراطية وصناديق الاقتراع مطية للتربص والاحتيال. ومن هنا يتعين على زعيم البام أن يأخذ العبرة من الصعلكة السياسية الببنكيرانية المتجلية في ضعف أداء حزبه الإسلاموي طوال عقد من الزمن، لأنها قامت على تسويق الوهم والكذب للمغاربة، حيث التذمر والسخط تجلى واضحا في حركات الشارع وفي الإضرابات والمظاهرات الناقمة على سنوات التضليل والارتجال التي ميزت فترة حكمه. وعلى السيد الوزير أيضا أن يفهم أن صناديق الاقتراع التي أوصلته إلى السلطة ليست شهادة تقديرية لسلوكه أو عربونا عن إنجاز سياسي شعبي حقيقي، طالما أن الوعي الشعبي لم يصل كله إلى فهم حساسية المرحلة الديمقراطية فهما حقيقيا ودقيقا، وقد ينقلب على حزبه بسرعة في حال ما لم يدرك قياديوه حجم الأمانة والمسؤولية الموكولة إليهم، كما انقلب على من سبقوه من صعاليك سياسيين. لوحة الصعلكة التي قد يراها البعض مكسوة بمسحة من التنكيت الجارح، هي في واقع الأمرتعبير صادق عن مستوى الاستهتار بالوطن والمواطنين المتجلي بوضوح في صورة استقبال ضيوفه الأجانب والمحليين معا. فربما أعجب الوزير بالرئيس بايدن وقد ارتدى قميصا أبيضامحاطا بفريق عمله، أو ربما تأثر بلباس زعماء غربيين آخرين وأراد تقليدهم، فغدا كالغراب لا هو بمشيته ولا استطاع تقليد مشية الحمامة. فمعنى ارتداء القميص يا سيادة الوزير هو تشمير على الساعد عند العمل مع فريقك أو عند خروجك لأحد أوراش العمل، وليس لاستقبال نظرائك من مسئولين وديلوماسيين عرب وأجانب استقبالا تتخذه مناسبة للاستخفاف بالوطن وتحقير المواطنين. ومعنى وضع الساق على الساق في وضعية مسترخية هو أنك في جلسة حميمية مع صديق عزيز عليك بأحد مقاهي العاصمة. وكيف للسيد الوزير أن يجهل تأثير اللباس في سلوكنا وتصرفاتنا. فأنا عندما ألبس الجلباب، أتصرف برصانة أكثر مما أكون لابسا سروال الجينز، والمحامي، الذي هو السيد وهبي، يبدو أكثر هيبة ووقارا عندما يرتدي وشاحه الأسود، وعميد الشرطة يتكلم من خلال سلطة زيه الأمني، وحتى المهرج لا يستقيم له التهريج دون زيه المبهرج وأنفه الأحمر. لابسو القميص وواضعو القدم علىالساق في جلسة سياسية مكشوفة للمواطنين، هم شواذ عن هذه القاعدة، ويتصرفون معها دوناعتبار لعزة الوطن وكرامة أبنائه، ودون أدنى مسئولية سياسية أو وطنية. المنصب الوزاري يا سيادة الوزير أمانة ومسئولية وأخلاق رفيعة ومراعاة لحساسيات الناس،ومراقبة صارمة للإطلالة المظهرية التي يجب أن تتسم بالهيبة والاحترام ومراقبة الذات والنأي بالنفس عن السلوكات المراهقاتية غير المواتية لصفتك كأمين عام لثاني أقوى حزب، الأصالة والمعاصرة، وكوزير للعدل وما يفرضه هذا المنصب من اتزان ومسئولية. ففي استقبالك للضيف الخليجي تُعطي الانطباع للوطن والمواطنين عن سلوك غير جدير برجل دولة، سلوك طائش متعجرف يتسم بالارتجال والتهاون والاستهتار بالآخر. الوطن يا سيادة الوزير هو حضننا الكبير وهو أكبر من أن تستخف به بسلوك مشين مع أي كان من المسئولين أولنظرائك عرب أو أجانب. فأن تضع قدمك على ساقك صوب أنف مخاطبيك من دبلوماسيين ومسؤولين وأنت في وضعية مسترخية، فهذا سلوك بغيض ومنحط في أعين المواطنين الذين تقززوا وهم ينظرون إليك تعبث بكل معاني المسؤولية والأمانة. سلوك مثل هذا يتنافى مع التربية بما هي عملية تكيّف بين الفرد وبيئته تشمل الأفعال والتأثيرات والمظاهر الخارجية. وهي إلى جانب ذلك من أهم عوامل إرساء الديمقراطية الحقيقية وليست ديمقراطية الصعلكة السياسية..