لا يعرف الكثيرون أن الملك الحسن الثاني الذي أبدع الدروس الحسنية، لم يكتف بأخذ الكلمة فيها أو مجادلة بعض العلماء في دروسهم، بل إنه من مكانه المقابل لمنبر الخطيب، وبحضور أركان الدولة وعلماء من العالم الإسلامي وسفراء الدول الإسلامية، ألقى درسين كاملين في 1966 و1978. وبطبيعة الحال، وبحكم صفته كجالس على العرش، وبحكم الأحداث التي كانت تمر بها المملكة وتفاعلها مع محيطها الإقليمي، فالدرس لم يكن دينيا محضا، ولكنه كان ذا حمولة سياسية بيّنة لم يخفها الحسن الثاني المحاضر.
في شهر رمضان من سنة 1989، ألقى حسن بن الصديق، وهو واحد من العلماء الكبار في المملكة، درسا في موضوع "الدين بين الإتباع والإبتداع"، حيث تناول فيه بعض نماذج البدع المنهى عنها والتي استشرت في عصرنا الحالي، ومن ضمنها العقود التي تبرم أثناء وقت صلاة الجمعة، مفتية ببطلانها، استنادا إلى الآية الكريمة : "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع".
فطن الحسن الثاني لما ألمح إليه بن الصديق، الذي كان يقصد من وراء خطابه بطلان معاهدة "اتحاد المغرب العربي" التي أبرمت يوم 17 رمضان من العام نفسه وقت صلاة الجمعة، أي ثلاثة أيام فقط بعد توقيع المعاهدة، التي لم يؤدها قادة البلدان العربية الخمسة الموقعة على المعاهدة إلا قبيل أذان صلاة العصر بنصف ساعة تقريبا، فما كان من الملك، الذي كان يعرف، أن الدروس الحسنية تنقل على الهواء مباشرة، إلا أن قاطع الشيخ غاضبا: "أتمم الآية يا فقيه"، فأتم الشيخ قوله تعالى: "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلم تفلحون".
فعاود الملك المقاطعة بغضب باد على غير عادته، منبها الشيخ إلى أنه مطالب بإتمام الدرس في غضون خمس دقائق ليس أكثر، وكانت آخر مرة يصعد فيها بن الصديق لإلقاء دروسه أمام الملك، إذ أن غضبة الحسن الثاني عليه كانت بادية.
وفي واقعة أخرى، ورد في كتاب مسار المصور الملكي محمد مرادجي أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حينها عبد الكبير العلوي المدغري، جلس أسفل الكرسي الذي يلقي من عليه العلماء الدروس الحسنية في حضرة الملك الراحل الحسن الثاني، وكان الدور هذه المرة على العالم محمد لزرق، ليلقي محاضرة دينية في حضرة عاهل البلاد.
ونظرا لإطالة الفقيه، خريج جامع القرويين بفاس، وعدم احترامه للتوقيت المتفق عليه، وفي محاولة لتنبيه الفقيه لزرق إلى ذلك، قام الوزير العلوي المدغري بشد طرف جلباب الفقيه المحاضر بطريقة غير ظاهرة لينبهه إلى ضرورة إنهاء الدرس الذي يلقيه، وبصوت مرتفع تحدث العالم إلى الوزير "ماتجبدش جلابتي، إذا أراد أمير المؤمنين أن أختم سيقولها هو بنفسه، وعلى كل حال أنا في المرحلة النهائية وسأنهي بما يتناسب مع الموضوع الذي أحاضر فيه".
وبنبرة لا تخلو من فكاهة، قال الملك الراحل الحسن الثاني "كمل آ الأستاذ".
ودقائق قليلة بعد ذلك، واحتراما للملك، أنهى المحاضر الدرس الذي استفاض فيه، لكن الحسن الثاني فهم أن العالم لزرق لم يكمل محاضرته، فخاطبه قائلا: "نعلم أنك لم تنه محاضرتك، لذلك ندعوك إلى إلقاء الدرس يوم غد إن شاء الله"، فأجاب العالم لزرق وسط ضحك الحضور "ما حاس بالمزود غير لي مضروب به".
وكانت هذه أول وآخر مرة يلقي فيها محاضر درسين في يومين متتاليين في حضرة الملك بمناسبة الدروس الحسنية.