خرق قانوني في جماعة تارودانت.. دورة ماي خارج الإطار الزمني المحدد في القانون 113.14    مكتب السياحة يسعى للحصول على تصنيف "China Ready" لاستقطاب السياح الصينيين    مجلس المنافسة يفتح تحقيقا في وجود محتمل لممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي    ترامب يعلن عن اتفاق تجاري "تاريخي" مع المملكة المتحدة    "تصاعد الدخان الأبيض".. انتخاب الأمريكي روبرت فرنسيس بريفوست بابا للكنيسة الكاثوليكية    "الأحمر" ينهي تداولات بورصة البيضاء    وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يتباحث بالرباط مع نظيره السعودي    ولد الرشيد: الجهوية المتقدمة تمر بمرحلة انتقالية تستوجب تقويم منظومة الحكامة الترابية    انتخاب الكاردينال الأمريكي بريفوست بابا جديدًا للفاتيكان    لقاء شي جينبينغ وبوتين يعكس عمق الشراكة الصينية الروسية    كرة القدم داخل القاعة لأقل من 19 سنة.. المنتخب المغربي يتعادل مع نظيره الإسباني (6-6)    اعتقال مقرب من رئيس بلدية ماربيا الإسبانية بسبب تهريب الحشيش من المغرب    ائتلاف يندد بمتابعة نشطاء "حراك فيكيك" ويدعو لتحرك وطني لوقف "الانتهاكات ضدّ الساكنة"    المحكمة تغرّم جماعة الدار البيضاء 5 ملايين بسبب هجوم كلاب ضالة على مواطنة    قطاع الشباب ينظم محطات وطنية كبرى للإدماج التربوي والتكوين بفاس        الدوري الأوروبي .. مانشستر يونايتد وبلباو في معركة حاسمة وتوتنهام يخشى مفاجآت بودو    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    مجلس عمالة طنجة-أصيلة يصادق على دعم اتحاد طنجة بمليار و400 مليون سنتيم    أتاي مهاجر".. سفير الشاي المغربي يواصل تألقه في "معرض ميلانو" ويعتلي عرش الضيافة الأصيلة    انفجار في مدينة لاهور الباكستانية وإسقاط مسيرة هندية    بوريطة: الملك يعتبر إفريقيا الأطلسية قطبا جيو- استراتيجيا ورافعة للابتكار والصمود    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    الحكومة تراجع مدونة الشغل و تتجه نحو التأطير القانوني للعمل عن بعد    مصرع شخص في حادثة سير بين مراكش وورزازات    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    محكمة الاستئناف بالرباط تُخفض عقوبة النقيب محمد زيان    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    المملكة المتحدة تجدد تأكيد التزامها بتعميق الشراكة مع المغرب    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    ارتفاع أسعار الذهب بعد تحذير المركزي الأمريكي من الضبابية الاقتصادية    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    الأميرة للا حسناء تزور بباكو المؤسسة التعليمية 'المجمع التربوي 132–134'    بطولة انجلترا: الإصابة تبعد ماديسون عن توتنهام حتى نهاية الموسم    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    ماكرون يستقبل الشرع ويسعى لإنهاء العقوبات الأوروبية على سوريا    13 قتيلا في الهند جراء قصف باكستاني    الوداد يسخر الأموال للإطاحة بالجيش    سان جيرمان يقصي أرسنال ويمر لنهائي رابطة الأبطال    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    ارتفاع أسهم شركة "تشنغدو" الصينية بعد تفوق مقاتلاتها في اشتباك جوي بين باكستان والهند    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب: وراء باب الفناء.. الحياة اليومية للنساء الريفيات
نشر في بيان اليوم يوم 06 - 04 - 2011


وراء الأبواب الموصدة:
في هذا الكتاب «وراء باب الفناء، الحياة اليومية للنساء الريفيات» الذي نشر لأول مرة في طبعته الإنجليزية بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1994 ليترجم بعد ذلك سنة 1998 إلى الإسبانية، اعترافات امرأة كانت لها فرصة ثمينة لرؤية عالم داخلي أكثر من غيرها، فتسللت من وراء الأبواب الموصدة إلى الحريم في أسرّتهم وسرائرهم، الزمن الريفي بداية الستينيات من القرن الماضي، المكان بهو مليء عن آخره بالحياة في مدشر «رعطاف» بالقرب من وادي النكور ودوار «أرعاص» بقبيلة أيت ورياغل بإقليم الحسيمة، البؤرة التي لم يندمل جرحها حينئذ من وخز الإستعمار الإسباني، تأبط الأنتروبلوجي والمستمزغ الأمريكي «دافيد منتكومري هارت» محفظته متجها صوب هذا الفضاء العميق، وبرفقته زوجته (أورسولا كينغسمايل هارت، 19201996)، بطريقة إبداعية تتذكر هذه الأخيرة لحظة لقائها الأول بدايفيد الذي تصفه الدراسات الحديثة بأنه «أب الأنتروبولجية المغربية» قائلة: »»اللعنة! تبا! إن هذه الأبواب الملعونة صنعت للأقزام!» هكذا كان أول لقائي مع دايفيد في طنجة، والذي سيصبح فيما بعد زوجي الذي دفعني للبحث الأنتروبولوجي الميداني والعيش مع أفراد القبائل حياة طبيعية وبسيطة، حياة كنت دائما أرغبها.«، إمرأة رقيقة في بيئة خشنة، تنتمي إلى أسرة بريطانية ولدت بالريف الهندي وشاءت الظروف أن تصاحب زوجها إلى الريف المغربي في عمل ميداني لتكون بجانبه كرسولة في فناء منزل يجمعهما معا، حيث كان دايفيد يحذرها دائما بأنها ليست في نزهة جبلية ولكنها في بعثة علمية، يحفزها على تدوين كل شيء غريب، فيذكرها قائلا: »إفتحي عينيك جيدا وسجلي كل شيء، خاصة ما ستجدينه غريبا«، وكانت تردد في قريرة نفسها: »كانت أول تجربة لي في هذه الطقوس، كل شيء بالنسبة لي «غريب». كيف لي أن أدرك ما هو مختلف؟«، ولكن بقوة ملاحظتها وبحنكتها العملية، استطاعت أن تكشف الكثير من الأسرار الريفية الخفية وراء هذه الجدران الموصدة بأقفال التقاليد والأعراف والطقوس.
وثائقيات مرئية أنجزت بتقنيات الصورة الحديثة:
«مونات» وهو الإسم الأمازيغي الذي اختارته عائلة «موحند» المستضيفة ل «أورسولا»، التي ربما لم تكن تعي وهي تعيش تلك اللحظات الممتزجة بالأحداث المتواترة والأعراف والطقوس الغريبة عن بيئتها الغربية أنها تؤدي بالمقابل خدمة كبيرة لتاريخ الأسرة الريفية المغربية، فاختارت الحب أولا ثم الريف المغربي ثانيا، البلد الذي اعتبرته وطنها فأرخت له بعفوية مطلقة بطريقة سينمائية رائعة، يخال للقارئ أن الأوراق التي أمامه في هذا الكتاب هي وثائقيات مرئية أنجزت بتقنيات الصورة الحديثة، خاصة وأن المؤلف يحوي ملحقا للصور تجعل القارئ ينتقل بعفوية من النص إلى الصورة لاكتشاف القسمات الحقيقية لشخصيات الكتاب، حيث تحضر بكل عفوية الأحاسيس الحية والهواجس العاطفية والانفعالات والاحباطات وقسمات الوجوه الصادقة في حيرتها وبؤسها وسعادتها، والزوايا بكل تفاصيلها الدقيقة والألوان بكل رمزيتها والطبيعة بكل ودها وبشاعتها. وصف آثره أستاذ الأدب المقارن بجامعة «شابمان» الأمريكية بقوله: «بتركيزها على حياة أسر محددة من قبيلة آيت ورياغل، فإن نصها قد تشبع بالدفء والحنان والتعاطف، مما يوضح أنها تعتبر هؤلاء الريفيين الذين تكتب عنهم بشر وليس مجرد موضوع دراسة، ويتمثل أحد إنجازات المؤلفة الدالة في نجاحها في استخلاص العديد من التفاصيل والمعلومات الدقيقة حول الحياة العائلية الخاصة وعالم العواطف والأحاسيس، وهي مجالات يبقيها الريفيون عادة قيد الكتمان ويخفونها وراء ستار الصمت».
في هذا الكتاب الأنتربولوجي إستطاعت »أورسولا« بلغتها «الروائية» أن تضع بين القارئ رزمة من الأحداث التي لا يمكن لها أن تحدث إلا في هذه البيئة من الريف العميق، مؤرخة لعادات الزواج والولادة والموت والتطبيب وطقوس الجنس والسحر والإجهاض، في عالم ضيق متمحور حول ذاته، منغلق عن محيطه الخارجي لتلج إلى فناء نسائي أكثر خفاء، كقارورة مغلقة داخل قارورة أخرى أحكم إغلاقا، نساء يكتشفن لأول مرة حاملة الصدر ويعتبرن خروج الأطفال للدراسة جريمة أخلاقية، ويهربن فزعا من طنجرة الضغط التي يكتشفنها للأول مرة وهلما جرا. فكانت بمثابة مرآة ترصد التفاصيل المثيرة بكل صدق، على العكس تماما ما جاءت به العديد من الدراسات الكلونيالية الأخرى التي تناولت الريف، ككتابات المركيز دوسيكونزاك، موليراس، واتروبي وغيرهم، ونجد الكثير من هذه السموم عند العديد من المؤلفين الإسبان أمثال
(أوخنيو نويل) الذي يقول من خلال كتابه (ما رأيته خلال الحرب، يوميات جندي): «سكان قبائل الحسيمة دواب مفسدة إلى درجة يصعب تصور الفساد الأخلاقي الذي وصلوا إليه. منافقين وفوضويين كبار ومزاجهم البائس لايتجاوز غريزتهم المتمردة والشرسة». كتابات ما فتئت تنظر بإحتقار دفين لهذه المنطقة.
«أورسولا» والحنين إلى الريف:
بعد أن عاودهما الحنين إلى هذا الزمان والمكان، وبعد أكثر من عشرين سنة، تعود «أورسولا» سنة 1987هي وزوجها دايفيد إلى الريف للعمل على ترجمة وثيقة مكتوبة بالعربية تخص عائلة «موحند»، تتحدث في حسرة كبيرة عن الأوضاع التي آل إليها المجتمع الريفي جراء الهجرة نحو أوروبا وتفشي البطالة بين الشباب وهجرة الفلاحين لأراضيهم والإدمان المفرط للمخدرات، تصف ذلك قائلة: «رغم كل أموال المهاجرين التي تستثمر في المنطقة، فنسبة البطالة مرتفعة جدا، أما الفلاحة فهي متأخرة بسبب هجرة الرجال إلى أوربا أو لكثرة استغلال الأراضي القليلة الخصوبة. وأخيرا الاستهلاك المفرط حسب مايحكى للحشيش.. في المنطقة يجعل الأمر أكثر صعوبة».
كان الحنين إلى ريف الستينيات أكثر قداسة عند «أورسولا» وهي تكتب عن هذه الفترة: «كاد قلبي أن ينفجر لما سمعت أبيات الأغنية التي لطالما حدثني عنها دايف بكثير من الحماس. كنت أسمع «أيا رالا بويا» في سياقها وبيئتها الحقيقية»، وفي لحظة حزن، نسمعها تقول وهي تجوب شوارع الريف المغبرة وما لامسته من إنهار للقيم الطقوسية والعرفية: «علمت أن الأغنية «أيا رالا بويا» القديمة تغنى بالقيثارة الكهربائية».
إذن، يظل هذا الكتاب من بين المؤلفات القيمة التي صدرت في السنوات الأخيرة والتي تناولت الريف المغربي في بعض تجلياته، وكما تطرقت إلى العديد من القيم الريفية من خلال بعض الأحداث المختلفة التي أرخ لها العديد من الدارسين والباحثين والمستكشفين المغاربة والأجانب، أهمها ترجمات لدراسات نادرة ستساهم بلا شك في الكشف عن العديد من الخبايا التي عرفها الريف الحديث كما هو الشأن لهذا الكتاب.
*هامش:
«وراء باب الفناء، الحياة اليومية للنساء الريفيات» تأليف أورسولا كينغسمايل هارت، ترجمه إلى العربية عبد الله الجرموني، عن منشورات «تيفراز ن أريف»، بمساهمة من جمعية ملتقى المرأة بالريف، مطبعة النجاح الجديدة سنة 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.