في طهران، لا تعني الفيزياء النووية مجرد علم و معادلات فزيائية وتجارب علمية، بل صارت جزءًا من معادلة السيادة الوطنية والمواجهة الجيوسياسية لضمان الديمومة الاستراتيجية للدولة. وبينما تدافع إيران عن حقها في تطوير برنامجها النووي الذي تقول عنه انه سلمي، يتعرض علماؤها لمختلف أنواع الاستهداف: الاغتيال المنهجي الدقيق من طرف امريكا و اسرائيل. آخر هذه العمليات تمت تنفيذها خلال يومي 12 و 13 من شهر يونيو 2025، حيث شنت إسرائيل حملة جوية قالت أنها جاءت لمنع التقدم النووي الإيراني في عملية أطلقت عليها اسم "الأسد الصاعد" (Operation Rising Lion)، هذه العملية استهدفت شققًا سكنية لعلماء نوويين في حي شاهيد مهلّاتي بوسط طهران، و اسفرت عن اغتيال خمسة نوابغ نوويين يتعلق الأمر ب: 1 محمد مهدي طهرانچي: أستاذ فيزياء نووية معروف، وكبير مسؤولي البحث في جامعات عديدة، قُتل 13 يونيو بضربات جوية . 2 فريدون عباسي : خبير نووي سابق ورئيس سابق لمؤسسة الطاقة الذرية، قتل في العملية نفسها . 3 عبد الحميد مينوشهر : اختصاصي في فيزياء المفاعلات، ورد اسمه ضمن قائمة القتلى . 4 سعيد برجي : مهندس مواد نووية، قُتل أيضًا في سلسلة الاغتيالات بطهران . 5 أمير حسن فخاهي وشخصيات أخرى بارزة مثل منصور أصغري وأحمد رضا زلفغاري: قُتلوا أيضًا ضمن حملة استهدفت مختصين في الفيزياء والهندسة . و قبل هذه العملية سبق و ان تعرضت ايران لعمليات اغتيال علمائها النوويين و كان أكثرها رمزية اغتيال العالم محسن فخري زاده في نوفمبر 2020، الرجل الذي وُصف بكونه "عقل البرنامج النووي الإيراني". بحيث تمت تصفيته في وضح النهار، بعملية معقدة نُفذت بدقة استخباراتية عالية، حملت معها رسالة واضحة: العلماء أهداف عسكرية مشروعة في أعين خصوم إيران. استراتيجية إغتيال علماء ايران النوويين بدأت سنة 2010، حيث طالت تصفية عدة أسماء بارزة في الأوساط العلمية الإيرانية، منهم: مسعود علي محمدي: أستاذ الفيزياء في جامعة طهران، اغتيل بسيارة مفخخة. مجيد شهرياري: قُتل في انفجار أثناء توجهه إلى عمله. داريوش رضائي نجاد: أُطلق عليه الرصاص أمام منزله. مصطفى أحمدي روشن: استُهدف بسيارة مفخخة في طهران. و منذ اكثر من 15 سنة، يعيش العلماء الايرانيين في خوف دائم و باتوا يتحركون بحذر شديد، محاطين بالحراسة، سواء تواجدوا في المختبر او في مكان اخر لان العالم بالنسبة لهم ميدانًا للكمائن. بل إن بعضهم اختار الهجرة، وآخرون توقفوا عن العمل في مشاريع ذات صلة بالطاقة النووية. هذا الواقع أنتج شعورًا دائمًا ب"اللا أمن"، حتى داخل حدود الدولة، حيث يمكن أن يكون لكل حقيبة مهملة أو دراجة نارية مسرعة دلالة مميتة. و بالرغم من الحماية التي يتمتع بها العلماء بموجب الاتفاقات الدولية، فإن الاغتيالات تمرّ دون محاسبة أو حتى إدانة دولية واضحة. فالسياسة الدولية لا تؤمن الا بالقوة وتُقدَّم المصالح الاستراتيجية على القيم القانونية والإنسانية. للاسف الشديد، لم يعد من الممكن في عالمنا المعاصر الحديث عن استقلالية الدول وسيادتها الحقيقية خارج امتلاكها للسلاح النووي. فهذا السلاح أصبح عاملًا حاسمًا في رسم موازين القوى، وقد بات واضحًا كيف استخدمته الدول الكبرى كأداة تهديد وردع: بوتين هدّد به الغرب، وفرنسا هدّدت به روسيا، وكوريا الشمالية هدّدت به الولاياتالمتحدة، بينما تلوّح به أمريكا في وجه العالم، والصين وغيرها من الدول تتبنى النهج ذاته. هذه المعادلة فرضت ما يُعرف ب"توازن الرعب النووي" في العلاقات الدولية منذ الحرب الباردة. أما السعي إلى امتلاك هذا السلاح، فليس بالأمر السهل، خاصة إذا كانت الدولة المعنية على عداء وجودي مع إسرائيل، محمية الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط.