من تحدي المشاركة السياسية إلى إدارة الشأن الداخلي.. يتيم يعيد قراءة تجربة العدالة والتنمية (ح1)    بايتاس: حكومة أخنوش هي أكثر حكومة وسعت الحوار الاجتماعي وعملت على مأسسته منذ تنصيبها    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    توقيف متورطين في ترويج مخدرات وحجز 8955 قرص مهلوس    أيت الطالب وأمزازي يطلقان خدمات 34 مؤسسة صحية بجهة سوس    وفد ألماني يطلع بتطوان على العرض البيداغوجي للمعهد المتوسطي للتدبير    گاريدو مدرب اتحاد العاصمة: جينا نربحو بركان ونتأهلو للفينال ونديو الكاس    بدء أشغال المؤتمر السادس للبرلمان العربي بمشاركة المغرب بالقاهرة    مظاهرة حاشدة في مدريد لدعم رئيس الوزراء وحثه على البقاء    منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    هذا تاريخ عيد الأضحى لهذه السنة بالمملكة    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الطوغو بمناسبة العيد الوطني لبلاده    فرنسا تعلن استعدادها تمويل خط كهرباء يربط الدار البيضاء بالداخلة    بعد "بلوكاج" دام لساعات.. الاستقلال ينتخب فجر السبت لجنة ثلاثية لرئاسة مؤتمره    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح وآثم من فعل ذلك    المغرب يواجه واحدا من أكثر المواسم الفلاحية كارثية في تاريخه    مدير الثانوية اللي حصل ففي يو كيتحرش بتلميذة قاصر "هرب".. والنيابة العامة دارت عليه مذكرة بحث وسدات عليه الحدود    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و388 شهيدا منذ بدء الحرب    الرباط: اختتام فعاليات "ليالي الفيلم السعودي"    الخارجية البريطانية: ملتازمين بتعزيز وحماية حقوق الإنسان فالصحرا وكنشجعو الأطراف باش يواصلوا جهودهم فهاد الصدد    بنتايك ضمن التشكيلة المثالية للجولة ال34 من دوري الدرجة الثانية الفرنسي    الدكيك يكشف ل"الأيام24″ الحالة الصحية ليوسف جواد وإمكانية مشاركته بكأس العالم    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    مؤتمر الاستقلال يمرر تعديلات النظام الأساسي ويتجنب "تصدع" انتخاب القيادة    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب هذه الدولة    تواصل حراك التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغرب.. مظاهرات في 56 مدينة دعما لغزة    قناة عبرية: استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي قريبا وجميع الضباط المسؤولين عن كارثة 7 أكتوبر سيعودون إلى ديارهم    مجلس أمناء الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    فرنسا مستعدة ل"تمويل البنية التحتية" لنقل الطاقة النظيفة من الصحراء إلى الدار البيضاء    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    خمسة فرق تشعل الصراع على بطاقة الصعود الثانية وأولمبيك خريبكة يهدد حلم "الكوديم"    مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة    سيناريوهات الكاف الثلاث لتنظيم كأس إفريقيا 2025 بالمغرب!    زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    زلزال بقوة 6 درجات يضرب دولة جديدة    ممثل تركي مشهور شرا مدرسة وريبها.. نتاقم من المعلمين لي كانو كيضربوه ملي كان صغير    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    تتويج 9 صحفيين في النسخة الثامنة للجائزة الكبرى للصحافة الفلاحية والقروية    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    الأمثال العامية بتطوان... (582)    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الطريق إلى مكة
نشر في بيان اليوم يوم 07 - 07 - 2014


مشاهدات في بادية الخليج
اليومية السابعة
تفضل، هذه أربع صور..قال صاحب أستوديو التصوير السريع
عدوت قافلا من حيث أتيت..في المركز منحوني ورقة وصلت للتو من وزارة التعليم عليها خاتم الموافقة لي بالتدريس في السعودية .. باب جديد فتح لي وما علي إلا أن أقدم رجلي اليسرى عفوا اليمنى وأعبر عتبة هذا الباب متمتما : بسم الله مجراها ومراساها..
يا أنت تعال..الآن عليك الالتحاق بالملحق الثقافي السعودي.. قال الرجل ذو شعر الرأس الأشيب ..
وصلت إلى الملحق الثقافي السعودي منهك القوى.. وضعت الملف أمام الرجل المغربي الملتحي الذي يقدم خدمة مجانية للسعوديين .
خد يا سيدي، ها هو ذا ملفي ..
قدم الملتحي ملفي بدوره إلى السيد المسؤول الذي نادى علي :
يا أنت..تعال..مرحبا..أعندك جواز السفر؟
نعم..
غدا إن شاء الله عندك مقابلة مع أعضاء اللجنة..لا تنسَ..أحضر معك جواز السفر..
تهت بين ضجيج القاعة الصغيرة وأنا أبحث عن صديقي..أخيرا وجدته قابعا في زاوية من الغرفة يناقش ترتيبات السفر مع صديق آخر..
نور الدين..! مع السلامة
صافي قبلوك ؟
حتى الآن نصف خطوة مرت بسلام..المقابلة مع أعضاء اللجنة غدا..
أية مقابلة يا أنت كلام فارغ..أسئلة الموجه السمين كلها تدور حول الفعل والفاعل والمفعول به..؟ لا تحمل هما..إنها مقابلة شكلية فقط ..
وأنت..ماذا فعلت..؟
أنا خلاص..قضي الأمر..
وأين عينوك..؟
في مكة المكرمة..لكن سمعنا أخبارا تقول بأنهم كذبوا علينا..لأن العمل سيكون في قرى ومداشر صحراوية بعيدة عن مكة .
على كل حال مبروك السي نور الدين..ألف مبروك..
سلمت على صديقي ومضيت أحلم بسفر عبر الجو لم يكن يخطر على بالي..ركبت القطار المتجه إلى مراكش..جلست بالقرب من النافذة..عيناي تنظر إلى بعيد حيث الجبال تبدو سائرة معي جنبا إلى جنب وهي ترافقني رحلتي..والأشجار تتراقص على نغمات أحلامي الموؤودة في وطن أره يئدُ كل الأحلام الجميلة..أرى أمي ولا أرى شيئا..أسمع عجلات القطار تدك القضبان دكا..في إيقاع متناغم لا تنقصه سوى رقصات أجساد رجال ونساء أحواش..
لم تعد تفصلني عن الهناك إلا بضع ساعات..لأودع هذا الهنا الذي وصلت العلاقة بيني وبين حد الطلاق..
......................
ها أنت يا أنت تمشي في منعرجات حيك القديم، آه يا مراكش آه!! لست أدري كيف أعبر عن تلك الفرحة التي تغمرني كلما رأيت عبر نافذة القطار تلك النخلات التي بقيت متناثرة هنا وهناك في مدخل المدينة.
كلما بدا لي النخل وأنا على مقربة من المدينة تذكرت تلك الأغنية التي سمعتها مرة وأكثر وأنا صغير «يا مراكش يا وريدة بين النخيل» رغم كل القبح الذي يغشى العالم ستظلين جميلة وبهية يا مراكش..!
دخلتُ الحي الذي يعرفني وأعرفه جيدا، لكن هذه المرة نبدو كلانا غريبين عن بعضنا.. كثيرون من أصحاب الطفولة هاجروا الحي..كل بطريقته الخاصة.. بعد يوم يا أنت ستلحق بهم ، ونحن صغار كان درب عرصة أوزال كله عائلة واحدة محصورا بين فرن في مدخل الدرب يعتبر كمركز الاستقبال .. فالرجل السمين المسؤول عن الفرن هو الذي يعطيك بكل دقة وتفصيل اسم ودار السيد أو السيدة التي تبحث عنها إن كنت غريبا .
وفي المسجد الذي يتراآى للناظر في آخر الدرب بابه الخشبي البني الذي على قفله الحديدي من الطراز القديم تعلمنا فيه عند الفقيه السي عمر، نجلس على حصير ونردد سور القرآن بصوت عال وفرصتنا الوحيدة لكي نتخلص من الدرس هو أن نطلب من الفقيه السماح لنا بالخروج ونحن نضع يدنا على حجرنا علامة على أننا نريد التبول.
لا نكلف أنفسنا عناء الذهاب إلى البيوت فنتبول على الحائط وبسرعة حتى لا يرانا أحد فينهرنا، ثم نعود بسرعة إلى المسجد لنواصل القراءة الجماعية لسورة من سور القرآن القصار، لا يكاد يأتي «الْعْلاَمْ» وهو أول وقت الظهر حتى يكون الجدار قد رش أسفله وتعفن حتى أن رائحته النتنة تزكم الأنوف من بعيد .
دخلت باب المنزل المتهالك، كانت جدرانه متآكلة ومتهالكة يسكن تحت سقفه خمس أسر، كل أسرة تسكن بيتا، وفي وسط الدار توجد رمانة يتقاسم الجيران غلتها وقت الخريف، لكن إذا كانوا في نزاع حرمت الغلة على الجميع كبارا وصغارا، فتبقى فاكهة الرمان معلقة على الشجرة حتى تفسد، أما البئر فيوجد في ركن من المنزل وغالبا ما يتخاصم الجيران من أجل مساهمة نقدية تجمعها إحدى الجارات من أجل تجديد حبله أو دلوه .
رغم كل الخلافات والمناوشات التي كانت تحصل أحيانا بين الجيران إلا أن الود والأسرة الواحدة كانت شعار تلك الأيام.
الجارة فاطمة مالك رحمها الله كانت امرأة عنيفة المزاج، غريبة الأطوار وزاد من حدة مزاجها عدم إنجابها لأطفال، قضت أيامها كما كانت تحكي لنا في شيئين: مقاومة الاستعمار واللعب والمرح، وأنت تستمع إليها تحس وكأنك أمام امرأة غير عادية، فهي تمثل مرحلة تاريخية تشهد على فترة من تاريخ المغرب .
حكت لي مرات عديدة عن مغامراتها وهي تحمل السلاح في ربطة النعناع أو في كيس النخالة لتسلمه للمقاومين في أزقة مراكش برياض العروس والقصور والمواسين وغيرها من دروب مراكش وأزقتها . وكيف أن جنود المستعمر مرة قصدوا بيتها على بغتة حيث أن وشاية وصلتهم بأن السلاح في بيتها، ولما أحست بقدومهم وبسرعة نفشت شعر رأسها، ومزقت ثيابها على صدرها وصارت تمثل دور امرأة حمقاء تمزج بين الكلام والضحك مع نفسها...بدت لهم وكأنها مجنونة فعلا. دخلت العساكر الفرنسية والسينغالية بعد أن أزالوا الباب الخشبي من مكانه إذا بهم يواجهون امرأة غريبة الأطوار، وهي تتقمص دورا ولا أروع على خشبة مسرح الواقع والحقيقة وأمام جمهور غبي.
نجحت مسرحية المرأة التي لم تدرس أبجديات المسرح في مدرسة أو معهد، ما أكثر مغامرات هده المرأة وما أروعها! .
ها أنت يا أنت ترى الدار الآن خرابا.. وفاطمة بنت مالك ماتت دون أن يتذكرها أحد، وظهر بعدها كما كانت تقول : مقاومون بالصدفة لا يجيدون إلى الكذب والبهتان، كل الجيران الدين عهدتهم في هذه الدار أيام الصبا رحلوا.. أو ماتوا، وحدها زوجة ابن صاحب الدار الجديدة استولت على بيوتاتها ، فمنذ أن سكنت عائشة كما يزعم الجيران بدأ الشتات والفراق بين الجيران ، حتى أنهم كانوا يلقبونها أحيانا بعيشة قنديشة أو البومة.
كان بيتها في بداية زواجها يوجد في الطابق العلوي مقابلة للبيت الذي نسكنه، وكنت أراها دائمة البخور، بخور من نوع خاص رائحته مقرفة للغاية، يغلق الجيران أبواب بيوتهم لكن أمام طول المدة وهم على هده الحال كان الجيران يفقدون صبرهم فيصحون: أللا عيشة باراكة علينا من هاد الويل ديالك راه عندنا الدراري صغار عافاك .
وأنا أفتح باب الدرج المؤدي إلى غرفتي كالعادة أجد على عتبة الباب خزعبلات ماء ملوث بول عفن أتخطاه وأمر.
كنت أعرف بأنها مكائدُ عائشة، مند توفيت والدتي وهي تريدني أن أرحل وأترك لهم البيت، فأنا الوحيد الذي بقيت بعد أن توفيت أمي، فاطمة مالك هي الأخرى توفيت وللا زهور عند إحدى بناتها والروضي جارنا في الأسفل اشترى له سكنا ورحل مع أولاده .
عائشة الآن تريد أن تصبح هي سيدة الدار، كنت دائما أستحضر دلك المثل من فاطمة مالك الذي كانت تقوله للجيران سوف أن أترك لكم شيئا تترحمون علي به إلا كلامي وحكمي، كانت تقول رحمها الله : الدار بسكانها ماشي بحيطانها .
لا عليك يا أنت..! تخط العتبة ومر لن يصيبك شيء، وقفت على السطح أتأمل تلك الغرفة المتهالكة والتراب المترامي على أرضها وبعض الحشرات الصغيرة هنا وهناك سقطت دمعة حرانة على خدي، تذكرت أمي التي تعبت من أجلنا وهي ترعانا داخل هدا العش الصغير، ماتت أختها وتركت لها ولدا تربيه هو الآن في فرنسا ، وأخوها الوحيد تاه في أرض الله وترك لها ابنه لتربيته، ومات والدي وترك لها ابنه من امرأة أخرى لكي تربيه وبعد أن طال تقوتت أجنحتهم وطال ريشها تنكروا لها جميعا..
أكفكف دمعي و أقول: سامحيهم يا أمي..!
جميع أنواع الأسلحة والدمار الشامل منتظرة ومتوقعة من غريب كل أنواع التعذيب والقتل والفتك هينة أمام كلمة قاسية أو نظرة متوحشة من قريب.
وظلم دوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند.
لا عليك يا أنت
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ترجل يا أنت ...! تقدم...وافتح باب الغرفة المتهالكة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.