هيئات صحفية ونقابية ترفض مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة        بعثة المنتخب المغربي تصل إلى زامبيا    نائبة برلمانية للميداوي: رسوم دراسة الموظفين تكرس منطق المتاجرة في التعليم    هواتف سطو مسلح بفرنسا تصل المغرب    مطار الحسيمة.. نمو ب 7 في المائة وحركة تتجاوز 92 ألف مسافر    العاهل الإسباني فيليبي السادس يلمح لزيارة مليلية    التوفيق: الذكاء الاصطناعي يثمن خطب الجمعة الموحدة    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية ورياح عاصفية بعدد من أقاليم المملكة        موسم "ذراع الزيتون" بالرحامنة.. ذاكرة المقاومة وتلاحم القبائل    وزيرة الاقتصاد والمالية: القانون يتيح للحكومة ضبط الأسعار في حالات استثنائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    مصرع 26 شخصاً خلال محاولات الهجرة سباحة إلى سبتة    مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    مبابي يسير بثبات نحو "لقب" أفضل هداف في تاريخ المنتخب الفرنسي    العلاقات المغربية التركية: دينامية متواصلة من أجل شراكة واعدة    مطار الداخلة... خلل في الخدمات يسيء لصورة وجهة سياحية واعدة    رقم قياسي جديد في المبادلات التجارية بين المغرب والصين    في رسالة مصورة: 'إنفانتينو' يصف تأهل المنتخب المغربي إلى نهائيات كأس العالم 2026 بالإنجاز الاستثنائي    الذكاء الاصطناعي يكشف توقعاته في تأهل المنتخبات العربية والإفريقية رفقة المغرب    انطلاق الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفن التشكيلي بتطوان    ميناء الحسيمة يسجل تراجعا في مفرغات الصيد البحري    بادو الزاكي: الخسارة أمام المغرب "عادية".. فهو أفضل منتخب إفريقي    آلاف المغاربة يتظاهرون ضد الحرب على غزة والتطبيع... والدولة تواصل تعزيز علاقاتها مع إسرائيل    لجنة تؤطر النموذج الجديد للصيدليات    ترامب يوقع على قرار يغير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب رسميا    افتتاح الدورة ال13 للمهرجان الدولي "ملحونيات" بأزمور    كأس العالم 2026 .. المغرب القوة الصاعدة في سماء كرة القدم العالمية    المفوضية الأوروبية تغرم "غوغل" 3,5 مليار دولار لانتهاكها قواعد المنافسة    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بالمصالح اللاممركزة للأمن الوطني في عدد من المدن    ترامب يقول إن أمريكا تجري مفاوضات متعمقة مع حماس    سمكة قرش تقتل رجلا قبالة شاطئ سيدني    ألمانيا تدشن الحاسوب الفائق "جوبيتر" لتعزيز قدرتها في الذكاء الاصطناعي    عدد مستخدمي "شات جي بي تي" يتجاوز 20 مليونا في غشت    تلميذة تنال شهادة الباكالوريا الفرنسية في سن التاسعة    تصفيات مونديال 2026: الخسارة أمام المغرب "نتيجة عادية" (بادو الزاكي)        طنجة.. الدرك الملكي يوقف شابًا متورطًا في ترويج المخدرات وحبوب الهلوسة    ساكنة مدينة الجديدة تخرج لتجديد العهد على نصرة ف.ل.سطين    الزلزولي يتدرب منفردا مع ريال بيتيس    موهوزي كاينيروغابا .. جنرال أوغندي مثير للجدل يقود المعارك عبر "إكس"    مسعد بولس يلتقي دي ميستورا في واشنطن ويؤكد أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو "الحل الوحيد"    نقد مقال الريسوني    الصحة العالمية تقرر رفع حالة الطوارئ بخصوص جدري القردة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    حينما يتحدث جاد المالح، ينثر الابتسامات، يؤجج العواطف، ويؤكد ارتباطه العميق بالمغرب    بعد سنوات من الرفض.. أوروبا وأمريكا تعتمدان علاج مبتكر ضد ألزهايمر    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس        رضوان برحيل يعلن موعد إصدار جديده الفني    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    موجة جديدة من كوفيد-19 تضرب كاليفورنيا    سبتة تحتضن تقديم وتوقيع كتاب "محادثات سرية حول مدينة طنجة" لعبد الخالق النجمي    لحظات من الحج : 13- هنا روضة النبي،وهناك بيت الله‮    علماء يحددون البكتيريا المسؤولة عن أول جائحة في التاريخ البشري    مجلس الحكومة تتداول النسخ التصويري    دراسة: ثلاثة أرباع واد سبو في سيدي علال التازي تُصنف ضمن "التلوث المرتفع جدا"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد خير الدين: رواية أكادير (15)
نشر في بيان اليوم يوم 12 - 08 - 2012

إن التاريخ ليس له وجود. لقد لفِّق باتباع ترتيب زمني صحيح نسبياً. فأبرز بعض الأحداث. فسمي ذلك تاريخاً..
كان محمد خير الدين في الرابعة والعشرين وقت أن أصدر روايته الأولى «أكادير»، التي نركب ههنا مغامرة ترجمتها لقراء العربية. رواية
تحكي قصة موظف ترسله مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى المدينة المنكوبة بزلزال 1960 ليجمع ملفات بالسكان المنكوبين. لكن تلك القصة فيها لا تعدو أن تكون مجرد ذريعة لبناء كتابة شذَرية متمردة على أعراف الكتابة السردية، فإذا «أكادير» قد جاءت نصاً مفرداً بصيغة الجمع؛ فهو يهز هزاً بنية السرد الروائي، بل يطيح بها ولا يبقي لها على قائمة، حتى أن إدموند عمران المالح عَدًّ هذه الرواية بأنها «لا تنبئ بميلاد روائي مبدع باللغة الفرنسية فحسب، بل تنبئ كذلك عن ميلاد استثنائي لشاعر كبير بأنفاس شعرية وأسطورية كبيرة».
وقد توجت رواية «أكادير» بجائزة فريدة كذلك هي «Les enfants terribles» لمؤسسها جون كوكتو. وهي لذلك كله وغيره – استعادة صاحبها إلى مهاده اللغوي مثلاً – تستحق هذه المحاولة في الترجمة ضمن مشروع لنقل أدب خير الدين إلى العربية قطعنا فيه أربع ترجمات، والبقية تأتي.
- 15 -
كان جدي يبوح لي بأسراره كلها لم يكن سافر قط لقد ولد حيث كان يعيش وحيث سيموت من جراء عقابيل هذيان ليس رعاشياً كان يحث أبي على تناول تلك البسكويتة الجميلة التي تركها أحدهم بجنب صخرة وعرة موسومة بندوب أحدثها فيها ماء الشتاء أو عواصف تأتي هي الأخرى سمراء لأنها تقتلع بعض تراب وربما جاءت محملة بشجيرات شوكية هزيلة إذا مرت بسطح للأرض أو حجر أشد رهافة لكن زبداً من ملايير الفقاقيع المتداخلة كان يخفي بطن الإعصار مات ذات صباح كانت شمسه ترسم على أصدغ الناس قبوراً طويلة بقطع الزجاج بشظايا أوان وقد كانت خالتي رمت حزمتها من الحطب الأخضر على عتبة البيت كانت تجهش بالبكاء وكنت أحاول أن أفر من تلك الكلمة الموت كان عدوي اللدود وكم هو أشد مكراً من جسدي الصغير الراكض هلعاً بين الحجارة والجذور التي نبشتها الخنازير البرية والجرذان التي لم تكن تقنع بالحفر العميقة بل كانت تقرض الشجرة وتهيل عليها مجارف من التراب المسحوق وأما الخنازير فقد كانت تتلف الجنائن والحقول المزروعة باتجاه السيل الرئيسي فقد كان في هذا البلد عدد كبير من السيول والسواقي لكن أهمها هو الذي يقطع الجبل فكأنه نهر لكن مياهه تتبخر ما أن يقع عليها أول حر لكن يفضل منها برك من الماء يقصدها الصبية للاستحمام وقد كنت أنا نفسي أصيد فيها طيوراً صغيرة وأنقليسات إذن فهذا النهر لم يكن سيلاً ولا كان مجرى مائياً يستحق أن نسميه نهراً بل كان وادياً كبيراً هجيناً مهما سمي نهراً سيلاً وادياً دون تمييز لقد مات كانت الشمس تسم ذلك النهار بالدموع والبيت بالنساء لأنهم أجبروني على العودة إليه لأحضر مراسيم تهييء الجنازة وأرى للمرة الأخيرة وجه جدي وأقبل جبينه وألمسه للمرة الأخيرة كانت تفوح منه رائحة الحبق والماء الفائر استعاروا لوحاً خشبياً كبيراً فكان فوق المربع الإسمنتي حيث اعتاد جدي أن يتوضأ في الصباح والظهيرة والمساء ربما لا أزال أتذكر كان الماء يغلي في طسوت كثيرة هي الطسوت نفسها التي كانوا يصنعون فيها الأكلات الكبيرة في أعياد الأضحى في الصيف عندما كان الناس يتوافدون على بيتنا جعل رجلان يقومان بتغسيله الأخير كانا يقلبانه وهم يهمهمون ربما كانا يفكران أنهما سيفعل بهما الشيء نفسه ذات كان الماء يضوع كذلك برائحة مزيج من الصابونيات والريحان لكن البخار والرغوة كانا معزيين كان جسد جدي ممدداً فوق اللوح يرشح نصف عار فلم يسترا غير أسفل بطنه احتفظ وجهه بابتسامة متحجرة مبلولة كان يظهرها على محياه في حياته شيء غريب لكنني كنت أفكر في الامحاء الوشيك تحت التراب البليل وفي كل الصرخات الحادة التي يعتقد أن الجثث تطلقها ما أن يهال عليها التراب كانوا يصورون لي مشاهد غريبة كنت أرى في أرقي الذي تسببه لي الحمى تلك الصبية التي كانت تنقل إلى أمها كلام الجيران والتي استنطقتها في القبر حية ذات أجراس جعلت تهز التراب والأكمة هزاً عنيفاً وتوشك أحياناً أن تهد الأرض من فوق القبر التي كان يمشي عليها رجال ونساء ما زالوا أحياء كان للصبية نهدان حليبيان مدوران ومستدقان لكن الحية لم تكترث إلى مفاتنها الذاوية بل كانت تشويها بلسانها وترهقها حتى لقد انتزعت منها أصغر سر تالف في دمها المجمد الواهن منذ أن أغمضت لها أمها بمحضر الطالب جفنيها عندما خيل إليها قبل أن تموت أنها لمحت بعيداً وأقرب إلى عينيها طيوراً هازئة تحمل بين مخالبها أعشاشاً مزقزقة كانت تبغي دون شك أن تشتتها في الفضاء جريمة أنا وفجأة خرست لم تكن أمها غاضبة من المصير الغاشم كانت تريد أن تبقى لوحدها ربما حان الوقت لكي تبدل حياتها وبيتها وترحل عن هذا البلد حيث ولدت منذ مواسم الدرس كسائر أولئك النساء اللائي يأتين إلى المدن الكبرى ولا يزلن يعلق بهن روث البهائم ومجرحات الأيدي فلا يستطعن أن يعجبن الرجال لكنهن يصرفن سحابة يومهن في إصلاح أجسادهن وتعطير أنفسهن وكثيراً ما يصرن يلقين القبول هو ممدد العين زرقاء ضاربة إلى السواد وذلك المكر بين الفينة والأخرى إذ كان يهديني من العقارب الميتة المسحوقة في المساء والصباح عندما تجتذب المصابيح الحشرات والخفافيش مخفخفة تحت أعمدة الخشب يسود في تلك القاعة حيث كنا نأتلف بعد الكسكس الشهي واللبن حيث تختلط روائح الصعتر والتراب الندي والعشب وربما الفصة أيضاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.