يحدث لي أحيانا أن أتأسف على كون الصبر ليس مادة غذائية متوفرة في السوق على شكل عقار أو مشروب. الصبر والتحمل، عبارة عن امتحانين يسيران جنبا إلى جنب. أتذكر أن أبي، عندما كان ينزعج من البلاهة الإنسانية، يتوجه بندائه إلى الله ويتوسل إليه لكي يمنحه قليلا من صبر أيوب. في يوم ما، سألته عمن يكون أيوب؟ وبسخريته التي عودنا عليها، أجاب:»تأمل، أيوب، إنه أخي في ما جرعتني الحياة من قسوة، لكن على العكس منه، لا أملك قوته، صبره الشاسع. في ما بعد، سأفهم أن الأمر يتعلق بأيوب، ذلك الذي سكن أساطير الديانات والتقاليد الكونية. هكذا قرأت»كتاب أيوب». لم أكن قد أشبعت فضولي، وأردت معرفة أكثر حول هذه الشخصية التي بلا شك لم توجد قط والتي يضعها البعض في نفس مصاف أنبياء التوحيد(موقعه محدد باعتباره امتدادا لإبراهيم ونوح عليهما السلام). بيار أسولين باعتباره روائي بيوغرافي، ومحقق عنيد، وقارئ حصيف، قام على امتداد أربع سنوات ببحوث جد متقدمة، لكي يمنح لنا مقاربة للحيوات المتعددة لأيوب. يحكي لنا في كتابه عن أيوب، وهو يحكي في الآن نفسه عن ذاته. إنه مسار يحتفظ بامتياز أنه يجعلنا ننخرط في إكراهات تحقيق، يذهب إلى ما وراء حياة مروية بكيفية أكثر سرية وغير قابلة للتصديق، مما هو الحال بالنسبة لرجل ولد لأجل أن يتألم بشكل خرافي. ما هي الجرائم التي يكون قد اقترفها أو هل عوقب مع أنه بريء. القرآن لا يتحدث عن براءته. إنه التائب، ذلك الذي يرجع إلى الله والذي يجعل منه رمز الصبر اللامشروط،وهو ما اتخذه الإسلام باعتباره من الفضائل الهامة للإيمان. يحدث لي على غرار الكاتب المسرحي يوجين يونسكو الذي يرى أيوب في بيكيت، لموقعة نفس أيوب في تماثيل جياكوميتي. إنهم جميعا «مكابدون محقون» إلى حد التخلي عن كل ما يمكن أن يحشرهم في بلائهم. المحق هو من يتخلى عن التفاوض مع من يعذبه.إنه محق لكونه يضع نفسه فوق هؤلاء الذي يتسولون. يتحمل ولا يحاول أن يستخلص ما يواجهه كأنه تحريض ضروري. ربما أن أيوب، كما يستنتج بيار أسوليني هو «الحجرة التي تلامس اللامعقول». يقال إن الدخول في جلد أيوب هو بمثابة وظيفة لا معقولة، شغف لا طائل من ورائه. وكما هو الحال في الحمية الغذائية؛ فإن الصبر هو علامة على الإيمان في الإسلام. أيوب انتظر طويلا قبل أن يتوجه إلى الله قائلا له « اني مسني الضر وأَنت أَرحم الراحِمِين..»، الله يقول له:» ارْكُضْ بِرِجلك هذا مغتسل بارد وشراب». الصبر هو مرادف لحالتين متناقضتين: البلاء والإحسان. خلال الحج إلى مكة، الكلمة الأكثر نطقا من طرف الحجاج هي الصبر، بمعنى آخر، لا تغضب ، ارجع إلى الله واقبل بما يحصل لك. الشعوب التونسية والمصرية قد قبلوا لمدة طويلة ما يجرعه لهم طغاتهم من إهانات وآلام. اليوم، صبرهم انفجر. من جهة أخرى فإن المعادل بين العذاب الذي يتم قبوله والفضيلة الممنوحة بقوة الإيمان، يعد نادرا. لهذا السبب فإن التحقيق الروائي للكاتب أسولين، يقودنا نحو مناطق حيث كل ما يتأرجح في حياة ما، لا يتبقى منه غير الصورة، الصوت، الحضور، ظل أيوب. بيار أسولين يعترف بأنه ولد في سن السادسة عشر»مع أيوب لأجل كفيل غير مرئي». كان ذلك يوم وفاة أخيه البكر، ضربة قدرية قاسية ولا تحتمل. الله يبتعد، يصمت، يتغيب لدى مراهق لا يعرف أين يمضي بحزنه وألمه اللانهائي. ينفق وقتا كثيرا قبل بلوغ عتبة البناية الخيالية حيث يقيم أيوب الصامت. ما يطلق عليه في الدين: التائب. في الحياة الدنيا، يطلق عليه الجرم، الكلمة التي فقدت شيئا من حدتها. ما يثير الإعجاب في كتاب أسولين، هو الطريقة التي تم بها البحث في رسول العذاب والصبر، والتي تفضي إلى حيواتنا. عندما يموت أخ بكر أو أب، ماذا يتبقى لنا؟ الجنون أو الصلاة. السعار أو التخلي عن الفضيلة. إنها طريقة ربما معوجة، الوصول إلى الإله ونحن نحمل الاعتقاد ا بموته (الذين مروا من مخيمات الإبادة يعرفون شيئا عن ذلك) وعندما نتعود على إدارة الظهر إلى كل ما هو روحاني إلى حد الارتماء في الخواء والعذب وحتى الشر. هكذا فإن الصبر ليس فقط تحمل صامت، لكنه كذلك الاستمرار في العذاب مع خضوع إلى كائن أقوى. الكتابة هي مسيرة طويلة ومطبوعة بالشك في صمت الليل. بيار أسوليني كتب بيوغرافيات، روايات، تحقيقات. الكثير من المحاولات لأجل التحرر في النهاية من سر يزن أطنانا. تحرر قلق مع ذلك. منذ أربعين سنة وهو يسير في الظلمات. «كاتب لا يفهم ما حدث له عندما كتبه» يقول أسولين. كما هو الحال بالنسبة لشخصية جوزيف كاف في رواية المسخ. أيوب لا يفهم ما يحصل له. هكذا يقوم بتعلم الانتظار، الانتظار الطويل والقاسي في الخواء المطلق، في الصمت والخضوع، يقربانه من ذلك الذي يجعله يتحمل امتحانا بلا شفقة. نحن جميعا في يوم أو آخر، قد مررنا من هذه الحالة. البعض ينتفضون يقاومون ثم يسقطون من التعب والإنهاك. البعض الآخر يتعلمون القبول بالأمر الواقع. إنهم قديسون. والحالة هذه أن العالم يعج بالناس غير الجديرين بالاحترام. أما القديسون، فينبغي استعارة مصباح ديوجين للبحث عنهم. «كتاب أيوب» هو بمثابة تلك المصابيح التي ترينا الطريق لكن لا تقدم لنا حلولا. عن الموقع الخاص للكاتب