غرفة الجنايات الاستئنافية بفاس تؤخر ملف البرلماني البوصيري ومن معه    "سيام 2024".. توقيع اتفاقية شراكة إطار بين "بيوفارما" ومعهد الحسن الثاني للزراعة    "الكاف" ينصف نهضة بركان ويوجه صفعة مدوية لاتحاد العاصمة الجزائري    المغرب سيكون ممثلا بفريقين في كأس العالم للفوتسال    عاجل.. الكاف يعتبر نهضة بركان فائزا بثلاثية على اتحاد العاصمة والإياب في موعده    توقيف شخص بطنجة بسبب استعمال معدات إلكترونية لتحويل المكالمات الهاتفية الدولية إلى محلية    السعودية تدين "جرائم الحرب" الإسرائيلية    إسرائيل تعلن بدء تنفيذ "عملية هجومية" في جنوب لبنان    تهديدات بالتصعيد ضد ّبنموسى في حالة إصدار عقوبات "انتقامية" في حقّ الأساتذة الموقوفين    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    هل سيتم تأجيل النسخة ال35 من كأس إفريقيا للأمم المقررة بالمغرب سنة 2025؟    الملتقى العالمي ل 70 امرأة خبيرة إفريقية مناسبة لتثمين الخبرة والكفاءة الإفريقية    ما قصة "نمر" طنجة؟    فساد في الموانئ: الناظور بين المدن التي شهدت إدانات بالسجن لمسؤوليها    الوالي التازي يترأس اجتماعا حول غابات جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    الكاتب الأول إدريس لشكر يترأس المجلس الجهوي الموسع بجهة مراكش -أسفي    مجلس الرئاسة الليبي يجهض مخطط الجزائر بإقامة تكتل مشبوه في الفضاء المغاربي    مجلس النواب يفضح المتغيبين بتلاوة أسماء "السلايتية" وتفعيل الاقتطاعات    الحكم على مغني راب إيراني بالإعدام بتهمة تأييد الاحتجاجات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    المنصوري: وافقنا على 2143 طلب لتسوية بنايات مخالفة لقانون التعمير    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي تجدد التأكيد على موقف بلادها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    جنيف .. تحسين مناخ الأعمال وتنويع الشركاء والشفافية محاور رئيسة في السياسة التجارية للمغرب    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        تفاقم "جحيم" المرور في شوارع طنجة يدفع السلطات للتخطيط لفتح مسالك طرقية جديدة    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    جماهري يكتب.. 7 مخاوف أمنية تقرب فرنسا من المغرب    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    إقليم فجيج/تنمية بشرية.. برمجة 49 مشروعا بأزيد من 32 مليون درهم برسم 2024    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    توفيق الجوهري يدخل عالم الأستاذية في مجال تدريب الامن الخاص    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    الصين: أكثر من 1,12 مليار شخص يتوفرون على شهادات إلكترونية للتأمين الصحي    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير البطالة في الاقتصاد السياسي
نشر في الصويرة نيوز يوم 08 - 05 - 2013

المحور: ملف حول مشكلة البطالة في العالم العربي وسبل حلها، بمناسبة 1 ايار- ماي 2013 عيد العمال العالمي
التفسير الكلاسيكي ،الماركسي ،النيوكلاسيكي والكينزي للبطالة
إن حدة البطالة ونتائجها وتأثيراتها في النظام الرأسمالي، دفعت بعدد كبير من المفكرين من مختلف مدارس الاقتصاد السياسي إلى محاولة تحليلها وتفسيرها وإبراز انعكاساتها الاجتماعية والسياسية، وواضح من خلال المدارس التي سنحاول مقاربة تفسيراتها للبطالة أن كل مدرسة كانت تنطلق من موقع طبقي واجتماعي معين في التحليل. بحيث كانت هذه المدارس السند الفكري والإيديولوجي لطبقات اجتماعية تريد أن تسود اقتصاديا وسياسيا.
أولا: تفسير الاقتصاد السياسي الكلاسيكي للبطالة
الاقتصاد السياسي الكلاسيكي هو التوجه الإيديولوجي الذي عبر بوضوح تام عن مصالح ووعي الطبقة البورجوازية الحاملة لمشروع الرأسمالية الصناعية في نهاية القرن 17، وقد عرف بداياته الأولى مع كتابات وليم بيتي William Petty (1623- 1685) وتطور مع أعمال الفيزيوقراطيين الفرنسيين كفرانسو اكيناي François Quesnay (1694-1774) وماركيز دي ميرابو Marquis de Mirabeau (1715-1789) وتورجو A.R.J. Tourgot (1727-1781)، ليصل على أوجه مع أعمال آدم سميث Adam Smith (1723-1790) وديفيد ريكاردو David Ricardo (1772-1823)، وقد شكل رواد الاقتصاد السياسي الكلاسيكي أهم المعاول التي استهدفت المدرسة التجارية/ الميركانتيلية، وأبرز المنظرين للبورجوازية الصناعية الصاعدة خاصة في انجلترا[1].
لقد أفرد الكلاسيكيون أهمية بالغة للبعدين الاجتماعي والسياسي في تحليل الظاهرة الاقتصادية رابطين في تحليلهم مشكلة البطالة بالمشكلة الديمغرافية وبتراكم الرأسمال والنمو الاقتصادي وبالطاقة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، وأهم ما شغل تفكير الكلاسيكيين هو مشكل التوزيع والربح وتأثيره في تراكم رأس المال، يقول ريكاردو في رسالة إلى مالتس: – إن الاقتصاد السياسي ليس بحثا في طبيعة الثروة وأسبابها، وإنما هو بحث في القوانين التي تعين على تقسيم ناتج الصناعة بين الطبقات التي ستشترك في تكوينه[2]"، وقد ارتكزت دعائم الفكر الاقتصادي الكلاسيكي على النقط التالي:
أ- خضوع الاقتصاد إلى قوانين طبيعية موضوعية صارمة مستقلة عن وعي الناس وإرادتهم
ب- الحرية الاقتصادية (حرية التجارة، حرية العمل، حرية التعاقد) من خلال شعارهم البارز "دعه يعمل.. دعه يمر" وذلك للحد من تدخل الدولة أو أي طرف آخر لنقابات العمالية
ج- رفض الاحتكار من خلال الإعلاء من شأن المنافسة الحرة الكاملة في جهاز السوق الفعال القادر على تجاوز أخطائه ومشاكله بصفة تلقائية وطبيعية، فهو الذي يحدد كميات الإنتاج وأشكال توزيع الناتج الإجمالي وكذلك الأسعار وحجم الإنتاج والأجور وأي خلل يتكلف به ما كان يعرف بالرجل الاقتصادي عند الكلاسكيين.
لقد كان هذا التحليل عاملا مساعدا في الرفع من شأن الرأسمالية الصناعية التي توفر لها غطاء إيديولوجي هام لتوسيع نفوذها وتوفير ما يكفي من العمالة بعيدا عن أية تعاقدات مشروطة مع مرونة كبيرة في تحديد الأجور. واعتبرت أن كل المآسي الاجتماعية التي رافقت التحول من الرأسمالية المركانتيلية إلى الرأسمالية الصناعية مثل البطالة، الجريمة، الفقر وغيرها أمورا طبيعية سيتم تجاوزها وفقا لنضج السوق، وأنه لا يمكن للدولة أن تتدخل في ترتيب هذه الأوضاع على نحو آخر، ويعبر روبرت مالست عن هذا الوضع أفضل تعبير من خلال قوله:"السبب الرئيسي للفقر الدائم لا صلة له بطريقة الحكم وبسوء توزيع الملكية. فليس في وسع الأغنياء تأمين العمل والغذاء للفقراء. وليس للفقراء الحق في مطالبتهم بالعمل والغذاء" والقصد من هذا الحديث هو النتائج السلبية للعاطلين بالإضافة إلى إسهامها في تزايد السكان النقطة المحورية في فكر مالست.
انطلق الكل سيكون من فكرة أساسية تجعل من قيمة الطلب على المنتجات مساوية تمام مع نفقة إنتاجها، حيث يتم صرف الأموال المحصلة كأجور وأرباح على منتوجات جديدة وبالتالي فكل عملية شراء هي في نفس الوقت عملية بيع والعكس صحيح. وهذا ما يوفر للاقتصاد التوظيف الكامل وبالتالي استمرار تراكم رأس المال والاستثمار، وهذا ما يعرف بقانون ساي، لهذا كانت البطالة في الفكر الكلاسيكي مستحيلة الحدوث على نطاق واسع.
صناعة الحقائب الجلدية
وجود فائض عرض
وجود فائض طلب
العرض = 100 وحدة
الطلب = 80 وحدة
العرض= 80 وحدة
الطلب = 100 وحدة
زيادة المخزون السلعي
هبوط الأسعار
تدهور الأرباح
انخفاض الطلب على العمال
انخفاض الأجور
ارتفاع الأجور
وجود بطالة
انخفاض حجم الإنتاج
نقص المخزون السلعي
ارتفاع الأسعار
ارتفاع الأرباح
زيادة الطلب على العمال
زيادة فرص التوظف
زيادة حجم الإنتاج
اختفاء فائض العرض
اختفاء فائض الطلب
استعادة التوازن المفقود
الشكل رقم 2: آليات القضاء على البطالة الجزئية في الاقتصاد الكلاسيكي
ثانيا: التفسير الماركسي للبطالة
لقد شكل الفكر الماركسي الرؤية النقدية لتصدعات الرأسمالية الصناعية لما بعد ثورة 1848 والتي تميزت بانتشار البؤس الاجتماعي من خلال الفقر والبطالة والاستغلال البشع للإنسان بشكل أقرب إلى العصور الإقطاعية والفيودالية الذي قامت على أنقاضها الرأسمالية الصناعية، بنيت الماركسية (نسبة إلى كارل ماركس KARL MARX 1818-1883) على ثلاثة ركائز أساسية وهي:
* الدياليكتيك (الفلسفة الجدلية)
* المادية التاريخية
* الاقتصاد السياسي.
لقد ركز كارل ماركس على الرأسمالية من خلال نقدها وتفكيك بنائها النظري والمادي، ولعل ابرز ما خلف ماركس هو عمله الضخم كتاب "رأس المال" الذي صدر في أربعة أجزاء وفي 2500 صفحة منها ما صدر قيد حياته ومنها ما أشرف عليه حواريوه وأنصاره فيما بعد. مثلث السلعة نقطة هامة في التحليل الماركسي، إذ ارتبطت بخلاصات هامة كانت هي جوهر الماركسية مثل فائض القيمة والقيمة وتراكم رأس المال والربح مرورا بقوة الإنتاج وعلاقات الإنتاج وملكية وسائل الإنتاج… حيث اعتبر ماركس" الإنتاج السلعي هو شكل من أشكال تنظيم الإنتاج الاجتماعي ظهر خلال مرحلة معينة من تطور قوى الإنتاج ( جميع الأدوات والآليات التي يستخدمها الإنسان في عملية الإنتاج بما فيه قوته الذهنية والعضلية) وعلاقات الإنتاج ( العلاقات الناتجة بين أفراد العملية الإنتاجية وخاصة: علاقات الملكية والتوزيع والتبادل[3]) ، بحيث يكون الإنتاج موجها للتبادل وليس للاستهلاك الفردي، وتستمد السلعة أهميتها من قيمتها الاستعمالية والتبادلية، ففي قيمتها الاستعمالية تبرز الحاجة الاجتماعية إليها نظرا بخصائصها الفيزيائية، الكيميائية والبيولوجية ولو أنه ليس كل منا له قيمة استعمالية يعتبر سلعا إذ أن هناك أشياء في الطبيعة لا تناقش قيمتها الإستعمالية ومع ذلك لا يمكن اعتبارها سلعا نظرا لتوفرها بكميات وفيرة[4] والقيمة التبادلية تنتج جدليا من القيمة الإستعمالية للسلعة. فالتبادل يقع لإشباع حاجات إجماعية وأصبح هو الهدف الأساسي للمنتجين، والنتيجة الحاسمة التي يخلص إليها رمزي زكي بهذا الخصوص: " هي أنه في ظل الإنتاج السلعي يوجد انفصال بين الأفراد الذين يقيمون خلف القيمة الإستعمالية، وبين الأفراد الذين يتمتعون بهذه القيمة، وتصبح السلعة هنا ممثلة لعلاقة إجتماعية تنشأ بين منتج السلعة والمجتمع بوجه عام[5]"
ونظرا لأهمية القيمة التبادلية للسلع بالنسبة للرأسماليين، فإن هؤلاء لا يترددون في إنتاج سلع ذات أهمية تبادلية رغم مخاطرها الاستعمالية كالسلاح والمخدرات ورغم ذلك سيسعى المنتجون إلى إنتاجها لما تذره من أرباح ضخمة، كما يلجأ المنتجون إلى سحب السلع أو إتلافها حتى ترتفع أثمانها وبالتالي رفع الأرباح إذ أن أزمة الرأسمالية هي فائض الإنتاج.
لقد شكل ظهور النفوذ نقطة النهاية لنظام المقايضة حيث انفصلت لأول مرة عملية البيع عن عملية الشراء، وهنا اعتبرت الماركسية أن دخول النقود إلى مجال التعامل الاقتصادي مهد إلى خلل بين العرض والطلب، حيث أصبحت عملية البيع والشراء لا *** بصور تلقائية، إذ أصبح بالإمكان أن يبيع الفرد السلعة ويحصل على نقود دون أن يكون ملزما بشراء سلعة أخرى وهو ما يعني في نهاية التحليل توقيف لعملية بيع. وكلما اتسعت المدة الزمنية بين البيع والشراء كلما ترتبت عن ذلك فائض في سلعة معينة وهو ما يترتب عليه كساد اقتصادي في قطاع معين ما يعني ذلك من تراجع لٍباح الدافع الأساسي للمنتجين وبالتالي السعي إلى الحد من الخسائر عبر تقليص الإنتاج وتكلفة الإنتاج بما فيها قوى الإنتاج خاصة تسريح أعمال مما ينتج عن ذلك البطالة.
لقد آمنت الماركسية سواء مع أعمال ماركس وانجلز التأسيسية أو أعمال روزا لوكسمبورغ Rosa Luxembourg 1870-1919 وبول سويزي وبول باران أو الماركسيين المعاصرين، بات النظام الرأسمالي يحمل بذور موته في ذاته وأن هذا النظام القائم على استغلال الطبقة العاملة من خلال الهيمنة على فائض القيمة، "إذ أن أهم اكتشافات كارل ماركس هو اكتشافه أن قيمة قوة العمل، والقيمة التي يولدها العمل، إنما هما كميتان مختلفتان. وهو الاكتشاف الذي مكنه من تحديد فائض القيمة. فالعامل الذي يبيع قوة عمله. فإنه لا يتقدم للرأسمالي "حاملا عمله على يديه[6]." وملكية وسائل الإنتاج بغية الرفع من الربح الذي تحققه الرأسمالية على حساب الطبقة العاملة.
تقول روزا لوكسمبورغ 1870-1919 في وصف الصيرورة التاريخية للماركسية والاقتصاد السياسي الماركسي: "في نفس اللحظة التي بدا فيها أن اشتراكية المدارس القديمة قد دفنت إلى الأبد تحت أنقاض ** حزيران/ يونيو 1848 (باريس)، كان ماركس وانجلز يقيمان أساس الفكرة الاشتراكية فوق بنيان جديد كليا. فهما لم يبحثا عن نقاط في إسناد للاشتراكية، لا في الإدانة الأخلاقية للنظام الاجتماعي القائم، ولا في اكتشاف مشاريع مبتكرة ومغرية يهرب من خلالها العدالة الاجتماعية إلى داخل النظام الراهن. لقد تيمم ماركس وانجلز أنظارهما شق دراسة العلاقات الاقتصادية في المجتمع المعاصر. هنا، في قوانين الفوضى الرأسمالية اكتشف ماركس، المنطلق الحقيقي للطموحات الاشتراكية. وكان الكلاسيكيون الفرنسيون والانجليز، في مجال الاقتصاد السياسي، قد اكتشفوا القوانين التي يحيا عليها الاقتصاد الرأسمالي، وبها يتطور وتبعدهم بنصف قرن استأنف كارل ماركس أعمالهم، ابتداء من النقطة التي توقفوا عندها. لقد اكتشف بذوره أن قوانين النظام الاقتصادي المعاصر، تعمل باتجاه ضياع هذا النظام، عبر تهديدها المتزايد للمجتمع عن طريق نمو الفوضى، وعن طريق سلسلة مترابطة من الكوارث الاقتصادية والسياسية إنها كما يبرهن ماركس، الاتجاهات التطورية لسيطرة الرأسمال، وهي اتجاهات ما إن تصل إلى نقطة نضوج معينة حتى تجعل من الضروري العبور إلى نمط اقتصاد محدد بطريقة واعية، ومنظم من قبل مجموع المجتمع العامل… إن الرأسمال نفسه هو الذي يجعل من دنو أجله، عبر تجمعيه، في تجمعات أكبر وأكبر، دافنيه القادمين: البروليتارين، وعبر امتداده في كل بلدان الكوكب الأرض، وعبر إقامة اقتصاد عالمي تسوده الفوضى… إن الاشتراكية أي البرنامج المشترك للعمل الثوري للبروليتارية الأممية، هي ضرورة تاريخية، لأنها ثمرة الاتجاهات التطورية للاقتصاد الرأسمالي[7]"
ارتفاع الطلب على وسائل الانتاج والمواد الخام
تراكم رأس المال
السعي إلى إنتاج وسائل إنتاج جديدة باستغلال نسبي عن الطلب على السلع الاستهلاكية
ارتفاع الاستثمار في القطاع المنتج لوسائل الإنتاج مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف هذا الإنتاج
نمو الاستهلاك بسبب نمو الأجور لوفرة فرص العمل
ارتفاع سعر المواد الاستهلاكية بارتفاع الطلب عليها
انخفاض معدل فائض القيمة بسبب ارتفاع أجور العمال
سعي الرأسماليين إلى إحلال الآلات محل العمال فيرتفع التكوين العضوي لرأس المال مما ينتج عنه من جديد تقليص معدل فائض القيمة
انخفاض معدل الربح
استمرار انخفاض معدل الربح
انهيار أسعار وسائل الإنتاج فتهوي أرباحها
تقليل تراكم رأس المال من خلال: خفض الطلب على وسائل الإنتاج بما فيه تسريح العمال
توسع في الإنتاج
ارتفاع أسعارها
خسائر وإفلاسات
مرحلة الكساد
الشكل رقم 3: يوضح التصور الماركسي لنمط الإنتاج الرأسمالي
ثالثا: تفسير البطالة عند النيوكلاسيك والاشتراكيين الطوباويين
لقد جاءت أعمال الاقتصاديين الإنسانيين في أعقاب النتائج المدمرة التي خلفتها الرأسمالية الصناعية على المستوى الإنساني، حيث انتشرت مظاهر البؤس والفقر والبطالة والدعارة والجرمية، وارتفعت بذلك الهامشية الاجتماعية وعادت أوربا إلى ممارسات العبودية والاستغلال اللاإنساني للطبقة العاملة بل حتى الأطفال لم يتم استثناؤهم من الآلة الهمجية للاقتصاد الرأسمالي الصناعي، وقد مثلت كتابات رواد هذا الاتجاه سان سيمون Saint Simon (1760-1825)، روبرت أوين Robert Owen (1771-1858)، شارل فورييه C. Fourrier (1772-1838)، بيير جوزيف برودون P.J.Prudhoun (1809-1865)، لاسال F.Lassale (1825-1864)، لوي أوجست بلانكي C.A.Blanqui (1805- 1881)، جون فرنسيس براي J.François Bray (1809-1895) ورود برتس J.Karl.Robertus (1805- 1875)… وغيرهم، انتقادات صارمة لهذه الوضعية وفضحا للمساوئ الكبيرة التي ينطوي عليها نمط الإنتاج الرأسمالي إلى الحد الذي دفع بعضا منهم إلى تقديم بدائل طوباوية لحل الجانب الإنساني للرأسمالية وقد عرفوا أيضا بالاشتراكية الخيالية[8] الني لم تراوح مجالس البورجوازية الصغيرة مراهنة على إصلاح الرأسمالية من الداخل من خلال معالجة الجوانب الاجتماعية في علاقات الإنتاج.
ويمكن القول أن أعمال وليام تومبسون William Thompson (1782-1833) وجون جراي Jhon Gray (1799-1850) وتوماس هودجسين Thomas Hodgeskin (1778-1869) على التوالي:
í "بحث في مبادئ توزيع الثروة المؤدية أكثر من غيرها إلى السعادة البشرية" وليام تومبسون 1824 و"جزاء العمل" 1827.
í "النظام الاجتماعي: رسالة في مبدأ التبادل" جون جراي 1831
í "الدفاع عن العمل" توماس هودجسكين 1825.
الأسس النظرية الأولى التي بنى عليها ماركس معظم أفكاره وتصوراته حول النظام الرأسمالي، لقد ركز الاقتصاديون الإنسانيون على أن البطالة هي النتيجة الموضوعية لهيمنة الملاك على الأرض والرأسماليين على وسائل الإنتاج وبالتالي الهيمنة على القيمة التي هي ناتج عمل العمال، بينما مالكو وسائل الإنتاج ما هم إلا مجموعات طفيلية على هامش الإنتاج تسعى فقط إلى السيطرة على فائض القيمة وتنمية الأرباح بخفض تكاليف الإنتاج وخاصة تسريح اليد العاملة أو استغلالها استغلالا بشعا، لذا اعتقدوا ومعهم عدد من المفكرين الاقتصاديين أن الطبقة العاملة من حقها أن تفهم آليات الاقتصاد السياسي لكي تفهم آليات الاستغلال وبالتالي تنظيم صفوفها لمواجهة الرأسمالية المتوحشة الصاعدة، وهو ما تحقق في العام 1825 في بريطانيا إذ صدر أول قانون يشرع لتأسيس نقابات عمالية.
لمواجهة هذه الوضعية نشأت المدرسة الحدية النيوكلاسيكية كتعبير للبورجوازية الخائفة من تفاقم وعي الطبقة العاملة ونتائجه السلبية على مصالحها، حاملة معاولها لهدم العلاقات الاجتماعية للاقتصاد، وللتأكيد على قانون ساي من جديد ونفي تعرض النظام لأزمة فائض الإنتاج كما أكدت الماركسية وبذلك رفضوا رفضا مطلقا إمكانية حدوث بطالة واسعة إذ أن المنافسة الكاملة تمكن الاقتصاد من بلوغ التوظيف الكامل وبالتالي لا يمكن تصور البطالة في هذا النظام إلا بصورتها الاختيارية أو الهيكلية[9]، ولعل الظروف التاريخية (نهاية القرن 19) التي اشتغلت فيها المدرسة النيوكلاسيكية والتي صادفت الحركة الاستعمارية التي ساهمت في تراكم رأس المال في البلدان الصناعية نظرا لعمليات النهب الكبيرة التي تعرضت لها في دراستها حول "ما هو الاقتصاد السياسي[10]، حيث مكنت هذه الوضعية من تحسن نسبي في الجوانب الاجتماعية للطبقة العاملة، إضافة إلى التقدم التكنولوجي الهائل الذي عرفه العالم آنذاك (التلفون، الكهرباء، السيارة…).
في ختام هذا الجرد لتصورات النيوكلاسيك يتضح لنا بأن هذه المدرسة لم تعطي عناية ملمة لموضوع البطالة وذلك لطابعها المحافظ الذي آمن بالتوظيف الكامل للاقتصاد.
رابعا: التفسير الكنيزي للبطالة
"كنت ترى بائعي السندات السابقين على أرصفة الشوارع يحاولن بيع التفاح، على حين أصبح الكتبة السابقون يطوفون أحياء المال لكي يعيشوا على تلميع الأحذية ومسحها. وأخذ المتعطلون والمشردون يرحبون بالقبض عليهم بتهمة التشرد بغية الحصول على الدفء والطعام في السجن. وطلب أكثر من مائة عامل أمريكي العمل في الاتحاد السوفياتي[11]." بهذه الصورة القاتمة يختزل شانون الأزمة الاقتصادية الخانقة التي كان يعرفها المجتمع الأمريكي، وهي الظروف التي ستعلن عن ميلاد واحدة من أهم المدارس الاقتصادية ألا وهي المدرسة الكنيزية مع جون ماينرد كنيز Johon M.Keynes (1883-1946) والتي اعتبرها خصومها مدرسة منظرة للبطالة، والحقيقة أنها كانت كذلك في الاتجاه الذي يناقض الاقتصاديين المحافظين الذي كانوا لازالوا أوفياء للمدرسة الكلاسيكية والمدرسة الحدية، على الرغم من المآسي التي عرفها العالم بعد الخميس السود سنة 1929، والتي يقول عنها جوزيف شومبيتر J.A.Schumpeter : "لم توجد أي منطقة محصنة من آثار أزمة عام 1929، لأنها كانت أزمة صناعية وزراعية، فانطبقت آثارها السيئة على الجميع. وخفضت الدخول والمرتبات في جميع البلاد ولجميع الأفراد، إما بطريق مباشر، ناجم عن سقوط قيمة العملات، وإما بطريق غير مباشر بتخفيض الإنفاق الحكومي الذي اضطرت إليه الحكومات عندما انكمشت مواردها بنسبة تتراوح بين % 25 و % 45 كما قدرت المؤسسة الألمانية للبحوث الاقتصادية. ولم يحدث قط في تاريخ الخمسين سنة الماضية أن تدهورت دخول الناس كما هوت في هذه الأزمة التي لم تبق على مرتبات الموظفين وذوي الدخول الثابتة والزراعيين، وهي الدخول التي من النادر أن تكون قد مست أو لم تمس على الإطلاق في الأزمات السابقة[12]."، لقد أدت مرحلة الأزمة هذه إلى تحولات جوهرية في دور الدولة التي كانت في السابق وبفعل ضغط الكلاسيكيين والنيوكلاسيك محايدة بشكل مطلق، لتتحول إلى جهة متدخلة على عكس التصور الرأسمالي الذي يمنح للسوق أهمية بالغة، وقد تجلى تدخل الدولة وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية مع السياسة التي نهجها فرانكلين روزفلت والمعروفة بالنهج الجديد New Deal مركزة على العامة لزيادة حجم الطلب الكلي[13]، وكان لهذه السياسة آثار إيجابية على خفض معدلات البطالة والفقر في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك بريطانيا وألمانيا مع صعود النازية واتجاهها نحو الأشغال الكبرى والتسلح الضخم.
لقد برز كينز في كنف هذا التدخل الدولي في الشأن الاقتصادي على نحو غير مسبوق، فنزعت نظريته إلى تبرير وتنظير هذا التدخل، حيث يتبين من كتابات كينز ما لدور الدولة من أهمية في إقامة التوازن للنظام الرأسمالي، وبالتالي نقص الأطروحة الكلاسيكية والنيوكلاسيكية.
لقد ركز كينز على أهمية الطلب الكلي الفعال والذي يقسمه إلى طلب على سلع الاستهلاك من جهة، وطلب على سلع الاستثمار، وهذا الطلب هو الذي يحدد حجم العرض الكلي، وبالتالي حجم الناتج والأجور والعمالة. وبالنتيجة فإن البطالة هي المقابل الموضوعي لضعف الطلب الكلي الفعال وللقضاء عليها يجب تنمية الطلب الكلي الفعال، ولتحقيق التوازن في الدخل القومي كان من اللازم بالنسبة لكينز أن يتعادل الادخار مع الاستثمار على نحو المعادلات التالية:
الدخل القومي = الاستهلاك + الادخار
الناتج القومي = الاستهلاك + الاستثمار
أي الدخل القومي = الناتج القومي وبالتالي فإن الادخار = الاستثمار
وتتضح أهمية هذه الخلاصة في ضوء المستجدات التي عرفها النظام الرأسمالي على عهد كينز حيث بفاعلين جدد إلى مجال التحكم في الادخار والاستثمار عبر الأسواق النقدية والمالية، وهو ما لم يعايشه الكلاسيكيون والنيوكلاسيك، الذي لم يضعوا في الحسبان إمكانية انفصال الادخار عن الاستثمار إذ اعتبروا كل ادخار هو استثمار، وبالتالي لا مجال لوجود خلل بين العملتين وهو ما أصبح ممكنا في عهد كينز الذي اعتبر الكساد والبطالة هما الحصيلة الموضوعية للخلل ما بين الادخار والاستثمار ومن ثم نادى بتدخل الدولة، "فلو افترضنا، مثلا، أنه في فترة ما زاد حجم الادخار على الاستثمار، فإننا نجد حسب المنطق الكنيزي، أن الطلب الكلي الفعال سوف يقل عن العرض الكلي. في هذه الحالة سنجد أن المخزون السلعي في قطاع الأعمال يتزايد عن مستواه الطبيعي، وتتراكم السلع في المحال التجارية، وتنخفض السعار، واقل الأرباح، ويقل الناتج، وتتزايد الطاقة العاطلة، وتحدث بطالة، وينخفض مستوى الدخل القومي. ولما كانت هناك علاقة دالية (علاقة ارتباط) بين مستوى الدخل القومي ومستوى الادخار القومي، فإن انخفاض الدخل القومي سيؤدي خلال الفترة الجارية إلى تقليل حجم الادخار، حتى يتعادل مع حجم الاستثمار في نهاية الفترة. وبذلك يتحدد توازن الدخل القومي عند مستوى أقل من مستواه في بداية الفترة. وخلال هذه الفترة يكون هناك انكماش قد حدث مسببا معه حدوث بطالة بين صفوف العمال[14]".
——————————————————————————–
[1]- َ Autorenkollektive, Geschichte der Okonomis chen Lehrmeinungen, Verlage Die Wirtschoft Berlin 1965 : 64-66
عن رمزي زكي م س ص: 179
[2]- راجع خطابات ريكاردو إلى مالتس (1810-1833) (أشرف على نشرها ج.بونار 1887) باللغة الإنجليزية ص: 157 عن رمزي م س ص: 180
[3]- أ نظر رمزي م س ص 184ق ص 236
[4] – نفسه ص 185
[5]- نفسه ص 187
[6]- رمزي زكي م س ص: 192 وراجع الصفحات 193-194-195-196
[7]- روز اللوكسمبورغ: ما هو الاقتصاد السياسي دراسة منشورة على الموقع الالكتروني الحوار المتمدن/ صيغة Word ص: 36 و37 WWW.rezgar.com
[8]- للمزيد من التفاصيل. راجع: رمزي زكي ص: 243 إلى 250 م س
[9]- راجع A.C Pigou : The Theory of Unemployment, Macmillan, London 1933 p :252 عن رمزي زكي م س ص: 284
[10] راجع دراسة روزا لوكسمبورغ م س
[11]- انظر: ديفيد أ. شانون – الولايات المتحدة الأمريكية في الأزمة الاقتصادية. ترجمة صلاح محمد سليمان عزب، الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة (من دون تاريخ) ص: 11 عن رمزي زكي م س ص: 306
[12]- انظر J.A Schumpeter : Busines Cycles. Macgraw- Hill, New york , 1939 p :90
[13]- رمزي زكي م س ص:293
[14]- رمزي زكي م س ص:298
مقالات ذات الصلة
* كلفة الملكية في المغرب
* لا مكان للشعبوية في المالية والاقتصاد ومستقبل البلاد
* شهادة الزور
* اغتيال رمز المقاومة الجعبري هل تكاتفت مخابرات قطر والموساد لاغتياله؟
* حسابات السياسة الداخلية تمنع موريتانيا من دخول حرب مالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.