يعود حسنين هيكل في الحلقة الرابعة من الكتاب إلى اهتمام حسني مبارك بعلاقة هيكل بعبد الناصر وأنور السادات، وما إذا كانت خلافات بينهم، ويشرح بالتفاصيل كيف لم يكن مبارك يقرأ مقالات هيكل ويمنع الضباط في الجيش من قراءتها، لأنه لم يكن يرغب في أن يقترب الضباط من السياسة، خصوصا بعدما اكتشف أنهم مهتمين بمقالاته، وحيثيات جديدة حول السياسة الأمريكية في المنطقة وعدم اتفاق هيكل مع الرأي القائل إن الولاياتالمتحدةالأمريكية تملك 99 في المائة من أوراق حل الأزمة بالشرق الأوسط. حسنين هيكل يكتب في الحلقة الرابعة عن مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان كان اللقاء مع «مبارك» وديا، ولا أستطيع أن أقول حميما، ولم تكن الحميمية متصورة بعد متابعتي له من بعيد، منذ ظهر أمامي في «الخرطوم» ثم نائبا للرئيس في ظروف تشابكت فيها العلاقات بيني وبين الرئيس «السادات» ما بين سنة 1974 وسنة 1975، ثم انقطعت في نفس الظروف التي أصبح هو فيها نائبا للرئيس، ومسئولا عن الأمن والتأمين، ثم رئيسا للدولة في ظروف عاصفة!! وصباح يوم موعدنا السبت 5 من ديسمبر وصلت إلى بيته في الموعد المحدد وعبرت باب البيت من ردهة إلى صالون في صحبة ضابط برتبة عميد، ولم أنتظر أكثر من دقيقة في الصالون، حتى دخل «مبارك» مادا يده ومرحّبا بابتسامة طيبة وملامح تعكس حيوية شباب وطاقة!! وقال على الفور وهو ما زال واقفا: «لابد أنك جائع فأنا أعرف أنك تستيقظ مبكرا». وقلت: «بصراحة سيادة الرئيس إنني أفطرت فعلا، ولكنى سوف أجلس معك وأنت تتناول إفطارك»، وضحك قائلا: الحقيقة إنني أيضا أكلت شيئا خفيفا، وقلت له: «إذن فلا داعى لإضاعة وقت على مائدة الإفطار، فلدىَّ الكثير أريد أن أسمعه منك»، وأبدى موافقته بعد تكرار سؤاله عما إذا كنت لا أريد أن آكل أى شىء مما جهزوه لنا، وكررت الشكر، وقال: إذن نطلب فنجانين من القهوة ونجلس. قدم لى الرئيس «حسنى مبارك» دون أن يقصد من ناحية، ودون أن أقصد أيضا مفتاحا لم أتوقعه من مفاتيح شخصيته، ولسوء الحظ فإن ما قدَّمه لى فات علىَّ في وقته، مع أنه استوقفني فعلَّقت عليه!!
اتركهم يغلطوا قلت للرئيس «مبارك» فور أن جلسنا: «إنني فكرت بالأمس أن أطلب مكتبه، راجيا تغيير موعدنا، لأني قرأت في الصحف عن مشاورات يجريها لتعديل وزاري أعلن عنه، وقد خطر لي أن موعدي معه اليوم قد يُحدث التباسا وخلطا لا ضرورة له، بين لقاءاته في إطار التعديل الوزاري، وبين لقاءاته العادية الأخرى وضمنها موعدي معه، وأول الضحايا في هذا الخلط والالتباس سوف يكون فريق الصحفيين الذين يغطون أخبار رئاسة الجمهورية». ورد «مبارك» وهو يبتسم بومضة شقاوة في عينيه: - وماذا يضايقك في ذلك.. «اتركهم يغلطوا!». ولم يتضح لي قصده، وسألته، وجاء رده بما لم أفهمه في البداية حين قال (يقصد الصحفيين): دول عالم «لَبَطْ»، وأبديت أنني لم أفهم المعنى، واستنكر بُطء فهمي فقال: «لا تعرف معنى «لَبَطْ» هل أنت «خواجة»؟!، وأكدت له إنني أبعد ما أكون، وراح يشرح معنى «لَبَطْ»، ثم واصل شرحه: «اتركهم يغلطوا» حتى يتأكد الناس أنهم لا يعرفون شيئا» ومرة ثانية لم يتضح لي قصده، ومرة ثانية سألته، ورد، وعلى شفتيه ما بدا لى «ابتسامة من نوع ما»: «إن الصحفيين يدَّعون أنهم يعرفون كل شيء، وأنهم «فالحين قوى»، والأفضل أن ينكشفوا أمام الناس على حقيقتهم، وأنهم «هجاصين» لا يعرفون شيئا» قلت: ولكن سيادة الرئيس هذه صحافتك، أقصد «صحافة البلد»، ومن المفيد أن تحتفظ لها بمصداقيتها، ولا بأس هنا من جهد لإبقاء الصحفيين على صلة بالأخبار ومصادرها. ورد بقوله: «الدكتور فؤاد» (يقصد رئيس وزارته وقتها «فؤاد محيى الدين») يقابل الصحفيين باستمرار، ويطلعهم على الحقائق، لكن بلا فائدة، هم «يخبطوا على مزاجهم» ولا يسألون أحدا!» وقلت: «إنه ليس هناك صحفي يحترم نفسه تصل إليه أخبار حقيقية ويتردد في نشرها» وظل على رأيه: «المسألة أنهم لا ينشرون، إما أن لهم مصالح خاصة، وإما أنهم لا يفهمون» وأحس إنني لم أقتنع، وتفضَّل بما ظن أنه مجاملة قائلا: «محمد بيه» أنت تقيس الصحفيين الحاليين بتجربة زمن مضى، ليس هناك صحفي الآن له علاقة خاصة بالرئيس (وكانت الإشارة واضحة)، وقلت إن «جمال عبد الناصر» كان متصلا بكثيرين من الصحفيين، ثم إن هذا لا يمنع قيام صداقة مع أحدهم بالذات، ولكن المهم أن يكون أصبع رئيس الدولة على نبض الرأي العام طول الوقت» وانتقل والدهشة عندي تزيد قائلا: «على فكرة نحن كنا نتصور أنك تجلس على حِجْر الرئيس الرئيس «جمال»، لكنه ظهر أن الرئيس «جمال» كان هو الذي يجلس على حِجْرك، واستطرد: لم أكن أعرف أن العلاقة بينكما إلى هذا الحد حتى شرحها لي (أشار إلى اسم الأستاذ «أنيس منصور»)!! واستهولت ما سمعت، وبان ذلك على ملامحي، وربما في نبرة صوتي حين قلت له: «سيادة الرئيس أرجوك لا تكرر مثل هذا الكلام أمام أحد، ولا حتى أمام نفسك، أولا لأنه ليس صحيحا، وثانيا لأنه يسىء إلى رجل كان وسوف يظل في اعتقادي واعتقاد كثيرين في مصر وفي الإقليم وفي العالم قائدا ورمزا لمرحلة «مهمة» في التاريخ العربي» أضفت: «فيما يتعلق بي فقد كان يمكن أن يرضى أوهامي إنني كنت «كل شيء» وقت «جمال عبد الناصر»، ولكن ذلك غير صحيح، لأن «جمال عبد الناصر» كان هو «جمال عبد الناصر»، وقد أسعدني ولا يزال إنني كنت صديقا له وقريبا منه ومتابعا لدوره وهو يصنع للأمة كلها تاريخا يمثل على الأقل لحظة عز وقوة لها في عالمها وعصرها، وأنا أقول ذلك بعيون مفتوحة، مدركا أن تجربة «عبد الناصر» كانت إنسانية قابلة للخطأ أحيانا كما للصواب، كما أنها ليست أسطورية معصومة بالقداسة، لأن ذلك غير إنساني، وهذه هي الحقيقة»!. وقاطعني: «أنا أعرف كم كان الرئيس «جمال» شخصية عظيمة، وما قلته لك كان كلام (أعاد الإشارة إلى اسم «أنيس منصور»!)، وهو لم يقله لي فقط، وإنما نشره أيضا، أما أنا فلم أقل من عندي إلا ما قلته أنت في وصف علاقتك به، من أنك كنت صديقا له وقريبا منه هذا ما قصدته، وقصدت أنك كنت تعرف كل شيء، بينما الصحفيون الآن لا يعرفون». وقلت: «إن علاقته هو (أي «مبارك») بالصحفيين في عهده اختياره، وله أن يوصفها كما يرى، لكنى أتمنى لو استطاع أن يسهِّل على الصحافة أن تعرف أكثر، لأن تلك مصلحة الجميع، وأولهم هو شخصيا» وظل على رأيه لم يغيره، وأكثر من ذلك فإن رده علىَّ كان بقوله: «أنه إذا عرف الصحفيون أكثر، فسوف يتلاعبون به». وقلت في شبه احتجاج: «سيادة الرئيس أنت تسيء الظن بإعلامك، وأنا أعرف بعضا من شيوخ المهنة وشبابها، وأثق أنهم لن يتلاعبوا في أخبار، فضلا عن أسرار» وشرحت لمحات عن مهنة الصحافة في مصر وتاريخها ورجالها، ومع أنى أسهبت إلى حد ما في الحديث عن تاريخ الصحافة المصرية، فقد أحسست أنه يتابع، وكانت له عدة أسئلة واستفسارات عن الأشخاص وعن الوقائع. ثم آثرت أن أنتقل من هذا الموضوع إلى غيره مما يعنيني في أول لقاء مع رئيس الدولة الجديد في مصر، وفي ظروف عاصفة يندر أن يكون لها مثيل هبت على مصر نارا ودما!! مبارك يسأل وهيكل يجيب وكذلك عُدت بالحديث إلى مدخله الطبيعي، فقلت للرئيس: إنني متشوق إلى سماعه. ورد قائلا: ولكن أنا أريد أن أسمعك هذه المرة وأن أسألك، وفي المرة القادمة أنت تسألني أضاف بتواضع أنه يعتبر نفسه هذه الفترة في «مهمة استكشاف»، يتعرف فيها على «الجو» الذي يتعين عليه العمل فيه!»، وأضاف: «أنا طلبت منك أن تتكلم يوم جئت إلى قصر «العروبة» بعد الإفراج عنكم، ولكنك لم تتكلم». وقلت: «إنني اعتذرت لأن اتفاقنا قبل المجيء إلى عنده كان أن يتكلم واحد منا بالنيابة عنا جميعا، وقد اخترنا «فؤاد سراج الدين» لأنه أكبرنا سنا، وأسبقنا جميعا إلى ممارسة العمل السياسي». قاطعنى بسؤال: هل عرفت «سراج الدين» وأنتم في «طرة»؟!! وقلت: إنني أعرفه من قبل ثورة 1952، وحين كان سكرتيرا عاما لحزب الوفد ووزيرا للداخلية، وقتها (في أواخر العشرينيات من عمري) كنت رئيسا لتحرير «آخر ساعة»، ومديرا لتحرير «أخبار اليوم»، وعلى علاقة بمعظم الساسة في مصر، وكان «فؤاد سراج الدين» من أبرزهم، ولم تتغير علاقتي به أو بهم، بل توثقت مع مرور الأيام، وحتى بعد ثورة يوليو. وقاطعني «مبارك» بسؤال: هل كان الرئيس «عبد الناصر» يعرف ذلك ويقبل به؟!! قلت له: «جمال عبد الناصر» كان يحب «مصطفي النحاس» مثلا (رئيس الوفد) ويحترمه، وكان يرى مزايا كثيرة ل«فؤاد سراج الدين»، ويعتبره سياسيا ذكيا مجربا، حتى وإن اختلف معه» وتوقف «مبارك» للحظة مترددا ثم سأل: ولكن ألم يحدث أن الرئيس «جمال» اعتقل «النحاس» (باشا)؟!! وقلت: بالمعنى الحقيقي لم يعتقله، وإنما أصدر قرارا بتحديد إقامته في بيته، وكان ذلك سنة 1955، وفي الظروف الخطرة على الطريق إلى حرب السويس، وكانت المعلومات وقتها أن الإنجليز يبحثون عن حكومة بديلة لنظام 23 يوليو، وخشى «جمال عبد الناصر» أن يقوم أحد بتوريط «النحاس» (باشا) في حديث عن حكومة بديلة، خصوصا وأن المعلومات وقتها كانت أن المخابرات البريطانية M.I.6 تقترح إما «النحاس» (باشا)، وإما اللواء «محمد نجيب» لرئاسة حكومة يستطيعون الاتفاق معها، وأظنه أراد حماية «النحاس» (باشا) أكثر مما أراد الإساءة إليه، وأنا أعرف أن الأسلوب غريب فلا أحد يستطيع حماية رجل يحرص عليه بتحديد إقامته في بيته، لكن «جمال عبد الناصر» وفي الكلام معي أشار إلى هؤلاء الذين ورطوا «النحاس» (باشا) في حادثة 4 فبراير 1942)، وأتذكر إنني وقتها استأذنته أن أذهب قبل تطبيق القرار بتحديد إقامة «النحاس» (باشا) وأشرح له دواعيه، وأن «عبد الناصر» وافق، وذهبت إلى مقابلة «النحاس» (باشا) بالفعل. وكنت وما زلت حتى الآن على خلاف مع الأسلوب، رغم تفهمي لدوافعه». وقاطعنى «مبارك»: تريد أن تقول إن الرئيس «عبد الناصر» كان يحب «النحاس»؟!! واستطرد: «لا مؤاخذة الرئيس «أنور» قال لي إن «عبد الناصر» لم يكن يحب أحدا». وابتسمت وقلت: هذا رأى الرئيس «السادات» – بأثر رجعى كما يبدو لي، لأنه هو من وصفه في كتاب بأكمله ب «القلب الكبير الذى يتسع لحب كل الناس وللإنسانية كافة». وقاطعنى: «محمد» بيه أنا أحببت الرئيس «جمال» لا تنسى إنني أسميت أحد أبنائي على اسمه» وقلت: وكذلك فعل الرئيس «السادات» وسألني: هل أسميت أحدا من أبنائك باسم الرئيس «جمال»؟!! وأجبت بالنفي، بل اخترت لأبنائي أسماء عربية تقليدية وسهلة: «على» و«أحمد» و«حسن» وسألني الرئيس «مبارك»: «حيرتني علاقة الرئيسين «أنور» و«جمال» لماذا اختلفا معا أنت كنت شاهدا على العلاقات بينهما، وكنت قريبا من الاثنين، حتى وقعت الواقعة بينك وبين الرئيس «أنور». وقلت: «في علاقتي بالاثنين لم أعرف عن خلاف بينهما، ولم يكن هناك لا موضوع للخلاف ولا مجال لوقوعه، ف«أنور السادات» كان دائما وراء «جمال عبد الناصر»، مناصرا، متحمسا، وبعد رحيله 1970، وحتى بعد حرب أكتوبر 1973، وحين اختلفت معه وابتعدت فإن علاقته ب«عبد الناصر» كانت كما عهدتها، ثم بدأت بعد سنة 1974 أسمع من بعيد بالتلميح أولا وبالتصريح ثانيا عن خلاف كان، وعن مواقف وقع فيها هذا الخلاف «المزعوم» واستفحل، وفي البداية بدا لي ذلك غير مفهوم، أو حتى غير منطقي!!».
خلافات هيكل مع السادات وكيسنجر وتداعى هنا حديث حول العلاقات بين الرئيسين السابقين. وانتقل الرئيس «مبارك» من هنا إلى خلافي شخصيا مع الرئيس «أنور»، وقال: كثيرا ما أستغربت، فأنا أعرف أنك وقفت معه «جامد» في أول ولايته، ثم وقفت معه «أجمد» في معركة مراكز القوى مايو وكنا جميعا نعرف أنك موضع ثقته، وقد رأيت ذلك بنفسي في القيادة أثناء الحرب وأضاف: «أنه عرف إنني كاتب التوجه الإستراتيچي الذي صدر للمشير «أحمد إسماعيل» بتحديد أهداف حرب أكتوبر، وهذا في رأيه «قمة الثقة»، ولهذا فاجأه خلافي مع الرئيس حول فك الارتباط، لكنه لم يقرأ ما كتبت عنه هو يعرف أن الخلاف وقع، لكنه لا يعرف لماذا؟! ثم استدرك ضاحكا: «لا تزعل يا «محمد» بيه، إذا قلت لك إنني لم أكن أقرأ مقالاتك رغم «إنني أسمع أن كثيرين يقرأونها»، ولا أخفي عليك إنني كنت أمنع ضباط (الطيران) من قراءتها» وقلت بعفوية: «ياه... لعل السبب خير» قال: «ما كان يحدث أن مقالك «بصراحة» يُنشر في «الأهرام» يوم الجمعة، ثم يجيء الضباط يوم السبت وقد قرأوه، وكلهم متحفزون لمناقشته، وكثيرا ما كانوا «يتخانقون»، وأنا لا أريد في السلاح «خناقات» ولا سياسة!!». أضاف: «أما عنى أنا، فقد كنت لا أقرأ مقالاتك لأني عندما حاولت لم أفهم ماذا تريد أن تقول في نهاية المقال». بصراحة (على رأيك أضافها وهو مازال يبتسم «مقالك دائما ينتهي دون أن «نرسى على بر» ولا نعرف بعده نتيجة،"كونكليشن" قالها بالإنجليزية). وقلت: «سيادة الرئيس هناك مدرسة في الكتابة لا ترى أن ال"الكونكليشن" واجب الكاتب، وإنما واجبه: معلومات صحيحة، واجتهادات في التحليل واسعة، واختيارات في المسالك المتاحة للحل مفتوحة، ثم يكون للقارئ أن يختار ما يقنعه، بمعنى إنني لا أريد أن يكون ما أكتبه «مقفولا» على نتائج Conclusion «تعلِّبه»، وإنما أفضل أن أترك للقارئ حريته بمعنى أن تبدأ علاقته بالمقال بعد أن ينتهي من قراءته، وليس حين يهم بقراءته، لأن هدفي تحريضه على التفكير وهو يقرأ، ورجائي أن يصل بتفكيره إلى حيث يقتنع. وقال: «يا عم» ما الفائدة إذن أن يقرأ الناس «لكاتب كبير»؟! لابد أن «يرسيهم على بر». وقلت: أنا أريد للقارئ أن يرسو على «بره هو»، وليس على «برى أنا»، وعلق بابتسامة مرة أخرى قائلا: «يعنى عاوز تدوخ الناس يا أخى، قل لهم وريحهم».. واختصرت قائلا: «على أية حال فهناك مدارس متعددة في الكتابة!!». وعاد «مبارك» إلى سؤاله عن العلاقات بين الرئيس «السادات» وبيني فقال: «الغريب جدا إنني أحسست أن علاقته بك كانت "لوف هالت كومبليكس" قالها أيضا بالإنجليزية (عقدة محبة وكراهية في نفس الوقت) هو بالحق كان يتحدث كثيرا عنك بالتقدير، لكنه يأخذ عليك أنك تريد أن تفرض عليه رأيك». قلت مستغربا: «سيادة الرئيس كيف يمكن لصحفي أن يفرض رأيه على رئيس الدولة؟!!». رئيس الدولة عنده السلطة كلها وأدواتها تحت يده فكيف أستطيع أنا أو غيري من الكُتَّاب والصحفيين أن نفرض شيئا عليه؟! ربما يفرض عليه قائد جيش لديه سلاح، أو رئيس حزب لديه تنظيم، أو وزير داخلية عنده بوليس، أما الصحفي فلا يملك غير عرض وجهة نظره ولا أكثر، وهو يضعها أمام الرأي العام إما أن يأخذ بها أحد أو يعرض عنها، فتلك مسألة أخرى خارج قدرة أي صحفي!! ثم قلت: العكس هو الصحيح فيما أظن، فرئيس الدولة هو في العادة من يريد فرض رأيه على الصحفي، وهنا المشكلة!! أضفت بوضوح يجعل موقفي واضحا أمامه: «وفيما يتعلق بموقفي مع الرئيس «السادات»، فإنني لم أقتنع بما اتخذ من سياسات أثناء أكتوبر وبعدها عندما جاء «هنري كيسنجر» وأقنع «السادات» وتصرف الرئيس على أساس أن الولاياتالمتحدة تملك 99% من أوراق حل أزمة الشرق الأوسط، وأن «هنري كيسنجر» هو من يمسك بالقرار السياسي الأمريكي وكان لي رأى مختلف، وقد تمسكت به وفي ذهني أن الرئيس الأمريكي بنفسه أو بوزير خارجيته غير قادر على الفعل لأسباب كثيرة، حتى لو أراد، وفي الأوضاع الحالية فإن الإدارة الأمريكية في شلل بسبب ورطة الرئيس في فضيحة «ووترچيت» واستطردت: «ومن جانبي فلم أستطع غير التحفظ على هذه السياسة الجديدة، وقد عبَّرت عن أفكاري في أكثر من عشر مقالات ضايقت الرئيس «السادات»، واعتبر إنني بكتابتها أعرقل توجهاته، ومن هنا كان ضيقه. وفي هذا الموضع من الحديث قلت للرئيس إن ذلك الخلاف قصة طويلة، ولا أريد أن أضيع وقته فيها، لكنه طلب أن يسمع، واستدعى أحد سكرتيريه وأمره بتأجيل موعد كان لديه في الساعة العاشرة والنصف. في الحلقة القادمة: رسائل قصدت توجيهها إلي مبارك دون (خطب وعظية) ! ... أسامة الباز: (لا تتعب نفسك .. لن ينشئ وزارة لشئون الرئاسة .. ولن يعينني وزيراً لها) !