بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    اتحاد طنجة يفوز على نهضة بركان    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب: القرآن وكفى مصدراً للتشريع الإسلامي

1- صدر هذا الكتاب عن مؤسسة الانتشار العربي سنة 2005، لمؤلفه المفكر الإسلامي أحمد صبحي منصور(1). يتناول الكتاب، وبشكل عام، إشكالية مصادر التشريع في الإسلام ، فإلى جانب إشكالية الخلافة التي برزت مباشرة بعد وفاة النبي، يمكن اعتبار هذا الموضوع؛ نقصد هنا موضوع مصادر التشريع في الإسلام، من أبرز الإشكاليات الفقهية التي رافقت عملية التدوين مع بداية القرن الثالث؛ أي بعد وفاة النبي بقرنين حسب المؤلف (ص 100 ).
فمن المعروف أن المشرع الإسلامي لم يكتفي بالقرآن الكريم فقط كمصدر للتشريع ، وإنما اعتمد على مصادر أخرى إلى جانب القرآن(2 ) ، ومنها الحديث أو السنة بوجه خاص(3). وذلك باعتبارها جزء من " الوحي " حسب القائلين والمدافعين على هذا الرؤية(4). وكنتيجة لهذا التصور يعتبر كتاب " صحيح " البخاري على سبيل المثال ثاني أصح كتاب بعد القرآن (ص 108). لهذا يعتقد معظم المسلمين بأن الحديث هو جزء من " الوحي "، وبالتالي يضعونه (= الحديث) مقابل القرآن حيث لا يجوز مخالفته(= الحديث) كما لا يجوز مخالفة القرآن تماما.
انطلاقا من هذا التصور يتساوى القرآن في قيمته الدينية والرمزية مع الحديث ، سواء من حيث المصدر أو من حيث الأهمية والقدسية(5)، على اعتبار أن الحديث جزء من " الوحي" كما اشرنا إلى ذلك سابقا. ففي نظر القائلين بهذه الفكرة لا توجد اختلافات جوهرية بين القرآن الكريم والحديث. وذلك لكون أن الحديث ما هو إلا تتمة للقرآن فقط (6). بل أكثر من ذلك تعتبر الحديث ضرورة دينية وعلمية من أجل بيان واستنباط القرآن أولا، وحفظه ثانيا(7) .
يرى القائلون بضرورة الاحتكام إلى الأحاديث، سواء في مجال التشريع أو في مجال تفسير وتوضيح القرآن الكريم، أن الأشكال أو الاختلاف الموجود حول الموضوع يكمن – أساسا - في طريقة وكيفية النزول – نقصد هنا بطبيعة الحال نزول القرآن والحديث - وليس حول المصدر نفسه. فالقرآن نزل عن طريق الوحي عبر جبريل (8)، بينما نزل الحديث عن طريق الإلهام المباشر من الله إلى النبي(9)، وبالتالي فإن الوحي حسب هذه الرؤية/ التصور يشمل إلى جانب القرآن الحديث أيضا، وهو الشيء الذي يعني أن الدين لم يكتمل مع وفاة الرسول (ص) كما جاء في سورة المائدة الآية 3، حيث يقول سبحانه وتعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا))، وإنما اكتمل مع تدوين الأحاديث عموما، ومع كتاب البخاري تحديدا، ونشير هنا أن الأمام ابن برزويه، والمشهور باسم البخاري، توفى سنة256 هجرية.( ص 144 ).
يتضح لنا من خلال هذه الآية أن الدين اكتمل مع توقف نزول الوحي على النبي؛ أي نزول القرآن، وبالتالي فإنه لا يمكن منطقيا تصور شيء آخر إلى جانب القرآن، أما الحديث فما هو إلا اختراع بشري حسب رأي المؤلف، حيث أورد يقول بالحرف ما يلي " وقالوا لنا لا اجتهاد مع وجود نص واخترعوا نصوصا أكسبوها قدسية مع أنها تعارض كتاب الله ومنعونا من مناقشتها .. " (ص 84 ). كما نضيف هنا أمرين أساسين فيما نحن بصدد الحديث عنه في هذه الورقة، وهما:
• الأول: هو أنه بعد هذه الآية لم يعد ممكنا أن يقال أن كتب الفقه والحديث تكمل نقصا في القرآن( ص 75) . كما أن مسألة اعتبار الحديث امتدادا للقرآن الكريم، وبالتالي فإنها تتمم وتكمل نقصا في القرآن تتناقض وتتعارض مع جوهر القرآن، فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الحكيم (( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا)) فلا يمكن للمؤمن بالله والرسول (ص) أن يتصور وجود تناقضات في القرآن، حيث لا يتوقع الاختلاف والتضاد بين النصوص، عندما يكون المصدر واحدا، فإذا أضفنا إلى وحدة المصدر عصمته لأنه من وحي الله، فمحال أن يوجد بينها اختلاف(10).
• الثاني: هو أن القرآن لم يفرط في شيء حتى يمكن الاستعانة بالحديث، كما أنه نزل تبيانا لكل شيء، حيث يقول سبحانه وتعالى (( ما فرطنا في الكتاب من شيء)) سورة الأنغام، الاية38. وبعد هذا التوضيح، ترى من سنصدق، هل سنصدق كتاب الله أم سنصدق الامام البخاري؟ وإذا كان الحديث جزء من " الوحي" ، فلماذا لم يتم تدوينه في عصر الخلفاء الراشدين كما حصل مع القرآن الكريم؟ ولماذا كان الرسول (ص) ينهى، ومن بعده الخلفاء الراشدين أيضا، عن كتابة وتدوين الحديث كما تخبرنا بذلك كتب الحديث نفسها ، ومنها كتاب البخاري نفسه؟ فإذا احتكمنا إلى الرأي القائل بأن الحديث جزء من الدين ، ونحن ندرك جيدا أن الرسول كان ينهى عن كتابة الأحاديث، فهذا يعنى أن الرسول(ص) لم يبلغ الرسالة كاملة، علما بأن مهمته(= الرسول ص) الوحيدة حسب المؤلف هي تبليغ الرسالة فقط؟ (ص 141 ). فالرسول وفق مجموعة من السور القرآنية مطالب بتبليغ الرسالة فقط كما هو الأمر مع الآية التالية (( يأيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته )) سورة المائدة، الآية 67 .
ولأهمية هذا الموضوع نشير في هذا السياق إلى نقطتين مهمتين في تصورنا، الأولى تتعلق بأسباب ظهور الأحاديث، حيث أنه من المهم جدا معرفة سياق ومناخ ظهور ها (= الأحاديث). بينما تتعلق الثانية بالآيات التي تحتوى في طياتها على كلمة الحديث، التي كثيرا ما يتم استعمالها لتبرير الفكرة القائلة بأن الأحاديث جزء من الوحي.
* النقطة الأولى: تعتبر الصراعات السياسية التي نشبت بين المسلمين، بعد وفاة الرسول (ص) مباشرة، خاصة بين علي وأبى بكر، وبين معاوية وعلي، وبين عبد الله بن الزبير وعبد الملك، ثم من بعد ذلك بين الأمويين والعباسيين من أبرز الأسباب التي ساهمت قي بروز الأحاديث أولا، وفي تدوينها ثانيا.(11) هذا بالإضافة إلى ظهور الفرق الكلامية والفقهية آنذاك، التي استعملت الأحاديث لدعم وجهات نظرها ومواقفها ضد الخصوم(12). ومن الأمور المثيرة للجدل، والاستغراب في نفس الوقت، هي أسماء الرواة، فهل يعقل على سبيل المثال أن يروي أبى هريرة أزيد من 5274 حديثا بينما نجد عند عمر بن الخطاب 527 حديثا فقط ؟. وعندما نطرح هذا السؤال فإننا تدرك جيدا دور ومكانة عمر في الدعوة من جهة، وعلاقته (= عمر) بالنبي من جهة ثانية، وذلك قياسا ومقارنة مع مكانة وموقع أبى هريرة في الدعوة وعلاقته بالنبي التي لم تتجاوز ثلاثة سنوات، ولم يشاركه في الهجرة أو الدعوة ..الخ، فهل يعقل أن يكون أبى هريرة يعرف الحديث أكثر من عمر، علما أنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة مقارنة مع عمر ؟.
* النقطة الثانية: وهي أن كلمة الحديث الواردة في بعض الآيات القرآنية، والتي عادة ما يتم استعمالها لتبرير الرأي القائل بأن الحديث هو جزء من " الوحي "، تفيد القرآن الكريم ولا تفيد الحديث؛ أي أن المقصود بها هو القرآن وليس الأحاديث، كما هو واضح من الآية التالية (( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين)) وهذا التحدي الإلهي خاص بالقرآن فقط كما هو معروف لدى الجميع. ويقول تعالى أيضا في كتابه المبين ، سورة الأعراف الآية 175 (( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون )). ونشير هنا أن كلام الله ذكر بصيغ متعددة فتارة يوصف: بالكتاب والقرآن، وتارة أخرى يوصف بالحديث، أو السنة، أو الآيات، أو الحق أو البلاغ و..الخ، وكل هذه الأوصاف تشير إلى معنى واحد وهو القرآن (13).
على كل حال، وقبل انتقالنا، إلى استعراض أهم وأبرز الأفكار التي تضمنها الكتاب ، المذكور أعلاه، نشير هنا إلى نقطة في غاية الأهمية في اعتقادنا؛ وهي مسألة الخلط والمزج بين الحديث والسنة، حيث أن الكثير من المسلمين، لا يميزون بين هذين المفهومين، وبالتالي فإن الحديث في نظرهم هي السنة، والعكس صحيح أيضا. أو بصيغة أدق، تعتبر الحديث مرادف للسنة، لكن عند التحقيق والتحرير نجد أن الحديث شيء والسنة شيء آخر تماما. فعندما نتحدث عن السنة فإننا نتحدث في واقع الأمر على الطريقة الدينية التي سلكها النبي في حياته بعد تلقيه الوحي ولا نتحدث عن أقوال وأفعال النبي التي تسمى بالحديث(14). كما نلاحظ أيضا وجود خلط كبير جدا بين مفهوم النبي ومفهوم الرسول في التداول اليومي للمسلمين(15).
- 2 -
يقع الكتاب الذي بين أيدينا في 161 صفحة من الحجم المتوسط، موزعة بالإضافة إلي المقدمة والخاتمة على ثلاثة فصول، يحتوى كل فصل على عدة محاور فرعية. عند قراءة الكتاب يتضح للقارئ المعترض والنقدي مدى قوة وموضوعية الحجج والبراهين التي يعتمدها الكاتب ، وبالتالي مدى قوة الإقناع التي يتوفر عليها الكاتب، متسلحا في ذلك بحجج منطقية ومقنعة للغاية، الحجج التي تؤكد ، بل وتثبت، بأن القرآن هو المصدر الأول والأخير للتشريع( ص 107). هذا من جهة، ومن جهة أخرى تثبت السور والآيات التي ذكرها المؤلف في معرض حديثه عن علاقة القرآن بالحديث أولا ، وعن علاقة الحديث بالتشريع ثانيا؛ عدم نزول أي شيء إلى جانب القرآن الكريم(ص107)، وبالتالي فإن الأحاديث التي تنسب إلى النبي هي إنتاج بشري في نظر الكاتب.(16)
وفي هذا السياق يثبت المؤلف وجود تعارض وتناقض فادح بين القرآن الكريم وأحاديث البخاري (ص85)، حيث تطرق (= المؤلف) إلى مجموعة من الحالات والنماذج التي تتعارض، بل وتتنافى، مع القرآن الكريم، ومنها الأحاديث التي تتحدث عن الرجم، حيث ينفى الكاتب أن يكون الرسول(ص) قد قال بالرجم، لعدة اعتبارات، منها أن عقوبة الزنا مذكورة في القرآن بشكل واضح جدا؛ وهي عقوبة الجلد وليس الرجم، وفي هذه الحالة لا يمكن للرسول (ص) أن يقول بالرجم كما أورد البخاري في أحاديثه (ص 142 - 150 )، فهذا الأمر يعتبر مخالفة صريحة من الرسول (ص) للقرآن ، فهل يمكن للنبي أن يقوم بهذا السلوك؟ وإذا كان القرآن قد حدد عقوبة الزنا بشكل واضح ومفصل، فما جدوى قول الرسول (ص) بعقوبة الرجم؟ وما هي الحالات التي يتم فيها الرجم وليس الجلد المنصوص عليه في القرآن. هذا بالإضافة إلى أن مسألة التشريع ليس من مهمة الرسول (ص) يقول المؤلف( ص 68 -78 )، وإنما مهمته تنحصر فقط في التبليغ كما يقول الله تعالى في سورة المائدة، الآية 99 (( ما على الرسول إلا البلاغ )).
- 3 -
علاوة على ما سبق ذكره، وبإيجاز شديد، تناول الكاتب أيضا الأحاديث المتعلقة بالمحيض، وهي أحاديث تتعارض طولا وعرضا في نظر الكاتب مع القرآن الكريم ( ص 113). أما في الصفحات التالية 109 – 110 - 111 – 112 و113، وتحت عنوان فرعي قصير" كيف كان النبي يقضي يومه ؟ "، قام المؤلف بدحض الأحاديث التي أوردها البخاري في كتابه المعروف ب " الصحيح " البخاري حول علاقة الرسول بنسائه. فالأحاديث التي أوردها البخاري في هذا الصدد؛ أي حول علاقة الرسول (ص) بنسائه، تتعارض كليا مع ما نجده في القرآن حول حياة النبي بعد أن تلقي الوحي (ص 109) ، حيث يؤكد القرآن أن الرسول صلوات الله عليه كان يقوم الليل ويرتل القرآن ( انظر سورة المزمل الاية1 -5) ، بل وأكثر من ذلك أسس دولة وخاض حروب شرسة ضد خصومه وأعدائه، بينما نجد أحاديث البخاري تقول بأن الرسول (ص) كان يقضي كل وقته في نكاح ومعاشرة نسائه، حيث تقول احد الأحاديث التي أوردها البخاري في كتابه ما يلي: { كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة} (ص 112). فماذا سيستنتج القارئ من هذا الحديث؟ فهل يعقل أن يقضي الرسول كل أوقاته في التنقل بين نسائه وهو صاحب رسالة ورئيس دولة، والجيش والقضاء؟.
ليس هذا فقط، بل هناك أمر خطير للغاية، فالرسول حسب البخاري كانت له علاقات جنسية غير شرعية (ص 115)، كما هو واضح من الأحاديث التالية " جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي فخلا بها فقال: والله إنكن لأحب الناس إليه"، وهذا الحديث يتناقض مع حديث آخر للبخاري يقول " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" (ص 115). كما أورد الكاتب حديث للبخاري يقول " كان رسول الله يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن أبي الصامت فدخل عليها رسول الله فأطعمته وجعلت تفلي ( تلعب) رأسه فنام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك فقالت: وما يضحكك يا رسول الله ؟ (ص 117).
فمن خلال هذا الحديث نفهم أن أم حرام التي يدخل عليها الرسول (ص) حسب منطوق الحديث، كانت امرأة متزوجة، هذا أولا، وثانيا نفهم كذلك بأن الرسول (ص) كان يدخل على أم حرام في غياب زوجها، وثالثا نفهم كذلك بأن الرسول(ص) كان يطيل الإقامة والجلوس لدى هذه السيدة، حيث كان ينام لديها ويجرى معها حوارات طويلة. نكتفي بهذا القدر من الأحاديث التي تقول بأن الرسول (ص) كان يمارس الجنس مع نساء غير نسائه( 110 – 122 )، بل هناك أحاديث أخرى نسبت للنبي تبيح الزنا، كالحديث التالي " أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما لثلاث ليال فان أحبا أن يتزايدا أو يتتاراكا " ( ص 122). لكن هل سنصدق أحاديث البخاري آم سنصدق القرآن الذي يقول على الرسول (( وانك لعلى خلق عظيم ))؟.
-4 -
إلى جانب هذا، تناول الكتاب كذلك مجموعة من الأحاديث، التي تتحدث عن معرفة الرسول للغيب وقيام الساعة، بل والشفاعة أيضا يوم القيامة. ففي نظر الكتاب تتناقض الأحاديث التي أوردها البخاري حول هذه المواضيع مع القرآن (ص 151 ). ففي موضوع قيام الساعة مثلا يقول الله سبحانه وتعالى ((يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها بوقتها إلا هو )) سورة الأعراف، الآية 187 . فهل بعد هذا سنصدق القرآن أم البخاري الذي يتهم النبي بالتشريع والزنا والكذب حسب المؤلف؟. تقول الأحاديث التي أوردها البخاري عن قيام الساعة، والمنسوبة للرسول ، ما يلي " لا يبقي على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة "، فهل يعقل أن يقول الرسول هذا الكلام ؟، على أية حال فالزمن أكد لنا أن هذا الحديث غير صحيح نهائيا، حيث مرت قرون وليس مائة عام فقط عن قول النبي لهذا الحديث - حسب البخاري - ولم تقوم الساعة بعد. فلا ندري كيف نسب البخاري هذا الحديث للرسول، علما أن زمن كتابة الأحاديث كان بعد أزيد من قرنين من وفاة الرسول، مما يعنى أن قيام الساعة حسب منطوق الحديث كان سيكون قبل ولادة البخاري نفسه بحوالي قرنيين !!؟. أما في موضوع معرفة النبي للغيب حسب أحاديث البخاري دائما، يثبت المؤلف أن الرسول لا يعرف الغيب نهائيا حيث يقول الرسول (ص) عن لسان ربه ما يلي (( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب)) سورة الأنعام الاية50، وفي سورة أخرى (( قل ما كنت بدعا من الرسل وما ادري ما يفعل بى ولا بكم أن اتبع إلا ما يوحي إلى وما أنا إلا ندير مبين )) .
وفي نهاية الحديث ادعوك عزيزي القارئ إلى التمعن جيدا في الملاحظات والتساؤلات التي أوردناها في السطور السابقة، كما ادعوك للقراءة الكتاب المذكور أعلاه .
للتواصل : [email protected]
بعض الهوامش المعتمدة في انجاز هذه القراءة:
1: يعتبر الدكتور أحمد صبحي منصور من أبرز المفكرين الإسلاميين المعاصرين ، له عدة كتب فكرية/ فقهية ونقدية ، ويعتبر أيضا زعيم حركة القرآنيين، يعيش حاليا في أمريكا بسب ادانته بالكفر خلال التسعينيات القرن الماضي في مصر.
2: إلى جانب القرآن تعتبر السنة (= الحديث)، القياس و الإجماع ( وهناك من يعتمد الاجتهاد) من مصادر التشريع أيضا.
3: السنة هي أفعال الرسول، أما الحديث هو أقوال أو افعال أو تقرير أو صفة ..الخ. انظر كتاب " علوم الحديث ومصطلحه " للدكتور صبحي الصيالح، منشورات دار العلم للملايين – بيروت- لبنان .
4: انظر كتاب الأمة " أسباب ورود الحديث - تحليل وتأسيس" للدكتور محمد رأفت سعيد، العدد 37 .
5: هناك نوعين من الأحاديث وهما: الحديث النبوي والحديث القدسي. الحديث النبوي هو كل الأقوال أو الأفعال أو التقرير و الصفة..الخ، التي قالها أو فعلها النبي في حياته بعد نزول الوحي، وأغلبية هذه الأحاديث يقال إنها غير صحيحة لكن الغريب في الأمر يتم استعمالها والاستشهاد بها، بينما يقصد بالحديث القدسي؛ وهي كلها صحيحة، ما نزل على الرسول دون القرآن ، بمعنى أن الحديث القدسي هي أحاديث منزلة من عند الله حسب القائلين بهذا الرأي .
6: انظر كتاب " السنة والإصلاح " للدكتور عبد الله العروي ، منشورات المركز الثقافي العربي ، الطبعة الأولى 2008 – ص 132 -141 – 151 .
7: انظر المرجع السابق كتاب الأمة
8: انظر كتاب " في السيرة النبوية – الوحي القرآن والنبوة " للدكتور هشام جعيط – منشورات دار الطليعة بيروت، الطيعة الرابعة 2008
9 انظر كتاب " حقيقة الإسلام " للمحروم عبد الهادي بوطالب ، منشورات أفريقيا الشرق – الطبعة الأولى 1998 –
10: المرجع السابق كتاب الأمة
11" انظر كتاب " فجر الإسلام" تأليف احمد أمين الطبعة الحادية عشر – منشورات النهضة المصرية
12: المرجع السابق العروي
13: انظر على سبيل المثال الآية 44 من سورة النحل والآية 47 من سورة المائدة والآية 9 من سورة الحجر، هناك طبعا آيات أخرى عديدة.
14: المرجع السابق للدكتور صبحي الصيالح
15: حول تعريف المؤلف للنبي والرسول انظر ص 47
16: النظر الصفحات: من 42 إلى 62 ,
ملحوظة: تناول الكاتب قضايا أخرى لم نتطرق إليها في هذه الورقة وذلك لضيق المجال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.