"البرلمان المغربي وقضية الصحراء المغربية" محور ندوة بمجلس المستشارين    الرباط.. افتتاح أشغال ندوة حول موضوع "البرلمان المغربي وقضية الصحراء المغربية: من أجل دبلوماسية موازية ناجعة وترافع مؤسساتي فعال"    ارتفاع طفيف في معدلات النشاط والشغل وإحداث 282 ألف منصب شغل خلال سنة (مندوبية التخطيط)    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    فرنسا والاتحاد الأوروبي يقودان جهودا لجذب العلماء الأميركيين المستائين من سياسات ترامب    عودة تير شتيغن إلى برشلونة تسعد الألمان    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    بعد فتح الجمارك.. مواد البناء المغربية تغزو سبتة المحتلة    رحلة كروية تنتهي بمأساة في ميراللفت: مصرع شخص وإصابة آخرين في انقلاب سيارة قرب شاطئ الشيخ    العثور على جثث 13 عاملا بعد اختطافهم من منجم ذهب في بيرو    ترامب يأمر بإعادة فتح سجن الكاتراز بعد 60 عاما على إغلاقه    تفاصيل إحباط تفجير حفلة ليدي غاغا    إسرائيل توافق على توزيع المساعدات    مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي يقرر توسيع العمليات العسكرية في غزة    شغب الملاعب يقود أشخاصا للاعتقال بالدار البيضاء    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو المهرجان الدولي للسجاد بأذربيجان    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    ولاية أمن طنجة توضح حقيقة "اختطاف الأطفال" وتوقف ناشرة الفيديو الزائف    وهبي مدرب المنتخب لأقل من 20 سنة.. "نتيجة التعادل مع نيجيريا منطقية"    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    ريال مدريد ينجو من ريمونتادا سيلتا فيغو    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بُعبُع الغرامة في مشروع المسطرة المدنية
نشر في الجديدة 24 يوم 26 - 09 - 2023

ذروة العطلة الصيفية، وبالضبط في 24 /08/2023، وهو الوقت الذي يكون فيه كل الناس يستريحون من تعب سنة من العمل، ونسبة كبيرة منهم ينسون فيه متابعة كل الأخبار والجرائد الورقية والإلكترونية، صدر بيان عن اجتماع مجلس الحكومة، تم الإعلان فيه عن مصادقة الحكومة على مشروع قانون المسطرة المدنية الذي تقدمت به وزارة العدل، وهو مشروع قانون مهم وخطير ومفصلي، مهتم بتنظيم المساطر المتبعة في أغلب القضايا المدنية التي تنظر فيها المحاكم المغربية، وفي الوقت الذي مازلت أبحث فيه عن النسخة التي صادقت عليها الحكومة المغربية من هذا المشروع ، بهدف الكتابة في بعض المقتضيات التي قد يظهر لنا أنها تحتاج وقفة تأمل متأنية من قبل المشرعين من أجل تعديل النسخة المصادق عليها من طرف الحكومة، قبل أن يصوت عليها المجلسين التشريعيين، ويصبح قانونا معتمدا بعد مروره بالمراحل اللاحقة، وبما أنني لا أتوفر سوى على صيغة 16/01/2022 من قانون المسطرة المدنية، سأحاول الرجوع إليها، لمحاولة مناقشة بعض المقتضيات الجديدة التي ذكرتها بعض المواقع الالكترونية، موردة في متابعتها لهذا المستجد، أنها تتعلق بأهم التغييرات التي جاء بها القانون الذي صادقت عليه الحكومة المغربية، ومن هذه المقتضيات الجديدة، نجد ما ذكرته جريدة هسبرس في الخبر الذي نشرته يوم 27/08/2023، تحت عنوان( مشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية يغفل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية )، جاء فيه أن النسخة التي صادقت عليها الحكومة، فرضت غرامة على من يثبت تقاضيه بسوء نية، وإن كان مبدأ فرض الغرامة على المتقاضي بسوء نية، من المبادئ التي لا يمكن إلا الدفاع عنها، ولكن في حدود مبالغ منطقية ومعقولة، لأن الذي يجب أن يعوض أكثر في مساطر التقاضي بسوء نية، هو المتقاضي الذي تم جره الى المحكمة، واضطر إلى تنصيب محامي أو الدفاع عن نفسه أمام المحاكم لعدة جلسات، وقد كان توجهنا أوضح وأعمق في طرح محاربة التقاضي بسوء نية، في مقال سابق نشرناه دعونا فيه المشرع المغربي الى خلق الحق في طلب الحكم على خاسر الدعوى بأداء جزء من أتعاب محامي خصمه حسن النية الذي تم جرجرته أمام المحاكم بسوء نية، واضطر الى تنصب محامي للدفاع عن نفسه في دعوى كيدية وتعسفية وربح الدعوى المقدمة ضده بعد عناء وحرب قانونية تسببت له في خسارة مادية و تعب معنوي، وهذا المقتضى تعمل به أغلب الدول العربية والغربية، فحتى دولة فلسطين العزيزة تعمل به، ولكن مع الأسف ما زال لم يتم إنصاف المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية في تشريعاتنا، وقد يرى البعض أن هذا التعديل فيه إنصاف للمتقاضي الذي وُجهت ضده دعوى بسوء نية، ولكن في نظري وبدون لغة خشب، هو مقتضى ليس الهدف منه إنصاف هذا المتقاضي الذي قدمت ضده دعوى بسوء نية، لأن الأمر لو كان كذلك، لكان المشرع حدد في نفس النص على الأقل، أقل تعويض يمكن أن تحكم به المحكمة على من قدمت ضده دعوى بسوء نية، ويكون مثلا ( يحكم القاضي على من قدمت دعوى ضده بسوء نية، بتعويض لا يقل عن خمسة آلاف درهم ، بطلب منه .... ) ويترك تحديد التعويض الأعلى للمحكمة بناء على قيمة الدعوى، أما أن يتم تحديد الغرامة وجعل أقل مبلغها محدد في عشرة ألف درهم وأعلاه في عشرين ألف درهم، لعمري هو مقتضى ستكون له سلبيات خطيرة على مستقبل التقاضي المغربي، وخصوصا القضايا التي تهم الطبقة الفقيرة والهشة والمتوسطة، ورغم أننا مازلنا في عطلة، لكن هول الأمر وخطورة ما تمت المصادقة عليه، وتبنيه من طرف حكومة بلدنا، جعلنا نفتح جهاز الكمبيوتر لنقدم ونسلط الضوء على خطورة ما يجري في القوانين المتعلقة بالتقاضي في المملكة المغربية ونجمل هذه الاخطار فيما يلي:
1- في اعتقادي وبحسب ما أرى أن أكثر من تسعين في المائة من القضايا التي تعرض، على المحاكم المغربية، تقل قيمتها عن عشرة آلاف درهم، وبهذا المستجد ستجعل الحكومة المغربية غرامة التقاضي بسوء نية، أكبر من قيمة الدعوى كلها أو أقل منها.
2- أغلب المترددين على المحاكم المغربية هم من الطبقة الفقيرة وتتبعهم الطبقة المتوسطة، أما قضايا الطبقة الغنية والثرية، غالبا تنظر فيها المحاكم التجارية، وتقل قضاياهم بشكل كبير أمام المحكم العادية، والمتقاضون البسطاء يجدون متنفس فيما يعتقدون أنه ظلم وقع عليهم، برفع مظلمتهم الى المحكمة، لكن بعدما سيسمعون بأمر هذه الغرامة، سيستنكفون عن التوجه للمحكمة مخافة الحكم عليهم بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف درهم، وقد تجرهم لأداء مبلغ عشرين ألف درهم، في حالة اعتبار المحكمة أنهم يتقاضون بسوء نية.
3- استنكاف المتقاضين الفقراء عن التوجه الى المحكمة لعرض مظلمتهم بسبب الخوف من الحكم عليهم بالغرامة الغير منطقية، سيجعل غريزة الإنتقام تكبر في دواخلهم، وقد تؤدي بهم الى ارتكاب جرائم اعتداء بدنية أو قتل، بعد أن وجدوا أن باب التقاضي تم صده في وجوههم، بسب هذه الغرامة الكبيرة التي يمكن أن يحكم بها عليهم.
4- تعارض هذه الغرامة الكبيرة الجديدة، مع نصوص دستورية مبدأيه، تضمن حق التقاضي، ولا تجعل له قيود يمكن أن تحد منه، ومنها الفصل 118 من دستور 2011.
5- كذلك لا يجب أن ننسى أنه بعد أن كان حق التقاضي مجانيا في بعض القضايا المنصوص عليها قانونا، كما أشار الى ذلك الفصل 121 من دستور 2011، ستصبح القضايا التي تهم بعض الطبقات الهشة في المجتمع من نساء وأمهات وعمال ومتقاضين في قضايا بسيطة تنظر أما المحاكم العادية أو أمام قضاء القرب، والتي كانت مشمول بالمجانية، عرضة لعدم التفعيل، والتهرب من تقديمها للمحاكم، خوفا من أن تصبح القضية التي تقدموا بها مجانا بدعم وسند من القانون، جريرة تجر عليهم غرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف درهم، إذا اعتبرت المحكمة أن هؤلاء المتقاضين البؤساء، تقاضوا بسوء نية.
6- قانون المسطرة المدنية في الفصل 5 يتكلم عن ضرورة التقاضي بحسن النية، دون أن يقرن ثبوت التقاضي بسوء نية في حق أي طرف بأية غرامة يمكن أن يحكم بها عليه، وجاءت مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية بتاريخ 16/01/2022، المقدمة من وزارة العدل، ونصت في مادتها العاشرة، على الحكم على من يثبت عليه التقاضي بسوء نية بغرامة من خمسة آلاف درهم إلى عشرة آلاف درهم، وهي كذلك غرامة كبيرة، ستخوف المتقاضين البسطاء من التوجه للمحاكم لعرض قضاياهم أو رفع مظلمتهم، حين نص فيها على ما سمي بالغرامة عن التقاضي بسوء النية التي يمكن أن يحكم بها على من ثبتت ضده سوء النية ، لنفاجئ بالمسودة التي صادقت عليها الحكومة في 24/08/2023، ترفع بشكل غريب وغير مبرر هذه الغرامة من عشرة آلف درهم الى عشرين ألف درهم، فهل يمكن أن نسمي هذا تدرجا محمودا في فرض الغرامة التي يُستحب أن يسير على نهجها كل نص جديد، أم قفزة كبيرة تجاوزت كل السلاليم المحددة للغرامة في قانون المسطرة المدنية لتجعلها في أعلى سلمها بين عشية وضحاها، وفي غفلة من الجميع.
7- غرامة التقاضي، الذي يمكن أن يعتبره القاضي تقاضي بسوء نية، لم يحدد له المشرع المقومات أو الحدود التي يمكن التفريق فيها بين سوء النية وحسنها، فقاضي يمكن أن يعتبر دعوى معينة قدمت بحسن نية، ويعفي مقدمها من الغرامة، في حين أن نفس الدعوى قد يعتبرها آخر قدمت بسوء نية، ويحكم على مقدمها بغرامة عشرة آلاف درهم، هذا إذا ما متعه هذا القاضي بظروف التخفيف، والتوصيف هو فقط مجازي، في فرض هذه الغرامة ، لأن المحكمة مقيدة بأقل مبلغ يمكن أن تحكم به وهو عشرة آلاف درهم ، ولكن إذا لم يمتعه بها، فيمكن أن يحكم عليه بغرامة تصل إلى عشرين ألف درهم.
8- من المضحكات المبكيات أن غرامة التقاضي بسوء نية في مشروع قانون المسطرة المدنية، التي صادقت الحكومة على مسودته، والمتراوحة بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم، لم تتصدر فقط بين عشية وضحاها وتقفز من عدم التحديد الى أعلى سلم الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية، بل هي تفوقت بشكل كبير وواضح حتى على أغلب الغرامات المحدد في المخالفات والجنح والجنايات المعاقب عليها في القانون الجنائي، وهي غرامات يحكم فيها في دعاوى الحق العام التي تكون فيها النيابة العامة ممثلة للحق العام ، ويحكم فيها على المتهمين أوا أفعال مجرمة ومنهى عن إتيانها، ممن عبثوا بأمن الدولة وسلامة مواطنيها، وقد يحكم في القانون الجنائي الذي يسمى قانون الأشرار، بغرامات في جنايات ( وهي جرائم خطيرة ) بغرامة لا تتجاوز مائتي درهم ، في وقت نجد أن المادة 10 من مشروع قانون المسطرة المدنية، يمكن أن تحكم على من قدم دعوى للمحكمة وقصد بابها ورفع ما اعتبره مظلمة حين تعتبره تقاضى بسوء نية بغرامة تتراوح بين عشرة آلاف درهم وعشرين ألف درهم.
9- غرامة التقاضي بسوء نية ، المحددة في المادة 10 من قانون المسطرة المدنية ، يمكن للقاضي الجنائي الذي قد يعتبر أن شكاية قدمت بسوء نية، وبناء على طلب ضحية سوء النية أن يحكم على المتقاضي سيئ النية بغرامة المادة 10 من قانون المسطرة المدنية، ويطلب له الحكم بتعويض عن التقاضي بسوء نية، وان كان مقتضى طلب التعويض بشكل مقارب موجود في قانون المسطرة الجنائية بعد الحكم ببراءة المتهم، لأن قانون المسطرة المدنية حسب ما تعلمنا هو القانون الأم لقانون المسطرة الجنائية الذي يمكن أن يرجع له القاضي إذا غاب التنصيص على حالة معينة تنظرها المحكمة الزجرية غير منظمة في قانون المسطرة الجنائية، وتم النص عليها في قانون المسطرة المدنية، فالأصل أن القاضي الجنائي لا يحكم بالغرامة التي يمكن أن تكون عقوبة أصلية إلا على المتهم المتابع ، فكيف سنسمح بهذا النص بالحكم بغرامة على شخص لم يكن متهما وكان مشتكي؟ ألا يمكن بهذا النص أن نمس بأسس المحاكمة الجنائية وكيف ستحكم المحكمة بعقوبة أصلية على شخص لم يوجه إليه أي اتهام، ولم يدافع عن نفسه أمام المحكمة التي ستحكم عليه بغرامة ثقيلة، ألا يمكن أن نعترف ونقول بأن نص المادة 10 من مسودة قانون المسطرة المدنية الذي صادقت عليه الحكومة يمكن أن يخلق لنا وضعا شاذا سيمس بأسس المحاكمات الجنائية.
10- حتى في فرنسا الدولة الرائدة في صناعة القوانين، والتي نأخذ منها ما نأخذ من قوانين ومبادئ، لم تسقط السقطة التي سقط فيها مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه، فهي لم تحدد الحد الأدنى للغرامة، بل حددت فقط أقصى الغرامة التي يمكن أن يؤديها من ثبت في حقه ثبوت التقاضي بسوء نية، حين نصت في المادة 628 من قانون المسطرة المدنية الفرنسية، على أن أقصى غرامة يمكن أن يحكم بها في حالة ثبوت تقاضي المدعي بسوء نية هي 10000 يورو أي أكثر من عشرة ملايين مغربية بقليل، وهو ما يعني أن قضية تنظر أمام المحكمة بملايير الدراهم، حتى ولو ثبت سوء نية المدعي في سلوكها، أقصى ما يمكن أن يحكم به كغرامة على مقدمها هو 10000 يورو، و هذا النص لم يحدد الحد الأقل للغرامة كما فعل النص المغربي في مشروع قانون المسطرة المدنية، وهذا يعني أن القاضي إذا كان ينظر في دعوى قيمتها المالية مثلا ألف يورو، يمكن أن يحكم بغرامة في حالة ثبوت سوء نية المدعي 50 يورو أو 100 يورو، عكس القاضي أو المحكمة المغربية التي حتى ولو كانت تنظر في قضية قيمتها المالية 5000 درهم، وثبت لها أن المدعي يتقاضى بسوء نية ، فيجب على المحكمة أن لا تقل الغرامة التي ستحكم بها عليه عن عشرة آلاف درهم، وهي ضعف القيمة المالية للدعوى كلها، ومن غرائب المقارنات، أن ثبوت التقاضي بسوء نية دائما حسب النص المقترح في مشروع قانون المسطرة المدنية، في حق المدعي في نزاع تجاري مثلا قيمته المالية عشرة مليار سنتيم أو حتى درهم، لن يقدر القاضي أو المحكمة أن تحكم على من ثبتت في حقه سوء النية سوى بعشرين ألف درهم، ألا تشعرون معي أن هناك لا عدالة وظلم قانوني كبير حتى في توزيع الغرامات الجديدة الناتجة عن التقاضي بسوء نية، حتى بين الأغنياء والفقراء من المتقاضين المغاربة.
11- ما يجري حسب ما وقفنا عليه فقط بخصوص غرامة التقاضي بسوء نية، مؤشر خطير ولا يبشر بالخير، على غياب رؤيا استشرافية مستقبلية لما يتم اقتراحه، ولما يمكن أن يتسبب فيه أي مقتضى قانوني جديد يتم تعديله من تأثير كبير غير محمود العواقب على الساحة القضائية والمسطرية مستقبلا، مع اعتماده بدون دراسة شاملة من جميع الجوانب وفي غياب طرح كل الاحتمالات والتصورات المستقبلية لإيجابيات وسلبيات النص الذين يسعون لتعديله.
11 –السؤال الذي يمكن أن نطرحه هو ما الهدف التي تسعى معه الحكومة للنص على تغريم التقاضي بسوء نية، والحكم بهذه الغرامة الكبيرة على من ثبت في حقه التقاضي بسوء نية، هل هو فعلا محاربة من يتقاضون بسوء نية؟ أم الهدف من ورائه هو سد الباب على المتقاضين المغاربة البؤساء، والطبقة المتوسطة، وتخويفهم من فتح ملفاتهم أمام القضاء بعد أن يسمعوا بأمر الغرامة التي يمكن أن يحكم بها عليهم، إذا ما توجهوا للمحكمة، مع الإشارة إلى أن مثل هذه الغرامات لن تخيف المتقاضين الأغنياء من التوجه للمحاكم لأن لديهم الأموال لتأديتها حتى ولو تقاضوا بسوء نية.
12 – التعديلات التي جاءت في مشروع قانون المسطرة المدنية التي صادقت عليه الحكومة، يُغلب الاحتمال المتعلق بأن الأمر يتعلق بنية مبيته لسد الباب أمام الملفات البسيطة والعادية والمتوسطة التي يرفعها المغاربة من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، ومحاولة الحد منها عبر هذا التدخل والتعديل التشريعي، الذي يحد من طرق الطعن، بشأن بعض الملفات ذات القيمة المالية المنخفضة، وفتح كل أبواب الطعن في الملفات التي تكون قيمتها المالية سمينة، وفرض غرامات مالية للتقاضي بسوء نية.
13 - معالجة ظاهرة كثرة الملفات التي تُعرض في كل جلسة، والتي أصبحت تؤرق بال السادة القضاة والمسؤولين القضائيين، وبسببها أصبح السادة القضاة في كل أسبوع مطلوب منهم أن يحكموا في عشرات الملفات ويحرروا أحكامها، عوض أن يحكموا في ثلاثة ملفات أو أربعة، لا يجب أن تكون على حساب حق الولج للعدالة من طرف الجميع فقراء وأغنياء.
14- لا توصدوا أبواب التقاضي في حق المتقاضين البسطاء والمتوسطين، عبر فرض غرامات عن التقاضي بهذا الشكل الذي لا يصدقه حكيم، لكي تخففوا عبئ تحرير الملفات والنظر فيها على السادة القضاة، وسد أبواب الطعن في ملفاتهم ذات القيمة المالية التي تعتبرونها بسيطة، في نظركم، ولا تحتاج الى أن ينظر فيها قضاة محكمة أعلى، بل افتحوا أبواب تشغيل العاطلين المتفوقين من خرجي كليات القانون الخاص لكي يلتحقوا بالقضاء، وينظروا في ملفات المغاربة البسطاء والمتوسطون، أما الملفات ذات القيمة المالية السمينة ، فأصحابها لا خوف عليهم ولن يحزنوا، فطرق الطعن ما زال مشروع قانون المسطرة المدنية المصادق عليه يسمح لهم بسلوكها، والطعن بالاستئناف أو النقض، ولن يخيفهم أمر الغرامة ويمنعهم من أن يتقاضوا بحسن نية أو سوء نية.
15 – افتحوا أبواب التوظيف في القضاء، لكي تسمحوا لخرجي كليات الحقوق النجباء الناجحين بولوج القضاء، ولا تصدوا أبواب التقاضي بخلق سيف الغرامة لتخويفهم، ومنع أصحاب الملفات ذات القيمة المالية البسيطة عبر حرمانهم من سلوك طرق الطعن.
16 – في الوقت الذي فتحت وزارة العدل أبواب المحاماة، لمجموعة من المرشحين الناجحين في امتحان الأهلية خلال السنين الأخيرة، وهو أمر سيقوي جسم مهنة المحاماة بشباب جُدد بدماء جديدة ستغني المهنة وتقويها، يجب أن تفتحوا الأبواب لعمل هؤلاء الملتحقين الجُدد بالمهنة، وتزيدوا في احتكار بعض الميادين التي مازال يتنافس فيها الكثيرون مع السادة المحامين، لا أن توصدوا أبواب الطعن بالاستئناف والنقض وفرض غرامات عن التقاضي بسوء نية حسب ما وضعتم وتصورتم في المادة 10، تقلل من ولوج بعض المتقاضين للمحاكم سيرتب عنا بشكل طبيعي ، انحصار في ملفات كان يطعن فيها في الاستئناف أو النقض، وتُقدم هذا الطعون من طرف محامين شباب، فمع تعديلاتهم بشأن حصر طرق الطعن في ملفات ذات قيمة مالية كبيرة ، سيقل معها عمل المحامين الشباب، ويحرمون من سلوك طرق الطعن في ملفات بعينها كان يسمح فيها الطعن من قبل، وبخلق بُعبُع الغرامة الكبيرة عن التقاضي بسوء نية، سيستنكف الكثير من المتقاضين عن رفع قضاياهم أمام المحاكم مخافة الحكم عليهم، وهذا بطبيعة الحال سيأثر على عمل الكثير من المحامين الشباب الجدد الملتحقين بمهنة المحاماة ، فعوض أن تواكب الحكومة، فتح اباب أما الكثير من الملتحقين بمهنة المحاماة بفتح أبواب جديدة لهم للعمل، بدل سدها بتقييد حق التقاضي الذي سيتضرر معه المحامي والمتقاضي، والذي لن يعني سوى شيء واحد وهو سد أبواب العمل في حق هؤلاء الشباب عوض فتحه وخلق نصوص جديدة تمكنهم من العمل واحتكار قطاعات أخرى من طرف المحامين الجدد الملتحقين، والذين سيفتحون مكاتب ويكون لهم مساعدين من كتاب وكاتبات ، سيتكفلون بأداء أجرهم، ويعفون الدولة من تشغليهم، ويساهمون في مالية الدولة بالضرائب التي يؤدونها للدولة عن نشاطهم المهني، فدزر المحامي في المجتمع دور محوري يجب تعزيزه وفتح كل الأبواب أمامه ، لأنهم يساهمون بنيابتهم أو مؤزرتهم للمغاربة أمام المحاكم في حفظ حقوقهم وحسن تطبيق القانون عليهم, وتبعد عنها هاجس الشطط والتسلط التي يمكن أن تصيبهم سهامه إذا ما كانوا عُزلا بدون محامي.
17 – كتبنا هذا المقال قبل أن تقع الفأس في رأس المتقاضي المغربي البسيط والمتوسط، بعد أن رفعت الحكومة الفأس لتنزل عليه، عسى أن يتدخل نبهاء مجلس النواب والمستشارين، ويُخففوا على الأقل من تطرف المادة العاشرة وجبروتها في الغرامة التي ستفرض على من ستعتبره المحكمة سيء النية، وذلك بجعلها كمثيلاتها من الغرامات المحددة في قانون المسطرة المدنية وأن تكون غرامة التقاضي بسوء نية تتراوح بين خمس مائة درهم وألف درهم.
18 – إن المادة 10 من المشروع الذي صادقت عليه الحكومة، يجب أن يتم تعزيزها كذلك إن كنا فعلا نسعى لمحاربة التقاضي الكيدي وبسوء نية، بتحديد التعويض الذي سيطلبه ويمكن أن تحكم به المحكمة، لمن اعتبر نفسه ضحية تقاضي بسوء نية، بتحديد سقفه الأدنى الذي يجب أن لا يقل عن ثلاثة آلاف درهم دون تحديد الحد الأقصى الذي يمكن أن تحكم به المحكمة حسب قيمة الملف المالية وزمن الملف القضائي والمجهودات التي بذلت فيه، كما أدعوا من خلال مقالي هذا كما دعوت في مقال مفصل سابق لي، بالتنصيص على حق خاسر الدعوى في أن يطلب من المحكمة الحكم على خصمه الذي خسر الدعوى بجزء من الأتعاب التي تكبدها بسبب جره للمحكمة وتنصيبه لمحامي للدفاع عنه في القضية التي ربحها، كما هو معمول به في أغلب الدول العربية والغربية.
الأستاذ وهابي رشيد
المحامي بهيئة الجديدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.