دور المجتمع المدني عندما نتحدث عن دور المجتمع المدني في المجال الخارجي، فإننا نتحدث عن الدبلوماسية الجمعوية الشعبية، التي تعتبر شكلا للعمل الذي تقوم به المنظمات والجمعيات العاملة في الحقل الجمعوي من تواصل وارتباط تشاركي مع باقي الفاعلين المدنيين الدوليين، حول جميع القضايا بتنوعها بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ورغم أن الحديث عن دبلوماسية المجتمع المدني في العلاقات الدولية يبقى موضوعا سابقا لأوانه مادام النقاش مفتوحا حول إشكالية المجتمع المدني ككيان واقعي ومستقل(1) فإن هذا الجدل في رأي أحد الباحثين، يتأرجح بين التحليل الأكاديمي والمقاربات السياسيات لن يعرف نهايته مادام المجتمع منخرطا بطبيعته في صيرورة من التحول والتغيير المستمرين. ومادامت المعايير الموضوعية لتحديد منظومة المجتمع المدني ومجالات انشغاله غير محدودة أو بالأحرى غير قابلة للتحديد بشكل يحسم في الإشكال القائم(2). لكنه ومن المؤكد في نظرنا أن التغيرات الدولية التي يعرفها العالم والتي طبعت مسار التحول في العديد من البلدان، قد جعلت بنية التفكير في العلاقة بين المجتمع والدولة لا تتأسس فقط من الداخل، بل أضحى العالم الخارجي محددا أساسيا لهذه العلاقة وبالتالي لبنية التفكير فيها. كما أن فسح الهامش الديمقراطي الذي فرضته مجموعة من الظروف الدولية والوطنية في بلدان عديدة قد أدى إلى ظهور فاعلين جدد على الساحة الدولية، من مؤسسات وأفراد وهيئات غير حكومية، لتكتسي دبلوماسية المجتمع المدني فيما بعد طابعا متميزا بعد عجز الدولة في الإحاطة بكل المشاكل وإيجاد الحلول لها في عالم يتميز بزيادة الاعتماد المتبادل(3)، هذا بالإضافة إلى العوامل الذاتية والموضوعية، التي ساعدت على ازدياد وعي المجتمع المدني بذاته، وبالتالي استثمار مجهوداته في ظل محيط عالمي ومحلي جديد يراهن على توسيع دائرة المشاركة الفعلية للمجتمع المدني كمؤسسة مجتمعية في التأثير من داخل منظومة السياسة الخارجية للدولة. ففي المغرب وكما هو معلوم، يعتبر مجال السياسة الخارجية مجالا محفوظا، حيث تبرز هاته الوضعية بكون مجال السياسة الخارجية يتداخل إلى حد بعيد مع سيادة الدولة وبالتالي وجب إبعاده عن المزايدات السياسية والارتهانات المذهبية(4). ويحضر المجتمع المدني مساهما فعليا من خلال التوقيع على بعض الاتفاقيات والمعاهدات، حيث كان طرفا موقعا لاتفاقية «أوطاوا» لحظر الألغام المضادة للأشخاص، وكان ظاغطا من خلال المظاهرات المضادة لسياسة المؤسسات الاقتصادية الدولية بكل من «دافوس»، و»سياتل»، ومؤتمر «دوربان» بجنوب إفريقيا، إذا في هذا المؤتمر سلطت الأنظار على العمل الغير الحكومي للمجتمع المدني الذي استقطب الرأي العام أكثر من أشغال المؤتمر الرسمي الذي عرف انسحاب إسرائيل وأمريكا، الأولى هروبا من الإدانة الدولية لانتهاك حقوق الإنسان في فلسطين؛ والثانية تهربا من مناقشة مبدأ تعويض السود الأمريكيين عن سنوات العبودية. وفي علاقة بالموضوع وارتباطا بالمغرب الذي يبحث عن حل نهائي لقضية الصحراء، نجد أن للمجتمع المدني المغربي حضورا في الدفاع عن الملف على المستوى الخارجي من خلال مشاركته في اللقاءات والمؤتمرات الدولية، وهكذا شكلت مشاركة المغرب في الدورة السادسة عشر للمهرجان العالمي للشباب والطلبة المنعقد بفنزويلا صيف 2005 (5) حدثا سياسيا مهما تمثل في مجهودات المجتمع المدني الهادفة إلى إبراز السياسة الخارجية للمغرب في قضية الصحراء وكسب التأييد الشعبي للدول المشاركة في المهرجان، والمتمثلة في جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، وعلى هذا الأساس برزت قوة وفاعلية الشبيبات المشاركة في توضيح الرؤى لدى الرأي العام الدولي الشبابي والطلابي، من خلال المشاركة في ندوة حول موضوع تقرير الشعوب لمصيرها. وكذا من خلال تنظيم ندوة حول ملف الوحدة الترابية والتي كانت مبرمجة ضمن أشغال المهرجان في البرنامج العام، ليساهم الوفد كذلك في فتح نقاشات جانبية وهامشية مع ممثلي شبيبة وطلبة البوليساريو، وكذا شباب وطلبة دولة الجزائر الشقيقة، تميزت بحوار موضوعي مفتوح غير ملزم، رغم ما عرفته أشغال الندوة من عنف رمزي ومادي تمثل في محاولة نسق النشاط وتغييب رأي المجتمع المدني المغربي وموقفه في القضية. هذا ولعبت الشبيبة الاشتراكية باعتبارها رئيسة للوفد المشارك وكمنتخبة في الجمعية العامة للفدرالية العالمية للشباب الديمقراطي دورا أساسيا في أشغال المهرجان، توج ذلك بصدور بيان ختامي معتدل في الموقف من قضية الصحراء رغم المساندة الشبه المطلقة للشبيبات التقدمية الاشتراكية والشيوعية الدولية للبوريساريو إيمانا بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وكذا الدعم الحكومي المطلق للجزائر ضد المغرب(6). وعبر مشاركة نفس الشبيبات هذه المرة في مؤتمر الفدرالية العالمية للشباب الديمقراطي بالعاصمة الفيتنامية هانوي في الفترة ما بين 9 و14 مارس 2007 ،فقد المغرب مكسب تواجده في الجمعية العامة للفدرالية من خلال عدم انتخاب الشبيبة الاشتراكية رئيس الوفد المشارك في المؤتمر المكون من 20 مشاركا ومشاركة يمثلون الشبيبات المذكورة سابقا، مرة أخرى مع العلم أنها كانت عضوا سابقا، وهو ما شكل شبه انتصار دبلوماسي لشبيبة البوليساريو المدعومة من طرف أغلبية الشبيبات الشيوعية والاشتراكية العالمية، بسبب ضعف التنسيق في ما بين أعضاء الوفد الممثل للشبيبات المشاركة(7). وهكذا يبرز دور المجتمع المدني كطرف في الصراع حول الانتصار للقضية الوطنية في المحافل الدولية، تارة بشكل إيجابي وتارة بشكل سلبي، إلا أن الأساس هو الحضور المتكرر والدعم المادي والمعنوي للوصول إلى النتائج التي يمكن أن يحققها المجتمع المدني في تكوين ثقافة مجتمعية تخدم السياسة الخارجية، حيث يعد المركب العلمي الثقافي أولوية في تنمية الوعي بالفعل الدبلوماسي الموازي وترقية دور الفاعلين فيه. إن المجتمع المدني بهذا المعنى يجب أن يرغم الدولة على الإنصات والنظر له على أنه يمتلك قوة الاقتراح والمبادرة وفق تحديد واضح لأهدافه، والتزام دقيق بالمصالح الحيوية للبلاد، فهناك مجتمع مدني عامل وفاعل في مجالات التنمية، ويؤثر بشكل ما في السياسات العمومية، هذا النوع من الإطارات لابد أن يبلور كفاءة أكبر في اقتحام جوانب السياسة الخارجية كذلك، ويضع رهانا مستقبليا في الفعل ليس فقط على مستوى الدولة وإنما التأثير كذلك من داخل تنظيمات المجتمع المدني العالمي(8). إذن تبرز أهمية دبلوماسية المجتمع المدني وحتميتها، بالنظر إلى القضايا التي تحتاج إلى تحرك أكبر وإلى توضيح للمواقف، وكسب للتأييد داخل أوساط المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والرأي العام الدولي. فبعد قضية الوحدة الترابية التي تعتبر أهم الملفات السياسية التي تحتاج إلى تحرك أقوى بغية الوصول إلى حل نهائي، تأتي ملفات أخرى، مثل الملف الاقتصادي وما يتعلق بجلب الاستثمارات وتسويق المنتوج الوطني دوليا، والملف الاجتماعي المتجلي في البحث عن سبل التعاون في تطوير مؤشر التنمية البشرية، والملف الثقافي المتعلق بتوسيع مجال التبادل الثقافي والإعلامي، كلها ملفات تحتاج حقا إلى كسب الثقة والمصداقية على المستوى الدولي والارتقاء بالممارسة بشأنها، فالدولة لا يمكن أن تبني علاقات تتسم بالديمومة والاستقرار بالاقتصار فقط على الجانب الرسمي، فالتواصل الغير الحكومي بما يحمل من خصائص وإيجابيات يجعل من الدبلوماسية الموازية مطلبا ضروريا وحيويا تفرضه العديد من المعطيات التي تؤكد على المساهمة الفاعلة للمجتمع المدني، ونسوق على سبيل المثال نموذج الاتحاد العام لمقاولات المغرب فيما يتعلق بالدبلوماسية الاقتصادية، وكذا منتدى مهاجري الاتحاد الأوربي وجمعية العمال المهاجرين المغاربة باسبانيا فيما يتعلق بالدبلوماسية الاجتماعية، لتبدو العلاقة جد وطيدة بين الاقتصاد وظاهرة الهجرة باعتبارهما ملفين يطرحان على وجهات مختلفة في العلاقة المغربية الأوربية(9). ويطرح «ماكسويل كامرون» رأيا بخصوص أهمية المجتمع المدني فيما يتعلق صناعة القرار. فهو لا يفرق بين صناعة القرار والتأثير الكبير في صناعته، فقد يبدو منفذ القرار مجرد أداة مسخرة من قوى المجتمع المدني من أجل إضفاء الصبغة القانونية على مجموعة من الأفعال والتحركات. فالمجتمع المدني معناه القاعدة، معناه الرأي الذي يمثل الأغلبية، إذ لا يمكن بأي حال أن تتخذ قرارات مصيرية ضدا عن الرأي العام، فازدهار المجتمع المدني من شأنه دمقرطة المؤسسات الدولية وتحويلها بفعل الاختبار والتجديد إلى مؤسسات تخدم المصالح العامة(10) (1) - يمكن الاطلاع على النقاش الذي فتحته مجلة وجهة نظر حول المجتمع المدني بالمغرب، العدد (6 شتاء 2000) والعدد (7 ربيع 2000). (2) - رضوان فال: «دبلوماسية المجتمع المدني في العلاقات المغربية الأوربية»، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الدولي، كلية الحقوق، أكدال الرباط، 2001-2002، ص:1. (3)- عبد الكبير الخطيبي: «الدولة والمجتمع المدني الجديد: في مؤلفة التناوب والأحزاب السياسية»، منشورات عكاظ، 1999، ص: 113. (4) - الحسان بوقنطار: «السياسة العربية للمملكة المغربية»، منشورات مركز الدراسات العربي الأوربي، الطبعة الأولى، 1997، ص:14-15. (5) - الدورة 16 للمهرجان العالمي للشباب والطلبة التي انعقدت بالعاصمة الفنزويلية كراكاس ما بين 7 و15 غشت 2005 بمشاركة 150 مشاركا ومشاركة مثلوا كلا من الشبيبة الاشتراكية والشبيبة الاتحادية والشبيبة الاستقلالية وحركة الشبيبة الديمقراطية باعتبارهم أعضاء منخرطين في الفدرالية العالمية للشباب الديمقراطي. (6)- عن التقرير المقدم من طرف الكاتب العام للشبيبة الاشتراكية، السيد سعيد الفكاك، في المجلس المركزي في دورته الثالثة المنعقد بالهرهورة، بتاريخ 23 و24 دجنبر 2006. (7) - جريدة الصحيفة، العدد 123 بتاريخ 29 مارس 2007، ص:3. (8) - عن التقرير السنوي حول الدبلوماسية الموازية للمغرب، صادر بجريدة الاتحاد الاشتراكي، بتاريخ 23 دجنبر 2005. (9) - رضوان فال: «دبلوماسية المجتمع المدني في العلاقات المغربية الأوربية»، مرجع مذكور سابقا، ص:5. (10) - Maxwell Cameron : « Mondialisation de la société civile », L'institut Nord-sud, Revue Vol 2, N°1, 1988. ، (1) - يمكن الاطلاع على النقاش الذي فتحته مجلة وجهة نظر حول المجتمع المدني بالمغرب، العدد (6 شتاء 2000) والعدد (7 ربيع 2000). (2) - رضوان فال: «دبلوماسية المجتمع المدني في العلاقات المغربية الأوربية»، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الدولي، كلية الحقوق، أكدال الرباط، 2001-2002، ص:1. (3)- عبد الكبير الخطيبي: «الدولة والمجتمع المدني الجديد: في مؤلفة التناوب والأحزاب السياسية»، منشورات عكاظ، 1999، ص: 113. (4) - الحسان بوقنطار: «السياسة العربية للمملكة المغربية»، منشورات مركز الدراسات العربي الأوربي، الطبعة الأولى، 1997، ص:14-15. (5) - الدورة 16 للمهرجان العالمي للشباب والطلبة التي انعقدت بالعاصمة الفنزويلية كراكاس ما بين 7 و15 غشت 2005 بمشاركة 150 مشاركا ومشاركة مثلوا كلا من الشبيبة الاشتراكية والشبيبة الاتحادية والشبيبة الاستقلالية وحركة الشبيبة الديمقراطية باعتبارهم أعضاء منخرطين في الفدرالية العالمية للشباب الديمقراطي. (6)- عن التقرير المقدم من طرف الكاتب العام للشبيبة الاشتراكية، السيد سعيد الفكاك، في المجلس المركزي في دورته الثالثة المنعقد بالهرهورة، بتاريخ 23 و24 دجنبر 2006. (7) - جريدة الصحيفة، العدد 123 بتاريخ 29 مارس 2007، ص:3. (8) - عن التقرير السنوي حول الدبلوماسية الموازية للمغرب، صادر بجريدة الاتحاد الاشتراكي، بتاريخ 23 دجنبر 2005. (9) - رضوان فال: «دبلوماسية المجتمع المدني في العلاقات المغربية الأوربية»، مرجع مذكور سابقا، ص:5. (10) - Maxwell Cameron : « Mondialisation de la société civile », L'institut Nord-sud, Revue Vol 2, N°1, 1988. كما أن جودة الأداء السياسي داخل المؤسسة البرلمانية بكاملها، ينعكس من خلال قوة الأحزاب السياسية المفرزة لفرق برلمانية مشكلة من النخبة السياسية(). وتتفاعل الأحزاب هي الأخرى مع مكونات المجتمع المدني، ليحقق المغزى من تلاقح وتفاعل المجتمع المدني بالمجتمع السياسي في علاقة جدلية محكمة بضوابط سياسية تصب في مجرى إلتقاء الدبلوماسية الشعبية أو الموازنة بالدبلوماسية البرلمانية في تعاون وتكامل، حيث أن الدبلوماسية الشعبية ماهي إلا صورة للتحول الذي طرأ على الدبلوماسية في القرن العشرين والذي نجم عن التقدم العلمي والتكنولوجي في وسائل الاتصالات المختلفة. إنها أيضا ومن زاوية أخرى صورة من صور الدبلوماسية العلنية التي تتصل بالجماهير الشعبية وتعلن لها عن أعمالها وما توصلت إليه من نتائج، إن الاتصال بالشعب إذن قد أعطى للدبلوماسية اسم الدبلوماسية الشعبية، وليس هذا فحسب، وإنما هناك رأيا عاما شعبيا تسعى الدبلوماسية لكسبه وتأييده، فالدبلوماسية في صورتها الشعبية تخاطب الشعب، وتتصل به عن طريق الوسائل الحديثة التي تجعل من المخاطبة والمواجهة أمرا ممكنا. وهذا التحول الذي فرضته ظروف وأحوال العصر لم يجعل من الدبلوماسية شعبية في أهدافها وإنما جعل منها أن تكون شعبية في وسائلها أيضا، ذلك أن الدبلوماسية التي تضع لها مخاطبة جماهير الشعب وتأييد آرائهم هدفا، قد فتحت أبوابها لأبناء الشعب قاطبة، إذ أن الدبلوماسية الشعبية لا تستطيع أن تنجح إلا بدبلوماسيين شعبيين يأتون من عموم الشعب ويفهمون لغته ويحسون بأحاسيسه ويعملون من أجل خدمته(). عموما أصبح للدبلوماسية الموازية دور أساسي وهادف في الدفاع عن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب الدبلوماسية الرسمية المتمثلة في الملك والحكومة والبرلمان، فما هو إذن دور الأحزاب السياسية ودور المجتمع المدني في السياسية الخارجية للمغرب في علاقتهما بالعمل الدبلوماسي للبرلمان ؟