اجتماع بوزارة الداخلية لتحديد معايير المدعوين لأداء الخدمة العسكرية برسم الفوج المقبل للمجندين    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    عقب قرارات لجنة الأندية بالاتحاد الإفريقي.. "نهضة بركان" إلى نهائي الكونفدرالية الإفريقية    مجلس جماعة أولاد بوبكر يصادق بالإجماع على نقاط دورة ماي وغياب الأطر الطبية أبرز النقاط المثارة    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    الجيش الملكي يُخرج بركان من كأس العرش    الكعبي يتألق في أولمبياكوس اليوناني    الإبقاء على مستشار وزير العدل السابق رهن الاعتقال بعد نقله إلى محكمة تطوان بسبب فضيحة "الوظيفة مقابل المال"    تطوان: إحالة "أبو المهالك" عل سجن الصومال    رسميا.. اكتمال مجموعة المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي    كأس العرش لكرة القدم.. الجيش الملكي يبلغ ثمن النهائي بفوزه على نهضة بركان بالضربات الترجيحية 8-7    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    تفكيك مخيّم يثير حسرة طلبة أمريكيين    وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية    حجز زورق ومحركات.. الديستي وأمن الحسيمة يوقفان 5 أشخاص تاجروا بالمهاجرين    الملك يعزي بن زايد في وفاة طحنون آل نهيان    العقائد النصرانية    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً    طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة        رسميا.. جامعة الكرة تتوصل بقرار "الكاف" النهائي بشأن تأهل نهضة بركان    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجربة الأمير الخطابي
نشر في شبكة دليل الريف يوم 18 - 02 - 2012

تجربة الأمير الخطابي: من إدراك خطر الحماية على السيادة إلى استحداث مؤسسات حماية السيادة
إن من الباحثين و المؤلفين و المهتمين بتاريخ المغرب، و الممتهنين للسياسة، من يصف الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي ب " المجاهد"، "المقاوم"، "زعيم الثورة الريفية"...و هذه التسميات و الأوصاف، هي "حق أريد به باطل"؛ لأن غاية هؤلاء هي اختزال تاريخ مولاي محند في "حمل البندقية ضد المستعمر"، و تجريده من مشروعه السياسي المجتمعي الهادف إلى بناء مؤسسات السيادة، في ظل تحول السيادة الوطنية إلى رهينة بيد الإمبريالية الأوربية، بعد أن تبين له أن نظام الحماية رديف الحكم المباشر، و أنه ينهج سياسة المتروبول الفرنسي في المنطقة السلطانية، و سياسة المتروبول الإسباني في المنطقة الخليفية. و الحق أن تلك الأوصاف ذات الطابع الجهادي و المقاوماتي الصرف، يمكن أن تنطبق على أولئك المجاهدين الذين اشتهروا بقيادة معارك تاريخية لإجلاء المستعمر، دون أن تسعفهم الشروط الذاتية أو الموضوعية لبناء مشروع سياسي يتوازى مع حجم التحديات المطروحة على أرض الوطن. و منهم " الشريف محمد أمزيان، صانع مجد معركة "أغزار نوشن"/"وهدة الذئب"، في يوليوز 1909م؛ و "موحا أوحمو الزياني" مبدع الانتصار في "واقعة ألهري" في 1914م، بعمق الأطلس المتوسط (نواحي مدينة خنيفرة)؛ و "عسو أوبسلام" قائد قبائل آيت عطا بالأطلس الكبير الشرقي،الذي أبلى البلاء الحسن في "معركة بوغافر" على شموخ "جبل صاغرو"، مما اضطرت معه القوات الإمبريالية الفرنسية إلى استخدام سلاح الطيران الحربي، الذي سبق أن استخدمته ضد موحا أو حمو الزياني، تزامنا مع استعماله لأول مرة إبان الحرب العالمية الأولى. و "أحمد الحنصالي" الملقب ب "أسد تادلة"، حيث كبد الأوربيين خسائر فادحة بين منطقتي "أفورار" و "بين الويدان"، إلى أن أعدمته قائدة ثورة الأنوار و حاملة شعار:(الحرية المساواة الأخوة) في 26 نونبر 1953م.
هؤلاء الأبطال البررة، الشهداء العظام، هم مقاومون من أجل الحرية، و مجاهدو الوطن ضد غطرسة الاستعمار الأجنبي. أما مولاي محند، فإن كان يتقاسم معهم الجهاد و المقاومة المسلحة من أجل تحرير الوطن السليب، فإنه تميز بخاصيتين، هما:
إحاطته و معرفته الدقيقة بالعدو، مع إدراكه لأبعاد و أهداف و مخططات نظام الحماية، و خطورته على استقلال و سيادة الوطن.
حرصه على قوة التنظيم و البناء المؤسساتي لمشروعه السياسي/ المجتمعي، حماية لسيادة الريف و الوطن.
1: محمد بن عبد الكريم الخطابي و إدراك خطورة نظام الحماية على استقلال الريف و سيادة الوطن:
بعد فشل الدور السياسي الذي لعبه "عبد الكريم القاضي"، بتقربه إلى الحكومة الإسبانية، عبر التخابر مع قائد جزيرة النكور بتعبير محمد محمد عمر بلقاضي في كتابة "أسد الريف" ، لهدفين، هما:
دعوة إسبانيا و إقناعها بضرورة التعاون المشترك في مجالات الإقتصاد.
فتح بوابة على العالم الخارجي ليتبين مخططات الإمبريالية الأوربية، و مزاعم إسبانيا حول احتلال الريف و جبالة، من خلال: بعث ولده الأصغر محمد مدرسا بمليلية؛ و بعث ابنه الأكبر امحمد إلى مدريد لمتابعة دراسته في هندسة المعادن؛ و بعث أخوه من الأب عبد السلام كاتبا مع قائد جزيرة النكور.
بعد فشل هذه الخطة السياسية دعا عبد الكريم ولديه بالعودة إلى الريف، في 1919م، بعد اقتناعه يقول علي الإدريسي أن إسبانيا الجريحة و المحطمة نفسيا بفقدان آخر مستعمراتها في "الفلبين" سنة 1898م، و في "كوبا" بأمريكا الوسطى، سنة 1899م؛ و الأسيرة لوصية إزابيلا الكاثوليكية، لم تكن تستطيع أن تحذو حذو سياسة التعاون بين الشعوب، و تبادل المنافع، و المساعدة على التقدم الحضاري، ليس بسبب افتقارها إلى ذلك، كما قال المؤرخ الإسباني "ميكل مارتين"، بل كانت تسعى بكل ما أوتيت من بقايا النزعة الاستعمارية لديها، إلى تجاوز هزائمها، و رد الاعتبار لهيبتها المفقودة.(1)
أمام هذه الحقيقة، سيتجه القاضي عبد الكريم صحبة الثالوث الأخوي وفق اصطلاح محمادي الحاتمي (2) نحو تنظيم المقاومة المسلحة، و سيتعزز هذا التوجه بعد تيقنهم من تحول نظام الحماية، من نظام حكم غير مباشر، إلى نظام حكم مباشر، أضحت معه "السيادة المغربية شكلية" و "سلطة السلطان المغربي إسمية"، حيث استحوذ المقيم العام الفرنسي على كافة الصلاحيات و الاختصاصات الملازمة للدولة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. و لتأكيد هذا المنزع في التحليل، تشير الباحثة الإسبانية "ماريا روسا دي مادارياغا" إلى أن من بين أسباب انقلاب عبد الكريم ضد الإسبان، هو شعوره بخيبة الأمل تجاه طريقة تطبيق الحماية التي لم تتناسب مع ما كان يتصوره هو و والده؛ حيث خضعت القبائل مباشرة لسلطة رجال الشرطة الأجنبية، و كان عبد الكريم يعرف الخروقات التي يمارسونها على ساكنة القبائل، و كان يطالب من أجل إرساء حماية حقيقية بأن تكون القبائل تحت سيطرة سلطة البلد.(3)
ومن مظاهر هذه الهيمنة في المنطقة السلطانية: تحكم المقيم العام في تسيير و تدبير كافة الوزارات:
وزارة الأمن القومي. وزارة الفلاحة.
وزارة الداخلية. وزارة الصناعة.
وزارة الخارجية. وزارة التجارة.
وزارة المالية. البريد و الإذاعة.
أما " السلطان المنزوع السيادة"، فلم يحتفظ إلا بثلاث وزارات:
وزارة الصدر الأعظم: ظلت هي بدورها سلطة إسمية للإشراف على الإدارة المغربية.
وزارة العدل.
وزارة الأوقاف.
و من أخطر مظاهر سطو المستعمر الفرنسي على السيادة الوطنية، قيام رئيس الجمهورية الفرنسية بتعيين رؤساء الأقاليم، باقتراح من وزير الخارجية؛ و يكلفون بمهام مخابراتية.
أما في المنطقة الخليفية، فإن المندوب السامي الإسباني المقيم بمدينة تطوان، فهو بدوره يحتكر مهام تسيير شؤون المنطقة، و يستحوذ على كافة الأجهزة الإدارية:
نيابة الأمور الأهلية.
نيابة التعليم و الثقافة.
نيابة الاقتصاد و الفلاحة و الميزانية و حفظ الصحة.
نيابة الغابات و تربية الماشية.
نيابة الأشغال العمومية و المالية.
أما "خليفة السلطان"، فسلطاته محدودة، منها إصدار الظهائر، (يقتسم هذا الاختصاص مع السلطان المغربي، لأن هذا الأخير أرغم بواسطة تفويض عام على تسليم سلطاته إلى خليفة تطوان بالنسبة للمنطقة الإسبانية، و للمندوب السلطاني بالنسبة لطنجة)(4)، و لم يحتفظ خليفة السلطان إلا بإدارتين فقط:
إدارة العدل.
إدارة الأحباس.
فأمام هذا الوضع:
1: إصرار المستعمر الإسباني على الهيمنة و الاستحواذ، بدل التعاون و التشارك و خدمة المصلحة المشتركة.
2: انتقال الحماية من نظام حكم غير مباشر، إلى نظام حكم مباشر، بعدما جرد السلطان (في المنطقة الفرنسية) و خليفته (في المنطقة الإسبانية) ومندوبه (في المنطقة الدولية) من الاختصاصات و الامتيازات ذات الصلة بمؤسسات السيادة.
سيتجه محمد بن عبد الكريم الخطابي، إلى تنظيم صفوفه في إطار مؤسساتي لحماية سيادة الريف، من الاغتصاب الإمبريالي.
2: توجه الأمير نحو بناء مشروعه السياسي/المجتمعي في إطار تنظيم مؤسساتي.
1: توحيد الأفخاذ و القبائل:
إن أول خطوة تنظيمية في طريق البناء المؤسساتي التي خطاها محمد بن عبد الكريم الخطابي، هي توحيد الاقسام/الأفخاذ و القبائل، إذ يعتبر محمد بن عبد الكريم الخطابي رائد الفكر الوحدوي / التحالفي بالريف الأوسط عموما و بقبيلة آيث ورياغر خصوصا ، حيث استطاع بحكمته و ببعد نظره توحيد الأفخاذ/الاقسام و القبائل التي كانت تشكو من ظاهرة الفرقة و الانقسام القائمة على العداوة و الثأر ؛ تلك الظاهرة التي جعلت الكولونيل الإسباني "إيميليو بلانكو إساكا" و الأنثروبولوجي الأمريكي "دايفيد مونتكمري هارت" يتبنيان النظرية الانقسامية للسلالة وبنية المجتمع لكن هذا الأخير سيعدل عن هذه النظرية و يقر بخطإ تحليله السابق للبنية الاجتماعية الريفية كنتيجة للنقاش الذي دار بينه و بين الأنثروبولوجي الأمريكي "هنري مونسون" خلال سنة 1989م (5) و من مظاهر هذا العدول إقرار "هارت" بدور محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي اعتبره مصلحا في إلغاء هذه الظاهرة ، يقول: « .. عدد حالات الانتقام بين أعضاء نفس السلالة .. يكاد يضاعف عدد النزاعات الدموية الخارجية في المرحلة السابقة لأواخر 1921م و بداية 1922م ، التي عرفت إلغاء الظاهرتين معا ، و إلغاء عناصر أخرى من " القاعدة" أو القانون العرفي الريفي من طرف المصلح محمد بن عبد الكريم الخطابي .»(6) و كتمثل لهذه الثقافة الجديدة التي أبدعها عبد الكريم في محيطه العام ، اعترف به قائدا للمقاومة من قبل المجاهدين في مركز " القامث " و أدائهم القسم للجهاد وراءه ضد المحتل الإسباني ، في نهاية أبريل 1921م . و كان من تجليات الثقافة اللفية / التحالفية توقيع و جهاء القبائل في فاتح فبراير سنة 1922م على رسالة يقرون فيها ب عبد الكريم أميرا عليهم .(7) و ممن اعترف بدور الأمير في توحيد الأفخاذ و
القبائل لمواجهة المحتل الكاتبة الاسبانية " ماريا روسا دي مادارياغا "عندما قالت : « كانت تلك المناسبة الوحيدة في التاريخ الحديث لبني ورياغل ، حيث تركت الأفخاذ النزاع لتتحد داخل صف واحد من أجل إخراج المستعمر الذي كانت إسبانيا تطبق فيها مقولة " فرق تسد " و يرجع الفضل في ذلك ل عبد الكريم في جمعها لمواجهة التدخل الأجنبي ، ليس في بني ورياغل فقط ، بل في كل القبائل .»(8)
يتأكد جليا أن أمر توحيد الأفخاذ القبائل و تشكيل اللفوف و الانتقال من مجتمع الثأر و العداوة إلى مجتمع الأخوة و الاتحاد كان من أهم التدابير التي عمل محمد بن عبد الكريم الخطابي على إرسائها في المجتمع الريفي لإعلان انطلاقة قوية لحركته الجهادية التي بات يتزعمها بعد وفاة والده يرجح بعض
المؤرخين أن موته كان مبيتا له في غشت من عام 1920م/ الموافق ل 1339ه ، حيث كان شغله الشاغل كما قال ثقته محمد محمد عمر بلقاضي هو المصالحة و التوفيق بين الناس المتعادية ليتحدوا و يتصالحوا و ينسوا الأحقاد و العداوة التي كانت عمت و ترعرعت بين الأفراد و الجماعات في جميع المداشر و القرى ...(9).
2: تأسيس أول مركز لرباط المجاهدين بالقامث/قبيلة تمسمان:
يعد هذا المركز موقعا متقدما للتربص بالعدو الإسباني الذي اجتاز وادي كرت، بقيادة الجنرال سلفيستري، قاصدا قبيلة بني ورياغل. و هو موقع استراتيجي ينم عن ذكاء الأمير في التموقع العسكري، و ذلك لعدة أسباب:
موقع هذا المركز جد مرتفع، حيث يمكن المجاهدين من رصد تحركات العدو القادمة إليهم من جميع الزوايا.
توفر المركز على فرشة مائية غنية تنساب فوق سطح الأرض في شكل عيون، الشيء الذي دفع المجاهدين إلى بناء صهريج لجمع المياه المتدفقة و هو قائم بذاته إلى يومنا هذا ، و معلوم أن احتكار المياه في فترات الحرب، يعد سلاحا قاتلا للعدو.
يوجد هذا المركز في قلب غابة ذات تشكيلات نباتية متنوعة، مما يوفر شروط الراحة و الاستقرار للمجاهدين.
و في هذا المركز يمارس المجاهدون نشاطهم العسكري، و ينظمون تحركاتهم، و يتناوبون في أعمال الحراسة و التربص، رغم ضعفهم ماديا يقول محمد محمد بلقاضي بسبب القحط و الجفاف الذي عم بلاد الريف كلها، منذ سنتين، و كان أهل الريف يبيعون ماشيتهم بأبخس ثمن، لشراء السلاح لأجل الدفاع عن وطنهم و شرفهم ووحدة ترابهم. و للإشارة، فأن الأمير الخطابي كان لا يفارق هذا المركز منذ تأسيسه، حيث اضطلع فيه بإلقاء المحاضرات في جميع المواضيع، سواء منها الحربية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الدينية. كما كان يشرف بنفسه على تسيير أمور المجاهدين، و يباشر الاتصالات السرية مع أعيان القبائل التي كانت خاضعة للإسبان، يدعوهم للثورة على المستعمر الإسباني، و تمهيد الطريق لدخول المجاهدين في تلك القبائل لمحاربة العدو...(10)
3: تأسيس محكمة المجاهدين:
يوجد مقر هذه المحكمة بمركز القامث، السابق الذكر، و هي تختص في جميع القضايا المدنية و الجنائية، يتولى القضاء فيها الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، و تشمل جميع القبائل. تصدر هذه المحكمة قراراتها و أحكامها القضائية و تنفذها من منطلق المرجعية الإسلامية. فكانت أول قضية جنائية ينفذ فيها حكم الإعدام؛ قضية المسمى "حدو بوراس"، من قرية زاوية سيدي يوسف "إجلماما"، بسبب القتل العمد. و كان من الذين يساقون إلى هذه المحكمة، "الخونة و المرتزقة" الذين يتخابرون مع المستعمر الإسباني، خاصة مع التسرب المستمر لأموال الإسبان، من جزيرة النكور لهذا الغرض. فكان من أولئك الذين نالوا الحكم بالإعدام، بتهمة الخيانة، "المرابط شعيب الحاج تهامي الدردوشي".(11)
4: تأسيس جيش نظامي:
انتقلت قوات المجاهدين التي انطلقت خليتها النظامية الأولى، من مركز الرباط بالقامث، إلى المركز العام بأمزاورو، الذي يوجد قرب المركز العام للعدو بأنوال، في قلب قبيلة تمسمان. و من الدوافع الاستراتيجية لهذا التحول، هو إعادة تنظيم شؤون الجهاد، بعد إخفاق قوات المجاهدين في هجومهم غير المنظم، على مركز العدو بسيدي ادريس، الذي يوجد على شاطىء البحر بتمسمان، بسبب عدم تشاورهم مع القائد الأعلى للجهاد، و اندفاعهم بحماسة نشوة النصر في معركة "ادهار أوبران". و قد تعززت الحاجة إلى قوة التنظيم العسكري، بعد اختلال نظام المجاهدين في "معركة جبل أعروي"، حيث قتل معظم أسرى جيش "الجنرال نفارو" رغم إعلان هذا الأخير عن استسلامه. و يمكن تفسير هذه
التصرفات الوحشية بتعبير محمد محمد عمر بلقاضي ، باختلاط القبائل التي كانت خاضعة للإسبان، حيث لم تكن قد انضمت بعد إلى صفوف المجاهدين المنظمين.(12)
و في خطوة من الأمير لاستدراك هذا الخلل في التنظيم، اتجه إلى المركز القديم للمجاهدين بقبيلة بني اسعيد، "مركز ماورو"، لدعوة جميع القبائل لعقد مؤتمر عام بهذا المركز الأخير. و بعد حضور القبائل كلها، اقترح الأمير الخطابي على المؤتمرين بأن تنتخب كل قبيلة وليا يتولى أمرها، و أن يشترط فيه أن يكون من أبرز الشجعان الممتازين، و المعروفين بإخلاصهم وولائهم لوطنهم، فقبل الجميع اقتراح الزعيم بالإجماع، و قد أمهلهم مدة أسبوع لتنفيذ المتفق عليه. و بالفعل، احترمت المدة، و قدمت جميع القبائل ولاتها المنتخبين داخل الأسبوع المحدد. و في الخطوة الثانية، أمر الأمير هؤلاء الولاة بإعداد لوائح جميع رعاياهم القادرين على حمل السلاح للقتال، و يضعون على رأس كل 25، و على رأس 50، و على رأس 100، ضباطا؛ و على رأس كل 500 قائدا أعلى، يسمى قائد الرحى، شرط أن يكون الضباط من الشجعان البارزين؛ ففعلوا ذلك و قدموا لوائحهم في أسرع وقت.(13)
5: تأسيس مجلس الشورى:
يتألف هذا المجلس من أعيان القبائل و ممثليها، خاصة أولئك الذين ظلوا يتمتعون بفعالية الظهير العزيزي أو الحفيظي. أما وظيفته، فتتمثل في صناعة القرار المشترك إلى جانب الأمير في القضايا التي تتصل بشؤون المقاومة و مستقبل الريف، و ما يعرض من مستجدات في العلاقة مع العدو، كبث المجلس في قضية إبرام الصلح مع الإسبان.(14)
6: تأسيس حكومة ريفية/جمهورية الريف:
انطلاقا من الظروف الموضوعية للمغرب بعد توقيع السلطان المغربي "المولى عبد الحفيظ" لمعاهدة الحماية في 30 مارس 1912م، و التي بموجبها انتقلت مؤسسات السيادة إلى المستعمر الفرنسي، مع بقاء السلطان المغربي مصدرا لشرعنة آليات الاستغلال الاستعماري للمغرب من خلال إصداره لظهائر تسوغ للمستعمر تجريد المغاربة من كافة حقوقهم؛ و في طليعتها طرد الملاكين من أراضيهم، بحجة عدم امتلاكهم للشروط القانونية، و تفويتها للأجانب في إطار مشروع الاستيطان الزراعي و البشري، خاصة بعد صدور الظهائر الآتية:
الظهير الخاص بالتحفيظ العقاري، المؤرخ في 9 رمضان1331ه / 12 غشت 1913م.
الظهير الخاص بتحديد أراضي المخزن، المؤرخ في فاتح يوليوز 1914م.
الظهير الخاص بمنع الأملاك الجماعية ووضعها تحت وصاية الدولة، المؤرخ في 15 يوليوز 1914م.
إضافة إلى قبول السلطان المنزوع السيادة بالاحتلالات العسكرية التي تنهجها الإدارة الفرنسية، انسجاما مع الفصل الثاني من معاهدة الحماية:(يقبل جلالة السلطان منذ الآن أن تشرع الحكومة الفرنسية بعد إعلام المخزن، في الاحتلالات العسكرية التي يراها ضرورية لاستتباب السكينة و تأمين المعاملات التجارية في التراب المغربي، كما أنه يقبل أن تزاول الحكومة الفرنسية كل عمل من أعمال الحراسة برا و بحرا في المياه المغربية).
في ظل الوضع السياسي القائم، و من منطلق إحساس محمد بن عبد الكريم الخطابي بالمسؤولية التاريخية التي تفرضها الراهنية السياسية، و أملا في استحداث مؤسسات قوية قادرة على حماية السيادة الوطنية، في أفق تدويل قضية الريف من خلال محاولته الانضمام إلى هيئة عصبة الأمم، قرر بعد مؤتمر أجدير، و باتفاق كافة المؤتمرين على تشكيل حكومة ريفية برئاسة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، مع التفويض التام له في اختيار الشخصيات التي ستتألف منها هذه الحكومة. فجاءت على الشكل التالي:
1: مساعد الأمير: السيد امحمد عبد الكريم الخطابي.
2: ناظر المالية: السيد عبد السلام محمد عبد الكريم.
3: ناظر الداخلية: السيد أحمد بودرة.
4: ناظر الدفاع: السيد عبد السلام الحاج موحند.
5: ناظر العدلية: السيد محمد بن علي (الملقب الفقيه بولحيا).
6: ناظر الخارجية: السيد محمد أزرقان.
7: متصرف و مساعد ناظر المالية: السيد محمد محمادي بوجبار.
8: مساعد ناظر المالية في شؤون الأوقاف: السيد أحمد أجاروذ الجلمامي.(15)
و قد قامت هذه الجمهورية بجملة إصلاحات، منها:
تنظيم مالية البلاد.
إصلاح الإدارة.
إصلاح نظم التجارة.
إصلاح الزراعة.
تأسيس المدارس.
إرسال البعثات العلمية إلى أوربا.
انشاء المستشفيات و المستوصفات.
جلب الآلات الفنية.
تعبيد الطرق و ربطها ببعضها البعض.
اقرار التجنيد العام، ووضع أنظمة لحمل السلاح...(16)
و يستمر محمد بن عبد الكريم الخطابي، في بناء مؤسسات حفظ السيادة وهو في منفاه الثاني بالقاهرة، حيث أسس لجنة تحرير المغرب العربي/شمال إفريقيا، في 5 يناير 1948م، بمشاركة الأحزاب المغاربية. زاوج فيها بين العمل السياسي و الكفاح المسلح من خلال تشكيله لجيش تحرير شمال إفريقيا.(17)
لائحة المراجع:
1: علي الإدريسي، عبد الكريم الخطابي: التاريخ المحاصر، ص41، ط1، 2007،منشورات ثيفراز3، المطبعة: دار النجاح الجديدة.
2: أنظر،الشهادة الخامسة والثلاثون/الإفادة الخامسة ل "السي بوبكر أوشن" عن مجلس الشورى و الموقف من إبرام الصلح مع الإسبان، ضمن كتاب: محمد الرايس، شهادات عن المقاومة في عهد الزعيم
محمد بن عبد الكريم الخطابي، إعداد و تقديم: عبد الحميد الرايس، ص:135137، الطبعة الأولى،2011، منشورات تيفراز، مطبعة دار النجاح الجديدة.
3: أنظر، ماريا روسا دي مادارياغا، في خندق الذئب: معارك المغرب، ترجمة: كنزة الغالي، ص: 318، ط1، 2010، مؤسسة الغنى للنشر.
4: أنظر، ألبير عياش، المغرب و الاستعمار: حصيلة السيطرة الفرنسية، ترجمة: عبد القادر الشاوي، نور الدين سعودي، ص80، ط2، 1985.
5: أنظر : دايفيد مونتكمري هارت : أيث ورياغر : قبيلة من الريف المغربي ، دراسة إثنوغرافية و تاريخية . الجزء الأول ، مقدمة الترجمة العربية و الطبعة الجديدة للكتاب . ص : 21 . ط : 01 . 2007م . ترجمة : محمد أونيا / عبد المجيد عزوزي / عبد الحميد الرايس، الناشر : جمعية صوت الديمقراطيين المغاربة في هولندا.
6: نفسه، ص27.
7: ماريا روسا دي مادارياغا، م.س، ص322.
8: نفسه، ص322.
9: محمد محمد عمر بلقاضي، أسد الريف، محمد بن عبد الكريم الخطابي: مذكرات عن حرب الريف،ص9697، ط2، 2006، مطبعة سلمى الرباط.
10: نفسه، ص101106.
11: نفسه، ص101105.
12: نفسه، ص: 124.
13: نفسه، ص125126.
14: محمد الرايس، م.س، ص135137.
15: أسد الريف، ص132133.
16: روجر ماثيو، مذكرات الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، ترجمة عمر أبو النصر، ص64، ط1، 2005، مطبعة فضالة، المحمدية.
17: محمد أمزيان، محمد عبد الكريم الخطابي: آراء و مواقف، ص87 فما فوق، ط3، 2010، منشورات ثيفراز7، مطبعة دار النجاح الجديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.