قال والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إن ثمة هوامش محتملة كامنة على مستوى إصلاح القطاع العمومي الذي بادر جلالة الملك بإطلاقها، والذي يتطلب اهتماما أكبر بغية تسريع تنزيله، موضحا أن الأمر يتعلق أساسا بإصلاح قطاع المقاولات والمؤسسات العمومية، من أجل تحسين نجاعتها التدبيرية والمساهمة بشكل أفضل في إعطاء دينامية للاستثمار، لا سيما من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وأكد الجواهري، في التقرير السنوي لبنك المغرب حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم سنة 2021 الذي قدمه لجلالة الملك محمد السادس، السبت الماضي، بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش، إن استكمال هذا الإصلاح، إلى جانب تفعيل صندوق محمد السادس للاستثمار واعتماد مشروع ميثاق الاستثمار الجديد، يوحي بالأمل في منح زخم جديد للنسيج الإنتاجي المغربي. وأضاف الجواهري في تقريره، أن هذا النسيج الهش والمفكك الذي فاقمت الأزمة وضعه السيء، يواجه صعوبات عديدة معروفة تتلخص بالأساس، حسب الاستقصاءات التي تنجزها المؤسسات الوطنية والدولية لدى المقاولات، في الضغط والثقل الضريبي، ومنافسة القطاع غير المهيكل وكذا ظاهرة الرشوة التي تعتبر آفة تحول دون وضوح الرؤية بالنسبة للفاعلين والمستثمرين، وتهدد النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي. وشدد الجواهري على أن تفشي الرشوة يبقى أحد المظاهر لعجز بنيوي يعاني منه بلدنا، والذي يتمثل في جودة الحكامة العمومية على المستويين المحلي والمركزي، مؤكدا أنه رغم الإرادة والعزيمة والعديد من النصوص والتدابير والاستراتيجيات المعتمدة، لا يزال المغرب عاجزا عن إحراز أي تقدم يذكر بهذا الشأن، بل إن أداءه السلبي على مستوى التصنيفات الدولية يبين بعض التراجع في السنوات الأخيرة، مما يستدعي إعادة النظر في المقاربات المتبعة إلى الآن واتخاذ إجراءات أكثر قوة وأكثر حزما. واعتبر الجواهري أن مستوى جودة الحكامة يفسر أيضا حالة المفارقة التي يعيشها المغرب منذ سنوات عديدة، ذلك أنه يبذل جهدا جهيدا فيما يتعلق بالإصلاح غير أن أداءه الاقتصادي والاجتماعي يظل دون الانتظارات. وتابع الجواهري أنه من شأن جودة الحكامة أيضا أن تكون من العوامل المفسرة لضعف مردودية الاستثمارات الذي يطبع الاقتصاد الوطني، مبرزا أنه على الرغم من كون بلدنا يسجل أحد أعلى معدلات الاستثمار في العالم، تظل وتيرة نموه بطيئة. وأشار الجواهري إلى أنه حسب معطيات البنك الدولي، بلغ المعامل الهامشي للرأسمال بالمغرب (ICOR) ما يقارب 10 نقط، مقابل متوسط 5,9 بالنسبة لفئة البلدان ذات الدخل المتوسط التي ينتمي إليها. في سياق متصل، جاء في التقرير، أن سوق الشغل لم يسلم هو أيضا من تأثير ضعف المردودية، فقد عرف محتوى النمو من التشغيل انخفاضا ملموسا في السنوات الأخيرة وظلت وتيرة تحسن جودة الشغل بطيئة. وأشار التقرير إلى أن أزيد من 10% من الأشخاص النشيطين لازالو يشتغلون في أعمال غير قارة أو كموسميين ولا يتوفر أكثر من نصفهم على أية شهادة تعليمية، مشددا على أن تغيير النهج المعتمد لسياسات الدولة في هذا المجال أصبح ضرورة لا محيد عنها. وجاء في التقرير أن الحلول التي تسعى إلى إحداث والحفاظ على مناصب شغل ليست لها أية قيمة مضافة تذكر، وتهدف إلى توفير مصدر عيش للمستفيدين منها لا تجدي نفعا سوى أنها تكرس هشاشة الشغل التي تشكل، على غرار البطالة، شكلا من أشكال الإقصاء الاجتماعي، معتبرا أنه يجب إعادة توجيه الجهود المبذولة نحو مواكبة الأشخاص النشيطين لتشجيعهم على العمل في أنشطة ذات إنتاجية عالية، وعلى نفس المنوال، في الوقت الذي ترتفع فيه باستمرار متطلبات الولوج لسوق الشغل بفعل التغيرات العميقة الناجمة بالخصوص عن الثورة الرقمية والذي أصبح فيه الخصاص في الكفاءات في بعض المجالات صارخا يتسبب استقطاب الدول المتقدمة لكفاءاتنا في نزيف مقلق يستلزم اتخاذ تدابير مستعجلة للتخفيف من وتيرته.