في هذا الملف القيم الذي قام بإعداده الصحفي رشيد محامد وبذل فيه مجهوده الملحوظ في جريدة الأيام الأسبوعية ضمن عددها الأخير، وفي الصفحات 20\21\22 تضمن عدة محاور حول الإنزال العسكري الفرنسي والاسباني بالحسيمة حول أبعاده والاستراتيجيات العسكرية الاستعمارية من وراء هذه العملية العسكرية الخطيرة في تاريخ الاستعمار بالمغرب وعموم شمال افريقيا. وقد تضمن الملف عدة مواقف وآراء تاريخية لدارسين ومفكرين ومؤرخين أجانب ومغاربة ضمنها ما قام بذكره المؤرخ الإسباني خوسيه لويس فيلا في دراسته " حرب المغرب " حيث أشار أن انقلاب بريمو دي ريفيرا العسكري في إسبانيا بعد هزيمة أنوال المدوية وتوسع عمليات الخطابي والمقاومة إلى مناطق النفوذ الفرنسي جعلتهما يلتقيان فيها معا، الفرنسيين والإسبان، وفي نقطة واحدة، وهو إنزال الحسيمة العسكري في 08 شتنبر 1925 باعتباره السبيل الوحيد لإنقاذ سمعة الاسبان والفرنسيين ويضيف في هذا الصدد المؤرخ المغربي محمد القبلي أن مؤتمر مدريد لم يكن مجرد لقاء عسكري تقني، بل إعلانا عن ولادة تحالف استعماري مزدوج هدفه إنهاء المقاومة الريفية التي هزت معادلات القوى الاستعمارية في المنطقة ... وضمن هذا الملف المتعلق دائما بإنزال الحسيمة يرى المفكر المغربي عبد الله العروي في كتابه مجمل تاريخ المغرب أن اختيار الحسيمة يعكس رغبة الإسبان والفرنسيين في توجيه ضربة مباشرة إلى قلب الريف، وليس إلى أطرافه، بما يعنيه ذلك من كسر العمود الفقري للمقاومة أما المؤرخ الأمريكي ديفيد وولمان في كتابه " المتمردون في الريف " فيرى أن اختيار الحسيمة كان الخيار المنطقي الوحيد لإسقاط مشروع الخطابي بينما الباحثة والمؤرخة الاسبانية ماريا روسا دي مادرياغا في كتابها " عبد الكريم وجمهورية الريف " فإنها ترى أن عملية الإنزال لم تكن عسكرية فقط، بل أيضا رسالة سياسية لإسبانيا لتعويض هزائمها السياسية واستعادة هيبتها الاستعمارية ويضيف في هذا الصدد المؤرخ المغربي جرمان عياش في كتابه " الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي " أن استهداف الحسيمة بالإنزال، كان محاولة واعية لإسقاط البعد الرمزي للريف، لأن السيطرة على معقل بني ورياغل تعني ضربة الأساس الاجتماعي والقبلي الذي ارتكزت عليه تجربة الجمهورية حسب جريدة الأيام وكما هو معلوم على الصعيد التاريخي، وأكده ملف جريدة الأيام أن الإنزال في أول الأمر كان مقررا في خليج الحسيمة، وتفاديا للاصطدام مع زعيم المقاومة الخطابي بعد علمه بذلك، فقد تقرر تغيير خطة الإنزال من قلب هذا الخليج أو جوان الحسيمة، نحو الجهة الغربية في مرسى صباديا وكالا ديل كيمادو ونظرا لحجم التحالف الدولي من القوتين الاستعماريتين اللتين استقدمتا ما يقرب من ثلاثمئة الف من الجنود، إضافة إلى أكثر من خمسين سفينة وحاملة للطائرات وبوارج ومدمرات وأسراب من طائرات القصف الحربيةوعدة مدافع لتأمين عبور جسري آمن نحو أعماق الريف المغربي، في وقت لم يكن عدد المقاومين الريفيين المغاربة يتجاوز عشرة الف حسب المؤرخين الاسبان، فقد تمكنت القوات الاستعمارية بعد حوالي شهرين من السيطرة الكاملة على مدخل الحسيمة البحري من جهة صباديا وكيمادو وراس العابث، رغم اشتداد المقاومة، واضطرار محمد بن عبد الكريم للتنقل جهة تماسنت، وما تبع ذلك من هول عمليات جرائم الابادة بالغازات السامة والقصف عبر الطائرات والبوارج الحربية من البحر .. وفي هذا الإطار يذكر المؤرخ الإسباني لورينزو سيلفا في كتابه سبع مدن في افريقيا أنه خلال الإنزال العسكري الفرنسي والاسباني في شاطئ كالا كيمادو حيث توجد الان مجموعة فنادق ميركور، فقد عبر ضابط عسكري اسباني برتبة عقيد عن إعجابه وتأثره الشديد بالعثور في تلك المعركة على شيخ قبيلة من مقاومي عبد الكريم، بعثوره على شيخ ميت فارق الحياة شهيدا في إحدى كهوف كالا ديل كيمادو بجانب بندقيته ونسخة من المصحف الكريم الذي أخذه العقيد معه كذكرى وتذكار وقد لعب مؤسس دولة اسبانيا الحديثة الدكتاتور والجنيرال العسكري فرانسيسكو فرانكو دورا كبيرا في إنجاح عملية الإنزال، ويحكي عنه الباحث الاسباني لورينزو سيلفا في كتابه سبع مدن في إفريقيا، كيف أن فرانكو وقد كان يومها برتبة عقيد، وكانت فرقته الخاصة من الجنود المعروفة باسم " لاليخيون" هي أول من وضع رجله على الشاطئ، وبسبب عمله هذا فقد أحرز على مرتبة جنرال وعمره لا يتجاوز ثلاثة وثلاثين سنة . إنه إنزال الحسيمة يوم 8 شتنبر 1925، ذلك الإنزال العسكري غير المسبوق، رافقته حملة من النار والحديد كتبت نهاية ملحمة الريف، وأسست لمرحلة جديدة ستغير وجه تاريخ المغرب الحديث والمقاومة في المنطقة، وتجسيد الانتصار الأوروبي الغاشم في فرض منطقه الحديدي الفظيع على كل شمال إفريقيا.