الرئيس ترامب يعلن السعودية "حليفا رئيسيا" من خارج حلف شمال الأطلسي    بن سلمان يقدم رونالدو إلى ترامب    وزارة الصحة تؤمن نقلا جويا استعجاليا لرضيع حديث الولادة في وضعية حرجة من العيون الى الرباط    أجواء باردة في توقعات طقس الأربعاء    موظفو "لاراديل" سابقاً يخرجون للاحتجاج بعد إدماجهم في الشركة الجهوية متعددة الخدمات SRM(TTA)    جمعية منار العنق للفنون تنظم مهرجان العالم العربي للفيلم التربوي القصير في دورته العاشرة    طنجة.. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الأوغندي وديا بأربعة أهداف لصفر    ولوج الموانئ... تنظيم محكم وترخيص صارم (المادة 49)    ميناء طنجة المتوسط : إحباط محاولة لتهريب كمية من الذهب    العرائش... مدينة تغرق في أولى زخات المطر : "روغار" مفتوح يفضح تقاعس المسؤولين ويهدد سلامة المواطنين    القنصلية العامة في لندن تحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    رياض السلطان يستضيف جاك فينييه-زونز في لقاء فكري حول ذاكرة المثقف    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    العرائش: قسم الاقتصاد و التنسيق يستعد لتنزيل القرار العاملي مطلع السنة المقبلة و مخاوف من سحب المأذونيات من المستغلين في وضعية غير قانونية    الأمن يضع كاميرات المراقبة لأول مرة في شوارع أكادير    استقلال المغرب…ثمرة كفاح مشترك بين الملك والشعب    ترامب يوبّخ صحفية لسؤالها عن خاشقجي ويدافع عن بن سلمان.. والأخير يعلن رفع استثمارات بلاده في أمريكا إلى تريليون دولار    العرائش: رئيس الائتلاف المغربي للسائقين غير المالكين يؤطر لقاء تواصليا لمهنيي سيارات الأجرة    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    تأهل سيدات الجيش الملكي لنهائي دوري أبطال إفريقيا بعد تغلبهن على مازيمبي    الجزائر "شاهد زور".. من خان فلسطين فعلاً؟    نبيل باها: المنتخب الوطني قادر على الذهاب بعيدا في المنافسة    حكيمي يتوج بجائزة "الأسد الذهبي" لسنة 2025    أسود الأطلس يمطرون شباك أوغندا برباعية نظيفة في ودية طنجة    ترامب يستقبل ولي العهد السعودي في زيارة رسمية إلى البيت الأبيض    مهدي اغويركات يفوز بجائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 من الأكاديمية الفرنسية    المكتب الوطني للسياحة يفعل إجراءات مهمة استعدادا ل"الكان"    يهم المغرب .. البرازيل تهزم فرنسا        اتحاد طنجة ينفصل عن مدربه هلال الطير    تشكيلة "أشبال U17" أمام منتخب مالي    شلل رقمي يضرب الإنترنت عالميا.. والمنصات المغربية ضمن المتضررين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    سعيد التدلاوي يندد بغياب التشاور بين وزارة الفلاحة والغرف الفلاحية    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    انتخابات مجلس النواب المصري.. إبطال وإلغاء 19 دائرة انتخابية في 7 محافظات    "دينوس ألايف".. المعرض التفاعلي المخصص لعالم ما قبل التاريخ يصل الدار البيضاء    الصناعة التقليدية المغربية تتألق في إشبيلية... انطلاق فعاليات الأسبوع الثقافي «We Love Morocco»    دراسة: المغرب من الدول الأكثر تأثرا بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري الصادرة من مكبات النفايات    الملك يتوصل بتهنئة رئيس الإمارات    طرح 20% من أسهم "الشركة العامة للأشغال بالمغرب" في البورصة بهدف جمع 5.04 مليار درهم    جرد ببعض ما اكتشفه في الكهف الحاضر القديم    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    الماء والبنية التحتية..محور مباحثات بين وزير التجهيز والماء وسفيرة الصين    الإعلان عن الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في دورتها ال23 بالرباط    الشعب المغربي يحتفل غدا الأربعاء بذكرى ميلاد الأميرة للا حسناء    مروحيات جديدة تعزز قدرات البحث والإنقاذ القتالي لدى القوات المغربية    الذهب يواصل انخفاضه متأثرا بصعود الدولار    حجيرة: طاقات تصديرية "غير مستغلة"    مشاركة مغربية في ندوة للجيش الإسرائيلي لاستخلاص الدروس من "حرب الإبادة" في غزة    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق من الذاكرة السياسية للمناضل المحجوب الكواري
نشر في بيان اليوم يوم 26 - 03 - 2023

شهد مغرب ما بعد الاستقلال وقائع سياسية كبرى مست الدولة والمجتمع، وأحداثا مؤلمة ميزت التاريخ السياسي للمغرب المعاصر، ومحطات كان لها تأثير كبير على ما نحياه اليوم من حراك لا يختلف في أهدافه، برغم اختلاف الأسلوب والأدوات المستعملة فيه، عن حراك أشد وأقسى كان فاعلوه مناضلين من طينة متميزة، قهروا القمع والمعتقلات منذ ستينيات القرن الماضي، واستماتوا من أجل حق الشعب في إسقاط الفساد وفي نظام ديمقراطي وفي عيش كريم. فظلت أعينهم على الدوام شاخصة نحو وجه مغرب مشرق وجميل. ليس كل تاريخ هذه المرحلة من مسار الوطن مدونا. فمن المؤكد أن تفاصيل بقيت مخبأة تنتظر منا النبش في الركن الخفي من الذاكرة السياسية لرجالات رسموا بنضالاتهم أخاديد شاهدة على معلومات تفيد في إزالة بعض العتمة المحيطة بكثير من التفاصيل الغائبة. في حياة هذا الرعيل الأول من زعماء وقادة سياسيين أحداث مختلفة، فردية وجماعية، لا يمكن الاستهانة بأهميتها، لأنها تشكل عناصر من شأن إعادة قراءتها وترتيبها تسليط أضواء كاشفة على صرح الحدث أو الأحداث التي كانوا شهودا عليها أو اعتبروا جزء لا يتجزأ منها. لم يكن لنا من خيار للإسهام المتواضع في قراءة مرحلة ما بعد استقلال المغرب سوى طرق ذاكرة شخصية سياسية من الشخصيات التي راكمت خبرة سنين طويلة من النضال الملتزم، وما تعنيه من نضج ودراية وصدق في استحضار معطيات هامة ومثيرة يحصرها البعض في خانة «واجب التحفظ».
وقع اختيارنا على المحجوب الكواري، عضو مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، كذاكرة مفتوحة على أحداث النصف الثاني من القرن الماضي وعلى أكثر من عقدين من هذا القرن الجديد عاشها أو عايشها. لم يكن هذا الاختيار اعتباطيا. فالرجل لازال قائدا سياسيا تمتزج بين طيات شخصيته المتناقضات والمتآلفات. يفتح لنا صفحات سجل حياته بنوع من الحنين لتلك الأعوام التي عاشها أو عايشها.... المحجوب الكواري شخصية بارزة في حزب عريق. حزب ناضل، منذ أربعينات القرن الماضي، بتميز وبصدق وإصرار، رغم المنع والقمع، وذلك تحت يافطات متنوعة، فرض تغييرها صموده من أجل الأفضل للبلاد، قبل أن يحمل، أخيرا، اسم حزب التقدم والاشتراكية. المحجوب الكواري، المراكشي، ابن الطبقة الشعبية التي ظل ملتصقا بها، بهمومها ونضالاتها وأحلامها، بادلا لها من ذات نفسه كل ما يستطيع أن يبذله المواطن الصالح لوطنه، وجاعلا من صدر الطبقة الكادحة، في أشد لحظات النضال قتامة، متكئا لينا يلقي رأسه عليها فيجد فيه برد الراحة والسكون. من معين هذا المناضل، ومن تفاصيل حياته الشخصية، نقدم لقرائنا هذه الحلقات التي حاولنا صياغتها على شكل قصص وروايات وأحداث، وأحيانا طرائف ومستملحات، لتعميم الفائدة ولتسجيل أوراق شاهدة على مرحلة من تاريخ ما بعد استقلال المغرب.
الحلقة 2
المسرح مكنني من وعي سياسي مبكر
المفتش التربوي الفرنسي يحرمني من سنة دراسية بسبب ضعف بنيتي الجسدية
فر المناضل الشيوعي عبد الكبير وهبي، ابن أخت الرفيق العربي بلعكاف عقب العملية الفدائية التي قام بها داخل المدرسة الابتدائية حيث يدرس المحجوب الكواري. وكان هذا المناضل مكلفا آنذاك بمطعم المؤسسة(cantine).
في ظل اشتداد الخناق عليه من طرف البوليس الفرنسي ومخبريه من الخونة، اتصل عبد الكبير وهبي بمقاوم يسمى محمد لفريندي كان هو الأخر مبحوثا عنه. وعرج الاثنان على محمد حسن الجندي مقترحين عليه مغادرة الوطن إلى مصر، لكنه رفض مفضلا البقاء للمواجهة.
وبعد محاولات عديدة، تمكن المقاومان من عند دخول مصر. توجها رأسا إلى القاهرة حيث تم اللقاء بعبد الكريم الخطابي الذي طلب منه عبد الكبير وهبي تسهيل بلوغهما ميدان التدريب على حمل السلاح حتى يتمكنان من بلوغ مستوى مواجهة المستعمر في المغرب من خلال عمليات فدائية مدروسة.
في مدينة مراكش، وطيلة هذه المدة، ظلت المراقبة لصيقة ببيت العربي بلعكاف بالنظر إلى قرابته من الهارب. وحدث أن توصلت أسرة بلعكاف برسالة من القاهرة. كانت الرسالة تتضمن معلومات منها البلد الذي يتواجد فيه الفدائي عبد الكبير ونشاطاته، وبعض من تعليماته. وحتى لاتصل إلى البوليس الفرنسي، طلب الأب من العربي بلعكاف تحرير رسالة يقتصر في مضمونها على التحية والسلام وبعض العموميات المتصلة بالعائلة، وقام بحرق الرسالة المتوصل بها. وفي شهادة للمناضل العربي بلعكاف قال: "إن المستعمر لم يهدأ له بال بعد أن علم بتوصلنا برسالة من خالي عبد الكبير. وكانت حيلة والدي رحم الله ذكية جدا. حيث سهل على المخبرين عملية وضع اليد على الرسالة التي حررتها بيدي". وبعد مرور عام واحد، عاد خالي إلى الوطن حاملا السلاح، مشاركا في العمليات الفدائية التي أوكلت له. وبعد رحيل الاستعمار الفرنسي سيتم اغتياله برميه برصاصتين على مستوى الوجه، بباب دكالة سنة 1956 في إطار ما عرف بالعنف السياسي أو تصفية الحسابات بين القوى السياسية".

السوق المجاور للحي الذي كانت تقطنه أسرة الكواري
كانت هده العمليات تصل مسامع الصغير المحجوب الكواري الذي كان متفوقا في دراسته، رغم عدم تفريطه في اللهو والمرح مع أقرانه داخل حي سيدي عمارة بضواحي مراكش.
كان هذا الحي يضم مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، بل وضم أيضا أسرا جزائرية كان أشهرها عائلة الواسطي التي اشتهرت بارتباطها بالمقاومة الجزائرية.
لازالت ذاكرة المحجوب الكواري تختزن صورا من لحظات مغادرة الإبن الأكبر لهذه الأسرة نحو الجزائر تلبية لنداء المقاومين هناك.
وطبيعي أن تظل هذه الصورة عالقة في ذهنه لكونه لم يكن يفارق مصطفى الواسطي الإبن الأصغر لهذه العائلة الجزائرية. يقول المحجوب الكواري: "كنت أعتبره صديقي وأخي وأيضا أشرس منافس لي بالمدرسة على المراتب الأولى. من جانبي ورغم بنيتي الصغيرة مقارنة بأقراني، كنت أشعر بهذا التفوق وهذه القدرة على الاستيعاب والتي مكنتني من مواصلة المشوار دون تعثر، خاصة مرحلة المتوسط الأول(CM1) التي كان أغلب التلاميذ يكررونها. زجاء الدخول المدرسي الموالين التحقت في الساحة بصفوف التلاميذ الذين سيلجون قسم الشهادة الابتدائية. وقبل طرق الجرس كان المفتش التربوي الفرنسي يتفحص زي التلاميذ ومدى ملاءمته لقوانين المؤسسة. وما أن لمحني في الصف حتى أمر بإرجاعي للمتوسط الأول، لا لشيء إلا لكون بنيتي ضعيفة وأبدو قزما وسط باقي التلاميذ. شعرت بظلم كبير لكنني أدركت فيما بعد أن ذاك كان في صالحي. فلرب ضارة نافعة كما يقال، إذ تمكنت من إعادة استيعاب المقرر الدراسي وأن أتوفر على أساس متين في اللغتين العربية والفرنسية والحساب تمكنت بفضله من النجاح في الشهادة الابتدائية بامتياز. فرح والدي لإتمامي الدراسة الابتدائية وهو الذي كان يفهم جيدا شخصيتي التي يميزها نزوع نحو الخوف من كل شيء ومن أي شيء".
والواقع أن نجاح المحجوب الصغير في امتحان الشهادة الابتدائية لا يعود فقط إلى تفوقه الدراسي، بل يرجع في جانب كبير منه إلى والده الذي كان يعلم أن الخوف الذي يتملك ابنه سيفضي به إلى الارتباك. فما كان منه إلا أن قدم له دعما بسيكولوجيا أراحه من هول ما كان يشعر به قبل ولوج قاهة الامتحان.
يقول المحجوب الكواري بهذا الخصوص:"في صباح يوم الامتحان، لاحظ والدي ان فرائصي ترتعد، وأن الخوف بلغ مني كل مأخذ وسيؤثر على تركيزي على ورقة الامتحان. كان يعلم حبي للب قالب السكر. وهي قطعة بيضاء صغيرة لينة الملمس ورائعة المذاق. تناولها والدي بين أصابعه الخمس، وشرع يقول بصوت خافت كلمات لم أتبين معناها. ثم وضع القطعة في فمي وأكد لي أنني ناجح لامحالة. فقط علي الهدوء وانتزاع الخوف الذي كان يضغط على صدري الصغير".
كان والد المحجوب المواري ميسور الحال، يتميز بذكاء حاد ووعي بما يجري في المغرب المحتل وفي دول العالم الثالث الذي تتنازعه الأطماع الاستعمارية. وهو معطى أرخى بظلاله على المحجوب الصغير الذي ساعده الانضمام إلى الشبيبة الاستقلالية في فهم ما يجري خارج أسوار الحي وبعيدا عن عالمه الصغير.
كانت منظمة الشبيبة الاستقلالية هي الذراع الشبابي لحزب الاستقلال الذي كان تربة خصبة للمقاومة الوطنية ضد الاستعماريين الفرنسي والاسباني، وأدى انضمام المحجوب الصغير إليها في سن مبكرة، خاصة من خلال الأنشطة المسرحية، والأدوار التي كانت تسند إليه إلى الانخراط المبكر توعية أقرانه بأن النضال هو السبل الوحيد لكسب الحرية والكرامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.