لا يخفى على أحد أن اختصاصات المؤسسة التشريعية في ظل دستور 2011 عرفت توسعا كبيرا، بالمقارنة مع مكانة هذه المؤسسة في الدساتير السابقة، فمن خلال قراءة فصول دستور 2011 وبدءا من "الديباجة" التي تنص على قيام سلطة برلمانية، تمارس اختصاصات تشريعية ورقابية واسعة، وحكر سلطة التشريع، وسن كل القوانين على البرلمان، وتوسيع مجال القانون، بالإضافة إلى تخويل المعارضة البرلمانية نظاما خاصا وآليات ناجعة، تعزيزا لدورها ومكانتها في إثراء العمل البرلماني، وهي المضامين ذاتها التي تزكيها الفصول 10، 70، 71…، من الوثيقة الدستورية لسنة 2011، نستشف فعلا أن المشرع الدستوري عمل على تجويد مكانة السلطة التشريعية على غرار باقي السلط الأخرى.. وإذا كان المشرع الدستوري قد مكن البرلمان من آليات جديدة وقويمة، من أجل القيام بأدواره الدستورية، فأين يتجلى دوره في عملية تقييم القوانين أو ما يعرف بالمراقبة البعدية للقوانين؟ وذلك لمعرفة ما إذ كانت صياغة القوانين تلبي حاجيات مواطني الدولة، وتنفذ كما يجب وعلى النحو المبتغى منها. إن أول إشكالية تثار فيما يخص "الآلة التشريعية في زمن كورونا"، هو معرفة ما إذا كانت التشريعات التي سنتها المؤسسة التشريعية ناجحة وتحقق الغايات المنشودة، فحينما نستحضر على سبيل المثال لا الحصر مقترح قانون تعديل بعض مواد كل من قانون 49.16 المتعلق بكراء العقارات والمحلات المخصصة للاستعمال التجاري والصناعي أو الحرفي، والقانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقة التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني والحرفي والصناعي، تطرح عدة أسئلة فرعية: – هل هذا القانون بلباسه الجديد سيحافظ على مبدأ المساواة بين المكري والمكتري؟ – وما مدى تحقيق هذا القانون للنتائج المرجوة؟ – وهل يلبي حاجيات جميع الأطراف؟ – وإلى أي حد؟ – وإلا ما السبب وراء ذلك؟. بالرجوع إلى تقرير لجنة القانون البريطاني لسنة 2006، نجدها قد حددت الأسباب التي من شأنها حث البرلمانات على القيام بالمراقبة البعدية لإنفاذ القوانين بطريقة أكثر منهجية وهي: 1- معرفة ما إذا كانت التشريعات ناجحة وتحقق الغايات المنشودة. 2- الإسهام في تحسين القانون. 3- تعزيز التركيز على تنفيذ أهداف السياسات. 4- تحديد ونشر الممارسات الجيدة بشكل يمكن من الاستفادة من النجاحات والإخفاقات التي أبانت عنها المراقبة. إن الطلب المتزايد لمراجعة القوانين يحتاج إلى مراقبة بعدية دقيقة، لاستشفاف مدى وجود آثأر جانبية مهمة غير متوقعة من القانون، ومن تم التفكير لوضع تحسينات معقولة يمكن إدخالها على القانون وتنفيذه، ومن شأنها جعله أكثر فعالية أو نجاعة، وهنا تظهر أهمية المراقبة البعدية للقوانين، حيث تمنحنا فرصة تقييم أثر التشريع الذي يتقاطع مع مختلف القوانين، ولنا في مشروع قانون 22.20 المتعلق بالشبكات الاجتماعية خير مثال، والذي يتقاطع مع الوثيقة الدستورية وجملة من الاتفاقيات الدولية، وهو المشكل ذاته مع مشروع قانون المتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، حيث نجد هذا المشروع يتقاطع مع مجموعة من القوانين الخاصة، مثل أحكام قانون 08.09 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وأحكام قانون المسطرة المدنية… يتضح إذن، أهمية المراقبة البعدية للقوانين، سيما في مرحلة المراجعة والتعديل، لذلك على المؤسسة التشريعية تحريك عجلة الآليات الرقابية المخولة لها سواء عبر الأسئلة الشفهية أو الكتابية أو المناقشة في اللجان والجلسات العامة، دون إغفال تقوية قدرات مواردها البشرية من حيث العمل بنظم وتطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المناسبة، حتى تكون عملية المراقبة البعدية لإنفاذ القوانين ناجحة وبأقل تكلفة، وكذا مواكبة التحول الرقمي على المستوى التشريعي من جانب آخر. بقلم: هشام الإدريسي